دول الريع القديمة، ريع النفط ومقايضة فلسطين بالريع[1]

عادل سمارة

هذه قراءة مختزلة تقارن بين الأنظمة القديمة في البلدان التي وُصفت بهيمنة نمط الإنتاج الاسيوي وبالطغيان/”الاستبداد” الشرقي  بغض النظر عن دقة تعميم سواد هذا النمط والوصف، وبين أنظمة الاستبداد والاستعباد الخليجي الحالية من حيث أن كلا التشكيلتين تعيّشن من الريع. وهنا نحاول المقارنة بين الأصل الإنتاجي للريع القديم والأصل الطفيلي للريع النفطي، وآلية استخدام كل ريع، ومن ثم قراءة أثر الريع على الفلسطينيين في الأرض المحتلة 1967 وعلاقة ذلك باستبدال الوطن بالريع مما يكرس تصفية القضية الفلسطينية.

صحيح أن المقارنة بما فيها من فجوة زمنية طويلة جداً ومن اختلاف البُنى والمفاهيم تواجه صعوبة في منطق المقارنة نفسه، ولكن ما يشفع لنا هنا أمرين:

الأول: هو إيراد الحقائق بحيث تنطق عن محمولها

والثاني: هو حقنا في توظيف دروس التاريخ حتى لو من ماضٍ سحيق. بل إن التمكُّن من المقارنة رغم طول المدة يُضفي على البحث معنىً إضافياً.

ليس مصطلح الريع rent  بالجديد على الواقع والثقافة العربيين. وربما تولَّد هذا المصطلح في الوطن العربي قبل غيره، نقصد كمصطلح وليس كحدث وفعل وذلك لأن الواقع العربي يساعد على هذا التخمين، والتخمين أو الفرضية ليس شرطاً أن يكونا علميين حتى يثبت ذلك. صحيح أن الريع مقترن بالأرض وملكيتها ودرجة إنتاجيتها،وموقعها…الخ، ولكن معناه الحاسم آتٍ من وجود مالكين للأرض يعتاشون من عوائدها دون أن يعملوا فيها. وطبقاً ل ماركس، فإن الريع هوالشكل الاقتصادي لعلاقات الطبقات بالأرض . وبالنتيجة، فإن الريع يتأتى من ملكية الأرض، رغم انه يتأثر بتعدد نوعياتها، تربتها، خصوبتها،  وتوفرها، لكنه يكمن اساساً في العلاقات الاجتماعية. ويبقى ل ماركس فضل استنتاج هذا القانون وخاصة في قراءته لمراحل المشاعية البدائية والعبودية، ونمط الإنتاج الاسيوي والإقطاع. وهو الذي يؤكد ان الريع يُفهم  من خلال اختبار العلاقة الاجتماعية بين رأس المال والأرض.

نقطة النقاش هنا أن الريع يُشير إلى حصول أُناس على دخل لم يتأتى من عملهم في الأرض وذلك إما لأنهم  بسبب سيطرة إيديولوجيا الملكية الخاصة، يملكون هذه الأرض أو لأن قطعة الأرض التي يملكونها تُنتج أفضل من غيرها رغم تساوي الخدمات المبذولة في الإثنتين.

ولكن نقاشنا هنا ليس اقتصادياً بحتاً، بل سياسياً. فقد اصبح مصطلح الريع دارجا ومستخدماً في مستويات ومجالات كثيرة أوسع مما حصل أيام ماركس. ومن هنا دخلت مفاهيم كثيرة على الريع وخاصة المفاهيم السياسية، ولكن بقي جوهر المصطلح ثابتاً ومنطقياً حيث يشير إلى دخل دون عمل مُنتج. لا بل توسع الاستخدام ليُطال ما هو ابعد من ريع الأرض أي خدمات ثقافية كتابية أو سياسية أو وطنية أو قومية أو طبقية من مثقفين أو ساسة…الخ لأطراف سيادية سياسية أخرى قد تكون حليفة أو عدوة لبلدهم[2]. ولأن هذه الخدمات لا تأخذ شكل انتاج مادي (اقتصاد حقيقي)، صار بالإمكان تجاوزاً وصفها بالريع في إشارة إلى كونها ليست نتاج جهد عملي يولد سلعاً.

أود الزعم هنا، ان المثقف الذي لديه حصيلة علمية ثقافية ما، لا بد أن يُقرَّ بأن جزءاً من هذا المخزون هو ريعي، بمعنى أنه يدين بجزء مما لديه من تخصص ومعرفة إلى راس المال الوطني/القومي الذي أُنفق عليه، رغم أن مصدره المباشر اسرته، إلا أنه جزء من الثروة القومية وبالتالي، فإن استخدامه لعلمه وثقافته مقابل مالٍ ما، شبيه باستحصال مالك ارض على ريع منها ليس بجهده هو.

 

أُسس ريعية في الثقافة العربية

 

لا نحصر وجود اسس ريعية في المجتمعات العربية، ولكننا نؤكد أنها موجودة فيها كغيرها من المجتمعات. وربما ليس هذا بيت القصيد، بل بيت القصيد أنه في مراحل تاريخية معينة وفي مجتمعات معينة وتحديداً في تشكيلات اجتماعية اقتصادية معينة، تسيطر إيديولوجيا مفادها ان الحاكم مالك للوطن وبالتالي يُقر له المجتمع بناء على هيمنةٍ إيديولوجيةٍ بالحصول على ريع تشكيلة اجتماعية اقتصادية بأسرها.

أشار إنجلز إلى ان اول اشكال الريع  هو الشكل البدائي ممثلا في ريع العمل في اعتماد بلدان الطغيان الشرقي على اكثر اشكال تكوين الريع  ، ريع العمل[3] .

“…مهما كان الشكل المحدد للريع ، ، فإن جميع اشكاله تحتوي ذلك بشكل عام: بأن حيازة الريع هو ذلك الشكل من الاقتصاد الذي به تتحقق حيازة الأرض . وأن الريع الأرضي في النهاية، يفترض بدوره وجود ملكية الأرض او يشترط ذلك، اي ملكية اقسام محددة من كوكبنا من قبل افراد محددين[4]”

” عندما لا يُواجَه المنتجون المباشرون  بمالك خاص للأرض، بل بالأحرى، كما في آسيا، حيث تكون تحت الإشراف المباشر للدولة التي تنتصب عليهم كمالك للأرض وفي الوقت نفسه كسلطة  حينها يتطابق كل من الريع والضريبة. او بالأحرى لا تكون هناك ضريبة تختلف عن ذلك الشكل من ريع الأرض[5]”.

” لقد انتقل الريع تاريخياً من ريع العمل الى ريع عيني إلى ريع نقدي. كان قدماء الصين يأخذون الريع على شكل عمل في الحقول العامة، ومع نهايات الإقطاع،  اخذوا يستبدلون الدفع عينيا. ان الدولة الكنفوشوسية الجديدة والتي  تمثل نظاما  اجتماعيا جديدا، قد جعلت الريع العيني مسالة عامة  لكي ينسجم اكثر مع نمط انتاج اكثر تطورا منه. ومع تنامي الاقتصاد السلعي وخاصة  بعد اكتمال بناء القنوات.  قامت الدولة بابتزاز جزء من الريع على شكل نقود… لقد فضلت الدولة الاقتصاد البضاعي والتجارة  كوسائل لجعل ريع الأرض متحركا[6] .

