مصر… من ربيع الثورة إلى خريف عمر سليمان !

عبداللطيف مهنا

 

لم تحتج قوى الثورة المضادة في الساحة المصرية لأكثر قليلاً من عامٍ لتحوِّل ربيع ثورة 25 يناير التغييري الموعود خريفاً. ليس ثمة ما يمكنه أن يسجِّل لها مثل هذا الإنجاز أكثر من ترشُّح نائب الرئيس الذي أطاحت بة الثورة، ورئيس إستخباراته لما يقارب العقدين، عمر سليمان، للرئاسة. كانت مفارقة مجلجلة  بيد أنها ليست سوى النتيجة الموضوعية لأمرين إثنين:

الأول : مسارعة تحالف هذه القوى المتضررة من هبوب رياح التغيير، لمحاولة إحتواء الثورة، بالتضحية برأس النظام الذي هب الشعب المصري لإسقاطه وضحَّى لإزاحـته بدماء خيرة شبابه، وتسليم السلطة إلى عسكر المخلوع ممثلين في جنرالاته المقربين، أو ماعرف بالمجلس العسكري للقوات المسلحة برئاسة وزير دفاعه. وحيث قدم هؤلاء الاوصياء على الثورة دون إذن منها أنفسهم على أنهم حماتها، أحكموا قبضتهم على السلطة، بامتلاكهم لسلطات الرئيس التي لم تكن لتقل، وفق الدستورالمعمول به، إلا قليلاً عن سلطات فرعون مصري غابر، وبالتالي حماية إستمرارية النظام على حساب الثورة التي ما إندلعت إلا بهدف الفكاك منه والخلاص من ربقة اوزاره.

من البدء لم يهدرالأوصياء وقتهم فكان سلاحهم الممتشق في المهمة الموكولة لهم هو إهدار زمن الثورة بعرقلة إستحقاقاتها، واستنزاف زخمها ببث الفرقة بين قواها وتشويه شبابها ومغازلة راكبي أمواجها، وصولاً إلى السعي لفل إرادة جماهيرها وتيئيسها، بل  تكفيرقطاعات شعبية لايستهان بها بجدوى ماتقدمه من تضحيات في سبيل تحقيق أهدافها، ذلك بإ فتعال المشاكل التي من أهمها ، الإنفلات الأمني المبرمج، والأقتصادية، التي زاد من تفاقمها المفتعل في جزءٍ منه من زيادة حرمانانها بهدف تحريضها على الثورة.

لقد نجح متعهدو الثورة المضادة في لبوس حماة الثورة من إستدراج النخب المصرية وجرها إلى متاهاتٍ من التفاصيل التي أبعدتها عن الأهداف أوالمبادىء الأساسية للثورة، والتي في مقدمتها إسقاط نظام مبارك بكامله واقتلاعه من جذوره نهائياً، وتمكنوا بذلك من دفعها الى التخبط في لجةٍ من المماحكات والمزايدات التي أسهمت في إضاعة البوصلة لدى عديد أطرافها، لدرجة الجنوح إلى شركين قاتلين هما: إما ألإستقواء  بقط العسكر للحصول على نصيبٍ من جبنة السلطة، أو شبهة التورط في عقد الصفقات من تحت الطاولة معه للإستفراد بها. ومن أسفٍ أن مثل هذا المسار المبيَّت ماكان بخاف الإستهدافات بالنسبة لتلك الأطراف المستدرجة، وكانت تدرك أن من شأنه أن يعطى قوى الثورة المضادة الوقت لتجميع صفوف فلولها وتشديد قبضتها التي لم تتراخ أصلاً على السلطة، وصولاً الى اليوم الذي تتجرأ فيه رموز من أركان النظام المنشود إسقاطه، من مثل الجنرالين عمر سليمان وأحمد شفيق، على الترشُّح لخلافة مبارك، الذي يؤمن المصريون جميعاً بأنه إذ غادرالسلطة فإن نظامه لم يغادر مصر بعد وتتوالى جهود داخليةٍ وخارجيةٍ لتأبيده فيها.

