“النظام أكثر علمانية من المعارضة.. والدليل أن فرج فودة قُتل وأنا مازلت حياً”
علي حسون
معترفاً: “نعم هناك أشخاص من النّظام قاموا بحمايتي ومازال العديد منهم يحمونني”..
نبيل فيّاض لـ “بلدنا”: سورية هي البلد الأكثر قابلية للانتقال إلى دولة مدنية لكن هذا بحاجة إلى قرارات حاسمة تضع سورية أمام خيارين “إمّا.. أو”
إذا كانت “الإشكالية” تُختصر وتتمثَّل في شخص، فإنَّ نبيل فياض هو أكثر من يمثّلها، عبر سيرته ومسيرته الطويلة، وخاصة في مقاربته “المثيرة للجدل”
للأديان والإسلام على وجه التحديد، وكذلك علاقته المفترضة برموز من النظام والسلطة في سورية، والأخطر ربما، بالنسبة إلى كثيرين، هو علاقاته الملتبسة ببعض الإسرائيليين والأمريكان..
واليوم تستجدّ على هذه الإشكاليات إشكالية أخرى، لاتقلّ التباساً عما سبقها، وهي موقفه من الأزمة التي تعصف بالبلاد.
فياض، العلماني حتى النخاع، يعتبرها أزمة مجتمع ونظام في آن معاً، ويعتقد أن “ثمة تواطؤاً كان قائماً حتى وقت قريب بين النظام والإسلاميين التكفيريين، سلّم المجتمع بموجبه لهؤلاء، مقابل ابتعادهم عن السياسة والأمن والاقتصاد.. فلما ابتلعوا المجتمع، أرادوا الفوز بكل شيء”؛ فكان لابدَّ من حصول ماحصل وانفجار الأزمة بهذا الشكل العنيف.. موضحاً أنَّ الحلّ يكمن فقط في العلمانية، التي أفنى عمره مبشراً بها، وربما باتت الفرصة مواتية اليوم أكثر من أيّ وقت مضى لاعتمادها نهجاً حقيقياً للدولة والمجتمع السوريين..
هذا جزء من حديث شيّق مع الكاتب والباحث نبيل فياض، والبقية في صفحات هذا الحوار:
¶ سنة ونيّف على بدء الأحداث في سورية..آلاف القتلى والمفقودين والمهجّرين.. انقسام واستقطاب شديدان في الداخل كما في الموقف الخارجي تجاه المسألة السورية، إلى أين تتجه سورية ؟ إلى حرب أهلية .. تقسيم .. وبالتالي المزيد من القتل والقتل المضاد، أم أنه آن الأوان للحل؟
لدينا أكثر من سيناريو ولن نقنن الوضع بسيناريو واحد: التقسيم غير وارد على الإطلاق، لأن من يعرف التوزع الديموغرافي السوري يفهم مباشرة أن مسألة التقسيم غير واردة، السوريون يختلفون جذريا عن اللبنانيين مثلاً، الشعب السوري عاش على مدى عقود طويلة تجربة توحد المفاهيم والثقافة والتعليم، إضافة إلى أن حالة حمص لايمكن أن تُعمَّم على كافة أرجاء سورية وللسبب ذاته، الحرب الأهلية غير ممكنة، وحالة الاستعصاء واضحة.
¶ لكن بعضهم يرى أن مايجري لايختلف كثيراً عن الحرب الأهلية ؟
أعتقد أن المشكلة في حمص، هناك حل أمني الآن، لكن هذا الحل الأمني – العسكري، إذا لم يترافق مع حل ثقافي معرفي فسوف نجد أنفسنا ندور في الحلقة المفرغة إياها .
في حوادث حماة 1982 ولأن الحل العسكري الأمني لم يترافق بحل معرفي جذري يطيح البنى الإقصائية عند الجميع عادت الأزمة وتفجرت اليوم.
الظروف الآن اختلفت بالكامل، تحالف القوى الإقصائية الإسلامية المعادية للنظام الحاكم كبر للغاية، ووسائل الاتصال صارت غير محدودة، الإعلام غزا كل الفضاءات، من هنا فإن أي حل أمني – عسكري لايترافق بحل معرفي توعوي، لن يعني سوى أن الأزمة ستتجدد بعد زمن قصير .