“…فالطبقة الكونفوشية الحاكمة الجديدة (المقصود في الصين القديمة- ع.س)،  ربما هي اساسا  من ارستقراطية الإقطاع. ان وضعها الاقتصادي يحدد الآن اساساً من خلال علاقتها المحددة بالأرض .  او يعود اصل الارستقراطية إلى علاقتها بالأرض وما ينتج منها، ونظرا لهذه العلاقة،  كانت مهتمة  بشكل حيوي بالشكل الجديد لريع الأرض كي تتسلمه على شكل ضريبة ويتم توزيعه عبر خزينة الدولة.

كان الريع المتدفق الى خزينة الدولة هائلا، لذا قامت الدولة باعمال زراعية هائلة، وخاصة شبكات الري، وهذا تطلب صراعا سياسيا واقتصاديا  ضد الملاك الخاصين للأرض الذين كانوا يحاولون الاحتفاظ بالريع لأنفسهم. ان خلق راس المال التجاري لم يقد إلى نظام انتاج جديد.  ولم يولد شكل راسمالي  جديد لريع الأرض.  وما فعله هو الاحتفاظ بشكل الدفع العيني. لقد واصلت الدولة الكنفوشية النضال ضد الملكية الخاصة للأرض. وحاولت الدولة السيطرة على  راس المال التجاري  على البرجوازية التجارية[7].

الاستبداد الشرقي القديم والاستبداد النفطي

الشبه والاختلاف

 

بداية، أود الإشارة إلى أن الثقافة المركزانية الغربية وليست الأوروبية فقط قد نخرت عظام كثير من مثقفينا، فأخذوا يرددون مزاعمها وفتاواها وتخريجاتها وفرضياتها دون تمحيص، مثقفون ظلالا لمثقفين. والغريب ان كثيرا من هذه المزاعم الغربية هي من الوزن الخفيف فكرياً وتعاني من خداع وخبث مقصودين ومع ذلك يتم التواطؤ معها ولها.

حضرت في نهاية ايار 2012 حديثاً جامعة بير زيت لمفوضة فلسطينية لحقوق الإنسان في مؤسسة للأمم المتحدة وقد افتتحت حديثها بنقد حاد للأنظمة ذات التوجه القومي واصفة إياها بالاستبداد. وقرأت فصلين من كتاب كريم مروة “قادة تاريخيون كبار في ثورات القرن العشرين” وقد ركز بدوره هجمته على نفس الأنظمة. السيدة  لبرالية والسيد مروة اشتراكي. والنقد طبيعي لأنظمة ديكتاتورية، ولهما حق تسميتها كما يريدان. ولكن ايا منهما لم يذكر الأنظمة العربية الأخرى، أنظمة الاستعباد، أنظمة يقودها أناس من مرحلة سابقة على تحول القرد إلى إنسان أقصد أنظمة الخليج العربي ، وفي حين نقدت السيدة قوى الدين السياسي بخفة، مدح السيد مروة هذه القوى بقوة! فلماذا؟ لا شك أنهما ليسا معجبين بأنظمة النفط المسكوت عنها، ولكن سبب هذا الصمت الرهيب هو قرار التواطؤ مع الفكر والسياسة المركزانية الغربية وخاصة في هذه المرحلة. ولهذا الصمت ريعاً  من نوع ما لا شك.

في الإمبراطوريات الشرقية القديمة، والتي ساد فيها نمط الإنتاج الاسيوي، كما افترضه ماركس، وتفوق في وصفه او وضع مخططه النظري أكثر مما أثبت خُلوه من الطبقات أو أنوية الطبقات[8]، في تلك الإمبراطوريات (الصين والهند) أو الدول الكبرى مصر مثلاً، كانت البلاد مملوكة للأسر الحاكمة وكان الريع يُؤدى عملاً –ريع العمل- للدولة. كان لا بد من العمل والإنتاج في تلك المجتمعات للحصول على الريع ألذي كان يتم بوجود الدولة على شكل ضريبة، يتخذ شكل الضريبة.  كان ريع العمل هو مصدر الثروة.

أما كيانات الخليج، فمحكومة اليوم باُسر، أي في القرن الواحد والعشرين وهي حالة انقرضت عالمياً وبقيت في الوطن العربي. إذن امتد التشابه الحكمي الأسري حتى اليوم!

في الماضي السحيق  كانت الدولة إما امبراطورية أو دولة إقليمية قوية، أما في الخليج فالدولة  متضائلة إلى أصغر منزلة عشرية إلى حجم القبيلة باستثناء السعودية فيما يخص العدد فقط، وتعمل الدولة المحلية على تفكيك مختلف الدول العربية وبالقوة المعتمدة على العدو الخارجي الناتو.

في الإمبراطورية القديمة  كانت قوة العمل محلية لأن هناك شعباً كبير العدد، وهنا، في الخليج، قوة العمل مستجلبة نظراً لندرة السكان ورفض السلطات هناك للعمال العرب  حيث يتم تفضيل غير العرب.

في الصين مثلا كانت الإمبراطورية دولة وطنية بكبرياء وطني قد رعت وجود طبقة من العلماء والمتعلمين لإدارة جهاز الدولة البيوقراطي الضخم (الماندرين)، أما في كيانات الخليج فتعتمد الدولة على خبراء مخابرات أجانب معادين للعرب والإسلام. ومؤخرا تضيف لهم مثقفين مخروقين سواء الوهابي او عضو الكنيست أو المتخارج…الخ

في الإمبراطوريات القديمة، كانت للدولة جيوشا لها قدرة الفتح. أما في الكيانات الخليجية يتم الاعتماد على الاحتلال الأجنبي المُستدعى والمدفوع له مقابل حماية هذه الأنظمة من جهة، ومن أجل العدوان على قُطريات عربية أخرى لها توجهات قومية وعلمانية وإن لم تكن ديمقراطية، وهو الاستدعاء الذي نسميه ب الهيمنة الثالثة؟

صحيح أن كلتي الحالتين معتمدة على الريع، ولكن الفارق هائل بين نفسية وسُمو وعُلو الأولى وانحطاط الثانية الحالية. فالفارق واضح بين تلكم الأسر وأُسر اليوم.

قد يكون السبب الرئيس بأن الريع في الإمبراطوريات القديمة آتٍ من شغل الناس من العمل، والذي كتب عنه إنجلز: “دور العمل في تحويل القرد إلى إنسان” وربما نجيز لأنفسنا تهكماً وصف هؤلاء الحكام بانهم قبل هذه المرحلة. أما في كيانات النفط، فالنفط في معدة الأرض قام الاستعمار باكتشافه والغَرف منه مما لم يسبغ عليه حالة العمل المتواصل بل الضخ وصيانة الآلات، وهذا تقوم به الشركات الأجنبية التي بتواطؤ مع الحكام المحليين تقلل عدد العمال العرب فيها سواء من الخليج أو سائر الوطن العربي.

