وانتصر الجيشان السوريان الثاني والثالث:

الدبلوماسية والإعلام

عاد سمارة

لم نعتد البهجة كثيراً لا كعرب ولا كأهل الأرض المحتلة. وقد يكون غريباً أن نبتهج حين التحدي ولحظة الأزمة! ولكن، أليس حرياً بنا الابتهاج حين يُذلَّ العدو معترفاً بأزمته، حتى لو كان يطلق النار علينا، لكنه إطلاق النار في مناخ التخبط.

سأظل مع الراي القائل بان الحرب قائمة منذ وقع الوطن بيد الثورة المضادة، وهذا أسبق حتى من سايكس-بيكو، وسأظل أدعو بان تبقى أيدي الثوار على الزناد زناد الكلمة والفكرة والنظرية والرصاصة واللوحة الفنية والكرتون، وها أنذا أرى في اللحظة ناجي العلي قتيلاً حياً.

لم ابالغ في القول قبل ايام إن على سوريا أن تتأهب وتتأهل لقيادة مرحلة، لقيادة غدٍ، بل المستقبل. وها هم أعداء الوطن من الحكام والإعلاميين يفقدون تماسكهم أمام قوة الدبلوماسية وقوة الإعلام العربي في سوريا.[1]

يجدر بنا التنبه إلى أن حرباً بضخامة التي تُدار ضد سوريا، ومن وراء سوريا هي حرب تستهدف مصير الأمة باكملها، وهي حرب لا تقودها السعودية أو قطر، ولا مختلف القُطريات التابعة منفردة أو مجتمعة، حاشا لله!. هي حرب لم ولن تجرؤ الجامعة العربية على اتخاذ اي قرار بشأنها من لدُنْها. كل شيء يُطبخ في مطبخ (ثنك تانكThink Tank) أمريكو_أوروبي_ياباني –صهيوني. وفي ذيل ذلك تأتي الأنظمة العربية التابعة والمعادية للقومية العربية. ألم تكن الولايات المتحدة هي أول من فرض المنع على الفضائيات السورية؟ أليست هذه هزيمة لإعلام البرجوازية الأميركية؟ وبعد قرار أمريكا، يكون تحرك الأدوات. بعد بلاك ووتر أدخلت القاعدة إلى سوريا.

كان الهجوم ولا زال ضد حماة الديار، وصمد الجيش العربي السوري وحمى سوريا وبقي متماسكاً بأعلى مما تخيلنا كمحبين لسوريا. يقولون بأنه جيش عقائدي. عجباً، ولماذا لا يكون عقائدياً؟ أليس الذي يخون هو غير العقائدي؟ أليس فقدان العقيدة هو الضياع؟ ألا نرى تخبط الإخوة ثوار مصر حين بدأوا دون رؤية ودون تنظيم؟ الا نلاحظ الجهد الضخم الذي يُبذل الآن لإعادة الاصطفاف وتحميل الرؤية؟ ثم الم نتعظ من تساقط قيادات شيوعية كبيرة أحجامها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي؟ اليس لأنها بلا عقيدة، وحتى من يحاول اليوم استعادة توازنه، فلن يعود اصيلاً، لأنه لم يكن كذلك. ألم نأخذ عبرة من قيادة بعث العراق التي لم يتساقط منها رجل واحد حتى أمام أعواد المشانق؟ وحتى طارق عزيز الذي يموت كل يوم، ما زال في شموخ الجبال. ليقل مثقفو ما بعد الحداثة ومثقفو ما وراء البحار وما وراء الستار وما وراء الدولار إن هذه أنظمة قمعية، نعم، ولكنها وطنية قومية عروبية. أعطني في هذه اللحظة وطنياً لأعطيك عمري.

هزمهم الجيش الحربي العربي السوري. فانتقلوا إلى الجيش السوري الثاني أقصد الكادر السوري الدبلوماسي. لقد حاول الغرب العدو بلا مواربة اختراق السفارات العربية السورية. وفشلوا في اختراق اي شخص في اية سفارة سورية. ترى، هل فهموا هذه الرسالة؟ ولو قارنا، وللأسف، كيف تفككت الدبلوماسية الليبية، لراينا الفارق الذي يدعو للإكبار والاحترام.

أليس بالأمر الجلل أن يكون الجهاز الدبلوماسي منيعاً على الاختراق؟ والجهاز الدبلوماسي هو خارج سوريا، بمعنى أن فرص السقوط أقل كلفة مقارنة بالداخل. وحين فشلوا انتقموا من السفارات السورية بدءاً من فرنسا الموتورة أكثر من غيرها، والي تؤكد حكومتها الحالية أن الشبه بين فرنسا والكيان الصهيوني شبهاً يكاد يصل التطابق، فلا يسار في بلد إمبريالي ولا في مستوطنة بيضاء. ليس هناك من فارق بين هولاند وساركوزي سوى التعبير الذي صاغه الصديق المفكر أحمد حسين في المحتل 1948 بأن ساركوزي “جندب” بينما على هولاند بعض اللحم أكثر! كان طبيعياً أن تلحق بفرنسا مختلف الإمبرياليات العتيقة التي تمص شفاهها تلمظاً للدم السوري، ودم أهل الشام. إيهٍ أيها القتلة البيض! أما التحاق اليابان[2] بهم، فليس أبلغ من قول ماركس عن هؤلاء جميعا: تآخي اللصوص! إنه الولوغ في الدم وصولاً إلى التراكم. وفي العدو وراء التراكم تختلط ألوان الأبيض والأصفر.

