الجيش اللبناني امام التحدي: حفظ الهيبة وتجنب الانزلاق؟

العميد د. امين محمد حطيط

منذ ان شن العدوان على سوريا وتفشى الارهاب فيها متغطيا بمطالب اصلاحية محقة، والمحاولات تجري في لبنان وبشكل حثيث لاقتطاع منطقة الشمال منه و اخراجها عن سلطة الشرعية التي يكرسها بجدارة الجيش اللبناني المستمر على عقيدته الوطنية رغم كل الضغوطات الاميريكية لتغييرها. ولإن الجيش بقي ثابتاً منيعا، فقد اضحى هو بذاته عرضة للاستهداف، استهداف تصاعدت وتيرته في الاسابيع الاخيرة حتى اقترب من الانفجار التي قد يتعذر تفاديه في لحظة من اللحظات، مع ان قيادة الجيش تجرعت حتى الان الكأس المرة من المواقف و القرارات المؤلمة من اجل تعطيل سعي الاخرين لهذا الانفجار ونذكر على سبيل المثال فقط:

1) كيف ان قيادة الجيش اصد رت بيان اسف بعد حادثة الكويخات فيي ايار الماضي، حتى و قبل ان يجري التحقيق او ان تحدد المسؤولية في الحادث ما فسره الكثيرون بانه بمثابة اعتذار عن سلوك عسكرييها .

2) ثم امرت القيادة بتوقيف عسكريي الحاجز الذي تعرض لاطلاق النار، من اجل اجراء التحقيق حول الحادث الذي ادى الى مقتل من اطلق النار عليهم و هم ردوا عليه بالمثل وفقاً لقواعد استعمال السلاح في حفظ الامن، و رغم انه نادرا وفقا للاعراف العسكرية ما يحصل شيء من هذا القبيل فان قيادة الجيش ارتضته حتى تسحب الذرائع من يد الذين يريدون وضع الجيش في مواجهة المدنيين.

3) و نذكر اقدام الجيش على اخلاء ءبعض المراكز و الحواجز العسكرية في منطقة الشمال بغية خفض احتمالات الاحتكاك في لحظات الشحن و التجييش ضد الجيش و لمنع تشكيل بيئة تفرض المواجهة.

4) تجنبت قيادة الجيش الرد الحازم على عمليات احراق او رشق الاليات العسكرية بالحجارة بغية عدم الانزلاق لمواجهة المدنيين و منهم مسلحون.

5) لم تلاحق القيادة عبر القضاء العسكري من شن الحملات الاعلامية عليها، بغية سحب الملف من التدوال و الحؤول دون شحن الاجواء.

هذا غيض من فيض سلوكيات لا تحصل عادة في ظروف عادية لكن يبدو ان الجيش قبل بها اعمالا لقاعدة “الاختيار بين السيء و الاسوأ “، و رأى بان ما قام به يبقى افضل من الاسوأ المتمثل بالانفجار المؤدي الى حرب او صراع مسلح ليس للبنان مصلحة فيه.

و لكن ينبغي ان نذكر بان لسياسة ضبط النفس و الحكمة التي يمارسها الجيش هذه، حدود لا يمكن للقيادة ان تتخطاها، و الخط الاحمر في هذه الحدود هو الوصول الى درجة المس بهيبة الجيش ومعنوياته و ثقة العسكريين بالقيادة لجهة الحكمة في قراراتها و الحرص عليهم و حمايتهم لدى تنفيذهم لهذه القرارات. فالقيادة لا تستطيع ان تتجاوز هذا الخط لان في التجاوز سقوط لفعالية الجيش و انعدام لدوره و تحوله من جيش فاعل منتج الى تجمع عسكري مستهلك، ما يذكرنا بالحالة التي دخلها الجيش منذ نيف وثلاثة عقود حيث كان العسكري يومها يخشى على نفسه من التنقل بالزي العسكري خارج ثكنته العسكرية لتأمين حد معين لحمايته الفردية، ثم كان التجميد، ثم كان التشظي.

طبعا نحن لا زلنا بعيدين – على الاقل في الظاهر – عن تلك الاجواء والبيئة التي ادت الى الكوارث التي لحقت بالجيش و تاليا بالوطن و ادت الى الاستعانة بقوات من خارج لبنان من اجل استعادة الدولة لسيطرتها على اقليمها، لكننا نخشى من الوصول اليها في ظل وجود تلك الخطة التي يعمل بها تنفيذيا وعلى خطوط ثلاثة:

1) خط ميداني تجلى في ما ذكر من اعتداءات على الجيش واستفزاز له.

2) خط سياسي تمثل في تحريض الجيش على القتال في الداخل، تحريض يطلقه من شهد تاريخهم على عدائهم للجيش و العمالة لاسرائيل، وهو يريد من الجيش الان استعمال سلاحه والمواجهة الحاسمة مع المخيمات الفلسطنية او حتى مع اللبنانيين.

3) خط اعلامي يظهر عبر الحملة الاعلامية الممنهجة التي يشنها فريق محدد ضد االجيش اما بخلفية ثأرية او دوافع آنية او اهداف مستقبلية.

