مَنْ انتصر لمَنْ في مؤتمر التجمع العربي لنصرة القضية الكردية ؟

 جمال محمد تقي

عقد التجمع العربي لنصرة القضية الكردية مؤتمره الاول في اربيل يومي 4 ـ 5 ايار الجاري تحت شعار “الحريات الديمقراطية والحياة المدنية الدستورية واحترام حق تقرير المصير ضمانة للتعايش القومي المشترك في الشرق الاوسط”، وكان رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني قد افتتح المؤتمر بكلمة حاول فيها اظهار الكرد وكانهم يتعرضون لحرب ابادة طويلة الامد، خالطا اوراق التاريخ بالجغرافية، ومبتزا المناسبة لايصال رسائل عديدة، ولاطراف عدة، اهمها حكومة بغداد التي يتحاصص معها السلطة على كل العراق ويمنع عنها محاصصتها له سلطة الاقليم الذي يرأسه!

علامات استفهام كثيرة تلاحق الاسطر الاخبارية اعلاه، وخاصة حول هوية القائمين على هذا التجمع ومغزى انعقاد مؤتمره الاول في اربيل وفي مثل هذه الظروف التي تشهد توترا غير مسبوقا بين سلطتي بغداد واربيل؟!

مَنْ جاء لنصرة مَنْ في زمن تجاوز فيه قادة الكرد على حقوق اغلب مكونات الشعب العراقي، واصبح فيه للعرب عندهم قضية، فهل اختلطت عناوين القضايا في جيوب المؤتمرين، ام انهم كاعضاء كورس الغناء التقليدي الذي يتلذذ عندما يشنف الاسماع بالنغمات القديمة ؟

لقد تشكل هذا التجمع من اشخاص عرفوا بانتمائهم للحزب الشيوعي العراقي، واغلبهم من المقيمين في الخارج منذ سنوات طويلة، وهم على علاقة متواصلة بحزبي البرزاني والطالباني، وصلاتهم التكسبية والتبعية لم تنقطع بقيادات الحزبين، منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، بعد ان اصبح الحزب الشيوعي العراقي عرابا فعليا للمساعي الرامية لتبييض صفحات اصحاب البنادق المأجورة من القيادات الكردية، وبعد نهاية حرب الكويت وفرض منطقة الجيب الامن على مناطق شمال العراق وتوفر الحماية الامريكية لحكم الاغوات الجدد ” الجحوش ” توفرت فرص مؤاتية لكل المتسولين من الجماعات المعارضة وعلى اختلاف مشاربها للانضمام الى الجوقة “الاستكرادية “، وفعلا وجدوا من يشتري ما يبيعوه!

كانت احدى مهمات اصحاب تلك البنادق ومن ارتمى باحضانهم، توفير الارضية الاستخبارية لغزو العراق بعد انهاكه تماما بمفعول الحصار الظالم الذي دام 12 سنة ومن ثم المباشرة بتنفيذ مخطط تقسيمه على اسس عنصرية وطائفية، ومن واقع التجربة تبين ان تلك الجماعات الشيوعية المنهارة كانت واحدة من تلك الطوابير التي استخدمت في عملية ” تحرير العراق” وتحت الاشراف الاستكرادي المستنير بالدعم الاستخباري الصهيوني والامبريالي!

لم يكن عمل هذه الجماعات منحصرا على الخدمة اللوجستية داخل العمق العراقي وانما تعداه للخدمة الاعلامية والدعائية والتعبوية استعدادا لعملية تحرير العراق انطلاقا من شمال العراق ومن بعض دول الجوار ومن بعض عواصم القرار الاوروبي، وبرعاية سخية من السي اي اية والموساد، حيث التعامل المباشر مع رموز معروفة من اجهزة الاسايش التابعة للحزبين الكرديين، الى جانب جماعة الجلبي وعلاوي ومثال الالوسي!

في الوقت الذي كانت فيه التظاهرات الشعبية واليسارية تعم العواصم الاوروبية واغلب مدن العالم بالضد من الحرب الامبريالية على العراق، عمل قادة هذا التجمع على بذل قصارى الجهود لاعتبار الامر برمته تحريرا فعليا للعراق وشعبه، ولا فائدة من التصدي له، حتى ان بعضهم كان يبرره بدعوى التقاء مصلحة الشعب العراقي بمصلحة امريكا لاسقاط النظام في العراق!

