سورية … معركة المعارك

إحسان سالم

 

منذ أكثر من سبعة شهور وسورية تتعرض لأبشع حملات التضليل والتخريب والتآمر. تتعرض لأعتى الحروب الكونية التي لم يسبق لها مثيل، في محاولات مستميتة بشكل غير مسبوق لا في التآمر المكشوف، ولا في الحملات الإعلامية المفضوحة للتغطية على هذا التآمر وإظهار أن ما يجري هو ثورة شعبية، بينما هي بالواقع أعمال قتل وتخريب تهدف فقط لتركيع سورية وقيادتها لكسر إرادتها وتدمير كل امكانات ثباتها على مواقفها القومية المتمسكة بثوابت وطنية وقومية تعبر في حقيقتها عن صبوات وأهداف الشعب العربي في كل مكان.
إن الحرب المسمومة والمجرمة التي تشن اليوم على سورية ما هي إلا المدخل لتفتيت المنطقة العربية وبإيدي عربية خائنة. خاصة بعد الظهور العلني للاصطفاف الخياني لأغلب الحكام العرب مع عدوة الأمة أمريكا الصهيونية. وتعهد هذه الدويلات والمشيخات بتبني وتمويل مخططات العدو الأمريكي. خاصة بعد أن تنصلت هذه الدول والإمارات عن عروبتها بشكل سافر.
أما عن الكلام عن ثورة يقوم بها الشعب السوري ضد نظامه فهو مجرد لغو وهراء. وأنا أقول لهؤلاء المتباكين على الشعب السوري، خاصة بالأراضي المحتلة، فليتباكوا على ما هم فيه لنصرة شعبهم المحتل والمقهور. فالثورة التي نجد مرجعية لها في واشنطن وباريس واسطنبول، وعملاء المخابرات الفرنسية والأمريكية من قادتها، ليست بثورة. بل هي عمالة مدفوعة الأجر. ولقد شاهدناها على شاشة التلفزة الصهيونية. وشاهدنا أبطالها بالقناة العاشرة وهم يزحفون هناك.
في بداية الأحداث أرسلت أمريكا وزير خارجية احدى مشيخات النفط حاملا الترغيب والتهديد، تخلوا عن سياستكم وخطكم وتحالفاتكم وأنا أتعهد لكم بالنيابة عمن أوفدني بانتهاء كل شيء وبأسرع ما تتصورون. وسمع ونقل الجواب كما نقله قبله بسنوات كولن باول. ونحن نعلم وكل من يريد أن يعلم يعلم بأن أمريكا لا تريد وطنا عربيا يتمتع شعبه بالكرامة والعزة. تريد حكاما فاسدين بشرط التماشي مع الحل المطروح أمريكيا وصهيونيا لتصفية القضية الفلسطينية والمقاومة العربية. ولماذا نستغرب ألم نقرأ رسالة آخر ملوك النفط العربي الى جونسون في 27 ديسمبر عام 66 والتي توسل فيها إليه أن يقوم الكيان الصهيوني بضرب سورية ومصر. ولماذا لا يعيد التاريخ نفسه اليوم. أمريكا والغرب يريدون ديمقراطيات زائفة، مجالس شورى، أو برلمانات مخزوقة. لأنها ضد حلول أية ديمقراطيات حقيقية بالوطن العربي.
لذلك بعد أن فشلت هذه القوى المشبوهة مجتمعة في جذب أو تجييش الشعب العربي السوري خلف الشعارات المتلونة، لجأت إلى المزيد من إراقة الدماء، وقذفت بالمجموعات المسلحة، وفقدت أعصابها من التماسك والصلابة التي يبديها النظام المتسلح بجماهير شعبه التي غطت جميع مساحة سوريا بعزيمة وثبات وترابط مع قيادتها ولم تدر الظهر لها حسبما خطط المخططون في واشنطن واسطنبول وعواصم عربية كثر. لذلك وبعد كل هذه الافلاسات المتكررة كان لا بد من أن تتجه القوى المعادية نحو الجامعة العربية كآخر ورقة بقيت لديهم لإستباق المعركة المكشوفة والحاسمة.
لهذا فإنني أجزم بأن ترافق هذا التحول الخطير مع موقف الجامعة العربية نحو سعيهم المحموم لتنفيذ البند السابع ، إنما يصب باتجاه اكتمال المؤامرة الهادفة إلى وضع سورية في حضن المشروع الصهيوني، والذي يهدف إلى هدم وتدمير الكيان السوري. وكما العراق وليبيا فقد بات واضحا اليوم أن سورية قد تحولت لهدف استراتيجي للاستعمار الجديد الذي يستمد الشرعية من هذه المواقف الخيانية لمن يسيطرون اليوم على الجامعة العربية، هذا الاستعمار شجعه الركوع العربي الغير مسبوق نحو اختراع أساليب وأدوات جديدة لتفتيت المنطقة وتحويلها إلى دويلات تدور في دائرته. وتمنح أرضها لجيوشه وقواعده نحو تمكين الكيان الصهيوني ليصبح القوة المهيمنة على كل مساحات الوطن العربي. خاصة بعد انكشاف الضعف الأمريكي اقتصاديا واستحالة قيامه بتسيير الجيوش وحاملات الطائرات جريا على عادته.
لذلك وعندما نجحت القيادة السورية باحتواء كل هذه الجرائم وصمدت صمودا أسطوريا بوجه هذه العواصف التسونامية. أيقنت هذه القوى المعادية بأن الوقت يقطعها ويقطع مخططاتها. فطلب من إمارة الجزيرة بقيادة الهجوم بشكل سافر وكان ما نعرفه والذي لم يكتب حتى الآن عنه ولو إلى حين حول اشغالها لرئاسة الدورة بدل الفلسطينيين الذين نعلم كرمهم بالمواقف. وفعلا فقد شنت الهجوم بسرعة البرق وتركزت الأنظار إلى الجامعة العربية كأحد الأدوات العميلة لقوى الإرهاب الأمريكية والغربية لإنجاح مخطط تشريع تدخلهم السافر لتفكيك سورية، ودفع شعبها إلى اتون حرب أهلية. يتم تغذيتهاوتسليحها من اسطنبول. توطئة لقطع شريان الحياة عن المقاومة العربية في لبنان والعراق وفلسطين. وهكذا تم الارتكاز على الجامعة العربية وقراراتها الخيانية وعلى ما يسمى بمجلس المعارضة العميلة لتنفيذ هذا المخطط.
إن معركة سورية لم تكن في يوم من الأيام مع شعبها. فشعبها يعبر في كل يوم وبكل أنواع الزخم عن التفافه والتحامه المطلق مع قيادته ووطنه فى وجه الغزاة والقتلة، في وجه العملاء والمرتزقة. بل إن معركة سورية هي مع الجماعات المرتهنة مع أعداء شعبها والتي تظن أنها قادرة على دخول الوطن السوري على ظهر الدبابات التركية والأمريكية كما دخلت العراق وليبيا.
لذلك فإنني أؤكد بأن هذا الاستهداف القديم الجديد للقيادة السورية التي عبرت وتعبر عن طموحات شعبها وأمتها. والتي جسدت دوما الارتقاء معها إلى مستوى دورها التاريخي. وجسدت على مر السنين النزوع القومي الثابت لشعبها. إن هذا الاستهداف لهو معركة وجود ليس لسورية فقط، التي تحارب هذه القوى نيابة عن الأمة العربية، عن مستقبلها وأمنها ووجودها في هذه المعركة الفاصلة والتي هي معركة وجود للأمة بكاملها أو لا وجود. حيث جند لها العدو الأمريكي وحلفائه وعملائه الذين يتوقون لاحتضان المشروع الصهيوني. جند لها كامل القدرات والامكانات الدولية والاقليمية. اضافة الى أعتى عمليات التضليل والتزييف الاعلامي العربي والغربي لخدمة هذا المشروع الذى نشاهد حلقاته في هذا الزمن الوغد. “وليسامحني الصديق أنعام الجندي”.