تم في الإمبراطوريات القديمة الاستثمار في بناء قنوات الري ومعالم عظمة الدولة سور الصين، الأهرامات مثلاً، أما في كيانات النفط فيتم الاستثمار في مشاريع تجارية خدمية لقطاع خاص هو من صلب الأسر الحاكمة وسياسياً في الثورة المضادة وتفتيت الوطن العربي أي ضد القومية العربية.

في الإمبراطريات القديمة اتخذ الريع شكل ضريبة تجبيها الدولة وتنفق على المرافق العامة وحماية الدولة وحروبها الخارجية دفاعاً وتوسعاً، أما في كيانات النفط فالدولة تخلق قطاعاً خاصاً من صنعها ومن صُلبها، لكنه خدماتي لا إنتاجي كما أنها لا تشجع العمل بل لا تخلق فرص عمل إنتاجي كما يجب، وتقوم بتغطية نسب كبيرة من النفقات كالماء والكهرباء في شكل من رشوة نخبة  المجتمع بالمال بهدف عدم مطالبة المجتمع بالحريات فطالما هناك تهميشاً في الإنتاج يتبعه تهميش في الاحتجاج . مع أن المال للشعب والحرية حقه الطبيعي. وبهذا تخلق السلطة حولها اجهزة أمن  وحماية عمياء حرياتياً وثقافياً معبأة بضخ وهابي يؤكد لهذه الأجهزة حق الأسر الحاكمة في كل شيء والشكر لها على مال ليس لها. بل للأمة.

فهي إذن تحيل المجتمع إلى عالة. ومن هنا يمكننا التقاط بعض المعنى للسؤال الكبير: لماذا لا يتم حراكاً في الخليج؟ هل السبب هو رشوة السلطة لقطاعات شعبية كبيرة، رغم إهمالها لقطاعات أوسع كما في السعودية. ربما يكمن بعض الإجابة في ضآلة الجباية الضريبية في كيانات النفط مما لا يثير حراكا احتجاجياً في المجتمع. ففي الدول القديمة دول “الاستبداد” الشرقي كانت الدولة تسلخ ريع العمل والريع النقدي والضريبة من المواطنين. وهل السبب في عدم الحراك كامن في  تعميق الاستهلاكية وتوفير السيولة الكافية للشره الاستهلاكي، هل السبب في تجويف الوعي والإنفاق عليه من أجل تجريف الريع في هذه الحالة وليس الثروة المنتَجة كما في قطريات عربية أخرى؟ أم هذه الأسباب المحلية جميعاً؟ وبالطبع دون إغفال العامل الهام جداً وهو وجود:

  • الاستعمار العسكري كقواعد أو كقيادات للجيوش المحلية
  • ووجود مؤسسة الدين السياسي بما تملكه من إمكانات مالية وصلاحيات قمع.

يُجيز هذا لنا القول ( بأن إمكانية التغيير في دول “الاستبداد” الشرقي القديمة، رغم وصف ماركس المتجني أو الاستشراقي لها بأنها سكونية تحتاج إلى قوة  من الخارج لخرق صَدَفتها الصلبة) بأن هذه أقرب إلى التغيير من الكيانات النفطية الحالية، ما لم يتم التأثير عليها والشغل معها وفيها من قبل القوى العروبية التقدمية.

رغم أن السلطة في دولة “الاستبداد” الشرقي كانت تنفق الكثير على ترف الحكام وتخليد عظمتهم، إلا أنها كانت كذلك تنفق على المشاريع الإنتاجية الزراعية كي يتحصل فائضاً تأخذ عليه الضرائب وكذلك على الجيوش وتسليحها. لكن سلطات الاستبداد العبودي في الخليج، لا تنفق على المشاريع الإنتاجية الاستراتيجية بمعنى الاستثمار في مشاريع زراعية واسعة في السودان ضمن مشروع تنمية قومي وعلى القاعدة الصناعية في مصر ضمن مشروع تنموي قومي عربي ايضاً، بل هي حالياً تشتري أراض في السودان لتستثمر فيها خارج سيطرة السلطة السودانية وبعيداً عن استثمار قومي. كما أنها تنفق مبالغ طائلة على شراء الأسلحة دون تواجد قوى بشرية تستخدمه مما يعني أن إنفاقها هو لتشغيل شركات الأسلحة الغربية. وقد اتضح في عامي 2011 و 2012 أن هذه الدول تنفق مقادير مالية هائلة لتسليح قوى الدين السياسي في ليبيا وسوريا والعراق ضمن الهجمة الغربية الرأسمالية على هذه البلدان. فهي بدل أن تلعب دورا توحيدياً عربيا تلعب دور تجزئة وتخريب يجزء حتى الدولة القُطرية، وليست لدينا بعد تفاصيلاً عن استثماراتها في الكيان (أنظر لاحقاً)!

تمكنت دول “الاستبداد” الشرقي من إقامة امبرطوريات ذات نفوذ عالمي،  وقد تمكنت هذه الإمبراطوريات من الحصول على ريع تجاري وخاصة الإمبراطورية العربية الإسلامية عبر التجارة بعيدة المدى وهو الأمر الذي حافظ على تماسكها لقرون (العصرين الأموي والعباسي) بينما تقوم كيانات النفط بتكريس تبعيتها للإمبراطوريات الكبرى ولا تطمح سوى للبقاء على مقاعد الحكم لأطول وقت ممكن. وابعد من هذا تقوم بالعدوان على أي قطر عربي يُحاول بناء دولة عربية مركزية.

إن توفر سيولة مالية هائلة لدى هذه الأنظمة إنما يشير إلى أنها حالة من الاحتقانات المالية التي تتجنب الاستثمار الإنتاجي وخاصة على صعيد عربي، بينما تستثمر في انشطة مالية وعقارية في الخارج وهي أنشطة عرضة دوماً للمضاربات ولتقلبات الإفلاس وفوق هذا تلعب دورا تخريبيا عبر سيطرتها بالمال على جامعة الدول العربية.

في الإمبراطوريات القديمة كان يتم بزل الفائض ريعا او ضريبة على اساس إيديولوجي وهذا مألوف في مختلف التشكيلات ما قبل الراسمالية وخاصة تلك التي نتحدث عنها وذلك سواء بالاعتقاد ان الأسرة الحاكمة ابنة السماء او ظل الله في الأرض…الخ. ولكن في العصر الحديث حيث يهيمن نمط الإنتاج الرأسمالي فإن حالة كيانات النفط هجينة بشكل لافت. فحيازة الريع متأتية من علاقة اقتصاد التساقط بين هذه الأسر الحاكمة وبين المركز الراسمالي المعولم. أما تبرير هذه الأنظمة لوضع يدها على هذه السيولة فيقوم على تبريرات إيديولوجية كتلك التي كانت قديماً، ولكن دون اسس ولا كاريزما أسرية أوفردية.

فنحن أمام حالة من تراكب قبلي أسري ما قبل تاريخي على إمكانات مالية مضارباتية في عصر الاقتصاد الجديد!

