(1)
عادل سمارة
أما وقد دخل معظم الأسرى في سجون الكيان الصهيوني الإشكنازي إضراباً مفتوحاً عن الطعام، فليس هذا وقت مناقشة خطة وتوقيت نضالهم هذا. ولعل السؤال هو لمن هم خارج الأسر: كيفية الاصطفاف معهم وحمل قضيتهم على محمل الفعل والتحدي.
بداية، هناك من يلوم الذين أعدوا وشاركوا في مفاوضات مدريد والذين وقعوا اتفاق أوسلو على استشناء الأسرى من ذلك الاتفاق. ولست من هؤلاء لأن الاتفاق لم يكن إثر تحرير بل حلقة من حلقات تصفية القضية، الأمر الذي يوجب استثناء الأسرى وخاصة أن الكفاح الوطني تواصل ولن يتوقف مما يعني استمرار النضال واستمرار الاعتقال وبأن القضية لم تُحل وإنما الذي حُلَّ كان العلاقة بين راس المال من الطرفين في مشروع: سلام راس المال.
لكن الطرف الفلسطيني في ذلك الاتفاق رغم وضعه المتدني، كان بوسعه أن يتعاطى مع قضية الأسرى بدرجة من الاهتمام لو أراد. ولأنه لم يفعل، فهذا يؤكد أنه كان مهموماً بنفسه ومصالحه حتى النخاع. مثلاً: لماذا لم يطالب الطرف الفلسطيني بتحويل ملف الأسرى إلى الأمم المتحدة للإشراف على حياتهم في الأسر. وهذا ليس غريباً، أليست القضية الفلسطينية نفسها وخاصة ملف الشعب المطرود من وطنه أي اللاجئين الفلسطينيين بيد الأمم المتحدة؟
لا نطرح هذا من باب الثقة الكاملة بمؤسسة الأمم المتحدة ولكن على الأقل لأن وجود دور للأمم المتحدة يشكل رقابة على سياسات الكيان تجاههم. وبما أن الاشتباك اليوم على أوجه في مسألة الأسرى، لماذا لا يتم العمل على أن تقوم الأمم المتحدة باستحداث دائرة للأسرى الذين في غير سجون بلدانهم؟ وخاصة معتقلينا في الكيان الصهيوني، وليس الاكتفاء بنصوص عن اسرى الحرب، بمعنى اعتبار الأسرى الفلسطينيين أسرى حرب وتحت رعاية الأمم المتحدة وليس الدولة الغاصبة نفسها.
وإذا كان هذا الأمر صعب التطبيق على اية دولة، فهو الأنسب في حالة الكيان الصهيوني لأن عضويته ما تزال معلقة في الأمم المتحدة حتى عودة اللاجئين الفلسطينيين مما يجعل هذا الكيان الأقل مناعة بين مختلف دول العالم، لأنه يفتقر إلى الشرعية الدولية والتي لا نثق بها إلى هذا الحد، ولكن لا بأس من إحراجها واستثمار قراراتها.
البحث عن “اسلحة العنصرية الشاملة”
ينقلنا هذا إلى قرارات الأمم المتحدة في التدخل في الدول الأعضاء فيها، فكيف بالدولة التي عضويتها مشروطة منذ عام 1948 ولم تكتمل! لقد تدخلت الأمم المتحدة في العراق بحثاً عن اسلحة الدمار الشامل، ووصلت حتى مقر الرئيس الشهيد صدام حسين، وكانت رئاسة هذه المنظمة الدولية بيد شخص عربي بطرس غالي الذي ألقت به الولايات المتحدة جانباً بعد أن استنفذت مهمته! كما وتراس لجان التفتيش لفترة طويلة محمد البرادعي، وهو عربي ايضاً ولقي مصير بطرس غالي. وكان التدخل بحجة أن الكويت عضو في الأمم المتحدة، وهي اساساً ولاية عراقية. وتتدخل الأمم المتحدة في برنامج كوريا الشمالية حتى الآن، وتقوم بحرب نفسية واستخباراتية ضد الجمهورية الإسلامية بشأن السلاح النووي.
