عبداللطيف مهنا
يقولون كل الدول في هذا العالم لها جيوش إلا واحدة اختلفت فشذتّ عن هذه القاعدة هى دولة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، إذ هى بخلاف سواها جيش محتل له دولة. هذا الشذوذ هو منسجم تماماً مع طبيعة هذا الكيان وبالتالي ثابت سيظل ملازماً لوجوده، ذلك باعتباره التجمع الإستعماري الإستيطاني الإحلاليً الذي قام أصلاً كنتيجةٍ موضوعيةٍ لغزوٍ فاغتصابٍ لوطن شعبٍ آخرٍ نكبه وشرده وجثم بالقوة مؤسساً كيانه الغاصب على أنقاضه. ولأنه كيان مفتعل يتنافى وجوده الغريب على منطقةٍ غرس عنوة في القلب منها مع كافة حقائق التاريخ والجغرافيا وابسط قيم ومعاني العدالة الإنسانية، رافقته بالضرورة هشاشة الطاريء المرفوض والزائف المُصطنع، على الرغم من كل ماحباه به عرابوه ومتبنوه الغربيون من مختلف أسباب القوة الأعتى والأفتك والأكثر تطوراً في عالمنا، وحيث مدوه بكل ما ما ملكته ايديهم ووفروا له أسباب البقاء المادي والمعنوي، وشملوه بمظلة حمايتهم المستديمة، وزاولوا حرصاً مشهوداًعلى تغطية جريمتة المستمرة على إمتداد أكثر من ثلاثة أرباع القرن متكفلين إستمراريتها، ذلك، بضمان تفوقه الدائم، والتزامهم الراسخ بصون أمنه.
وعليه، ولطبيعة “إسرائيل”المشار اليها، وبالتالي دورها ووظيفتها في سياق الإستراتيجيات الإستعمارية الغربية في المنطقة، المزمنة منها والمحدثة، ليس لها ان تكون سوى هذه الثكنة العسكرية العدوانية والقاعدة المتقدمة المنسجمةً مع مثل هذه الطبيعة وهذا الدور وتلك الوظيفة، وبالتالي بات من الطبيعي أن كل من ضمه تجمعها البشري المجلوب والمستورد بكامله من أربع جهات الأرض عسكراً مدججاً بالسلاح، وبذا إستحقت من ثم وصفها بالجيش الذي له دولة لاالدولة التي لها جيش.
… ولأنها كذلك، فألى جانب البعدين الوظيفي في خدمة المشروع الغربي المعادي، والديني الممزوج بأكداسٍ من الزائف الأسطوري والملفق الخرافي، كان الأمن هوالبعد الثالث الذي يرتكز عليه وجودها القلق، حيث إن أي إهتزازٍ لواحدٍ من هذه الأبعاد الثلاثة هو الكفيل بطرح مسألة مصيرها ومستقبل وجودها برمته قيد التشكيك ورهن التساؤل ومدار البحث، الأمرالذي من شأنه أن يفسرلنا سر كل هذه الفوبيا الوجودية القاتلة التي تستوطنها، أورهاب إنعدام اليقين المرضي بمستقبل وجودها وإمكانية بقائها، هذا المستشري المقيم لدى كافة شرائح ومستويات مستوطنيها، على الرغم من كل مايكفله لها الغرب متبنيها منذ أن إختلقها من أسباب القوة والتفوق، وكل ما حباها به من سبل الإستمرارية ووسائل البقاء.
لذا، ليس من المستغرب أبداً أن تصادف أن كل قادتها وسائرالممسكين عادةً بالقرار في كيانها قد جاءوا جميعهم تقريباً من داخل المؤسسة الأمنية وانحدروا منها، ولا من عجب في أن تتحول مثل هذه الثكنة الإستعمارية العدوانية إلى قلعة موت وأن يتحول جيشها المحتل الى مصنعٍ عتيدٍ للقتلة، وهل كان في كل الوقائع التي رافقت عقود وجودها وعلى إمتداد الصراع معها ثمة ما يشي بغير هذا ؟!
ولنتوقف فحسب أمام آخر ما نمى الينا من الأمثلة :
أواخر العام 2008 وبداية العام 2009 كانت الحرب العدوانية الإبادية التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصرالمستفرد به، والتي أسماها شانوها “عملية الرصاص المسكوب”، وارتقتوا بها إلى مستوى المذبحة الموثَّقة بالصوت والصورة في حينه، حيث شهد قاصي العالم ودانيه توالي وقائعها مفصلةً وتابعها على شاشات التلفزة بكل لغات الأرض. كعادتها، وكما هو معروف، قاومت غزة المعتدين ببسالتها المعهودة وصمدت بعنادها وإيبائها المعروفين فافشلت تضحياتها البطولية الأسطورية إستهدافات العدوان، وبذا إنتصرت رادتها، وهي المثخنة المستفرد بها، على إرادة أعدائها. إبان هذه المحرقة الإسرائيلية والملحمة الفلسطينية، وفي الرابع من يناير2009، تمكن الغزاة من إحتلال حي الزيتون في مدينة غزة، وعلى بعد ما يقل عن الثمانين متراً من تمركز وحدة من لواء جفعاتي الشهير بدمويته كانت عائلة السموني الفلسطينية الكبيرة العزلاء محاصرةً بالقتلة بعد أن جمَّعها المحتلون في بيتٍ واحدٍ وتنتظر مصيرها. لم يطل الإنتظار لأن قائد الوحدة لم ترق له إطالة أمده فأمر قواته بقصف البيت بمن فيه. إستشهد واحد وعشرون فرداً من هذه العائلة المنكوبة، من بينهم تسعة أطفال، وجرح أكثر من اربعين… وكالعادة، يشكل هذا الجيش إثر كل مذبحةٍ أو إنفضاح جريمةٍ من مسلسل جرائمه المتوالية لجنة تحقيقٍ، الهدف منها دائماً التعمية على وحشيته والتظاهر بالتمدن، ومحاولةً منه لامتصاص ما قد يبدر من ردود أفعال إنسانيةٍ محتملةٍ على ما ارتكبه، ولاتنتهي حكماً إلا بطيها وتبرئة مرتكبيها وغالباً مكافأتهم … بعد كل ما مر عليها من إعوام إنقضت في التحقيق في بطولة وحدة لواء جفعاتي في حي الزيتون، مالذي إنتهت اليه لجنة مذبحة آل السموني؟!
قبل أيام وفي رسالة ل”بتسيليم”، أشارت ما توصف بنائبة المدعي العام للشؤون العملانية إلى أن “ملف التحقيق في الشرطة العسكرية الإسرائيلية قد تم اغلاقه”… لماذا؟! لأنه قد “تبين أن الجهات ذات الصلة لم تتصرف بإهمال في ظروف القضية بطريقةٍ يتحقق معها المسؤولية الجنائية” … بقي أن نشير إلى أن آمر وحدة مقتلة آل السموني إيلان مالكا، الذي تمت تبرأته على هذا النحو، ينتظر هذه الأيام ترقيته الى رتبة عميد…لامن غرابةٍ في مثل هذا.. فنحن هنا نتحدث عن مآثر لمصنعٍ للقتلة في ثكنةٍ أُختلقت لصناعة الموت !!!