هل تكون تبرئة العملاء


مقدمة لمحاكمة المقاومين؟

ماري ناصيف الدبس*

 

بعد تحرير الشريط الحدودي المحتل في العام 2000، وما جرى من محاكمات لمئات العملاء الذين كرّموا وكوفئوا بالعفو أو بأحكام أقل ما يقال فيها إنها تفسح في المجال لارتكاب جريمة التعامل مع العدو من دون وازع، أطلقت صرخة عبر جريدة «السفير» تساءلت فيها هل إن العمالة يمكن أن تكون وجهة نظر فلا يحاسب الذين خانوا وقتلوا واعتدوا حسب اعترافات بعضهم على جثث المقاومات بعد قتلهن الا بالسجن لمدد تتراوح بين ثلاثة أشهر وسنة ونيّف؟
في كانون الأول الماضي 2011، واجهنا الوضع المزري نفسه عندما تقدّم بعض النواّب، وبموافقة من الأكثرية الحاكمة، باقتراح قانون يتيح عودة العملاء (ممن أطلقت عليهم صفة «لاجئين») الذين هربوا الى إسرائيل بعد التحرير… بحجّة الظروف الإنسانية… وإلا كنا متوحشين وعديمي الإحساس.
وقتذاك، أفردت وسائل الاعلام حيزا واسعا لتلك المسألة وكأنما هي مسألة نقاشية يمكن للمرء أن يطرح وجهة نظر تقول «أنا موافق» أو «أنا غير موافق» على العمالة. هكذا وبكل بساطة، الى حد رأينا وسمعنا احدى بنات العميل الموصوف اتيان صقر («أبو أرز») تتحدث عنه وكأنه قديس يحبّ وطنه لبنان ويوزّع المال على «الشباب» ولا يفرّق بين مسيحي ومسلم، كأنما مجرد الاهتمام بعملاء مسلمين يلغي صفة المسؤولية أو كأنما للعمالة انتماء لدين أو طائفة.
وهنا أيضا، اتضح لنا بما لا يدع مجالا للشك أن الاصرار على تجاوز مسألة العمالة، كما تم قبلها تجاوز قضية المخطوفين والمفقودين إبان الحرب الأهلية ومن هم وراءها، انما ينبع من محاولة محو ذاكرة اللبنانيين والافتئات على تاريخهم من خلال مساواة المقاوم بالعميل والجلاّد بالضحية والخاطف بالمخطوف والقاتل بالقتيل… وعفا الله عمّا مضى. اذ يجب علينا – كما قيل لي يومها «أن نبني المستقبل لا أن نتطلّع الى الماضي كون التطلع الى الوراء غير مفيد». ولذلك اتهمت يومها، ومعي الحزب الشيوعي، في مقابلة مع احدى الاذاعات المحلية، بأنني في التصديّ لمثل هذه الحلول المسماة زورا «انسانية» انما أسعى الى نكء الجراح، لا بل الى اثارة الغرائز، خاصة أن المطالبين بعودة العملاء وأسرهم أقرّوا للدولة اللبنانية بحق اجراء محاكمات عادلة (انتبهوا للكلمة) للمرتكبين.
واليوم أعود الى نقطة البداية لأقول إن الحكم الذي صدر بحق العميل فايز كرم ومن ثم إطلاق سراحه بعد «انتهاء مدة عقوبته بسبب تقصير السنة السجنية» يستفز كل وطني شريف، حتى لا أحصر مسألة الاستفزاز بالمقاومين الأبطال وعائلات الشهداء منهم.
يتضاعف الاستفزاز من خلال الطريقة التي تعاطت بها بعض وسائل الاعلام واللهفة التي ميّزت صوت هذه المذيعة أو ذاك المذيع وهو يسأل «هل بان فايز كرم؟» أو وهو (هي) يروي (تروي) الفرحة المرتسمة على محيّا زوجته وأقاربه… ويحس المقاوم بالظلم الأبدي وهو ينظر الى محطات التلفزة في وطنه وهي تعطي كل هذه المساحة الاعلامية لتضيء درب عميل يرفع يده بالتحية الى من؟ أإلى الذين على صورته ومثاله ليقول لهم «لا تخافوا، لن يطالكم عقاب كبير»؟ أم تراه يشير الى الذين واجهوا اسرائيل وما زالوا، مهددا متوعدا؟… بينما صمّ أصحاب الشأن آذانهم حتى الآن عن الاقتراحات المطالبة بإدخال المقاومة في كتب التاريخ وبتكريم الذين ذادوا بأرواحهم عن حياض الوطن.
ماذا سيقال لنا اليوم؟ هل سيعدوّن كلامنا في الوطنية ومقاومة الاحتلال والعدوان جريمة ويطالبوننا بالسكوت عن الجريمة الفعلية؟
لا. لن نسكت عن مثل هذه الجرائم التي لا علاقة للعدل والعدالة بها، وإن يكن الحكم جاء تحت ميزانها.
لا. يا رفيق «فهد». لن نسمح بأن يحيلوك أنت و«مازن» و«عمر» و«أمين» الى المحاكمة بتهمة مقاومة الصهاينة وعملائهم. لقد رفعنا في العام 1982 شعار «جمول» ابنة «الحرس الشعبي» و«قوات الأنصار» وقلنا يومها إننا سنحرر كل شبر من تراب الوطن… وما زلنا على العهد الذين قطعناه.

:::::

  • قيادية في الحزب الشيوعي وناشطة في الحقلين المدني والتربوي