العميد الدكتور امين محمد حطيط
قد يكون البعض فوجئ بما اقدم عليه التحالف الغربي بقيادة اميركية من ” انهاء عمل ” دبلوماسيين سوريين لدى هذه الدولة او اعلان تلك الدولة بان دبلوماسيين سوريين غير مرغوب فيهم، عمل تم متزامنا و منسقا بحيث ان المواقف جلها اتخذت في اقل من 24 ساعة بعد بيان مجلس الامن الذي يحمل مرتكبي العنف في سوريا مسؤولية المجزرة االوحشية التي حدثت في “تلدو” القرية – الضحية في منطقة الحولة السورية قرب حمص.
لكن المتابعين للعدوان على سوريا و منذ ايامه الاولى كانو يترقبون مثل هذا السلوك الغربي الذي يهدف الى فرض عزلة دبلوماسية دولية على سوريا بعد ان تمكنت من افشال الحرب الكونية عليها و ادخلت خصومها و اعدائها في مآزق معقدة مظلمة ما ادى الى تناحرهم و تفكك بعض هيئاتهم المصطنعة من اجل العدوان و تنفيذه. لا بل اننا نرى بان هذا القرار قد تأخر لنيف و خمسة اشهر حيث كنا نتوقعه في مطلع العام الجاري بعد ان تمكنت ما تسمى ” معارضة سورية ” من السيطرة المسلحة على بعض المناطق السورية خاصة في ريف دمشق و حمص و ادلب و قبل ان تنجح القوى الحكومية باسقاط هذه المناطق و اعادتها الى كنف الدولة.
لكن الغرب و بعد ما آل اليه الوضع السوري و تشكل الموانع التي تحول دون التدخل العسكري الاجنبي فيه، و بعد ان لمس بان العقوبات السياسية و الاقتصادية التي فرضت بحق الشعب السوري خارج الامم المتحدة و بتجاوز للقانون الدولي،لمس انها لم تحقق اهدافها من لي الذراع السوري، و بعد ان تبين له ان مهمة انان التي كان يعول عليها ليتخذها حصان طرواة و جسر خديعة يمكنه من الالتفاف على رفض التدخل العسكري الاجنبي، اذ ان الحنكة ادت الى احتواء هذه المهمة- الخديعة و منعت تحويلها من مهمة سلمية تبحث عن حل سلمي للازمة لا يتجاوز النظام القائم بل يكون بقيادته، الى مهمة استطلاعية تمهيدية للتدخل العسكري الاجنبي في سوريا بما يمكن من الاطاحة بالنظام و تنصيب الاتباع و عملاء المخابرات الاميركية حكاما في سوريا.
في ظل هذا الواقع و انطلاقا من تلك الخلفية حاول الغرب ان يستثمر مجزرة الحولة ليعبر عن ” حنقه و غضبه ” على النظام و ان يظهر جديته في متابعة الحرب عليه لاسقاطه بعد عزله فاتخذ تلك القرارات باخراج بعض الدبلوماسيين من السفارات السورية لديه. و هنا يطرح السؤال حول اهمية القرار الغربي و نجاعته في تحقيق الاهداف المتوخاة في سوريا.
و لكن قبل الاجابة لا بد من الاشارة الى ان السبب الذي استند اليه الغرب و اعتمده ذريعة ” للعاصفة الدبلوماسية ” التي اطلقها ضد سوريا الان هي واقعة محرفة لجأ الغرب فيها الى تبرئة الجاني و ادانة البريء. لان المذبحة المدانة و الوحشية المستنكرة و التي ارتكبت في “تلدو ” نفذت بحق قرية سكانها من المسلمين الشيعة المؤيدين للنهج الاصلاحي الذي يعتمده الرئيس الاسد و المعارضين لاعمال العنف و الارهاب التي يرتكبها التكفيريون و الارهابيون تحت مسميات عدة منها مسمى ” جيش سوري حر “، و ان القتل تم كما بات ثابتا على شكل اعدامات حصلت بالطعن و الذبح او اطلاق النار من مسافات قريبة، و هي الطريقة ذاتها التي تعتمدها المنظمات الارهابية و الاجرامية التي تعمل في سوريا تحت شعار اسقاط النظام، و بالتالي اذا عرفت الضحية و هويتها و اسلوب القتل و نوعيته تعرف بسهولة هوية القاتل و هنا ستكون حتما تلك المنظمات التي احترفت القتل و الابادة و التدمير. تاكيدا للتلفيق هذا رابنا كيف ان محطة اعلام غربية عريقة لم تجد غضاضة بالتضحية بسمعتها و نشر صورة التقطت في العراق لحالة قتل جماعي في العام 2003 ارتكبها الجيش الاميركي، فروجتها على اساس انها لمذبحة الحولة المار اليها.
