بقلم الإعلامي: خالد الفقيه
شكلت قضية اللجوء الفلسطيني العنوان الأبرز في الصراع العربي الصهيوني حتى منذ ما قبل نكبة العام 1948 والتي أفرزت ولود الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية بدعم القوى الإمبريالية العالمية وبتواطؤ من الأنظمة العربية التي كانت ومنذ ما بعد الحرب العالمية الأولى مرتبطة بالاستعمارات الكولونيالية التي حكمت المنطقة العربية، فقضية التهجير وطرد السكان الأصليين كانت الدينامو الناظم لحركة الاستعمار الغربي الذي ألبسها غطاءً إنسانياً وإبتدع لها مسمى الإنتداب الذي في جوهره لا يعني إلا سلب خيرات الأراضي التي كانت قواته العسكرية وأذرعه الاقتصادية تعمل فيها نهباً فيما كان ظاهر هذا الاستعمار البشع التسويق لإعادة إعداد إنسان هذه المناطق الهمجي ليجاري الحياة العصرية.
وافقت عصبة الأمم المتحدة وقتها على هذا اللبوس الإنساني للإستعمار الإمبريالي الذي تحالف فيه العسكر مع القوى الاقتصادية والحركات الداعمة ونجم عن ذلك أن إستغلت الحركة الصهيونية هذا التوجه وسوقت لأساطيرها المؤسسة في أوساط هذه القوى ولاقت الرواج المطلوب فتتوج هذا الزواج بإتفاقية سايكس بيكو المشهورة والتي جاء وعد بلفور كنتيجة طبيعية لها وبموجبه أعطى من لا يملك لمن لا يستحق وفق الاعلان المشهور في العام 1917.
ومنذ ذلك التاريخ بدأت محنة الفلسطينيين البسطاء مع وفود الألاف من المستعمرين الجدد الآتين من جيتوهات أوروبا ليستوطنوا أرض الآباء المزعومة المبنية على خرافات توراتية لا أصل لها إلا في أذهان آباء الحركة الصهيونية.
وهنا لا نود سرد ما نجم عن الاتفاق الصهيوني البريطاني والذي أفضى لوجود الكيان الصهيوني وطرد أكثر من 900 ألف فلسطيني عام 1948 أضحوا اليوم أكثر من 7 ملايين مهجر. ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أن اللجوء بدأ قبل ذلك بكثير إذ تفيد الكثير من المراجع أن تجمعات فلسطينية نزحت إلى داخل فلسطين قبل هذا التاريخ هرباً من عنف المستوطنين في المستعمرات التي دشنت قبل النكبة. وبعض الأهالي ترك أرضه الزراعية في محيط الكيبوتسات الصهيونية نتيجة منعه من قبل القوات الانجليزية من وصولها.
ونتيجة لما تقدم لا بد من التذكير أنه ولد الملايين من الفلسطينيين المشردين في المنافي القسرية ولم يعد في أذهانهم عن مساقط رؤوس آبائهم إلا ما يرويه الكبار من قصص وحكايا دقيقة في الوصف لقراهم ومدنهم التي هجروا عنوةً منها أو ما يشاهدونه على شاشات التلفزة من تقارير وأفلام وثائقية وإن كان بعضها ينقصة الدقة والتمحيص.
ولتبقى الذاكرة مفعمة وحية وفي ظل التطور التقني الذي نعيشه اليوم وحتى لا يتحقق حلم جولدا مائير بموت الكبار ونسيان الصغار فلا بد من تبني إستراتيجيات واقعية تبقي هذه الذاكرة حية لآن الصراع بات منصباً على الوعي الجماعي الذي يشكل أساس الجبهة الثقافية التي حذر الأديب الشهيد غسان كنفاني من خسارتها مع إختراق الإعلام الصهيوني والمتحالف معه عالمياً وحتى عربياً لكل القيم والمفاهيم في محاولاته طمس حق العودة والترويج لمشاريع تسووية تستهدف حلم اللاجئين بالعودة إلى ديارهم التي هجروا منها قسراً وتعويضهم عن سنوات تشردهم.
