الدوافع الحقيقية للتصعيدات البرزانية الاخيرة ضد حكومة المالكي!

جمال محمد تقي

موضوع الهاشمي هامشي بالنسبة لما يجري من تصعيد برزاني غير مسبوق بالضد من نهج المالكي شخصيا، اما مطالب العراقية المنصوص عليها في اتفاقية اربيل والتي لم تنفذ حتى الان فامرها ليس بجديد وقد مضى عليها حوالي سنتين، والبرزاني لم يطرح نفسه خلال تلك الفترة كوصي على تنفيذ بنودها، خاصة تلك المتعلقة بالقوى غير الكردية، فلكل طرف مسعاه الخاص، لاسيما وان اغلب المطالب الكردستانية المثبتة في الاتفاقية ذاتها قد طبقت بالتمام والكمال، فالتحالف الكردستاني نال كل حصته من السلطة ومن دون تأخير، وما كان مزمنا قبل المالكي بقي على حاله كما كان، وبتقبل اضطراري من الطرفين، فتسوية حقيقية لمشكلة المناطق المتنازع عليها امر لا يخدم الطرفين حتى لو طبقت بنود الفقرة 140 الواردة في الدستور بنزاهة، وكلا الطرفين غير قادرين على هذا التطبيق، والمالكي لم يتخذ اي اجراءات تذكر لوضع حد للتغول الكردي في تلك المناطق خاصة كركوك وخانقين التي اصبحت عمليا تابعة لكردستان امنيا، والامثلة كثيرة على اختيار المالكي لطريق المهادنة في تعامله مع التجاوزات البرزانية، ففي كركوك اصدر المالكي امرا بنشر فرقة لمكافحة الارهاب فيها، ورفض القرار من قبل المحافظ الذي يتلقى الاوامر من حكومة الاقليم وهدد هذا المحافظ باستدعاء قوات من الاقليم لطرد هذه الفرقة، المالكي لم يصعد الامر، لفلفه، باستخدام الفرقة على تخوم محافظة صلاح الدين، وفي خانقين اصدر المالكي امرا بانزال العلم الكردي من على المباني الحكومية، لان القضاء لا يتبع اداريا لاقليم كردستان، رفض القرار من المسؤلين في القضاء لتبعيتهم المباشرة لسلطة الاقليم، سكت المالكي ولم يحرك ساكنا!

حتى بروتوكوليا فان المالكي يجاري نزعات البرزاني الاستعراضية ولا يحتج عليها، وتجاوز الامر حدوده حين وصل الى اقرار برلمان اقليم كردستان لدستور يناقض الدستور الاتحادي، ولم يثر ذلك ايضا حفيظة الحكومة المركزية!

المشكلة الحقيقية بدأت عندما رأت حكومة المالكي ان الثروة النفطية والغازية في العراق مهددة بالاستنزاف الاستقطاعي والذي يمهد لحرمان حكومة المركز من سر قوتها الوحيد بعد ان حرمت كتحصيل حاصل من مصادر القوة الاخرى، كالتفرد بالقوة المسلحة وقوة القانون الممركز، فالاتفاقات التي تعقد اليوم بين حكومة البرزاني مع شركات نفطية عملاقة من مصلحتها التعامل مع دول مكرسكوبية سيكون لها تأثير طويل الامد على حاضر ومستقبل النظام الجديد برمته ولاكثر من عشرين سنة قادمة، الصفقات تعطي لحكومة الاقليم ما يجعلها مستقلة شكلا ومضمونا عن حكومة المركز، والعائدات  ستغول دعوات الفدرلة والاقلمة وستجعلها قادرة على فرض نفسها، وبلورة كيانات مستقلة مستندة على الدفع الاحتكاري الدولي، وبهذا الاتجاه تسير الامور وبما يناقض الدستور الاتحادي ذاته، حيث ينص صراحة على ان الثروة النفطية والغازية هي من اختصاصات الحكومة المركزية، اي ان هذه الكيانات نفسها ستعمل على تغيير الدستور نفسه وبما يلبي سيرها هذا وهي لا تتوانى عن وضع دساتير استقطاعية تغري اهالي اقاليمها بسراب الرخاء القادم!

اتفقت حكومة المالكي على استيعاب حالة وجود ابار نفطية منتجة تحت اشراف حكومة كردستان، ووفرت ما ييسر ضمها للانتاج الاتحادي عبر تصديرها رسميا عبر الانبوب الاتحادي وتعويض حكومة الاقليم عن اصول استثماراتها بجزء من العوائد التي تخصص للاقليم من خلال رفع حصته من الميزانية العامة، وفعلا جرى رفع حصة الاقليم من 13 بالمئة الى 17 بالمئة، وجرى ربط ما تنتجه حقول الاقليم  بالانبوب الاتحادي المنطلق شمالا باتجاه ميناء جيهان التركي، واعلن على ان تكون وزارة النفط وحدها المسؤولة عن اي عقود جديدة!