¶ وكأنك بقولك هذا تستبعد أو تهمّش تأثير “الربيع العربي” على ماجرى..ألا تعتقد أن هبوب رياحه وصل إلى سورية، ماأسهم في اشتعال الاحتجاجات ؟
أنا أعتقد أن مسألة الربيع العربي ليست بريئة، وكنت في آب 2010 قد كتبت بخط اليد مسودة أودعتها عند إعلامي سوري شهير، وقلت فيها نتائج تحليلي للوضع السوري وتنبأت أن يتفجر الوضع في سورية عام 2011 وحددت حمص كحجر الأساس في هذا الحراك، وقلت بالحرف “إن حمص ستقصم ظهر النظام” ، وقلت أيضاً، إن المدد سيأتي إلى حمص ليس من دمشق أو حماة أو أي مدينة سورية، بل من طرابلس، وطلبت من الإعلامي إياه أن يوصل هذه الورقة إلى طرف أمني سوري لأنه لم يكن لدي وقتها أية علاقات مع شخصيات في الدولة .
¶ ولكن بناء على ماذا هذا التنبؤ؟
بناء على معلومات وتحليلات، وأنا أعلم أساساً أن الأمريكان يعملون على تغيير المنطقة جذرياً، وهذا علمته على مدى ستة أعوام سبقت الحراك، لكن أحداً لم يسمع الكلام.
¶ ولماذا حمص؟
بسبب الأخطاء القاتلة، أولاً محافظ حمص الذي كان يتصرف وكأنه المندوب السامي وليس محافظاً، وثانيا غياب الوعي والثقافة عن مدينة الثقافة، وكذلك التوتر الطائفي والحساسيات الطائفية الشديدة .. الفقر والبطالة والعشوائيات، وفاقمها التدفق الهائل لأبناء الريف إلى المدينة.
¶ ألا ترى معي أن معظم ما ذكرته من أسباب يمكن أن ينطبق على مدن أخرى إن لم يكن على معظم المدن؟
الحساسيات الطائفية كانت في حمص أكثر من أي منطقة أخرى، إضافة إلى ممارسات المحافظ التي كان يتحدث عنها الجميع، ولكن يجب ألا ننسى النقطة الأهم وهي العلاقة بين حمص وطرابلس.
فطرابلس وبسبب أحداث الثمانينات وأزمة التهجير التي عرفتها عندما هاجمها الجيش السوري، والحساسية المفرطة في المدينة بين الطائفتين الرئيستين، كل هذا جعل من طرابلس قندهار بلاد الشام، وامتداد الثقافة السلفية الطرابلسية إلى حمص لم يكن بالأمر الصعب.
كانت القوى التكفيرية في حمص تنمو كالفطر في كافة أرجاء المدينة، وسأضرب مثالاًعلى ذلك؛ أخي الذي دخل في التيارات السلفية ولم أره منذ ذلك الوقت أي منذ عام 1999لأنه يرفض رؤيتي ويكفّرني، هذا نموذج بسيط يمكن أن تعممه على معظم حمص. لقد اجتاح التطرف الديني مدينة حمص بطريقة غير مسبوقة، والدولة كانت تعرف أن في حمص بؤراً جهادية سلفية تكفيرية غير عادية، ولكنها تجاهلت الأمر، وظنت أن تجاهل المرض يشفيه، وقد كتبت مقالا بهذا المعنى بعنوان “ تأجيل الموت لايمنعه “.
في الواقع كان هناك شبه اتفاق على اقتسام البلد، حيث ترك البلد اجتماعياً للسلفيين، بينما تكون السياسة والاقتصاد والأمن من نصيب النظام، ولكن هؤلاء وبعد أن تغلغلوا بفكرهم وابتلعوا المجتمع طمعوا في كل شيء ولسان حالهم يقول اليوم : المجتمع والسياسة والاقتصاد والثقافة والأمن .. كل شيء لنا وليس لكم أي شيء .