إعطه يا غلام؟

 

كانت أُعطيات الخلفاء والحكام سابقاً ممثلة في عبارة “إعطه يا غلام مائة ألف درهم”. هكذا كان يُنعم الحاكم بأموال الشعب على شاعر متكسب أو قائد أبلى بلاء حسناً فيأقطعه منطقة ما. ويعود تصرف الحاكم هذا إلى زعمه من جهة واقتناع الناس من جهة ثانية أنها أمواله. أما حكام كيانات النفط فيسيرون على النهج نفسه رغم تغير الزمان بتقديم أتاوات لمركز النظام العالمي على أشكال متعددة نلخصها في خارجي وعربي:

الخارجي:

  • تحويل اكثر من ملياري دولار من صناديقها السيادية إلى الخزينة الأميركية التي تضخها في البنوك الأميركية دون ضمانات كالتي حصلت عليها الصين الشعبية من خزينة الدولة الأميركية.
  • تحويل الفوائض لدى الحكومات والأغنياء إلى البنوك الغربية حيث كثيرا ما تتآكل مع التضخم
  • الإنفاق الباذخ على الملذات وشراء لاعب أو فريق كرة قدم…الخ في مختلف بلدان العالم
  • شراء اسلحة لا يتم استعمالها حقاً
  • دفع تكاليف جيوش الغرب التي “تحمي” هذه الأنظمة

وأمادورها على المستوى العربي، فقد أخذ اشكالاً خطيرة وخبيثة وتدريجية. منها:

  • في سبعينات القرن العشرين ولكي تؤسس أنظمة النفط سيطرة لها على القُطريات العربية الأخرى، قامت بتغطية عجوزات بعض القطريات غير النفطية في صيغة ما أُسمي دول الفائض ودول العجز.
  • وقامت بتمويل منظمة التحرير الفلسطينية كي تغطي على عدم مشاركتها في أي دفاع عربي ضد الكيان الصهيوني ولكي تلجم بذلك م.ت.ف وخاصة حينما كانت لها مصداقية كحركة مقاومة في الشارع العربي (أنظر لاحقاً).
  • تحت غطاء ديني قامت بتحويل مبالغ هائلة إلى ما تسمى الدعوة حيث تضم أعداداً هائلة ممن لا يعملون ولا ينتجون بل يدعون للدين شكلاً وبجوهر وهابي سلفي. وفي هذه الفئات يتم تفريخ التكفيريين والقاعدة بتنوعاتها، ونرى اليوم “ثمار” هذا الإنفاق في فصل جنوب السودان والمذابح في العراق وسوريا وليبيا.
  • تحت أغطية إنسانية قامت بإرسال مساعدات للعديد من البلدان العربية على اسس “خيرية وإنسانية” لتعطي للمواطن صورة طيبة عنها. وقد انطلى هذا على كثير من العرب لأسباب منها:

o       الاعتقاد بأن هذه الأموال هي لحكام هذه الدول وليست أموال الأمة العربية

o       تركيز هذه الأموال بأيدي مجموعات من قوى الدين السياسي التي تنتمي للفكر الوهابي السلفي لتشرف على توزيع هذه الأموال بطرق تجند الناس لهذه القوى وفي النهاية هذه القوى مجندة لصالح أنظمة الخليج والمركز الراسمالي الغربي. وخاصة بتوفير نفقات شخصية او هبات لمشاريع صغيرة أو بنشر كتب وإقامة مساجد مسخرة لهذه الفئات

o       تعميق ثقافة السلفية وخاصة أرضيتها التجارية التي تنسجم مع الثقافة الراسمالية في الملكية الخاصة والتضاد مع أي فكر تقدمي مما يخلق مؤدلجين لصالح الراسمالية. وهي فئة وثقافة تجد نفسها حليفة للغرب بلا مواربة ولذا تطالب بتطبيق الشريعة في محاولة لنقل الدين من الإيمان الشخصي الفردي إلى قرار باعتناق الراسمالية وفرضها على المجتمعات.

o       وجود ثقافة الكسب الفردي والفئوي لدى أناس يعلمون عدم أحقية هذه الأنظمة بتلك الأموال، ولكنهم يتواطئون من اجل الكسب الفردي.

التشكيلة الفلسطينية: ريع بلا وطن، ريع بديل وطن

 

لم تأت الرأسمالية العالمية بالموجات الاستيطانية اليهودية الصهيونية إلى فلسطين سوى لهدف واحد هو اقتلاع الشعب من أرضه وإقامة قاعدة في فلسطين للمركز مقدمتها ووقودها هؤلاء المستوطنين. وليس هنا مجال المقارنة بين الاستيطان الرأسمالي الاستعماري الصهيوني والمستوطنات الراسمالية البيضاء الأخرى في العالم، بل نذكر فارقين على الأقل:

  • الحالة الفلسطينية وحدها التي فيها حالة لجوء
  • والحالة الفلسطينية وحدها التي بقيت حالة صراع ممتد ومشتد.

وفيما يخص اللجوء، فإن الاستيطان الأبيض في معظمه كان يقضي على السكان الأصليين قضاء شبه تام ومقصود (حالة الولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلندا) أو كان يطرد السكان الأصليين إلى حواف البلاد والأراضي الفقيرة للريع(حالة جنوب إفريقيا والجزائر ورديسيا وكينيا)  أو يقوم بالإبادة والطرد معا وإن لم ينجح رغم ذلك (حالات أمريكا اللاتينية) وكل هذه المجازر هي من صنع الرجل الأبيض وهو يحمل نمط الإنتاج الراسمالي باحثاً عن التراكم محققاً ذلك بدماء الشعوب المستعمَرة. ويمكننا رد اللجوء واستمرار المقاومة الفلسطينية إلى توفر العمق القومي العربي كموئل حماية ومحاولات تحرير (دور مصر وسوريا والعراق والأردن ولبنان) أو الخليج كموقع تشغيل لا دور له في التحرير، بل تحول لاحقاً إلى دور تصفوي. ويكمن الفيصل في تفارق الدورين في وجودالحركة القومية ، في العمق القومي ووجود التبعية البنيوية للمركز والدين السياسي والريع النفطي في الثانية. وهذا يُدخلنا إلى القضية المقصود الحديث فيها هنا.

قصدنا في “ريع بلا وطن”، الإشارة إلى أن بوسع الإنسان أن يعيش من ريعٍ ما دون أن يملك مصدر الريع وذلك بخلاف حكام الخليج الذين يتحكمون بمصدر الريع النفطي. أما في الحالة الفلسطينية داخل الأرض المحتلة 1967 تحديداً، فإن تدفق الريع بانواعه هو حالة خطيرة ليس سياسياً بل وجوديا كذلك.

وهذا نتاج اتفاق أوسلو  الذي أقر بأن المحتل 1948 هو أرض للمستوطنين اليهود، وأقر بأن يبقى المحتل 1967 تحت السيادة الحقيقية للاستعمار الاستيطاني الصهيوني ليصادر الأرض ويطارد المناضلين (حق المطاردة الساخنة) ويقيم المستوطنات ويحفظ “حقها” في التوسع الطبيعي…الخ. ودون خوض في التفاصيل، فإن هذا الاتفاق هو حالة احتلال وليس استقلال، ومقابله حصلت منظمة التحرير على:

  • تسمية نفسها بسلطة فلسطينية لها حكم ذاتي على المواطنين الفلسطينيين وليس على المستوطنين
  • وحصلت على ريع مالي مقابل ذلك.

