عن: الشيء المسمى قطر!

عادل سمارة

 

 لفهم هذا “الشيء المسمى ـــ قطر” تحتاج لبعض الهدوء، وبعض السخرية، وبعض اللوم على الطيبين في السياسة، وعلى الثوريين الذين لا يقفون في بعض الأحيان موقفاً حَدِّيا بأحد من حد السيف. لماذا؟

لأن قطر غريبة في كل شيء ولأننا لم نلتقط هذا الشيء الغريب  سوى متأخرين، وبعضنا لم يفعل بعد! هي اسمها “دولة قطر” وهذا تيمُّناً بالكيان “دولة إسرائيل” من يدري فالأب نفسه اي الاستعمار البريطاني. كانت قطر ربما الدولة الوحيدة التي حافظت على علاقة ما بالعراق بعد استعادة العراق للكويت يوم 2 آب 1990، مع أنها ارسلت دباباتها في تلك الواقعة لمساعدة السعودية ضد الجيش العراقي في الخفجى. كيف تفعل قطر الفعلتين المتناقضتين إن لم يكن هناك سراً!

عام 1996، أنشأت الجزيرة كمحطة جمعت بين امرين لافتين كل واحد منهما نقيض الآخر بالمطلق:

  • نقد الأنظمة العربية بشدة وهمروجة
  • إدخال الكيان الصهيوني إلى كل بيت عربي محمولاً على غلاف نقد الأنظمة وخاصة الراي والرأي الآخر.

وقطر هي الإمارة التي لم يتنبه كثيرون منا إلى انقلاب الإبن على أبيه، بل استخدام اميركا للإبن للانقلاب على ابيه. وإثر هذا الانقلاب، انطلق دور قطر مرتكزاً على الأمرين أعلاه. وإثر ذلك شاركت في مؤتمر الشرق الأوسط وشمال إفريقيا  والذي كان جوهره دمج الكيان في الوطن العربي اندماجاً مهيمناً، وإثر ذلك فتح مكتب للكيان في قطر هو أهم وأكثر فعلاً من سفارة وقنصلية، واستضافت المؤتمر نفسه. وحينما لم تجد منظمة التجارة العالمية بلداً بلا شعب يتظاهر ضد انعقادها، عقدت مؤتمرها في الدولة. وحينما حاول النظام السعودي امتصاص غضبة الشارع على الأميركيين وسعت قطر قاعدتي السيلية والعديد “لاستضافة” الجيوش الأميركية، وبالطبع  لم تبق حسب الخرائط المعلنة سوى قاعدة الأمير يلطان!!

ولأن قطر بلا سكان يكفون دورها أو لا يريدون الدور، وبسبب وجود القواعد الأميركية فيها، كان لا بد ان تحول نفسها إلى دولة طالما تدفق الريع عالياً إليها، فاستجلبت مرتزقة من مختلف بقاع العالم وأسكنتهم ليكونوا جيشها وهي ليست بحاجة لجيش فهي ليست مهددة بأحد، وإن حصل ففيها من الجند الأميركيين ما يزيد عن عدد سكانها، ناهيك أن جيوش الخليج لم تدافع عنه قط رغم شراء اسلحة بالتريليونات، بل تدافع عنه القواعد الغربية التي تتجاوز 24 قاعدة.

قطر قاعدة لمرتزقة من مختلف أنحاء العالم، هم الذين شاركوا في تدمير ليبيا. ما الفارق عن دور الكيان إذن؟ وهذا يذكرنا بالكيان الصهيوني في حرب 1948 حيث اعتمد على “المتطوعين الأجانب- الماخال”.  كان أول آمري سلاح البحرية واول فنيي الرادار، واول طيارين مقاتلين وقاذفين  واول جراحي العيون واول طبجيي المدفعية  الثقيلة  واول قادة الدبابات  واول قادة القوات البرية  من الماخال”(عادل سمارة الاقتصاد السياسي للصهيونية ، ص ص 96-98: 2008).