وأخيراً طُلب من مجلس الجامعة العربية شن حملته الأخيرة لمنع شركات الفضاء من السماح بالبث الإعلامي العربي السوري.

طريف هذا! فطالما اتهموا الإعلام السوري بالتخشب. وربما لهذا أطلقوا الأعنة لإعلامهم كي يكذب ويزور معتقدين أن لا أحد بوسعه كشف أكاذيبهم، وهي أكاذيب تمتع بها أل بي.بي. سي، و سي. أن.أن قبل فضائيات الريع النفطي كالجزيرة والعربية ناهيك عن الكثير من مؤسسات الإعلام في الأرض المحتلة، فكيف لو كانت مستقلة هذه الأرض!.

رغم إمكانياتهم الهائلة، ورغم قلة الإمكانات المالية والتقنية للفضائيات السورية، إلا أن قرار مجلس الجامعة هو بلا مواربة إعلان هزيمتهم حتى لو اتخذ شكل الهجوم. والهزيمة هذه المرة هزيمة موقف وهزيمة فكرية وهزيمة أخلاقية وهزيمة عقائدية. ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن الموقف المشرف، والموقف المشتبك هو الأقوى، فليست المسألة تقنية بحتة، وليست أموالاً فقط، بل إن هذا يعيدنا إلى الحقيقة التاريخية والعلمية والمعرفية بأن الإنسان هو الأساس. القوة البشرية، قوة الإخلاص والانتماء. لقد عبرنا في الأرض المحتلة معارك عديدة في مستويات الفكر والإعلام، وما نزال، واثبتنا أن المخروقين سراُ وعلانية، والقابضين علانية وفي الخفاء، وعاقدي الصفقات مع الأنظمة وادوات الأنظمة مهما توفرت لهم من الإمكانيات والرشى، وبيع الضمائر وحتى الأجساد لم يصمدوا أمام بأسنا القوي في ذاته والفقير بإمكانياته، لأننا متطوعون بإيمان وانتماء. فسقطت هالة أعضاء الكنيست، وانكشفت عورات مطبعي الثقافة والفن والإعلام، وتلعثم مثقفو ما بعد الحداثة وتابعو الفرانكفونية، وساكنو الكيبوتسات في أحضان المستوطنين الصهاينة، وضاقت عليهم الفضائيات بما رحبت، فقط لأنهم مخروقون ومأجورون. واتضح بأن الشارع البسيط يحب سوريا، ولم يعد يأبه بثرثرات المثقفين. وربما ليس هذا لبلاغتنا، ولكنها بلاغة الروح الشعبية الأصيلة التي حينما ترى تهالك المثقفين والساسة على فوهات آبار النفط وحكامٍ من ما قبل الحضارة والمدنية البشرية في بلاد المال النفطي المفخخ، تخلع حذائها وترمي به هذه الديناصورات لتنقرض.

بقي أن نقول إن على نقابة الصحفيين في الضفة والقطاع أن تعلن رفضها وشجبها لهذا الاعتداء الرسمي العربي على الوعي العربي عبر محاصرة الإعلام السوري. إن النقابة امام اختبار احترام الذات كنقابة على الأقل بموجب دورها كنقابة إعلام. وبغير هذا، فهي تصطف إلى جانب من امرتهم الإمبريالية الأميركية بتاريخها الوحشي، وضميرها اللاضمير، فأطاعوا. المسألة اليوم ليست مع سوريا وضدها، بل مع احترام المرء لوعيه.

 


[1] منذ بداية الحرب على سوريا، سألني صديق يخالفني الراي في سوريا: كيف تحسم مع سوريا والمعركة لن تتضح بعد، ألا تخاف على نفسك؟ يا عزيزي، حين يكون العدوان على الوطن، لا يحق لنا إجراء حسابات. ثم ماذا سأفقد؟ ماذا لدي لأفقده؟ إن لم أحسم مع سوريا افقد ما تمسكت به، وهو شرفي.

[2] لا ينتبه كثيرون منا للوحش الياباني، ولا اقد هنا قتل ملايين الصينيين، بل اقصد أن اليابان وهي تقدم مالا مسموماً للأرض المحتلة 1967 تنسق ذلك مع الكيان تماماً. حين كتبت عن هذا جائني صحفي ياباني يسأل لماذا كتبت في مجلة كنعان عن بلاده. قلت له قبل ان اقل لك إفهم أنني أدافع عن وطني. قل لي إسم المثقف العميل الذي قرا لك المقال؟ تردد، فقلت له لا داع للنقاش، فاضطر للقول: نعم ترجمه لنا عميلً!