في رام الله المحتلة
يسر كنعان أن تفتح وتخصص هذا الركن لنشاطات وكتابات وتعليقات المنتدى الثقافي العربي في رام الله المحتلة، وهو منطقة حرة للمنتدى وكتّابه لا تتدخل هيئة تحرير “كنعان” فيها بأي شكل كان.
الاختراق: تطبيع فقهي وفلسفي
من فيلسوف الشام إلى مفتي مصر
الحلقة الأولى
عادل سمارة
التطبيع أقدم مِن خلق الكيان!!!
صحيح أن الحركة الوطنية في مصر هي التي أسست لمناهضة التطبيع بعد اتفاق كامب ديفيد، وهذا يؤكد أن التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية المكتملة هي الأقدر على التقاط التطورات وتطويعها ومواجهتها، اقصد اقدر من التشكيلات المتشظية او شظايا التشكيلات، اي حال الأرض المحتلة أو الأردن، فما بالك بقطر وأبو ظبي…الخ. ولكن التطبيع ذاته سابق على اتفاق كامب ديفيد بعقود مما جعل المبادرة المصرية في مناهضة التطبيع، على عظمتها، متأخرة مقارنة مع الاختراق المبكر الذي حققه النظام الراسمالي العالمي في الوطن قبل 1916 بكثير، لكن هذا التاريخ هو تاريخ التحقُّق المبرمج كخطة.
لقد بدأت كتابي “التطبيع يسري في دمكِ” بالتوضيح ان التطبيع بدأ مع قبول عرب باتفاق سايكس-بيكو بما هو تطبيع مع المركز الراسمالي الغربي الذي استعمر الوطن واجتزأ فلسطين، وهو تطبيع من كل عربي تعاطى مع الأنظمة المتولدة من رحم اتفاق سايكس –بيكو. وعليه، يكون التطبيع مع الكيان الصهيوني هو الدرجة الثالثة والثمرة الكبرى للتطبيعين السابقين. هذا إذا قررنا لغة النسف والتجذير. هذا مع وجوب التذكير أن ما هو مقتطع من الوطن العربي لم تكن فلسطين بدايته ولا نهايته، فالإسكندرون، والأهواز وسبتة ومليليية سابقاً، وليبيا وكركوك حالياً، هي شواهد. إنما فارق حالة فلسطين في عملية الاستعمار الاستيطاني والطرد الشامل وفي كون الكيان استثماراً استراتيجيا للمركز في الوطن العربي، ومن هنا فإن التطبيع مع الكيان هو قرار خياني بملىء المعنى وإطلاقه.
تدرُّج إسقاط محظور التطبيع
نُدرج بتكثيف هنا درجات إسقاط محظور التطبيع بما هو فِعل لعب الدور الأساس في تقويض المشروع النهضوي العربي، سواء التقطنا ذلك أم جهلناه:
أولاً: التطبيع العربي الحكوماتي الأول:
في السباق بين آل سعود والهاشميين على نيل حُظوة الحكم قدم عبد العزيز آل سعود تعهداً خطياً للاستعمار البريطاني عام 1918 بأن يسهل إقامة دولة لليهود في فلسطين، وفعل الشيء نفسه الأمير فيصل بن الحسين عام 1918 في مؤتمر صلح الإمبرياليين أي مؤتمر تآخي لصوص الغرب. ومن حينها أصبح كل نظام عربي مرتبط بالاستعمار هو معترف بالكيان مباشرة أو مداورة. والمهم، أن هذا قد تم تمريره والصمت عليه ليصبح أمراً عادياً. فلماذا يفاجىء الكثيرون اليوم بمجيىء مفتى مصر أو فيلسوف فلسطينيي الشام إلى الكيان؟
ثانياً: تطبيع الدين السياسي الإسلامي:
تم هذا بداية من تركيا وإيران (الشاه) وهما دولتان إسلاميتان حيث اعترفتا بالكيان الصهيوني فوراً واقامتا معه أمتن العلاقات وخاصة تركيا التي ما تزال تحتفظ بعلاقات عسكرية وأمنية مع الكيان، بينما ترشي العرب بحركة مسرحية قام بها اردوغان في اعتراض على حديث شمعون بيرس، بينما الجسر الجوي العسكري بين الطرفين هو الأساس. وجميعنا لم نلحظ هذا واغتبطنا بقدرة أردوغان التمثيلية. وحتى اللحظة، لم نصل إلى وجوب مقاطعة المنتجات التركية لأن أرباحها تذهب للكيان في التحليل الاقتصادي الأخير. ورغم الأهمية القصوى لإسقاط نظام الشاه إلا أن الإسلام الوهابي والمطبعين الفلسطينيين والعرب بتنوعاتهم شبه العلمانية وشبه الوطنية يقفون موقف العداء من دور إيران في فلسطين مما يؤكد انتمائهم التطبيعي الذي يغلفوه بالغام طائفية يشكل استحضارها غيقاظاً للفتنة وعودة لماضٍ متخلف.