¶ قلت إن الشعب السوري حذر عموماً وتجاربه مع التغيير الجذري نادرة بل مستحيلة ..ماسبب هذا الحذر في رأيك ؟ وهل تتهمه بالجبن، بينما يمكن أن يصفه آخرون بأنه شعب ذكي وعملي ويدرك ميزان القوى ويتصرف على أساسها ربما ؟
على عكس الشعب اللبناني، الشعب السوري لايحب المغامرات ولايحب التغيير، وكنت كتبت مقالة عن حمص بهذا المعنى، فحتى اللباس والكلام واللهجة لا تتغير لعشرات السنين، أستطيع أن أخصص هنا شعب حمص الذي أعرفه، فهو أكثر شعب راكد في تاريخ البشرية، ويمكن تعميم ذلك على الشعب السوري الذي اعتاد على القمع وراح يتوارث جيناته ، فنحن نخاف من النشاط السياسي والثقافي والاجتماعي، نخاف من الشرطي الذي في داخلنا أكثر مما نخاف من رجل المخابرات. ومشكلتنا اليوم أن رجل المخابرات تعب وضعف، لكن الشعب مازال خائفاً، فأصبحت رغبته عنيفة في التغيير، لأنه غير مؤمن بالتغيير السلمي مع أنه ممكن.
إن كمّ الخوف الذي يختزنه السوريون تفجّر عنفاً غير طبيعي على الساحة السورية، فالشخص الذي في داخله خوف هائل ينتقم من خوفه عندما تتفجر شجاعته. نحن اليوم بحاجة إلى مثقفين على مستوى عال لتحليل الحالة السورية، والعنف الموجود هو ظاهرة خلل نفسي تماماً، فأنا لا أرفض تفكيرك فقط بل أرفضك كلياً..لا أناقشك ولاأجادلك بل أصفيك كجسد، وهذه حالة مرضية نجدها في كل أنحاء سورية. وسأعطيك مثالا حتى قبل الحراك، فحين وقوع أي حادث سير بسيط يمر في بلدان أخرى مرور الكرام مع اعتذار بسيط من أحد الطرفين، يتطور الموقف لدينا إلى معركة يستخدم فيها كل مايخطر ولايخطر في بالك، وأي مشادة كلامية قد تتحول إلى جريمة قتل لأتفه الأسباب .
كل ذلك له علاقة بحجم القمع الهائل الذي يمارسه المجتمع وأفراده بعضهم على بعض، حتى ضمن الأسرة الواحدة، فنجد الأب يقمع الأم والأم تقمع الأولاد والأولاد يقمعون بعضهم بعضاً، في المجتمع السوري أنت تقمع مشاعرك وأحاسيسك ورغباتك وأفكارك، داخلنا مليون شرطي يقمعنا وهذا ما أنتجته 50 سنة من القمع.
¶ إلى أين يمكن أن يصل هذا العنف الذي تتحدث عنه أياً كان مصدره، وإلى أين سيودي بسورية الدولة والكيان؟ وكيف يمكن مواجهته قبل تفجره الأعمّ؟
أكرر ماقلته سابقاً، وهو أنه إذا ترافق الحل العسكري الأمني مع حل ثقافي توعوي فمن الممكن أن ننتقل إلى دولة حضارية بالمعنى المطلق للكلمة. أما اذا استمرت الحلول الترقيعية فهذه مشكلة مستعصية، وما حدث حتى الآن في هذا المجال غير مبشّر، فالاستفتاء على الدستور كان مخيبا للآمال ولم نخرج عن الأسلوب القديم. في سورية غالبية الشعب هي الغالبية الرمادية التي لم تأخذ موقفا حتى الآن، وهذه الشريحة لا تقنعها إلا الحلول الإصلاحية الديمقراطية الحقيقية، والشعب لم يعد يتقّبل القمع والفقروالفساد بينما اثنان في المئة فقط من السوريين يمسكون الاقتصاد والبلد، فالعالم يتطور ونحن ثابتون في مكاننا.