وهذا يطرح سؤالاً هاماً قبل الدخول إلى الموضوع بمعنى أن الضفة والقطاع حينما جرى توقيع اتفاق أوسلو لم تكونا مهيئتين للاعتماد الذاتي اقتصادياً الأمر الذي يعني في حالة حصول حل سياسي أن يخرج الاحتلال وتقرر هاتين المنطقتين علاقاتهما بالعمق العربي مع الأردن ومصر. لكن سلطات الأردن ومصر دخلتا في اتفاقات تسوية مع الكيان حيث اعترفتا به على أرض فلسطين وعجزتا حتى عن الضغط بأن يخرج الاحتلال من الضفة والقطاع مما وفر للاحتلال فرصة الإبقاء عليهما وقضمهما تدريجيا من جهة، ودفع المواطنين للانزياح منهما إلى الخارج لتفريغ الأرض وهنا نشكر الأزمة الاقتصادية العالمية الممتدة التي لا تفتح فرصاً لهجرة الشباب الفلسطيني لا سيما أن الاحتلال كان قد خطط لهذا التهجير منذ عقود. فبعد تبني سلطات الكيان منذ عام 1967 سياسة موشيه ديان وزير الحرب هناك وهي تشغيل الفلسطينيين في اقتصاد الكيان الذي هو بحاجة لقوة عمل أسود، إضافة إلى هدف تحييد قوة العمل الشابة عن المقاومة المسلحة، وتقويض مواقع الإنتاج المحلي بتدفق منتجات الكيان بلا شروط، وتسهيل الهجرات عبر اتباع سياسة الجسور المفتوحة مع الأردن. بعد الاستفادة من هذه السياسة بدأ الاحتلال بالاستغناء عن قوة العمل الفلسطينية وقد ترافق هذا مع تدهور الكفاح المسلح في أوساط منظمة التحرير الفلسطينية مما جعل الخيارات أمام الشباب إما الهجرة، وهي محدودة، أو الدخول في أجهزة سلطة الحكم الذاتي.

وكما اشرنا، فإن اقتصاد الضفة والقطاع أعجز من حمل تكاليف إقامة سلطة طبقاً للتصميم الذي صيغ لها، اي أن تكون سلطة هجينة بمعنى:

  • قيام الاحتلال بطرد عمال الضفة والقطاع من منشآته والذين كانوا قرابة ثلث قوة العمل المحلية
  • سلطة غير قادرة على استيعاب قوة العمل المحلية دون وجود قطاع خاص قادر على ذلك.
  • سلطة لا تؤمن بإقامة قطاع عام تشغيلي إنتاجي لأنها أقيمت بموجب وصفات المصرف الدولي الانفتاحية واعتمدت السياسات الاقتصادية النيولبرالية.
  • سلطة حاولت حل هذه الضغوطات عبر تشكيل أجهزة بيروقراطية هائلة الحجم وغير ضرورية كبديل على مواقع الإنتاج، حيث وظائف الكثير منها طفيلي بدل شواغر عمل.

هنا كان لا بد للريع أن يلعب الدور المقرر في مكان غياب استقلال وسيادة على الوطن وغياب الإمكانات الذاتية، وعليه جرى استبدال الوطن بالريع أو تحويل الريع إلى وطن! صحيح أن هذا حديث افتراضي. ولكن واقع الحال يبين أن لا سيادة على الأرض بل السيادة للاحتلال، كما أن مواقع الإنتاج تجف أو تُجفف مما يقلل عدد المواطنين المعتمدين عليها معيشياً.

أنماط الريع الأساسية:

 

1-المانحون: المال السياسي:

 

منذ توقيع اتفاق أوسلو 1993 وحتى عام 2010 تدفق قرابة 25 مليار دولار إلى المناطق المحتلة في الضفة والقطاع، وهذا الرقم الرسمي المعلن. ويُنسب مصدر هذه الأموال إلى كل من الدول الراسمالية الغربية التي صاغت اتفاق  “السلام” سلام رأس المال وإلى دول عربية. لكن تحويل هذه الأموال بدأ وبقي تحت ضبط كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

السمة الأساس لهذا المال أنه مخصص لتغطية النفقات الإدارية والوظيفية لأعداد ضخمة من قوة العمل الفلسطينية مما يؤكد قرار عدم الاستثمار في مواقع الإنتاج الأمر الذي يتأكد بغياب وجود بند ” تنموي” في ميزانيات سلطة الحكم الذاتي أو وجود حصة هامشية له. وهذا المال إذن هو لتثبيت اتفاق أوسلو أو كما ردد المصرف الدولي مراراً بأن هدف صرف هذه الأموال هو :”أن يشعر الفلسطينون بفوائد السلام[9]” أي المنفعة الفردية الاستهلاكية المباشرة، وهذه لا شك تتضح في الوظيفة والراتب الشهري أكثر مما تترسخ بفرصة العمل الإنتاجية.

ولو افترضنا أن الهدف كان استيعاب الإعداد  الكبيرة من العاطلين عن العمل ومنهم المفصولين عن العمل في اقتصاد الاحتلال، فإن سياسة عقلانية تُقيم توازنا بين التوظيف والتشغيل كان لا بد منها.

وعليه، فإن ما يستقر في روع المراقب أن التوظيف كان سياسة مقصودة كبديل للتشغيل لأن التوظيف يخلق عادات استهلاكية وارتباط بالسلطة، وعدم مبادرة وقلق وظيفي مما يحول جماعيا دون التفكير السياسي الوطني وهذا الهدف الرئيس لدفع هذه الأموال أي لتثبيت اتفاق أوسلو وجوهريا تثبيت الاعتراف بالكيان ولكن تغطية كل هذه الكوارث بالزعم أن هذه الأموال هي مساعدات للشعب الفلسطيني.

إذن نحن أمام تراكم وظيفي كبير لا تتم تغذيته والإنفاق عليه من الناتج المحلي الإجمالي، من الفائض المحلي بل من التمويل الأجنبي. وهذا المصدر الريعي هو في حقيقة الأمر نتاج استثمار سياسي هو اتفاق أوسلو الذي كُرِّس من أجل خدمة بقاء الكيان الصهيوني واجتثاث المقاومة.

2- ريع النفط:

ريع النفط هو مصدر تمويل آخر لسلطة الحكم الذاتي. فقد لعب المال الخليجي  دورا كبيراً في القضية الفلسطينية منذ اغتصاب الوطن عام 1948 حيث واصل الكثير من الفلسطينيين المطرودين من وطنهم طريقهم إلى كيانات الخليج التي كانت في بواكير تفتحها النفطي. وكان هؤلاء الفلسطينيون مؤهلين، بمستوى تلك المرحلة، مما اوجد لهم مواقع عمل في الخليج. وقد استمرت هجرات الفلسطينيين إلى الخليج بشكل كبير حتى عام 1990 واستعادة العراق للكويت حيث وقف الشعب الفلسطيني  مع العراق.

