أولاد هيلاري
5
عادل سمارة
تناقش هذه السلسلة مفاهيم ومصطلحات، وضعتُها واستخدمتُها على فترات متفاوتة، ولا ازعم أنها ثوابتاً لا لديَّ شخصياً ولا لدى الزمن. ولكنها محاولات لإعطاء معنى لأحداث وموضوعات وحتى لمفردات تتطلب ذلك. ليس هذا نحت لغة أخرى مثلاً كما زعمت النسويات الراديكاليات بخلق لغة ضد ذكورية فاصطدمن بحائط أدى إلى الصلع الفكري، ولا كما يزعم من يتهربون من الفكر الشيوعي بتهمة أنه –اوروبي- فيرفضون أدواته في التحليل ويحاولون خلق أدوات أو لغة أخرى، نحن بانتظار إنتاجهم!
اللغة نتاج البشرية، والعبرة في تحميل المعنى وتحرير الأدوات. هذه محاولة لتحرير المعنى من أجل تحرر الإنسان، هي إعلان انفلات اللغة وتحررها من قيود فُرضت عليها سواء من مفكرين/ات أو مؤسسات، اي خروجاً على التعليب. وعليه، فهذه المعاني مفتوحة سواء على تطورها/ تطويرها من الكاتب او اي قارىء.
* * *
قد تكون الصدفة التاريخية هي التي منحت هذه السيدة فرصة الظهور تزامناً مع الحراك العربي بمسمياته، ثورة وثورة مضادة وحراك وإرهاصات…الخ فلو حصلت هذه التطورات أثناء شغل كونداليزا رايس، أو جيمس بيكر أو كولن باول لخارجية الولايات المتحدة لنُسب المقصودون إليها/ه.
والمغزى هنا أن هؤلاء أولاد النظام السياسي والثقافي والإعلامي والاختراق الغربي لمثقفين وفتية وشيوخ في الوطن العربي وغيره بالطبع بما أنهم طابور خامس لا يجري الالتفات إليهم/ن وبالتالي يندسون في كل مكان ومستوى والأهم بل الأخطر هو قِلَّة التنبه لهم/ن.
كشفت التطورات الأخيرة في الوطن العربي عن مخزون هائل من العرب المرتبطين بالمركز الإمبريالي. بمعنى، أن هؤلاء كانوا قد أُختُرقوا في فترات سابقة على لحظة الحراك. وحين نقول المركز الإمبريالي فذلك يعني الارتباط بالصهيونية بدرجة أو أخرى وبمستوى أو آخر، وعلى الأقل، من باب شبه تطابق الاستراتيجيات.
وليس سؤال هذا الحديث إن كانت الولايات المتحدة هي التي اشعلت هذا الحراك أم لا، لأنها ليست هي. ولكن دولة بطموح امبراطوري، وتعيش على ريع نهب العالم وخاصة الوطن العربي هي لا شك لديها خططاً وسيناريوهات لكل بلد في العالم وخاصة الوطن العربي حيث الثروات المباحة من قبل الطبقات الحاكمة، إلى جانب عداء الشعب لهذه الإمبراطورية مما يُبقي لديها القلق، وهذا ما نعتقده بوجود سابق وبفعل للثورة المضادة. وعليه، فالسؤال أو الحقيقة هي أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان بل ومختلف الأنظمة/الطبقات الحاكمة في الغرب لها من قامت بتجنيدهم هنا وهناك ومن هذه الهنا والهناك ، الوطن العربي.
لذا، فإن تسمية أولاد هيلاري هي مجازية لأن الحدث حصل إبان شغلها ذلك المنصب، اي ان مختلف المخترَقين قد اخترقوا من قبل أجهزة تلكم الدول وضمن سياسات تلك الدول، وهذه أمور يمكن العودة بها ومعها إلى الوراء لأجيال كثيرة مضت.