لقد كان لمثل هكذا نتائج ماكان المعروف من مقدماتها، أو ما درج أغلب المصريين على وصفه، تخفيفاً أو مواربةً، بأخطاء المجلس العسكري، تلك التي ماكان له أن يرتكبها جزافاً ودونما قصد أونيةٍ مسبقةٍ، من مثل، إعتماد أسلوب التلكوء وإعاقة إستحقاقات الثورة، وإصداره للإعلان الدستوري ذي الغموض المثير للجدل، والذي فتح الباب عل مصراعية لكل ماتلاه من جاري اللغط القانوني الذي تتخبط فيه مصر الآن مع نخبها، بالإضافة إلى رعاية مهزلة التناحر بين الإسلاميين والعلمانيين التي لا تصب حصيلة طاحونتها إلا في صالح العسكر ولا يذهب حصادها إلا لىبيدر الثورة المضادة وحليفها الخارجي المتربص الدائم. ومامن شكٍ في ان الخلاف في معسكر الثورة حول الدستور أولاً أم لاحقاً، والذي إنتهى بفضلٍ من توافق الإسلاميين مع العسكر الى لاحقا، هو من مهَّد الطريق للوقوع في حبائل عتيد هذا الإعلان الدستوري المستفتى عليه، والذي بات يتحكم الآن في راهن الحراك المصري ويسهم في قوننة محاولات حرفه، ولعلهم اليوم من باتوا يستشعرون أكثر من سواهم أنهم في عداد ضحاياه، وبالتالي كان وراء إستصدارههم المتأخرمن مجلس الشعب لتعديل قانون “ممارسة الحقوق االسياسية” بغية الحؤول بين مرشحي الفلول والعودة لتسنم المراكز الأولى في سدة حكم مصر المستقبل وإلقائهم به في ملعب العسكر، ثم هاهم قد عادوا، ووحدهم في هذه المرة، الى ميادين التحرير تحت شعار”جمعة حماية الثورة” بعد أن فاجأتهم واستفزتهم إطلالة عمر سليمان الإنتخابية.

الثاني: أسهم تهالك وفرقة النخبة المصرية وأحزابها المدجنة على إختلاف مشاربها اللبرالية واليسارية التي أخذتها الثورة على حين غرة فالتحقت بها، وكذا الإسلاميين الذين بفضلها باتوا على مشارف السلطة، إلى إيصال الأمور إلى ماوصلت اليه بالإسهام في عزل شباب الثورة وإخراجهم من المعادلة، وبالتالي إلى حيث لم تعد المسألة مسألة تغييرٍ جذريٍ وشاملٍ وإنما مزاد توافقات بين المتصدرين لمشهد الثورة والوكلاء الحصريين لقوى الثورة المضادة. وكان ضعف البعد القومي وغياب الموقف الواضح من  جبهة أعداء مصر والأمة العربية وفي المقدمة منهم العدو الأول الولايات المتحدة وميوعته بالنسبة إلى اتفاقية كامب ديفد وقضية قضايا الأمة في فلسطين، من بين العوامل التي أسهمت في غموض الفرز واختلاط الإصطفافات وتسهيل عملية سرقة الثورة من ثوارها وإتاحة الفرص لتواصل مسيرة جهاضها. لقد إنعكس هذا في البلبلة التي إتسمت بها المواقف أزاء الهجوم الشعبي على سفارة العدو في القاهرة بعيد عدوانه الدموي السافرعلى حرَّاس الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة، والذي وصل بعضها حد توصيف بعض الكتاب اللبراليين المحسوبين على الثورة لهذا الرد الشعبي بالمؤامرة، وكذا الملاحظ من تهرُّب كافة مرشحي الرئاسة من مقاربة مثل هذه المشارإليها من المسائل الجوهرية إسترضاءً أوتحييداً، وفق ظنهم، للعدو الأول…في مصر مهما كانت التفاصيل يظل الصراع القائم هو بين الثورة والثورة المضادة، ومهما كانت التطورات، وطالت ام قصرت، لن يحسم في نهاية المطاف إلا لصالح التغيير الذي لاراد له…مايجري في مصر يهم كل عربي لأنه جزء من معركة الأمة ومستقبل أجيالها.