بعد احتلال العراق وترسخ سيطرة حزبي البرزاني والطالباني على مقدارت محافظات السليمانية واربيل ودهوك، عمل الحزبان على مد نفوذهما الى محافظات ديالى وكركوك والموصل وصلاح الدين في مسعى مدروس لتكريد هذه المناطق الغنية بالنفط وضمها الى اقليمهما كأمر واقع، وما زال الصراع دائرا بين اهالي تلك المحافظات وبين القادمين اليها بحراسة قوات حرس الاقليم، وكان للمخطط الامريكي القاضي بتحاصص السلطة المركزية بين ملل ونحل اهل العراق مفعوله في بغداد ايضا حيث توفر الغطاء الاتحادي لكل العمليات الانفصالية والتكريدية التي يقوم بها وبشكل مباشر رئيس الاقليم مسعود البرزاني وبشكل غير مباشر رئيس جمهورية العراق جلال الطالباني!

لقد استثمر البرزاني والطالباني بالعرب المستكردين ليكونوا عونا لهم على ابناء جلدتهم عندما تحين ساعة الصفر، ومن ثمار هذا الاستثمار الايحاء باصطفاف العرب الى جانب البرزاني في معركته الدائرة لاستقطاع ما لا يستحقه من الجسد العراقي المثخن بالجراح!

ان اصحاب هذا المؤتمر والقائمين عليه يعزفون الحانا قديمة لم يعد لها مفعول في واقع يشهد تعاكسا صارخا مع مضامينها، فلا قضية كردية او شيعية او سنية، وانما هناك قضية واحدة تدور عليها الدوائر انها القضية العراقية التي يحاول ان يطمسها ويغيبها المؤتمرون وممولوهم، ولو جارينا منطق القضايا القومية فان العرب هم المتضررون من سياسة التكريد والاستقطاع والتزوير والانعزال التي يتبعها البرزاني والطالباني، وهناك محاولات لترسيخ نهج شوفيني كردي مستعد لابادة العراقيين وتحويلهم الى شراذم واقطاعيات منعزلة من اجل الفوز بالمزيد من المغانم!

نوعية الشخصيات القائمة على هذا المؤتمر واسماء اللجنة القيادية للتجمع تكشف حقيقة دوافعه فاغلبها عناصر محروقة وفاسدة شيوعيا وشعبيا واعلاميا، ومنها السيد فخري كريم المستشار المزدوج للبرزاني والطالباني وهو اكثر من نار على علم في مجال الارتزاق الاعلامي والثقافي وتجربته مع حزبه الاول خير شاهد على ذلك، اما رئيس التجمع السيد كاظم حبيب فيكفي ان يكون اسمه على راس قائمة المرتشين التي نشرتها صحيفة هاولاتي الكردية المستقلة حيث ورد اسمه كواحد من المعينين لحساب البرزاني بدرجة وزير وهو يستلم مرتبه وهو مقيم في وطنه البديل المانيا، وهذا الامر ينطبق على لفيفهم باكمله!

اذا كان شعار انصر اخاك ظالما او مظلوما يناسب المرحلة الجاهلية فان شعار انصر ممولك ظالما او مظلوما يناسب تماما مرحلة الدجل والتكسب التي يمر بها كل المفلسين والمغالطين والفاسدين في عراق اليوم، وهذا ما ينطبق بالصوت والصورة على اصحاب مؤتمر التجمع العربي لنصرة القضية الكردية!

لقد كتب احد الصحفيين الاكراد معلقا على مؤتمر النصرة هذا قائلا : “هل جاء كاظم حبيب ورهطه لنصرة البرزاني ام الاكراد ؟ لان الاكراد شيء والبرزاني شيء اخر، الاكراد شعب واهالي لهم همومهم التي من اهمها الطبيعة الاستبدادية لسلطة البرزاني ذاتها، وعليه فمن جاء ليناصر البرزاني بصراعاته مع الاخرين حول غنائم النفط والسلطة فانه ليس بنصير للشعب الكردي.”!

لهذا الصحفي الكردي الشريف اقول : ان هؤلاء لا يمثلوا الا انفسهم، فالعرب مثل الكرد شعب واهالي لهم همومهم ومنها ان بينهم انتهازيون وفسدة ووعاظ للسلاطين على شاكلة اصحاب التجمع العربي.