أ. و بعد هذا نعود الى التساؤل عن اهداف الغرب من القرارات التي اتخذها بحق الدبلوماسيين السوريين فنجد ما يلي :
1) حاجة الغرب الى صدمة تعيد تماسك جبهة العدوان على سوريا، و تظهرها بمظهر الموحد على قرار معين في مسار العدوان الذي تنتهجه، خاصة بعد وصول العدوان و على كل الجبهات العسكرية و السياسية و الاقتصادية الى الطرق المسدودة بما ينذر بمخاطر تفكك الجبهة.
2) حاجة الغرب الى دخان حاجب للترهل و التردي في وضع “المعارضة السورية” خاصة عل صعيد “مجلس استنبول ” المسمى “سوري وطني ” و الذي اعتبره الغرب في لقاء اعداء سوريا الاخير انه الممثل الوحيد للشعب السوري و انه الجهة المسؤولة و المستوعبة للمعارضات السورية كلها، ثم ظهر المجلس متفككا منهارا لا يقوى حتى على انتخاب رئيس له ما جعل “غليونه” يستمر قائما باعمال الرئيس اثر حمله مكرها على الاستقالة من المنصب بعد اقل من شهر على انتخابه.
3) حاجة الغرب الى انتاج بيئة تمنع النظام في سوريا من استغلال “مذبحة تلدو” التي ارتكبتها جماعات التكفيرين و اخوانهم تحت لافتة “جيش سوري حر ” كما و تجاوز الاعمال الارهابية التي يرتكبها هذا الاخير و التي كان منها مؤخرا خطف اللبنانيين ال 11 و هم في طريق عودتهم من زيارة الاماكن المقدسة في ايران عبر تركيا.
4) حاجة الغرب للضغط على سوريا و حلفائها الاقوياء مثل ايران و روسيا و دفعهم للتنازل من اجل حل وسطي في سوريا يعوض الخسائر التي مني بها الغرب حتى الان في هجومه العدواني المستمر منذ نيف و 15 شهراً.
ب. اما في مفاعيل قرار ” انهاء عمل بعض الدبلوماسين ” و اثاره على سوريا فنرى انه قرار لا تتعدى قيمته المستوى الاعلامي و النفسي و لا تصل لاحداث مفاعيل قانونية او دبلوماسية مؤثرة، فالقرار انحصر في انهاء عمل بعض الدبلوماسيين العاملين في سفارات سوريا لدى البلدان تلك، و لم يكن قرار قطع علاقات دبلوماسية او سحب اعتراف بالدولة او اغلاق سفارتها،او كما يطلب مجلس استنبول و يتمنى منذ زمن تسليمه سفارات سوريا و الاعتراف به كممثل للدولة السورية. و بالنتيجة سنرى بعض الدبلوماسيين السوريين سيعودون الى بلادهم و قد تقابل سوريا الوضع بالمثل و تطرد عددا مواز من الدبلوماسيين الاجانب لديها و تستعمل الصيغ و العبارات ذاتها بحقهم و لا يكون في التبادل الاجرائي هذا منهزم او منتصر ثم و خلال ايام معدودة تتآكل مفاعيل االقرار الاعلامية و النفسية كما تآكلت حتى النسيان مفاعيل قرارات مشابهة اتخذتها دول مجلس التعاون الخليجي بصدد سفاراتها في دمشق.
ت. و يبقى ان نشير الى ان الاهم من كل القرارات الدبوماسية هذه موقفان يتعلقان بالتدخل العسكري الاجنبي و بمصير مهمة انان، و هنا نرى ان الاول لا زالت طرقه مقطوعة و لا ينتظر تغييرا في هذا الشأن، اما الثاني فنرى انه و رغم عدم تنصل الغرب من المهمة حتى الان، الا ان المهمة ذاتها بدأت تترنح لان الخديعة الغربية لم تمر حيث ان سوريا تعاملت معها بحكمة و حنكة منعت ذلك و هي لن تقبل بتطوير مهمة المراقبين كما يشتهي الغرب ليصبحوا 5000 مراقب ثم يسلحون و يتحولون الى كقوة فصل عسكرية. فسوريا لن تقبل بقوات فصل على اراضيها تفقدها السيادة، و هي ستقاتل من اجل ذلك و معها حلفاءها الذين لن يسمحوا بالالتفاف على مواقفهم المتمسكة بالحل السلمي الحصري للازمة.
لكل ما ما تقدم نرى و خلافا لما يريد البعض الترويج له من باب “انهاء عمل دبلوماسيين سوريين في دول غربية “، نرى ان سوريا لا زالت في االموقع المنيع الذي لا تتمكن معه حركات الضغوط و التهويل و الابتزاز لا تقوى على تغيير شيء من خطوطه الرئيسية و المفصلية، و ستذهب مفاعيل القرارات الدبلوماسية الغربية الاخيرة ادراج الرياح ايضاً.
::::
جريدة “البناء”