لا نناقش هنا شغل الفلسطينيين في الخليج كعمل مأجور أو ما يزعمه الفلسطينيون بأنهم عمروا الخليج، فذلك كان حاجة متبادلة على أساس السوق دون معنى قومي حقيقي. فلا الفلسطينيين ذهبوا إلى هناك بحافز قومي لإعمار اقطار عربية، ولا الخليجيين شغلوهم بسبب هذا الحافز.

الأمر الذي يهمنا هنا أن كيانات الخليج قررت تقديم مساعدات مالية لمنظمة التحرير سواء من هذه الأنظمة أو عبر فرض ضريبة عمل على الفلسطينين العاملين هناك. وهي مساعدات مالية تطرح سؤالاً كبيراً بمعنى: كيف يمكن لأنظمة نصَّبها الاستعمار وما زال على أرضها سواء بوجوده العلني المباشر أو تحت غطاء الاستقلال الشكلي، كيف يمكن لها أن تتبرع لحركة مقاومة ضد الكيان الصهيوني الذي هو جزء من المركز الرأسمالي العالمي الذي خلق هذا الكيان؟ هل السبب هامش مرونة “ديمقراطي” من المركز؟ هل هو قدرة تمرد خليجي رسمي؟ (او بالمقولة الشعبية الفلسطينية مصّْ من تحت اللجام-كناية عن الجرأة والنفاذ)؟ ما نعتقده، وما تحاجج به حقائق التطورات أن هذه المساعدات والتسهيلات الخليجية كان مقصود بها:

  • حصر التحويلات لصالح القيادة اليمينية في منظمة التتحرير كي تكون لها اليد الطولى في حركة المقاومة[10] وهو ما وصل بها إلى اتفاق أوسلو الذي نتجت عنه أوسلو-ستان.
  • بقرطة منظمة التحرير كي تتغير وتتحول  جوهريا عن الكفاح المسلح وتوريطها في الاعتماد على المال الخليجي وصولا إلى التسوية.
  • استخدام مساعدات كيانات الخليج لمنظمة التحرير كآلية تحول دون انتقاد المنظمة لهذه الأنظمة، وهي امور تعطي هذه الأنظمة رصيدا وطنياً لا سيما بعد هزيمة  1967 حيث توقفت الأنظمة عن إطلاق النار وواصلت المقاومة ذلك إلى ان تورطت في سلام راس المال.

لقد تواصل الدعم المالي من الخليج من مرحلة المنظمة إلى مرحلة سلطة الحكم الذاتي مما ركز الاعتماد الفلسطيني على مصدر الريع هذا، والذي شأنه شأن التمويل الأجنبي لم يخصص ولم يطلب أن يخصص للتنمية.

وإلى جانب المساعدات الرسمية قامت أنظمة الخليج بإرسال مساعدات أخرى تحت تسميات خيرية إنسانية وهذه شكلت غطاء على سياسات هذه الأنظمة في التطبيع واختزلت النقد الشعبي لهذه الأنظمة مقابل تقييد المساعدات الرسمية لأي نقد من منظمة التحرير ضدها.

وفي هذا الصدد يجدر التمييز بين المساعدات أي التبرعات التي كثيرا ما حولها مواطنون من عرب الخليج لقوى ومؤسسات فلسطينية بعيداً عن مواقف الأنظمة وبالسر عنها وهذه لا تندرج في المستوى المسيس المسموم للريع.

3- ريع الأنجزة

دخلت المنظمات الطوعية Voluntary Organizations   وغير الحكومية (منظمات الأنجزة) إلى الأرض المحتلة قبل الدخول العلني للتمويل الرسمي الأجنبي الذي تدفق رسمياً إثر اتفاق أوسلو كريع مالي لعملية تنازلات سياسية لم يشهدها التاريخ السياسي. وهذا يكشف عن تقسيم عمل قامت به القوى الإمبريالية-المضادة للثورة- باختراق البنية الكفاحية للشعب الفلسطيني بحيث تركز التمويل الخليجي ولاحقاً الإمبريالي الغربي لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بينما ذهبت منظمات الأنجزة لتتسلل في أوساط قوى اليسار الفلسطيني كما هو شأنها على صعيد عالمي.

ويمكن رصد تسرب المال السياسي من منظمات الأنجزة إلى الأرض المحتلة منذ منتصف سبعينات القرن العشرين ولا سيما  الملتقى الفكري العربي في القدس والذي يديره الحزب الشيوعي الفلسطيني. وإثر ذلك تتالت اختراقات منظمات الأنجزة للمنظمات السياسية (الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية)  والمنظمات الشعبية الفلسطينية سواء النسوية أو النسائية، أو الشبابية…الخ. واشتد هذا الاختراق في الانتفاضة الأولى.

يمكننا رصد هجمة الأنجزة التمويلية في تواكبها مع المد الانتفاضي وهو ما يشبه تدفق التمويل الخليجي إلى منظمة التحرير إثر بدء الكفاح المسلح، وكأننا أمام افخاخ جاهزة من الثورة المضادة إغراق المقاومة والانتفاضة بالتمويل والإنفاق والاستهلاك مما قاد إلى تثاقلها الكفاحي سواء بالبقرطة والوظائف والفردية والابتعاد عن السرديات الكبرى وخاصة سردية تحرير الوطن نفسه.

نحن نعلم أن هذا التشخيص والتحليل لعملية التمويل سوف تثير كثيرون/ات من اليسار الفلسطيني الذي لم يعتد النقد الذاتي ولا حتى تقييم المراحل وسيتشكوا كما دأبوا عليه بأن هذا طعنا لليسار، وأن كاتب هذه السطور هو أكثر من ألحق الضرر باليسار…الخ. وحقيقة الأمر أن الضيق ناجم عن كشف المستور لا سيما بعد أن تفشى في الأرض المحتلة القول الخطير المخفي: “وهل صمود وطن ومصير قضية مرهون بتساقط أو ارتشاء أو خيانة أو هذه أو ذاك!” فبهذا يبرر كثيرون انخراقهم. وربما ابلغ رد على هذا قول الرسوم الكريم: “أنت على ثغرة من ثغر الإسلام، فلا يُؤتينَّ من قِبَلك”.

ونزعم هنا تحديداً، أن من يقع في التقصير والفردية والفساد اليساري/الأحمر هو أكثر خطورة من فساد اليمين لأن المفترض أن يكون اليسار هو الأكثر تقشفا وشفافية ونقدية. ويكفي أن نرى إلى وضع اليسار حاليا بما هو مجموعة ملاحق باليمين في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وفي سياسات سلطة الحكم الذاتي وفي الانقسام الدموي بين فتح أي اليمين نصف العلماني وحماس أي قوى الدين السياسي نصف المقاومة بعد أن أخذت تتجه نحو التكويع السلطوي/السياسي والاعتماد التموُّلي المفتوح على قطر[11] التي تشكل اليوم راس حربة ضد الأمة العربية. أنها تبعية في السياسة والتموُّل مما أفرغ اليسار من موقفه النضالي والطبقي والسياسي، وتموُّل قوى الدين السياسي من ريع النفط الذي يُشارف على إعلان إنتهاء القضية الفلسطينية وربما ترشيح الكيان لعضوية الجامعة العربية. تكمن خطورة فساد قوى الدين السياسي في أنها تتجاوز على الوطن والقومية نحو أممية مفترضة كما لا ترى في الصداقة مع الراسمالية العالمية حيفاً!!

ولعل الأمر المفارق أن هذا اليسار وقد انخرط في التسوية سواء بالمشاركة في أوسلو تفاوضيا أو قبولها عملياً قد اصبح في حالة هستيريا ضد أي نقد لما آل إليه حاله. لقد تكونت شريحة من قيادات وكوادر يسارية قشرتها العليا ممولة من سلطة الحكم الذاتي وكوادرها الوسطى موظفة/ممولة من منظمات الأنجزة. وهذه نموذجاً على شريحة ذوي العائدات غير المنظورة. ومع تقادم الزمن غدت هذه الشريحة لا إبالية بدورها بالزعم بأنه وضع طبيعي لأنها تقارن نفسها بتمول اليمين السلطوي. ناهيك عن أنها غادرت ثقافة الاعتماد على الذات والتنمية بالحماية الشعبية وتورطت في نزوع استهلاكي أوصلها إلى “قناعة” باستحالة التفكير في ثقافة التقشف.

وبدورها، فإن منظمات الأنجزة الأجنبية التي تغذي المحلية قد أتقنت لعبة دورها. ففي حين توجه منظمات الأنجزة الفلسطينية نقداً شديداً متتالياً للتمويل الأجنبي، إلا أن المنظمات الأجنبية تحتوي ذلك باسمةً، كمن يقول: لا بد أن نكافىء هؤلاء بمرونة ما تجاه هذا التقد كي لا يفقدوا  ثقة الشارع تماماً فهم رئتنا لعبور واختراق الشارع الفلسطيني لأنه هدفنا النهائي بالاختراق، أما عملياً، فهم يصطفون في نهاية الشهر على ابواب المصارف أو يُمطروننا بالمقترحات بروبوزال من أجل تمويل جديد[12].

وفي حين يزعم البعض أن منظمات الأنجزة بلا أجندة أو أنها لا تستطيع فرض أجندتها على الفلسطينيين، ورغم ما في هذا من خبث أو سذاجة أو “بلاطة عين”، وبمعزل عن مناقرة الدِيكة لإثبات هشاشة هذه التبريرات، فإن منظمات الأنجزة المحلية لم تحقق على الأرض شيئاً سوى توفير مداخيل لموظفيها وتشرُّبهم ثقافة الاستهلاك والابتعاد عن النضال الشعبي وأحياناً نقد الفكر الاشتراكي وتحديداً الماركسي ووصفه بالطوباوية والعجز عن العيش في المناخ المحلي ليبرروا انسلاخهم الفكري  والطبقي وليبرروا حصولهم على مداخيل هي في حقيقة الأمر ريع تساقط الدور الكفاحي وطنيا وطبقيا وماركسياً.

ولعل الأكثر مفارقة، أن بعض هؤلاء بعد أن طلقوا الشيوعية طلاق بينونة كبرى، هادوا لتمسح ببعض شعاراتها إثر الزمة الراسمالية المستفحلة حالياً، ولكن دون فقدان ريع الأنجزة!…..كيف جميعاً!

4- ريع السفارات والمؤسسات الأجنبية

ضمن تقسيم العمل بين أطراف الثورة المضادة خُصص دور وحصة من أموال الريع للمراكز الثقافية الأجنبية قبيل اتفاق أوسلو وخاصة الفرنسي والبريطاني والألماني والنرويجي، ومنظمات تابعة للأمم المتحدة وخاصة يو أن دي بي، والأنروا ولاحقاً بعد أوسلو أتى دور القنصليات والممثليات الأجنبية وخاصة الغربية والتي جندت قطاعاً آخر من المستخدمين سواء اللبراليين والمتغربنين والمتخارجين من “المثقفين/ات”  ونخبة نسوية تحت شعار المرأة…الخ.

لقد جندت هذه المؤسسات عددا كبيرا من المثقفين/ات من اليمين واليسار على حد سواء. ولعل الفارق الأساس بين هذه الفئة من مصادر الريع وفئة الأنجزة، أن الأنجزة تحرص على الدخول في المنظمات الجماهيرية القاعدية بل تزعم أحيانا أنها منظمات جماهيرية وهذا ما جعل منها ثقلاً في قطاع الثقافة إلى درجة الترشح لانتخابات الحكم الذاتي (مجلس ذلك الحكم ورئاسته). بينما قطاع السفارات والمؤسسات الأجنبية يبقى مؤسسات محدودة عدد المستخدمين ولا يسهل عليها الزعم بأنها منظمات قاعدية، ولكنها بما هي رسمية او شبه رسمية تستغل ما أمكنها من مستخدَميها إلى حدود الاختراق وتحول البعض إلى ادوات للاختراق. ولكن الفئتين معاً تشكلان قطاعا “حداثيا” من حيث الدخل ونمط الحياة المتغربن، والتواطؤ السياسي والطبقي وانخراط الكثير منها في أحد أو مختلف مستويات التطبيع:

  • التطبيع مع الكيان الصهيوني
  • التطبيع مع الأنظمة العربية
  • التطبيع مع الإمبريالية

5-الريع الأكاديمي

 

قد يبدو هذا العنوان غريباً لدى مثقفي المابعديات والفرانكفونية ومبعوثي البعثات “التبشيرية النيولبرالية”. ولكن كثيرا من دوائر الجامعات المحلية ممولة من الدول الغربية وخاصة النرويج وفرنسا. فما السبب وراء ذلك؟ لماذا هناك ريع أكاديمي هذه المرة؟ لا بد أن نميز بين التبادل الفكري والتعليمي  وبين الإنفاق على دوائر بأكملها بما يقود إليه في التحليل الأخير من  توجهات ثقافية معينة وخاصة المابعديات حيث التكفير بالسرديات الكبرى وتخريج طلبة تقوم علاقة نفي بينهم وبين الثقافة العربية تحديداً. وفي هذا السياق يتم تطبيع المحاِضرين على تمرير هذه المساقات حيث يوضعون أمام الاختيار بين قبول ما هو قائم أو البحث عن مكان عمل آخر ليس سوى البطالة.

يشير التزايد الأميبي لمختلف مصادر ومؤسسات الريع إلى سيناريوهات تهدف  لإغراق البلد بمؤسسات تعمق الاستهلاكية، عبر نخب يتوفر لها دخلا يساعد على الاستهلاك لتبدو كما لو كانت فترينة عرض يُؤخذ بها المواطن ويحلم بالتقرب أو الانخراط فيها. ويمكن القول أن المشروع التجريبي لهذه السيناريوهات هي مدينة رام الله وإلى حد أقل بيت لحم.