لقد تعاملت حكومة الاقليم بانتقائية مع مقررات الحكومة المركزية، فهي استجابت للجزء الخاص بربط انتاج حقولها بالانبوب الاتحادي مقابل النسبة الجديدة المقررة لميزانية الاقليم، لكنها لم تطبق الجزء المتبقي الخاص بالتوقف عن ابرام العقود الجديدة مع الشركات النفطية لاعمال التنقيب والاستخراج او توسعة الحقول المنتجة حاليا، واحالة الحالة برمتها للتشاور مع وزارة النفط العراقية فهي المسؤولة الحصرية عن ابرام العقود النفطية، ومن هنا اشتعل صراع مرير للارادات، فحكومة الاقليم راحت تعقد الاتفاقات ومن دون حساب وبمواصفات رديئة ومضرة بمصالح الاطراف العراقية، مما دفع حكومة المركز الى الاعلان عن عدم اعترافها بتلك العقود، ومطالبة الشركات النفطية بالغاء تلك العقود، مقابل حصولها على عقود خدمة جاهزة جنوب العراق!

ان سر رفض حكومة الاقليم معروف ومألوف ايضا، فاشراف وزارة النفط العراقية على حقول وعقود الاقليم سيحد من ابتزاز البرزاني وحزبه لريع الاقليم النفطي، لان كمية المنتج سيكون معروفا وكذلك المصدر منه  والمهرب والمكرر ولحساب من، هذا اضافة الى كون استقلال الاقليم بنفطه سيجعله جاهزا ليكون وكرا للشركات العملاقة التي ستدعم توجهاته الانفصالية!

لقد نجحت حكومة المركز نسبيا بعرقلة مفعول اغلب العقود النفطية الجديدة وخاصة تلك التي كان يعول عليها البرزاني واهمها على الاطلاق عقد شركة أكسون موبيل الامريكية، ومازاد من غضبته، ان الشركة المذكورة قد وعدت الحكومة العراقية بتجميد عقودها مع البرزاني، لذلك كانت زيارته الاخيرة الى واشنطن نفطية بالدرجة الاولى فهو قد وعد الشركة بما لاتستحق، وتحركت معه وساطاته المعروفة باسرائيليتها، صحيح ان الامريكان ليسوا بمعرض تبني ما يسعى له البرزاني بحكم مصالحهم الملحة مع الاطراف المتنفذة الاخرى، لكن الصحيح ايضا انهم غير مستعدين للتضحية ببؤرة مضمونة في تبعيتها، نعم قد يبطئون من اندفاعتها  لكنهم يغذوها حتى يوم الذبح العظيم!

فشل البرزاني بالضغط على المركز بواسطة ايقاف ضخ نفط حقول الاقليم عبر الانبوب الاتحادي، كما فشل في تأليب فوري للموقف الامريكي تجاه حكومة المنطقة الخضراء، وفشل ايضا في محاولته للتشويش على انعقاد مؤتمر القمة العربية، ولم ينجح حتى الان باقامة حلف قادر على سحب الثقة عن حكومة المالكي، فالاوضاع ليست كما كانت ايام الجعفري، والامريكان لا يريدون خسارة بغداد بعد انسحاب قواتهم منها، خاصة وانهم مقدمون على مواجهة جديدة في المنطقة تتطلب جر او تحييد كل المؤثرين.

البرزاني يتماهى بخفة مع الحلف التركي الخليجي الامريكي للنيل من النظام في سوريا على امل فتح ابواب المنطقة على جغرافية جديدة تسهل تحقيق حلمه باقامة دولة برزانية على رقعة غير معلبة بالحدود القائمة،  تاركا مهمة ترطيب العلاقة مع ايران وتوابعها في العراق لزميله اللدود الطالباني!

مسلسل الفشل هذا جعله مستفزا وهجوميا اكثر مما هو متوقع، خاصة وانه يريد التغطية على انتقادات معارضيه في الاقليم والذين يطالبوه بالكشف عن واردات الاقليم وتحديدا النفطية منها، واوجه صرفها، لاسيما وان برنامج جولته الاخيرة كان حافلا بترتيب شؤون حساباته البنكية بين المانيا وسويسرا والتي تقدر موجوداتها باكثر من عشرة مليارات دولار!

اخر طرقات البرزاني كانت تلويحاته المكرر باعلان الانفصال او بصيغة اخف اجراء استفتاء على حق تقرير المصير في حالة استمرار العرقلة التي تسببها حكومة بغداد لصفقات النفط البرزانية، مكررا تناقضه مع نفسه،  فمن ناحية كان يقول لبعض المطالبين بالاستقلال، ان الشعب الكردي اختار الاتحاد ضمن عراق فدرالي، وهذا الاختيار هو ترجمة لحقه في تقرير مصيره، ومن ناحية اخرى يقول ان شعبنا الكردي تواق لاقامة دولته المستقلة.

انه وفي قرارة نفسه يدرك بان انفصاله الان وفي ظل التوازنات الاقليمية القائمة، لن يكون مفيدا له وللمستثمرين في تسمينه، انه وبمنزلته بين المنزلتين، يحقق ارباحا مضاعفة لو قورنت بارباح وخسائر الاستقلال الموعود.

ثلاثي غير مقدس يهندس لاغا كردستان ويرسم له خطة خارطة طريق الدولة المطلوبة، مستفيدا من ثراء نزعته النرجسية وبرغماتيته الطاغية، ثلاثي تصب مكوناته بمصبات بعضها البعض، حلف شركات النفط الاحتكارية وشركات السلاح واسرائيل!