¶ اتهمت النظام والمعارضة بأنهما مصران على عدم فهم الواقع السوري كما هو اعتمادا على أوهام كل منهما ؟ ماهو الواقع الحقيقي ..ولماذا الإصرار من قبل الطرفين على إنكاره ، خاصة أن الثمن هو تدمير سورية كما قلت؟
أعرف المعارضة جيداً، هم لديهم أوهام يسعون إلى تحقيقها بأية وسيلة. حتى كلينتون قالت إن المعارضة السورية لاتمتلك مشروعها لما بعد النظام، فالمعارضة نشأت في سورية وبالتالي هي تحمل كل أمراض المجتمع السوري وباستثناء هيثم مناع لا أثق بواحد منهم، ومشكلة النظام أنه ورث عقلية إقصائية وحدانية وحبس نفسه فيها وبالتالي فهو غير قادر سيكولوجياً على الخروج من هذه الحلقة المفرغة، ورغم ذلك هنالك اليوم بعض المؤشرات التي تحمل شيئاً من الإيجابية ومنها السماح للمعارضة العلمانية بالعمل علانية في الساحة السورية ومنها تيارنا، وأيضا الانفتاح الإعلامي السوري على شخصيات وحركات كانت مقصاة سابقاً والسماح بنوع من التعددية، (وإن كانت غير أصيلة) التي بدأت تتلمس طريقها في الشارع السوري. وأتمنى ألاتكون هذه البوادر الإيجابية تكتيكية؛ أي أنها جاءت فقط بسبب الأحداث التي تمر بها سورية منذ 13 شهراً.
إن دعم حراك كهذا؛ حراك ثقافي سياسي، ربما يكون أحد أهم المخارج للأزمة المستعصية على الحل
¶ قلت إن حلول النظام وخطاباته يجمعها على الدوام عنصر أوحد هو التأخر بسبب عدم تعوده على مواجهة حالات كهذه وقناعته المطلقة بعدم إمكانية حدوثها. هل تعتقد أن هذا التأخر هو دليل ارتباك وعدم فهم النظام ما يجري، أم أنه مقصود تماماً وأن مجرى ومآل الأحداث يظهر ذلك ؟
لا أعتقد أنهم لا يفهمون الواقع جيداً، لكن أعتقد أن حلولهم غير ملائمة لمقتضيات الوضع وهم متأخرون دائماً وأعتقد أنهم يتقصدون هذا التأخر، لكن حتى الآن لاأفهم السبب الذي يجعلهم متأخرين. نحن كأشخاص نطمح إلى بناء وطن مدني لا طائفي متحضّر، نبحث دائماً عن حلول جذرية سريعة تعيد إلى الإنسان السوري الثقة التي طالما افتقدها بالنظام، وتجسر الهوة الكبيرة بين النظام والشعب.
¶ هل ترى أن القبول الغربي والدولي لهذا التأخير سببه التخوّف من دخول القاعدة على الخط، أم أن أسبابه انتخابية بحتة وبالتالي يمكن أن يزول هذا القبول مع انقضاء هذه الانتخابات؟
من خلال متابعاتي وعلاقاتي مع بعض أصحاب القرار في أمريكا، لمست خوفاً حقيقياً من القاعدة أو من أي حكم سلفي قد يأتي إلى سورية .. لاسيما دمشق التي تختلف من وجهة نظرهم عن القاهرة، لأن المسافة بين خان أرنبة وصفد أقرب مما نتصور، في حين أن المسافة بين القاهرة وبئر السبع كافية حتى ننام على الطريق، والغرب لن يسمح بقيام حكومة سلفية في المهاجرين، وهذا ما يجب أن يفهمه الإخوان المسلمون الذين يبدو أنهم لم يتعلموا من الدروس التي تلقوها. في 29/5/2005 طلب البيانوني من فريد الغادري أن يفتح له خطاً مع الإدارة الأمريكية، فقال له الغادري: علاقتي مع الأمريكان تمر عبر الليكود، فأجاب البيانوني: لا مانع، ويبدو أن داليا مجاهد فتحت لهم كل الخطوط مع إدارة أوباما، لكن يبدو أيضاً أن ديفيد ماكوفسكي لايزال قوياً في أروقة البيت الأبيض، ولكن هذا لا يعني أن ينام النظام في العسل وينتظر التغيير المجتمعي من السماء.