إذن هناك مسؤولية تاريخية وأخلاقية وقومية لكل شرفاء العرب على الدعوة لعدم شرعية هذه الجامعة التي لا يجب أن تسمى عربية. بسبب تواطؤها السابق واللاحق مع غزو العراق وليبيا وتآمرها على المقاومة في لبنان عبر مشاركتها بحرب الإبادة الصهيونية على لبنان وغزة. وهي تكرر اليوم نفس الموقف إلى جانب أعداء أمتنا في سورية الصمود والمقاومة. ولعل هذا الاصطفاف الخياني قد بعث في جماهير شعبنا في سورية المزيد من التصميم على الصمود ومجابهة المؤامرة والمتآمرين. ومن ينكر ذلك فليرجع ويشاهد الملايين التي خرجت لتؤكد ذلك. وأنه يترتب على القوى العربية الثورية أن تبادر دون إبطاء أو تردد لتحمل مسؤولياتها عبر توحيد طاقاتها وجهودها لخوض معركة الأمة العربية المصيرية التي تجري الآن في سورية. والتي يتوقف مستقبل هذه الأمة عليها. ولأنها معركة الأمة فهي معركة قومية ويجب أن ترتفع الموقف فوق جميع الاعتبارات الأخرى.
إننا في مشهد غريب … حيث تعمل الامبريالية الأمريكية الصهيونية وحلفائها وعملائها بكل ضراوة على كسب المعركة. وهي مستمرة على مختلف الأصعدة. لذا فعلى الجماهير العربية الواسعة التلاحم والاصطفاف. فهناك تحديات كثيرة تفرض نفسها على أمتنا اليوم تحديدا بعد اصطفاف خونة الجامعة العربية وأقطارها مع العدو الأمريكي الغربي لتدمير الخندق الأخير لهذه الأمة. وهذه المعركة تفرض على جميع القوى القومية الثورية العربية أن توحد صفوفها وأن تستجيب دونما إبطاء أو تردد لمقتضيات المعركة المصيرية الدائرة الآن في سورية وعلى أرض سورية التي تفرضها القوى المعادية. هذه المعركة التي تحدد مستقبل الانسان العربي والتي لا بد من زج كل امكانات جماهيرنا العربية جنبا إلى جنب مع الموقف الصامد والمقاوم في سورية من أجل إحراز النصر فيها. لأن القوى العربية والغربية المعادية لن تلقى السلاح إلا بعد هزيمتها هزيمة نكراء.
لقد أثبت الشعب العربي السوري حيوية وصلابة وقدرة فائقة على مواجهة هذه المؤامرة. ولقد تجاوز أقصى الظروف. إذ لم تنجح كل أساليب الإرهاب المسلح والتضليل الإعلامي المفضوح وإغراق البلد بالسلاح الأمريكي المدفوع ثمنه من خزائن النفط العربي، ولا أعمال القتل والترويع عن زحزحته وتمسكه بقيادته ووطنه في وجه العملاء والخونة.
لا شك بأن سورية بشعبها وقيادتها التي كانت دوما قلعة المقاومة الحقيقية ستبقى منيعة صامدة. وستتنامى قوتها بعد هذه التجربة وهي حتما ستخرج ظافرة.
:::::
abuarabihsan@gmail.com