وفي هذا المضمار أرى بأنه لا بد من العمل على الصعد التالية:
1-إصدار كتاب مصور (آلبوم) من عشرة مجلدات مع أقراص مدمجة يفرد المجلد الأول لمدينة القدس المحتلة، بحيث يحتوي على صور فوتوغرافية تتناول كافة زوايا ومقدسات وشوارع وتجمعات مدينة القدس يكون مرفقاً تحت كل صورة تعريف لا يتجاوز السطر الواحد يعرف بالمكان وتاريخه وعدد سكانه وتاريخ إلتقاط الصور فيه مع إستخدام الأرشيف التاريخي لذلك، وفيما يخص باقي الأجزاء أن يتم إلتقاط صور لكل التجمعات الفلسطينية في فلسطين التاريخية وفق التصور التالي:
حيث ثبت عمليا أنه من الضروري ايجاد مرجع علمي – ادبي – فني – سياحي توثيقي يوثق فلسطين كما هي الان في ظل التغير السريع جراء ممارسات الاحتلال من تهويد وتغيير للمعالم ومحو للهويه العمرانيه وازالة الكثير من المعالم في القرى والمدن الفلسطينيه وبالاخص في المدن والقرى الفلسطينيه المهجرة وفي مدينة القدس ..الخ. لقد اصبح هناك جيل كامل من الفلسطينيين لا يعرف كثيراً من معالم القرى والمدن بسبب التهويد وازالة الكثير من معالم القرى والمدن ونرى كذلك أن هذا المشروع يرتبط بصورة وثيقة بالجزء الخاص بالاعلام من الخطة الوطنية لانهاء الاحتلال واقامة الدولة من خلال العديد من المبادرات التي تتعلق بتعزيز وتقوية وتوضيح الصورة الفلسطينية التي توثق ما يقوم به الاحتلال من محو للهويه وتغيير المعالم التي تثبت حقوق الفلسطنين في قراهم ومعالمها العربيه التي تقوم الجهات الاسرائيليه بطمسها ومحوها من الذاكره…الخ.
2- الأفلام الوثائقية: لا شك أن من عايشوا النكبة لديهم تفاصيل كثيرة باتت اليوم مستهدفة بوفاتهم ولذا أقترح بعمل سلسة من الأفلام الوثائقية الرزينة التي تؤصل لأحداث النكبة ولحياة الفلسطينيين قبل اللجوء بما في ذلك حياة المخيمات والشتات وتأسيس موقع إلكتروني حر ومجاني لمن يريد أن يرى الحقيقة كما هي.
3- لعبة العودة إلى فلسطين: وفي هذا المجال إقترح العمل على إعداد لعبة إلكترونية تتيح للأجيال الشابة والأطفال في مخيمات الوطن والشتات أن يقوموا بالعودة إلى قراهم ومدنهم في مجال العالم الإفتراضي بحيث تتيح لهم الدخول إليها بشكل فردي وجماعي على أن تكون مكونات اللعبة ومحتوياتها حقيقية وتتيح لمن يدخلها التعرف على الموقع الجغرافي للتجمع وعدد سكانه قبل النكبة وأهم مزروعاته وأعماله ما قبل النكبة والفلكور الخاص وتفاصيل الحياة في المرحلة الأولى ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية بحيث تظهر تفاصيل قضية اللجوء وفي المرحلة الثالثة يقود اللاعب حركة العودة من مخيمات اللجوء أو الوطن. (هذه فكرة بحاجة إلى خبراء).
4- السياحة البديلة: إن العمل مع الاجيال الشابة أمر مهم وخاصة من يمكن مرافقتهم في جولات سياحية إلى الأراضي المحتلة عام 1948 وهو أمر يفعم ذاكرتهم ويحفزها ويحولهم لرواة للآخرين ينقلون لهم ما رآوه وقد يكون ما يقوم به الإئتلاف الأهلي في مدينة القدس عبر مشروعه اعرف وطنك لتعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية العربية لدى طلاب المدارس في مدينة القدس مثال يحتذى به ويمكن آخذه وتطويره عبر توزيع كاميرات فوتوغرافية على المستهدفين بالزيارات ليوثقوا هم هذه الأماكن وبعد ذلك يمكن الاستفادة من كم الصور المحصلة إما لجهة إصدارها في كتب أو عمل معارض صور في مخيمات الوطن والشتات وتترافق مع ندوات يلقيها الطلبة أنفسهم ليرووا لأقرانهم ما شاهدوه مع الامكانية للاستفادة من كبار السن.