¶ أطلقتم مؤخراً التيار الديمقراطي العلماني الاجتماعي. هل هو إطار ثقافي فكري فقط أم أنه مقدمة للدخول في العمل السياسي في مرحلة مقبلة ؟ ماهي أولوياتكم اليوم ؟ وهل يمكن أن نجد نبيل فياض في القادم من الأيام زعيما لحزب سياسي؟
التيار هو حركة معرفية بالكامل، لأن المجتمع السوري أفقر من الفقر معرفياً، وإذا أردنا أن نطلق أو نعمم مفاهيم سياسية فهذا سيكون نوعاً من العبث، إن لم نؤسس له معرفياً. التيار اجتمع مؤخراً لإطلاق منظمة غير حكومية أسميناها “دعم” وهي اختصار لثلاث كلمات “الدفاع عن المعرفة”. طبعاً أنا لست موجوداً في المنظمة كمجلس إدارة، والتيار سيسعى في الفترة القادمة لإطلاق حزب سياسي، لأنه يجب أن يكون ثمة توازن بين السياسي والمعرفي، إلا أننا كتيار نجد صعوبة في الاجتماع واللقاء والتحرك، لأننا لا نمتلك صفة رسمية، وفي حال وجود حزب سياسي يمكن أن يعمل التيار تحت غطاء الحزب بمعنى أن نعمل معرفياً تحت غطاء المنظمة غير الحكومية وسياسياً تحت غطاء الحزب. وأنا هنا أتمنى على القوى العلمانية السورية أن تتكتل كيلا نصل الى ما وصل اليه الوضع في تونس.
¶ ولكن أين هم العلمانيون.. وكيف تقيم موقفهم من الحراك؟
العلمانيون منقسمون بين مؤيد ومعارض، لكنهم يلتقون جميعاً في مسألتين : أولا اعترافهم، وبنوع من الحسرة بأن النظام أقصاهم واستبعدهم لمصلحة التطرف الديني وثانياً التقاء جميع العلمانيين على فكرة ضرورة التغيير المعرفي الجذري، لأنه من دون تغيير معرفي لا مجال لتغيير سياسي.
¶ تعددت الأحزاب التي رفعت شعار العلمانية. هل تعتقد أن هذا الشعار كاف كإطار للعمل السياسي؟
العلمانية فكرة سياسية، لأنها تدعو إلى فصل الدين عن السياسة، وليست مسألة أخلاقية أو دينية وهي ليست إلحاداً ولا ضد الدين ولا دعوى الى موقف معاد للدين، لذلك من المنطقي أن تتجسد بأحزاب سياسية مقابل الأحزاب الطائفية التي تتبنى قناعات قديمة بعينها، وفي النهاية أمام سورية حلان؛ إما دولة مدنية ذات مرجعية دينية، وأنا أسميها طائفية لأنها مقوننة طائفياً، وإما دولة مدنية ذات مرجعية علمانية وفيها لا يسود لون على لون ولا طائفة على طائفة.
¶ كيف تنظر إلى وثيقة العهد التي أطلقها الإخوان المسلمون ..هل تمثل بالنسبة إليك نقطة تحول في العقلية الإخوانية كما وصفها بعضهم، أم أنها تكتيك مرحلي سعياً للوصول إلى السلطة كما قال آخرون، وهل يمكن أن يصلوا إلى السلطة منطقياً؟
الإسلاميون لن يصلوا إلى السلطة بأية حال، لأن هذا سيفجّر المنطقة كلها، ووثيقة الإخوان ليست أكثر من تكتيك، لاأعتقد أنه بعيد عن ضغوط الأمريكان، خاصة كلينتون على المعارضة السورية من أجل اتخاذ موقف حول سورية ما بعد النظام الحالي، وجزء أساسي من عقلية الإخوان هو النفاق، وفي التقاليد الإسلامية الحرب خدعة، ولا أعتقد أن هذه الوثيقة تخرج عن الخدعة التي لابد منها في الحروب، لقد تحدث عضو التيارالديمقراطي العلماني الاجتماعي جورج برشين عن التناقض بين التقاليد الإسلامية والأعراف الدولية، و”الإخوان المسلمون” قالوا في وثيقتهم إنهم سيعتمدون الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، وأنا لا أفهم كيف يمكن أن نوفّق على سبيل المثال بين وثيقة سيداو والشريعة الإسلامية؟ لذلك كما قيل في الكتاب المقدّس “لا شيء صالح يأتي من الجليل” وأنا سأضيف “لاشيء صادق يأتي من “الإخوان المسلمون” هم يتهمون الآخرين بالباطنية، لكن ومن تجربتي الخاصة، لاأظن أن هناك تنظيماً في هذا الكون أكثر باطنية من “الإخوان المسلمون” بمن فيهم «أبناء الله في أمريكا».