ثالثاً: التطبيع الرسمي العربي الثاني:
كان ذلك بقيام السادات بزيارة الكيان والاعتراف به على ارض فلسطين. ولا تكمن خطورة هذا فقط بإخراج مصر من الصف العربي بل كذلك في قيام نظام حكم قُطري بالتفريط بقطر عربي آخر لصالح الكيان الصهيوني. ثم تمثلت المشكلة تجاه هذا الافتئات والتنازل الرسمي المصري في تمرير الأنظمة العربية والعديد من القوى السياسية لهذا الأمر والعودة للتعاطي مع النظام المصري كما لو أنه لم يقم بهذه الطعنة والخيانة. لقد أدى استدخال هزيمة هذا النظام إلى استدخال قوى الدين السياسي في مصر لهذه الهزيمة وهو ما نراه اليوم في تملُّصات قيادات الإخوان والسلفيين من التصدي لاتفاق كامب ديفيد. وبالطبع يفيد هذا بأن المصالح الطبقية/السياسية ووصول السلطة لتعميق هذه المصالح التي جوهرها التراكم، هي أهم من الوطن. وهذا يبين ان الدين حمَّال اوجه كما قال الإمام علي، وبالتالي لا بد من فصل السياسة عن الدين كي لا تتم التضحية بمصالح الشعب بأغلفة دينية. إن ما لم يردع الشاه ومندريس وأردوغان لن يردع خيرت الشاطر ولا العوا، ولا الغنوشي…الخ على المؤمنين مسيحيين ومسلمين أن يستخدموا رؤوسهم ليعرفوا أن رجل الدين هو في النهاية إذا لعب في السياسة فهو سياسي وطبقي وفردي ومصلحي وليس ممثلا للدين.
رابعاً: التطبيع الفلسطيني:
لا يختلف التطبيع الفلسطيني من حيث القِدم عن سيده العربي. أما رسمياً وعلانية فبدأ مع التعاطي مع كامب ديفيد وانتهى بتقليد كامب ديفيد حيث جرى تطبيق إعادة الانتشار في سيناء على الضفة والقطاع.
لعل الدرس المستفاد من هذه الألوان من التطبيع هو في شقين:
الأول: ان لا نُفاجأ كلما أخرج الكيان والإمبريالية واللبرالية، أو جامعهم الأكبر اي راس المال، من جعبته سهما تطبيعياً ورمانا به.
والثاني: أن ” ولا تهونوا ولا تحزنوا فأنتم الأعلون” لأن العبرة في المكانة وليست في المكان.
لا يأتي المطبعون إلا باحتضان مختلف الأنظمة الرسمية لهم بمن فيها الكيان الذي يحرسهم. تذكروا معي، حينما عُقد مؤتمر بيت لحم للاستثمار وضع الكيان على مدخل المدينة يافطة تقول: جيش الدفاع الإسرائيلي يرحب بكم. اي يحرسكم من الناس! . فعلام نعاتبهم، وعلام نحسدهم؟ فلا الأنظمة تمثل الشعب، ولا الكيان صاحب حق.