ما الذي يريدونه للبنان ؟!

عبداللطيف مهنا

مالذي يريدونه للبنان؟ ، ماالذي يجرونه اليه؟ ، وماالذي يعاقبونه عليه؟

أسئلة طرحتها علينا الجولات الدامية التي شهدتها الأحياء الطرابلسية مؤخراً، والتي إن هى هدأت إلى حينٍ لم يبارحها الإحتقان بعد وامتدت إرتداداتها إلى بيروت والبقاع وعكار. إن أول ماكان منها أنها ذكَّرتنا وذكَّرت اللبنانيين قبلنا بفصل من فصول الإحتراب الأهلي الكيسنجري، الذي لازالت ندوبه ماثلةً في الجبين ورواسبه كامنة في الوجدان الوطني ولم تبارحمهما آثاره الغائرة بعد. ثم أن ماجرى أُتبع باغتيالٍ لشيخٍ في عكار واختطافٍ لعائدين من حجيجهم الى مزاراتهم الدينية في إيران، بعيد إجتيازهم للحدود التركية السورية، وهو تسلسل أكثر من كافٍ لإثارة تليد كوامن الغرائز الطائفية المصانة بفضلٍ من الصيغة اللبنانية التوافقية الهشة، والعرضة عادةً لشتى الإهتزازات مع أبسط هبوبٍ لمامن شأنه تحريك مخبوئها الدفين، وبالتالي الى سهولة تفجيركافة مخزون سوءاتها مرةً واحدةً …الغرائز التي يتم شحنها في لبنان وسائر المنطقة منذ أمد.

هنا، لابد لنا من طرح سؤال يطرحه على اللبنانيين، وعلينا جميعاً كعربٍ، هذا الراهن المريب في ظل كامل هذا المشهد القلق الضاج بمفارقاته، الذي تعيشه هذه المنطقة برمتها…ترى، هل يمكن فصل ماجرى في لبنان عن مايجري في سوريا ويخطط لها، أوإجمالاً عن ما يبيَّت لهذه ألأمة ككل، وبالتالي، كيف لنا عزله عن ما يُلحظ من جولات لاتكل ولا تمل للسفيرة الأميركية وطاقمها في أرجاء لبنان، ونذر الشؤم المتمثلة في الزيارات الخاطفة المتكررة لسيىء الصيت فلتمان لبيروت، وتلكم الجولة التفقدية للسيناتور الأميركي اليهودي الصهيوني جو ليبرمان للحدود اللبنانية السورية؟!

… هل يمكننا تجاهل مغزى سحب بعض العرب للسياح العرب من المنتجعات السياحية اللبنانية، وهو الأمر الذي لاينظر اليه اللبنانيون إلا على أنه إنما يهدف إلى ضرب الموسم السياحي في بلدهم في مقتلٍ، هذا الذي بدأ تواً و في ظرفٍ يعاني إقتصادهم فيه ما يعانيه ؟!

إنه، وحيث قضايا الأمة كلها تظل دائماً المتصلة اللامنفصلة على الرغم من إختلافٍ في تفاصيلها و بعض من خصوصياتها، ولكون نوازلها وهمومها الناجمة عن الإستهدافات المعادية في كافة أقطارها القريبة منها والبعيدة تبقى المترابطة المتشابكة، لاسيما منها مالها خصوصية العلاقة والوشائج اللبنانية السورية تحديداً، فأن من المحال علينا النظر لما جرى على الساحة اللبنانية إلا على الوجه التالي:

معاقبة اللبنانيين على سياسة محاولة النأي بالنفس عن ما ما يجري في سورية، والتي تعني في شقٍ منها عدم تحوَّل بلدهم إلى مرتكزٍ تآمري لتدمير الدولة السورية، أوتحويله إلى معبرٍ للأسلحة المهرَّبة للشقيقة الجارة، أومنطلق لإذكاء الفتنة التي تواجهها ومحاولات إطالة أمدها بصب الزيت على نارها الملتهبة كلما لاح لها خبوتاً ممكناً. ذلكم لإدراكهم جميعهم، معارضةً ومالاةً، أن بلدهم سوف لن ينجوا في نهاية المطاف من السنتها إن هي إستمرت ، أوالتي أول ما ستطاله هوهشيمهم الطائفي القابل للإشتعال قبل سواه في منطقة سوف تكون بكاملها على موعد محتوم مع عقابيلها الكارثية…معاقبة لبنان على كشفه واعتراضه ومصادرة سلطاته لباخرة الأسلحة المهرَّبة في طريقها لسورية، التى مخرت بأمان عرض المتوسط من جنوبه إلى شماله فشرقة لترسو على شواطئه، التي تحرسها قوات دولية لمنع وصول الأسلحة إلى مقاومته دونما إعتراضٍ من هذه القوات، ولا من قبلها أساطيل الحرب، تلكم التي لاتفارق المياه الدولية ولاتكف عن مراقبة المنطقة بأسرها! وكشفه لبعض شبكات تهريب الأسلحة وإعتقال بعضٍ من مهربيها ومموليها، وإجمالاً، محاولته ماستطاع إقفال حدوده مع سورية في وجه تدفقها.

هذه واحدة، والثانية هى، معاقبة هذا البلد الصغير على ماحققته مقاومته من توازن رعبٍ في مواجهة العدو الصهيوني، وبعضٍ من محاولات ضرب هذا التوازن المقلق للغرب الحريص على تفوق إسرائيله، والساعي الدائم للنيل من المقاومة والممانعة، فكرةً وتجسيداً، في لبنان وفلسطين وسائر دنيا العرب، وتحويل الساحة اللبنانية إلى عبىءٍ على سورية الجريحة يضاف الى الأزمة التي تعيشها، والتي يتعهدون تعقيد سينياريوهاتها ورفد إستعصاءاتها إعلامياً ومادياً، ويجهدون بكل الوسائل لمنع السوريين من التنادي لكلمة سواءٍ توقف النزيف السوري وتحفظ سورية الدولة والوطن، بما يعنيه هذا البلد تاريخياً لأمته، ولما له من دورٍ رياديٍ دائمٍ في الذود عن قضاياها.

والثالثة، تحويل لبنان إلى ساحة حربٍ مفتعلةٍ ضد “العدوالإيراني” المزعوم كبديلٍ للعدو الصهيوني، وكمنطلقٍ لفوضى يراد لها أن تطال المنطقة بأسرها وتفيض من حولها إلى ماهو الأبعد، وقد تصل حتى مابعد القفقاص الروسي القلق، حيث بدا أن الروس هم أول من فهم الرسالة اللبنانية وأكثر من يتحسبون لأبعادها ويتوجسون من مراميها، الأمر الذي عكسه رد الفعل الغاضب والسريع والمشير لإدراكهم خطورة تداعيات هذا الحدث اللبناني.

بقى أن نقول، إنه، ومن أسفٍ، تشكل البيئة السياسية اللبنانية، التي تتحكم فيها، بل تتوارثها، في غالبها زعامات تقليدية تتكىء على الصيغة الطائفية وتحاول تأبيدها لضمان إدامة إحتكارها لنصيبها من قسمة كعكة السلطة، وتتعامل مع غنائمها المستدامة كوقفٍ دريٍ ترثه وتورثه من بعدها… تشكل ساحةً تتوفر فيها القابلية لتسعيرفتنةٍ سوداءٍ يهدف مثيروها لتقسيم الأمة إلى جبهتين طائفيتين لايخدم إصطراعهما المفتعل إلا أعدائها المتربصين بها … لعل في حكمة الخيِّرين في لبنان وما بدى حتى الآن من تداركٍ متعقِّل إتسمت به محاولات إحتواء تداعيات ماجرى، وأجمعت عليها كافة الأطراف، وساعدها على هذا الإجماع خشيتها، ومن بينها حتى أولئك اللاعبين بنار الفتنة، من سقوط المعبد الطائفي على رؤوس الجميع…لعل فيما بدى ما يبعث الأمل بتجاوز لبنان لما دبَّره وسيدبِّره أعداؤه الساعون لمعاقبته.