عصافير الحناء

أحمد حسين

أين ذهبتن يا خفيفات الظلال

لم أعد أراكن عبر زجاج النافذة

تندفعن كفتات العواصف البعيدة

من خفايا الأمكنة المطرودة من التراب ؟

 

عبوركن المائي

إلى حافة السياج الربيعية

خفقات نوافير  نائمة

 يوقظها بكاء العطش

على نافذة صيفية وحيدة

لمساء بعيد

القلب وحده يعرف مكانها .

 

 يا مُحنّيات الصدور

بدماء القصيدة !

احملن رسائل الشعراء

إلى أمهاتهم ،

النساء اللواتي يرتدين ملابس السكون

فى حدائق الغياب ،

ما زلن يطلقن التهاويم

إلى نوم أطفالهن المحتضرين

على أسرة الشيخوخة

عصافير حناء ،

 

الموتى يبعثون الرسائل ولا يتلقونها

لأن العصافير التي تحمل الرسائل

لا تعود إليهم أبدا .

 

من الأكثر يا ترى

أزقة الحزن أم شوارع الفرح

أم الساحات الفارغة ؟

من أكثر ؟

الذين في البيت

أم الذين غادروه ؟

ما الفرق

ما دام الصفر

هو العدد الوحيد ؟

 

أية لعبة هذه !

من  هو صاحب هذا المقصف الليلي

المؤدي إلى الباب

ومن صاحب هذا الشارع

الذي ينتظر السابلة أمام  المقصف

كحافلة تنتظر المسافرين ؟

ومن هم هؤلاء

الذين يحملقون في الروزنامات

على الرصيف المقابل

ويعدون كؤوس الخمر

وفناجين القهوة

ويضحكون بدون فرح ؟

 

نحن لسنا أصحاب المهزلة

نحن أصحاب المسرح

سندك أنف السراب بسنابك الخيل

لنحوله إلى تراب

وسنواصل كتابة القصائد

وقراءة رسائل الحناء

على صدور العصافير.

 

لا يوجد في الدنيا فرح كاذب

 ولا حزن كاذب

إنه الرنين المعلق في عنق الجرس

الذي كان الحوذي يعلقه فوق رأسه

في ساحة الحناطير .

الأجراس لا تكذب أبدا .

 

أيها السادة !

لا تصدقوا سوى الشعر

هذا العالم أجمل من الحقيقة بكثير

نحن لم نأت هنا لنعرف من نحن

أو ليكتبوا على جلودنا الأسماء والعناوين

من يتذكر اسم أمه حين يراها ؟

أتينا لنبحث عن العسل الذي لا يؤكل

وعن الخمرة التي لا تشرب

أتينا لنرتجل العواصف

علي شتاء يتجدد أبدا .

أتينا لنحب النساء

ونقدم لهن هدايا الذاكرة

التي يصنعن منها التنهدات الجميلة

لإطار النافذة .

 

أتينا لتكون الزهرة أجمل

والنساء أجمل

وحيفا أجمل

ونحن أيضا أجمل .

 

وفي النهاية

الزهرة أجمل من صورتها

من يدري من أين أتت

هل يعرف أحد أسرار التراب كلها

أو عدد الأصص التي تسكنها الحكايات ؟

هكذا تولد الملاحم من كبرياء البشر

ليمشوا فيها سيرا على أقدامهم

 إلى النهاية:

لم نعبد نحن هذه الطريق

ولكننا نسير فيها بأقدامنا نحن

بدموعنا نحن

يضحكاتنا نحن

ما هي الطرق

لولا الحزن والفرح ؟

ومن غير الشعراء

سمع الحجارة  في ساحة الحناطير

تتكلم بكل اللغات

مثل عصافير الحناء ؟