قناة الجزيرة غطت العدوان على العراق وحتى على لبنان 2006، وظهر هذا كما لو كان شغلا عظيماً! كان هذا فن العمل الإعلامي من جهة وهو الفن الذي لم يفقد بوصلة دور قطر وهو خدمة الكيان. لذا في عدوانه على غزة نقلت قطر رأي الصهاينة أكثر من رأي الفلسطينيين. لأن الدور الأساس للجزيرة وقطر هو التطبيع. وبين التطبيع والتغطية الإعلامية هنا أو هناك مسافة واسعة.

بالتمويل ملأت أفواه جميع أنواع الفلسطينيين من رام الله إلى غزة. فعقدت فيها المصالحة الملغومة، وكيف لا، ولا شك أن في الغرف الخلفية كان الصهاينة يقولون لحمد وحمد قل كذا وكذا. وحتى اليوم، لا يجرؤ أي فلسطيني في ما تسمى “الحكومة المقالة في غزة” ولا “حكومة تسيير الأعمال في رام الله” على النطق بحرف (ق) خشية أن يبدو نقدا لقطر! وهما أطول حكومات في التاريخ؟

وزير خارجية قطر قال للفلسطينيين عام 2000 إثر اجتياح القوات الصهيونية للمدن بأن لا خيار أمامكم سوى استجداء امريكا، وفي عام 2011 كانت قواته تحتل ليبيا! هل هي قوات قطرية؟

عام 1997 كان عدد سكان قطر بمن فيهم الأكثرية الأجنبية 552 ألف نسمة، وثلوا عام 2010 إلى 1,690,000 نسمة؟ ألا يذكرنا هذا التزايد الدرامي بدرامية الاستيطان الصهيوني؟ كيف لا؟ ففي بدايات الأفية الثالثة، اي تزامناً مع تزيد الاستجلاب غلى قطر أُستُجلب إلى الكيان منروسيا مليوم مستوطن، هل العقل الذي ورائهما واحداً؟ وهل ستكون قطر أو إسرائيل في الخليج ليس بالدور فقط بل بغير العرب كذلك؟ . كان عرب قطر يشكلون 44 % عام 1970 فأصبحوا يشكلون 12 بالمئة عام 2010 من سكان قطر. لماذا وما سبب هذا الاستجلاب؟

 لماذا تمت اقامة العمران الضخم كي يباع لسكان ليسوا عربا ولا يحتاجهم العمل وحصلوا على إقامات دائمة؟ ولماذا المستجلبين ليسواعرباً فالعمالة الوافدة 94 بالمئة من العمالة في قطر.

نصف عائدات النفط  والغاز القطري لا تدخل الميزانية في قطر؟ بل لا توجد احصائية لعائدات النفط والغاز اصلا”. (هذه من ورقة علي خليفة الكواري في المستقبل العربي العدد 393 نوفمبر 2011).  يبدي الكواري قلقه أن قطر غير قادرة على الدفاع عن نفسها ولذا تعتمد على قوى أجنبية! لكن قطر والخليج لا تعتبر هذه القوات أجنبية، بل قريباً سيصبح العرب هم الجانب هناك، وقد تكون أندلس جديدة، ونواجه تغريبة بني سعود وآل ثاني والصباح إلى بلاد الشام.  ترى هل وجود ميزانيتين واحدة معلنة وأخرى مخفية للسلطة الفلسطينية هو نسخاً عن قطر!

يبدو أن قطر تتجه نحو مصير حي بن يقظان على يد حمد بن يقظان. تحققت أمنية حي بن يقظان بأن يتحول كل ما يلمس إلى ذهب. حصل له ذلك، فكانت نهايته. هل كل هذا المال المتوفر لقطر وطريقة إدارته مختلفة عن حالة بن يقظان؟ لا اعتقد. على الأقل، فإن غير العرب سيقيموا دولتهم في قطر وغيرها وسنرى!