والسؤال، لماذا لا يتم الضغط على الأمم المتحدة كي تشكل بعثة دائمة لمراقبة والإشراف على الأسرى الفلسطينيين في الكيان وهم اسرى سلاح العنصرية الشاملة؟ ولماذا لا تشرف الأمم المتحدة على هذه المعتقلات بشكل مباشر بعد الاعتقال والتحقيق والحكم؟
قد يقول البعض : نحن نطالب بالإفراج عن المعتقلين. وهذا صحيح، بل نحن نطالب بمنع الاعتقال؟ ولكن كياناً تابعاً كالحكم الذاتي هو تحت الاحتلال مهما زعم الكثيرون وكرروا عنتريات” المدن المحررة، السلطة الوطنية، جامعة الاستقلال…الخ” شئتم ام ابيتم فإن اوسلو قالت للاحتلال: نُقر بأن تبقى هنا! ونوافق على بقاء المناضلين/ات في معتقلاتك. هذه هي الحقيقة المُرة والتي علينا قرائتها جيداً. وإلى أن نتمكن من تحرير الأسرى والحيلولة دون اسر آخرين، فإن علينا العمل على أن يكونوا في أعلى نسبة أمان ممكن من انياب العنصرية الصهيونية.
لقد اقرت جامعة الدول العربية استخدام الولايات المتحدة للأمم المتحدة لاحتلال العراق. بل إن جامعة الدول العربية باسم “أمينها” السابق عمرو موسى (مرشح الرئاسة المصرية اليوم!!!) وبقيادة قطر والسعودية والإمارات قد دعت الأمم المتحدة لاحتلال ليبيا وهو ما غطى تدمير هذا البلد بقوات الناتو وقوات من هذه الدول العربية، كما أن جامعة الدول العربية باسم “أمينها” الحالي نبيل العربي قد دعت الأمم المتحدة لاحتلال سوريا. وكان الفارق بين حالتي العراق وسوريا أن تدمير العراق كان بمساومة الرئيس السوفييتي جورباتشوف الذي دمر بلاده، بينما حالة سوريا تزامنت مع قيادة مدفيديف وبوتين اللذين يعيدان بناء دولة عظمى! هل هي سخرية القدر وهُزال الرجال! ربما.
واليوم تُرسل الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن، مراقبين إلى سوريا، وهذا تدخل في السيادة السورية بمعزل عن كل تعاطفنا مع سوريا. فلماذا لا ترسل هذه الأمم المتحدة بعثة دائمة للإشراف على وضع الأسرى سواء بشكل كلي، او بحق الرقابة في اي وقت، حتى ولو مكتب دائم لمتابعة قضية الأسرى.
لماذا لا تحمل جامعة الدول العربية هذا الملف إلى الأمم المتحدة وتتبناه، ولماذا لا تضغط سلطة الحكم الذاتي علي الجامعة للقيام بذلك؟ أي على الأقل بنسبة صُراخها في دعوة الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن لاحتلال سوريا؟
أليس هذا المطلب أهم وأفعل من المقعد 194 الذي بدأ فارغاً وانتهى فارغاً حتى بدون جثة سليمان الحكيم!
لقد شكلت سياسة إهمال الأسرى عملياً والثرثرة عنهم سياسياً إلى توفير المناخ للكيان لتجربة كل ما يمكن أن يكسر إرادتهم رغم تنازلات وتورط وتواطؤ التسوية. لقد وضعهم الإهمال في مقلاة عُتاة الانتقام الصهيوني ليجعلوا منهم مسرح إجراء تجارب التعذيبين النفسي والجسدي وليحولوا ذلك إلى تجارة يبيعونها إلى الولايات المتحدة لنطبيق نتائجها على سجني غوانتاناموا وابو غريب وزنازين عمر سليمان في مصر. بل إن الكيان قد قدم للولايات المتحدة خبرته ضد الشعب الفلسطيني منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم.