ليلى نقولا الرحباني
كانت لافتة رسالة التحذير التي أرسلها وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ على موقعه على تويتر، إلى الرئيس السوري بشار الأسد، عقب صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بسيراليون بإدانة الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور، حيث قال هيغ في رسالته التي نقلتها وسائل الإعلام، إن “العدالة أخذت مجراها.. تذكروا ضحاياه وتذكروا الأسد”.
منظمات حقوق الإنسان المختلفة رحبت بذلك القرار التاريخي، وهو أول حكم يصدر عن القضاء الجنائي الدولي بحق رئيس دولة سابق منذ الحكم الذي صدر عن محكمة نورمبرغ العسكرية الدولية في العام 1946، بحق كارل دونتز القائد الأعلى للبحرية الألمانية، الذي خلف ادولف هتلر في نهاية الحرب العالمية الثانية، وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة ارتكاب جرائم حرب. لكن المرحبين بتلك الإدانة في العالميْن العربي والغربي من السياسيين أمثال هيغ، يتجاهلون وقائع أساسية تحفل بها محاكمة تايلور أمام المحكمة الدولية الخاصة بسيراليون، أهمها ما يلي:
أولاً: من الناحية القانونية، دانت المحكمة الخاصة بسيراليون تشارلز تايلور ليس لضلوعه المباشر بارتكاب جرائم الحرب والجرائم اللاإنسانية في سيراليون، وهو بالمناسبة ليس سيراليوني، بل دانته بـ”المساهمة والتحريض” لمتمردين ضد الحكومة في سيراليون، من خلال “توفير الأسلحة والدم والمواد الطبية والتجهيزات”، لكنها أكدت أنه “لم يصدر لها الأوامر أو خطط لما تفعله”، كما أدين بـ”تدبير وتنفيذ حملة رعب هدفت إلى السيطرة على سيراليون لاستغلال الماسها”.
وفي الاطلاع على هذا القرار، يظهر أن المقارنة لا تجوز بين تايلور والرئيس السوري بشار الأسد، كما فعل وليم هيغ، بل قد تصحّ مع هيغ نفسه، ومع مَن يعلن ليل نهار، وعلى الملأ، رغبته بتسلح المتمردين السوريين، والإعلان بمدّهم بالسلاح والتجهيزات لمواصلة قتالهم ضد النظام، والقيام بالأعمال الفظيعة، كقتل المدنيين والتفجيرات الإرهابية وسواها.
وإذا كان هناك من عدالة دولية يتم التغني بها، فالأصح أن المعيار الذي طُبق على تايلور يجب أن يطبق على وزراء خارجية قطر والسعودية، وعلى الأتراك، وغيرهم ممن يقدم السلاح للمنظمات السورية، وممن يعلنون رغبتهم بالسيطرة على سورية لاستغلال موقعها الجيوستراتيجي، والذي يوازي “الماس سيراليون” بالنسبة إلى “إسرائيل” وأميركا.
ثانياً: من الناحية السياسية، يأتي الحكم على تشارلز تايلور اليوم في وقت يعاني حلفاء أميركا في سيراليون من صعوبة النجاح في الانتخابات النيابية المقبلة في تشرين الثاني القادم، لذا يأملون أن يكون الحكم سبباً في إضعاف الطرف الآخر، ووصول حلفائهم إلى السلطة في سيراليون.
لكن على هؤلاء المتغنين بالعدالة الدولية من العرب، خصوصاً حلفاء أميركا، أن يعلموا أن تايلور يُعتبر حليفاً متمرداً للأميركيين، فقد دعمت الولايات المتحدة الأميركية تشارلز تايلور خلال الحرب الأهلية في ليبيريا في ثمانينات القرن الماضي، وكشفت وثائق ويكليكس في 48 وثيقة سرية، أن وزارة الدفاع الأميركية و”السي اي اي” عملوا مع تايلور ومدّوه بما يحتاجه من الدعم المالي والسياسي والخبراء خلال الحرب الأهلية.
وفي العام 1997، وبعد توقيع اتفاق سلام برعاية المجتمع الدولي في بلاده، انتخب الليبيريون تايلور رئيساً بنسبة 75 بالمئة من الأصوات، وبدعم واضح من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، لكن الرئيس الليبيري سرعان ما تمرّد على الولايات المتحدة الأميركية، فقامت أميركا، المستاءة من حليفها السابق، بدعم حركة تمرد جديدة في شمال البلاد تطالب بالديمقراطية، للإطاحة به، وفي حزيران من العام 2003، وجهت المحكمة الدولية الخاصة بسيراليون اتهاماً إلى تايلور بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، قامت على أثرها الولايات المتحدة بدعم المتمردين لمداهمة العاصمة منروفيا، بعد حصار دام 3 أشهر، وإجباره على التنحي ومغادرة البلاد في 11 آب 2003.
وهنا نلفت نظر الرؤساء والقادة العرب الذين يتنافسون لتقديم أوراق اعتمادات إضافية للولايات المتحدة الأميركية، من خلال محاولة تقويض الاستقرار في سورية، ومد المنظمات المسلحة بالسلاح والمال والعتاد والرجال، أن لا شيء يمنع من أن تقوم الولايات المتحدة بالتضحية بهم وتقديمهم إلى المحاكمة بهذه التهم، كما فعلت بحليفها السابق تايلور، علماً أن الادعاء بأن هذا الأمر منسق مع الأميركيين لا يجدي نفعاً، فتايلور أيضاً كان “قائداً مهماً يقود شعبه” بالنسبة إلى الأميركيين؛ حين نسق معهم دعمه لثوار سيراليون خلال السنوات الممتدة بين 1996 و2002، وهي الجرائم التي يحاكَم عليها اليوم.. وهكذا، لا شيء يمنع من أن تُعقد المحاكمات لهؤلاء في حال تغيرت مصالح الأميركيين معهم، وعندها سيتغنى العالم أيضاً بانتهاء عصر “الإفلات من العقاب”.