جمال محمد تقي
العراق يموت عطشا وتلوثا واضمحلالا ، وديكة الحكم في العراق مازالت تتصارع على مغانم السلطة غير الدائمة في عراق لا يبدو انه دائم البقاء ، مادامت انهاره تغير مجراها وهي مكرهة !
تزداد حمى الصراعات المستدامة بين اطراف العملية السياسية الامريكية في العراق مع تواتر ما يغذيها اقليميا ودوليا ، فالحجيج الى دول الجوار صار في صميم اللعبة السياسية المقزمة في العراق ، وهي اسيرة للاستقطاب السياسي الطائفي الجاري في عموم المنطقة ، البرزاني والهاشمي وقبلهم علاوي ، يعمرون كل فصل في ربوع ال عثمان قادة مشروع الربيع السني بالتحالف مع دول الخليج المرخصة امريكيا ، والمالكي والجعفري ومن والاهم يحجون الى مرجعية الاستقطاب الشيعي المحاصر في قم وطهران !
بعد اتمام عملية انسحاب قوات الاحتلال الامريكي المباشر من العراق بداية العام الحالي والتي افرزت عمليا حالة اندغام في ادوار الراعي الرسمي لحلبة الصراع المقيدة بالشروط الاحتلالية ذاتها مع الدور غير الرسمي او غير المباشر لهذا الراعي المتواجد ميدانيا في الحلبة بصفة شريك استراتيجي بحسب اتفاقية الاطار المبرمة بين الحكومتين العراقية والامريكية ، فالحلبة وقواعد دخولها مؤسسة بسجية متوالية للعملية السياسية المستخلفة ، والتي تركت لمسارات دفعها الذاتي غير المقيد الا بمرجعية اصولها المفخخة اصلا !
ديكة الحكم في العراق امراء تقليديون وشموليون وهم ليسوا بزعماء سياسيون وطنيون ، فلكل منهم إمارة مكوناتية طائفية او اثنية او مناطقية ، وكلما لاحت مخاطر تسيد احدهم على الاخر وبنفس آليات حلبة الصراع المقررة سلفا فان الاخرين يتشبثون بحبل مكونهم ، وان وجدوه مرتخيا شدوه لتتواصل الجولات حتى اشعار اخر!
في عرف المالكي لكل ديك ملف عنده يهدده به اوقات الزنقة ، لا يهم ان كانت التهم جنح او جنايات او قضايا ارهاب اوحب شباب ، المالكي وبعضمة لسانه قال انه يملك ملف حول الهاشمي منذ مايقارب الثلاث سنوات ، وهكذا الحال بالنسبة للمطلك ، والاخير كان قد اجتث ثم اعيد الاعتبار اليه كنائب لدولة رئيس الوزراء ، وكان ذنب المطلك الجديد المضاف الى ملفه القديم انه قد اعترض على التعسف الطائفي لوزير التعليم العالي علي الاديب مع المئات من اعضاء الاسرة التعليمية الذين يمتازون بالخبرة والتفوق ، وعندما انحاز المالكي لعلي الاديب خرج المطلك واصفا المالكي بالديكتاتور الاسوأ من صدام لان الاخير كان بناءا اما المالكي فهو وبحسب المطلك هدام !
المالكي يستخدم الاجتثاث وقانون الطواريء الخاص بالارهاب كسيف مسلط على رقاب ديكة القائمة العراقية ، وهو لا يتوانى عن شق صفوفها باسلوبي الترهيب والترغيب ، اما مع ديكة التحالف الكردستاني فهو اقل قدرة على ضبط ايقاع مواقفهم ونفوذهم لانهم مستقلون عن المركز امنيا وقضائيا وعسكريا واعلاميا وبحدود معينة مستقلون دبلوماسيا واقتصاديا ايضا خاصة بعد ان اصبح الاقليم منتجا للنفط وبعد ان تم تطبيع حيازته على كل موارد الكمارك الخاصة بمنافذه الحدودية ، وحصتهم من الميزانية العامة تكاد تكون خط احمر ، والاقليم غير ملزم بتقديم مايلزم لكشف اوجه صرفها ، وعليه فالمالكي لا يملك من اوراق الضغط عليهم غير اعاقة جهودهم في عقد صفقات النفط والغاز مع الشركات العالمية ، فهو يتخوف من ارسال قوات عراقية لحماية المناطق المتنازع عليها من تغول نفوذ البيشمركة ، تخوفه من تداعيات هكذا خطوة برغم دستوريتها !
مع ديكة التحالف الوطني الذي ينتمي اليه فانه يستخدم اسلحة اخرى منها تنشيف مصادر تمويلهم والمزايدة عليهم لكسب المؤيدين والمقلدين ، واستخدام صلاحيات السلطة كوسيلة لكسب تأييد الشارع ، وتقليم اظفار بل وشق صفوف جبهة ديكة التحالف الوطني ، كما حصل في حالة المجلس الاعلى ومنظمة بدر ، وكما حصل مع قلع عادل عبد المهدي من منصب نائب رئيس الجمهورية واستبداله بخضير الخزاعي المنتمي لحزب الدعوة الذي يرأسه المالكي نفسه ، واما مع ديكة التيار الصدري فقد استخدم معهم كل الوسائل المتاحة امامه بما فيها الاعتقالات والتصفيات الكيدية اضافة للضغوطات المرجعية والاغراءات السياسية !
ديكة الاطراف الاخرى ليست اقل حماسة في استخدام كل ما ملكت ايمانها في معمعان صراعها على مواقع وحصص السلطة في العراق ، فعلاوي يستعين بثقل قائمته في الحكومة والبرلمان للنيل من خصمه المالكي الذي يعتبره متفردا بالحكم ، وهو يستعين بالشرق والغرب للضغط عليه باتجاه استبداله او اجراء انتخابات مبكرة ، وبعض اقطاب العراقية يهددون باقلمة المحافظات السنية للتخلص من سطوة المالكي ، والهاشمي يحاول ركوب موجة الاستقطاب الطائفي الرائج في المنطقة لمواجهة المالكي باعتباره قطبا للوجه الطائفي الاخر السائر بركاب ايران ، وعلى هذا المنوال تفسر تحركات الهاشمي الاخيرة تجاه قطر والسعودية وتركيا ، اما البرزاني فهو يهدد وعلنا بسحب الثقة عن المالكي ، ويطالب صراحة بتدخل امريكي لكبح جماح التفرد السلطوي عند المالكي ، ومن الواضح انه يهيج على المالكي في اكثر من جانب ، في موضوع ، استضافة الهاشمي ، وايقاف تصدير نفط كردستان عبر الانبوب الاتحادي ، وفي تقزيم قضية مؤتمر القمة الذي عقد مؤخرا في بغداد ، واخيرا بتهديده لاعلان استقلال الاقليم اذا لم يتم الاستجابة لمطالب التحالف الكردستاني !
المالكي لا يريد التسليم بسهولة لمطالب خصومه ، فهو من جهة يعتبر نفسه منقادا لمنطوق مفردات الدستور ومن هذه الزاوية له وجهة نظر معقولة ومقبولة ازاء الابتزازات البرزانية وازاء بعض المطالب التي تركز عليها قائمة علاوي خاصة فيما يتعلق بتشكيل مجلس السياسات العليا ، ومن جهة اخرى هو نفسه يتجاهل الدستور في قضايا صلاحيات رئيس الوزراء وفي صلاحيات الهيئات والمفوضيات المستقلة ، كالنزاهة والانتخابات والاعلام والبنك المركزي ، وهو يفصل صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة على مقاسات سلطته التي حزبت كل قيادات المرافق ذات العلاقة المباشرة به كالجيش والشرطة والامن والمخابرات !
وراء كل جولة نزال ستجلس الديكة على مسطبة التراضي لتمدد لنفسها الوقت بانتظار جولة اخرى ، حتى وان حقق مايسمى بالاجتماع الوطني المرتقب ازاحة حتمية لبعض العقبات الشاخصة في طريق بقاء الجميع تحت خيمة حلبة النزال ذاتها.
التوترات الاقليمية تغذي الصرعات الداخلية العراقية وتجعلها اكثر تطرفا وانفجارا واستقطابا ، فالتحالف الخليجي التركي المدعوم غربيا لاسقاط النظام في سوريا يحاول جر العراق اليه او تحييده على اقل تقدير لكنه يصطدم بقوة التأثير الايراني على المواقف النافذة في العراق والتي تحاول جر الاخرين الى الكف عن التدخل بالشأن السوري او على اقل تقدير عدم الضغط على العراق لرفضه تبني ذات الموقف التركي الخليجي ، وهذا ما حصل تقريبا في مؤتمر قمة بغداد الذي لم ترق نتائجه للخليجيين والاتراك وتحديدا فيما يتعلق الامر بموقف القمة من الحالة السورية ، ونفس الشيء ينسحب تباعا على الموقف من ايران ، وخاصة مع تزايد التهديدات الاسرائيلية الامريكية لضرب مفاعلاتها النووية ، وايضا التحشيد الخليجي والغربي لتفعيل العقوبات الاقتصادية عليها ، ويتضح جليا غياب الارادة العراقية الوطنية عن اغلب السياسات المتخذة ازاء العلاقات مع دول الجوار ومع القضايا الاقليمية ، فالتساهل امام التدخل الايراني بالشؤون العراقية هو سلوك تبعي مثله مثل التساهل امام التدخلات التركية والخليجية .
ستستمر صراعات القوى الطائفية والاثنية المتحاصصة للسلطة في العراق ، وبكل الاشكال المتاحة بما فيها التصفيات والتسقيطات والاغتيالات ، وبكل الوسائل الترهيبية والترغيبية ، حتى يحسم الامر بفعل افعال قوى من خارجها .