ضمن هدف هذه الهجمة نقل المواطن من كونه يعيش التفكير والقلق الوطني، اي الانتماء إلى المشروع الوطني، إلى حالة يشعر معها بأن حياة الاستهلاك والتعيُّش والحداثة الشكلانية، هي الوضع الطبيعي للأرض المحتلة وبالتالي فإن وجود الاحتلال حتى في الضفة الغربية هو وضع طبيعي. إنها عملية تطبيع المواطن على الوضع القائم المرتكز على قوائم من القش. واللافت أن المواطن يدرك أنها قوائم من القش، وبمقدار استفادته منها واعتماده عليها، فهو حريص على الحفاظ عليها. وهنا ندخل في حالة من التواطؤ الفئوي والشرائحي والسياسي والتنظيمي.  وهذا يجعل من اي نقد محط هجمات هائلة من هذه الأطراف المتمولة ريعياً. وبالطبع يستدعي هؤلاء تبريرات من طراز: ما البديل، من اين نوفر رواتب لهذه الجيوش من الموظفين/ات، من سيقدم منحاً مالية للبعثات، من سيدفع رواتب أساتذة الجامعات….الخ. والحقيقة أن هذه التبريرات هي نفسها مثابة إعطاء تغطية أكثر كثافة لدور التمويل واختتراقه جسد المجتمع لنجد أنفسنا في إعادة إنتاج هذه الورطة وتحولها إلى دوامة محكمة الأبواب المغلقة[13].

وإذا كانت من إشارة إضافية هنا، فهي إن تقويض مواقع الإنتاج، وتعميق ثقاقة الاستهلاك كسياسات اتبعها الكيان منذ احتلال 1967، وغياب القوى الثورية السياسية التي تعي مخاطر هذه السياسات، بل للأسف انخراط القوى السياسية في الاعتماد على الريوع المتعددة وخاصة الكثير من قياداتها، هذا التقويض الذي قلص الفائض المنتج محليا، وتلك الاستهلاكية التي تبتلع السيولة المتحصلة قد لعبا دوراً خطيراً في إرساء دوامة التكيف مع هذا الواقع الجديد والذي تكرسه أكثر الرأسمالية الكمبرادورية سواء بشقها الراسمالي أو السياسي الإداري أو الثقافي. وكلما تواصل هذا التشوه، وهو متواصل كلما تكرس انكسار أو تشوه  معادلة: عمل/ راسمال أي عجز البنية التشغليلة في البلد عن استيعاب قوة العمل المحلية. هذا ناهيك عن تزايد عجز المؤسسات التشغيلية المحلية عن توفير رواتب أو أجور تقترب بالحد الأدنى من الأجر أو الراتب المدفوع من مصادر الريع.

ريع الاغتراب

 

إن مصدر الريع الوحيد الذي لا يتضمن إضراراً وطنياً بالمعنى السياسي هو اعتماد كثير من الأسر الفلسطينية في الأرض المحتلة على تحويلات أبنائها واقاربها في المهاجر والشتات. وهذه ظاهرة موجودة في فلسطين منذ نهايات القرن التاسع عشر خاصة من المناطق الوسطى في فلسطين  اي رام الله والقدس وبيت لحم. وهنا يجب التفريق بين الفلسطينيين الذين هاجروا إلى الخليج إثر اغتصاب فلسطين 1948 والذين يندرجون في هذه الفئة مبدئياً، ولكن القسم منهم الذي تحول إلى جزء من رأسمالية الخليج تحول إلى جزء من جسر نقل راس المال المختلط الخليجي والفلسطيني إلى الأرض المحتلة 967 و 1948 فصار راس حربة تطبيعية.

 

 


[1] هذه الدراسة مقطعاً من الفصل المتعلق بدور أنظمة النفط في الثورة المضادة ضد الأمة العربية وفلسطين ومن كتاب سيصدر قريباً: “ثورة مضادة، إرهاصات أم ثورة”

[2] تحدثت في كلية الفنون في جامعة  نيوجرسي بالولايات المتحدة، وسألتني المحاضِرة التي قدمتني بأن ثلاثة طلبة يريدون تسجيل المحاضرة، فوافقت في اللحظة. لكنني تداركت أنهم طلبة يهوداً، فقلت ربما يكونوا صهاينة يخدمون الكيان فقت لهم ربما تكونوا في خدمة مخابرات الكيان، لذلك بدل أن تحصلوا على ريع، اي اجرتكم بدون جهد، لا اسمح بالتسجيل، ولكن بوسعكم الحضور والكتابة  باليد، فتكونوا قد بذلتم جهداً ما. بالطبع ضحك الحضور وخجل الشباب الثلاثة وخرجوا.

[3] Engles, F 1884, “The Origin of the Family;private Property and the State, London, Lawrence & Wishartm 1972

[4] Marx, K 1894, Capital III, London, Lawernce & Wishart, 1972, P: 634. Quated in The Asiatic Mode of Production, Science and Politics, Edited by Anne M. Bailey and Josep R. Llobera Routledge & Kegan Paul 1981: 86

[5] Ibid, p. 87

[6] Ibid, pp 120, 121

[7] Ibid P, 123

[8] لقد كتبت عدة أوراق عن هذا الأمر اثناء بحث الماجستير في كلية بيرك بيك، جامعة لندن، وتوصلت إلى أن نفي ماركس للبنى الطبقية تماماً في نمط الإنتاج الاسيوي هو نفي افتراي لا يقوم على قراءة تاريخية بالمعطيات.

[9] أنظر عادل سمارة كتاب : البنك الدولي والحكم الذاتي: المادحون والمانحون، 1998.

[10] في معتقل نابلس 1968 قال لي السيد محمود إدعيس ، ابو نبيل، من قادة حركة فتح نحن رواتب ورُتب.

[11] صرح السيد محمود الزهار أحد قادة يمين حماس مؤخرا بأن مبنى المجلس التشريعي في غزة سيكون مقر رئاسة دولة العالم الإسلامي. كما صرح وزير داخلية حماس بأن معركتهم مع العلمانية! وإن صح هذا التوجه، فإن حماس تنعطف من مقاومة الاحتلال إلى ذبح من ليس اصولياً قد تكون حماس بهذا قد اهتدت بنور القاعدة والتي بدورها تجد جذورها في جزء من تنظيرات القس مالثوس الذي دعى لتقليل عدد السكان إلى مباشرة الحروب. وهي التنظيرات التي نقلتها القاعدة وحماس إلى المذابح داخل المجتمعات العربية. وقد يكون في هذا أفضل حل للمسألة اليهودية بمعنى أن يتذابح الفلسطينيين.

[12] لقد ألمح لهؤلاء الصديق صبيح صبيح في كتابه مقاتلوا التنمية، وإن لجأ إلى الوصف بلغة حذرة.

[13] قد نجد إجابة على هذه التبريرات في المقارنة بين تقشف ثوريي أمريكا اللاتينية الذين يتنقلون في المواصلات العامة ولكنهم ينتجون اشتراكية القرن الحادي والعشرون، وبين الكثير من  ثوريي الأرض المحتلة من البمين لليسار لقوى الدين السياسي الذين يمتلكون أفخم السيارات  وللقيادات سائق وحارس على الأقل ومرسيدس ولقلة المشي تنتفخ كروشهم ساحبة إياهم إلى الإنحناء  وتتضخم مؤخراتهن ساحبة إياهن إلى الوراء. أما  الإنجاز  فكان أوسلو-ستان والاصطفاف ضمن دُعاة الناتو لاحتلال سوريا!.