في ظل هذا المشهد المريب الذي يخشى منه ان لم يحزم لبنان امره و يتصدى لهذا الخطر يطرح السؤال حول الاهداف و النتائج المحتملة لهذا الاستهداف ؟

اننا وبكل موضوعية نرى بان ما يجري ضد الجيش ليس وليد اللحظة والصدفة، وان تكامل الادوار التنفيذية مع الاستمرار في الاستفزاز والاستدراج للمواجهة رغم كل ما قام به الجيش من سلوكيات سحب الذرائع، كلها تؤكد وجود خطة تستهدف الجيش، وهي ليست المرة الاولى التي نقول بهذا فقد حذرنا من الامر بعد ان لفتنا اليه منذ بدء ظهور ما يؤكد وجود الخطة تلك قبل ثمانية اشهر و بالتحديد منذ ان اشتدت الازمة السورية وباتت الساحة اللبنانية حاجة لها، خطة يبدو انها ترمي الى تحقيق الاهداف الاساسية التالية (بشكل مباشر او غير مباشر) :

1) شل الجيش وغل يديه عن العمل في منطقة الشمال من اجل تحويلها الى منطقة نفوذ محلي ذاتي،ما يمكن الجهة اللبنانية التي انخرطت في الازمة السورية ضد الحكومة في دمشق، ان تعمل براحة وامان كلي في دعم الارهاب و اعمال العنف في سوريا.

2) انشاء منطقة او ملاذ آمن للمسلحين و الارهابيين غير السوريين الذين بدأوا يفرون من سوريا بعد الانجازات الميدانية التي حققتها قوات حفظ الامن والنظام هناك في الاسابيع الاخيرة خاصة و انهم يتعذر عليهم سلوك ما يقوم به المسلحون السوريين من تسليم انفسهم للدولة التي تعفو عنهم مقابل تعهدهم بعدم حمل السلاح مجدداً.

3) نزوع لدى فئة معينة لشل االجيش و احداث امر واقع يبرر حمل السلاح و اقتنائه ليتساوى مع سلاح المقاومة التي يطالب بنزع سلاحها ليل نهار. وقد كان هذا الفريق واضحا في ذلك عندما اعلن نيته احداث “ضاحية شمالية ” مقابل “ضاحية جنوبية “، ثم تبريره لحمل السلاح بان ” سلاح المقاومة في الجنوب فرخ سلاحاً آخر في الشمال ” ونزع الاخير يفرض نزع الاول.

4) ميل لدى بعض جماعات المعارضة لاستعمال ورقة القول بضابيبة ” الغطاء السياسي الرسمي ” الواجب توفره للجيش من اجل استعمالها ضد الحكومة للتخلص منها بعد ان باتت على حد قولهم عاجزة عن تأمين هذا الغطاء لجيشها.

5) رغبة بعض المنظمات الفلسطينية في استغلال بيئة الحراك العربي الذي تصورت ان رياحه ملأت اشرعتها، ما يمكنها من الاندفاع اكثر في لبنان لوضع اليد على المخيمات بدءا من مخيم نهر البارد بعد ابعاد الجيش عنه، وانهاء ما يسمى الحالة العسكرية حوله و فيه. وهنا لا بد من ان نؤكد على قناعتنا بان الاكثرية الساحقة من الفلسطنيين هي صادقة في رفضها للصراع مع الجيش اللبناني وتعلم بان اي مواجهة معه لن تأتي لها و للبنان ايضاً الا بالخسارة و لذا فان الاصوات الفلسطنينية المخلصة تستمر عالية في رفض المواجهة، وتعمل ما بوسعها لعدم الانزلاق اليها.

وهنا نسأل انه اذا كان للاجنبي- عدو لبنان مصلحة اكيدة في ضرب الجيش الذي هو العامود الفقري للدولة في بسط سيادتها، وهو احد فرعي القوة الدفاعية للبنان واحد اضلاع المثلث- القاعدة التي تقوم عليها الاستراتيجية الدفاعية اللبنانية الواقعية ( الشعب و الجيش والمقاومة ) فاي مصلحة للبنانيين في ذلك ؟ ثم هل يعلم من يعمل ضد الجيش منهم ان سقوط الجيش يعني مباشرة، سقوط النظام الذي يتغنون به ؟ وبعده يدفع بالبلاد نحو الحرب الاهلية ومآسيها من قتل وتهجير، ثم ادخالها في نفق يعرف اوله ولا يعرف آخره ؟ خاصة و اننا لا زلنا نعاني من تداعيات حرب السنتين و ما تلاها، وهي لم تحصل الا عندما تشرذم الجيش و تعطلت فعاليته!؟… ولكن نحن على يقين بان قيادة الجيش لن تسمح لنفسها بان تصل بالجيش الى الخط الاحمر هذا حيث يكون فقدان الهيبة و المس بالمعنويات سببا له، وفي هذا يكمن التحدي الاكبر امام القيادة في اجراء التوازن بين:

– سياسة ضبط النفس و تجنب الانزلاق الى ما يريده المخطط من معارك للتدمير الذاتي للجيش والمخيمات الفلسطنية و قوى لبنانية مسلحة على ضفافها.

– او الاضطرار الى حفظ هيبة الجيش و معنويات جنوده حتى يحفظ فعاليته بالطريقة المناسبة وقد تكون مؤلمة.