من يعترف على حزبه

يتعيش بمال النفط المفخخ

عادل سمارة

عزيزي د. موفق محادين،

تابعت بقدر الإمكان مذكرة الداعين لطرد السفير السوري من عمان. وتابعت هجمتهم المعلنة عليك ، والتي لا شك سبقتها هجمات في الكواليس، وتذكرت أنني كلما توفرت لي بعض الفلوس أتصل بك: فترد مين؟ أرد أنا بالعيارة التهكمية بيننا: يتحدث إليك الوطن البديل!.

أنا في الأرض المحتلة واسمح لي بالاعتذار عن جهلي بأنها محررة في غفلة مني، محررة على ايدي قوى الدين السياسي وأنظمة المال الخليجي المفخخ واولاد هيلاري واتفاقات كامب ديفيد ووادي عربة ومذبحة أوسلو، ومكاتب الكيان في قطر. نعم لم أدر أن هؤلاء قد حرروا فلسطين، وانا غافل أو أنني ناكر لجميلهم. ولذا بقي عليهم “تحرير” سوريا.

المهم، يا ابا فراس، فإنني أعرف بعضهم/ن. أحدهم اعرفه منذ عام 1964 حينما كنا في حركة القوميين العرب. كان شغوفا بحمل كتاب في يده حتى لو كان غلاف كتاب. ذات يوم التقيته في عمان أمام مقهى الكواكب 1965 بعد ضربة القوميين والبعثيين من المخابرات. وهناك استوقفني قائلاً:

عادل: اريد رايك في مسألة هامة؟

–         ما هي؟

–         هو: حاولت العودة لاستكمال دراستي في مصر، لكن مخابرات أبو رسول قالت لي، “حينما تقرر ان تاتي وتقدم إفادة عن عضويتك في الحركة” تأخذ الإذن بالسفر”.

–         قلت له وتسألني أن تعترف ام لا؟

–         قال نعم

دارت في ذهني مئات الأفكار، وكنت حينها فتياً وعفياً: هل أحطم أنفه. يا إلهي، أنا افهم أن يعترف المرء تحت التعذيب، ولكن أن يفكر هكذا بحرية وديمقراطية في الاعتراف، وهل المخابرات ديمقراطية إلى هذا الحد؟! قلت لنفسي هذا الشخص مُعترف حقاً أو قرر الاعتراف ويريد دفشة إلى الأدني على أن اتسخ أنا بها.

قلت: إعترف لأنك لا بد أن تعترف.

لم أره من يومها، وسمعت أنه كتب كذا وعمل كذا وصار كذا، ولكن لم يبق منه في ذاكرتي سوى ذلك الموقف. هذا نموذج الخلايا النائمة.

وهناك اثنان من موقعي العريضة، التقيتهما في عمان ودُبي (في مؤتمر دعت له نقابة الصحفيين هناك لمقاطعة امريكا) وكان بين الحضور الرفيق الراحل عبد الرحمن النعيمي (سعيد سيف). الذي قال لي مازحاً:

“من اين لك هذا الاعتدال حتى تجمط هؤلاء” ، يقصد اثنين من قوى الدين السياسي الذين تحت جلديهما العلم الأمريكي، ولا أخفيك بأن مناخ المجاملات ضد الكيان يدفعك لمداراة هؤلاء، لكنني لم أتمكن في داخلي من هضمهم، كنت اشعر ان هؤلاء لا يؤمنون بشيء اسمه عربي حتى الوطن نفسه. وها هي هذه العريضة تقنعني أن شعوري الداخلي كان سليماً. أعلم أنك تعرف عن كل من هؤلاء قصة.

وأعلم أنك لا تقلق، وأنك لا شك في جلساتك مع الشرفاء تنثر أطناناً من الهُزء والتندر كعادتك، ونحن مع سوريا مهما كانت النتائج.

عزيزي: من يساوم على حزبه بشهادة جامعية، ومن يساوم على الوطن بولائه لحزب يعيش من المال الخليجي المفخخ  ويُعيِّشه لا بد أن يفعل هذا، ولو كان أقل انتهازية لحمل السلاح ليذبح فلاحي ريف حلب.