قد يساعد قولنا هذا انكشاف حقائق عن معسكرات تدريب على التقنية وعلى استثارة الشارع وتحريك الجماهير وإثارة الفتن، وتدبيج المقالات، والظهور الإعلامي والتعلم والمنح الأكاديمية، وبيوت الصداقة والمراكز الثقافية والمحاضرات ودورات تثقيف في الحرية والدمقراطية وحقوق الإنسان وحق المرأة…الخ. وبقدر ما كانت الولايات المتحدة قد افتتحت معتقلات سرية في دول تعمل حكوماتها أو أنظمتها كعميلة لهذه الإمبراطورية لتزج فيها بمعتقلين على ذمتها، فقد افتتحت مراكز لتدريب المخترَقين على كيفية اختراق أوطانهم وأحزابهم. فقد شاهد الكثيرون فيديوهات لمحاضرات وتدريبات في نفس الولايات المتحدة وأوكرانيا وبلغاريا، وكوسوفا وألبانيا…الخ. وما الذي يمنع من تدريب على السلاح والقتل. ولا شك أن هذه سابقة لوجود هيلاري في منصبها.
لا نزعم أن مشروع الاختراق هذا بدأ مع زبجنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي في بداية سبعينات القرن العشرين، وهو الذي نظَّر بضرورة قيام بلاده بالتركيز على المثقفين ذوي النزعات القومية واختراقهم، وإنما نشير إليه لأنه خصص اهتماماً شديداً لاختراق المثقفين. ولذا نحصر الحديث هنا في المثقفين بعيداً عن الإرهابيين المسلحين.
وبهذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن نسب التخريب والاختراق الغربي أي الثورة المضادة لأفراد مثل هيلاري كلينتون أو برنارد ليفي، هو أمر خاطىء لأن كل واحد من هؤلاء يقوم بدور ضمن خطط نظام حكم بلاده وقد يكون لأدائه تميزاً ما عن غيره، غير أن الأساس هو استراتيجيات الاستهداف الرسمية بما يحيط بها ويُجند لها من إمكانات. لذا، نتحدث عن أولاد الدولة وليس عن أولاد وزيرة الخارجية.
ربما كان مغريا تسمية أولاد هيلاري لأن التسمية مستوحاة من دخول هيلاري كلينتون إلى ميدان التحرير في مصر، وهو الأمر الذي كان له معنى خطراً، مفاده أن الحراك الشعبي المفتقر إلى طليعة قيادة واعية قد تم اختراقه بأولئك الذين تدربوا في الغرب لمثل هذه المهام الشكلانية التي تحمل اللغة وتطمس المعنى: الحرية الدمقراطية الشفافية….الخ. فلا يُعقل في حالة حراك ثوري مليوني ضد نظام عميل للولايات المتحدة أن تجرؤ وزيرة خارجية هذا العدو على السير بين هذه الملايين الغاضبة دون خوف! بل لا يُعقل أن تصل هناك اصلاً بل حتى ان تطأ أرض مصر! فالأمر إما ثورة وإما مظاهرة . ثم لا يُعقل ان تذهب إلى ميدان التحرير دون آلية، فريق رتب ذلك وخاصة في غياب أجهزة الدولة. فهي قد تحل ضيفة على مباني السلطة وليس على ميدان “الثورة”. لا شك أن فريقاً ما، وليس قليلا، هو الذي رتب الزيارة ليس بمضونها الأمني وحسب بل كذلك بمضمونها السياسي المضاد للثورة. والاستنتاج نفسه ينطبق على تبختر برنارد ليفي في شوارع طرابلس الغرب بقميصه مفتوح الأزرار، فما كان له ذلك لولا اولاد هيلاي المسلحين هناك. فالموقف نفسه بين أولاد هيلاري في ميدان التحرير مسلحين ب الفيس بوك، ونفس اولادها مسلحين باللحى والدين السياسي والبنادق!
وإن شئنا الرجوع المتوازن إلى الوراء، فأولاد هيلاري الحاليين هم أبناء وأحفاد أولادها منذ عقود، وهم موزعون بين قصور الحكام، وحكام بأنفسهم، وإلا ماذا يعني بالنسبة للمواطن العربي حسني مبارك؟