¶ لطالما تحدثت عن حل معرفي ثقافي لإنهاء الأزمة. هل يمكن تطبيق هذا الحل على “شعب مقموع وعنيف وحذر ..لا بل يكره التغييرالسلمي” كما وصفته أنت خلال أحاديثك السابقة والحالية؟
أنا سأسأل في المقابل عن تونس التي في غالبيتها من المسلمين “المالكيين” ورغم ذلك استطاع الحبيب بورقيبة أن ينقلها إلى دولة علمانية حقيقية، ومهما اتسع حزب النهضة وقوي، فإنه لن يستطيع أن يهز أو يقضي على أركان العلمانية “البورقيبية”. وسورية بتعددها الإثني والقومي والثقافي والطائفي هي البلد الأكثر قابلية للانتقال إلى دولة مدنية ذات مرجعية علمانية من بين كل البلدان الناطقة بالعربية. لكن هذا بحاجة الى قرارات حاسمة تضع سورية أمام خيارين “إما.. أو”ّ.
¶ من الأكثر علمانية في رأيك ..النظام أم المعارضة ؟
من المؤكد أن النظام أكثر علمانية، والدليل أن فرج فودة قتل وأنا مازلت على قيد الحياة.
¶ اخترقت محرمات عديدة وهاجمت الإسلاميين بشدة ولك علاقات مع اسرائيليين، لكن عاقبة كل ذلك كانت أقل بكثير مما كان سيتعرض إليه أي شخص آخر في هذا البلد .. من يحميك؟
نعم، هناك أشخاص من النظام قاموا بحمايتي، والآن هناك العديد من الأشخاص في النظام يحمونني، ولاداعي لذكر أسماء في هذا السياق. ولكن أستطيع أن أذكرعلى سبيل المثال في السابق الدكتور فؤاد ناصيف، وهو صديق وشخص مثقف جداً كان مقتنعاً بمشروعي العلماني، فكان الصخرة التي درأت عني كل السهام التي كادت تقتلني.
في المقابل هناك في هذا النظام أشخاص سيئون، لكن الضربة التي حصلت مؤخرا أيقظت الجميع بمن فيهم الشخصيات المفصلية، فعرفوا أخيراً أننا كعلمانيين لسنا مصدر الخطر، وإنما الخطر يأتي من الطرف الإقصائي التكفيري العرعوري.
بالنسبة إلى الإسرائيليين، فقد كنت نشرت منذ زمن طويل للغاية مقالة بعنوان”يوسي أم يوسف” قلت فيها بوضوح، إن العلماني الإسرائيلي، يوسي بيلين، أقرب إلي من السلفي المتلوّن، يوسف القرضاوي.
هذا رأيي، ولا أخالف فيه الدستور. أعتقد أن ثمة هرمجدون ستقوم أخيراً، لكن ليس بين دين ودين، بل بين العلمانيين من كل الأديان والمذاهب، والسلفيين من كل الأديان والمذاهب أيضاً.
¶ هل بتّ تخشى على حياتك الشخصية..وهل تعتقد أنك مهدد أكثر الآن؟
عموماً أنا لا أتحرك ولا أخرج من منزلي الآن، لكن وضعنا كعلمانيين في سورية أفضل من قبل بكثير مقارنة بما حصل لفرج فودة ونصر حامد أبو زيد ونجيب محفوظ . وأنا أعرف أيضا أن الوضع في سورية أفضل من مصر التي تعتبر أهم دولة ثقافة في الشرق الأوسط.
¶ هل أنت متفائل بمستقبل أفضل لسورية؟
إذا سمح النظام للقوى اللاطائفية واللاإقصائية أن تنشط، وإذا ماوفر لها الحماية، فسورية هي البلد الأخصب للعمل المعرفي، وأعود لأؤكد للمرة الأخيرة، أنه إذا ترافق الحل الأمني – العسكري مع حل ثقافي ومعرفي وتوعوي، فأنا متفائل .
:::::
المصدر: صحيفة “بلدنا”
الرباط في موقع زنوبيا
http://www.znobia.com/?page=show_det&select_page=16&id=12752
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.