لماذا ادخل الاعلام السوري في دائرة الاستهداف الارهابي؟
العميد االدكتور امين محمد حطيط
منذ ان فشلت الخطة الاساس ثم الخطط البديلة التي اعتمدت لاسقاط سوريا كياناً وموقعاً، اعتمد المخطط الغربي على الارهاب و الاعلام طريقاً لمواصلة حربه االكونية تلك، وكان اللجوء الى الاعلام بشكل خاص من اجل المحافظة على زخم الهجوم العدواني، متحركاً في ذلك على خطين متوازيين:
· خط فتنوي تزويري يتخذ من الاعلام المسيطر عليه اداة تحريض وتتلاق وتعمية للحقائق، مع التفلت من الضوابط الموضوعية ومن قواعد القانون والاخلاق و يعمل من اجل احباط السوريين ودفعهم للتحرك ضد دولتهم بما يخدم خطة العدوان، فيصور الواقع خلافاً لحقيقته، لان الحقيقة ليست في صالحه.
· خط قمعي اقصائي يتمثل بخنق اعلام الخصم – السوري وحلفاؤه – ومنعه من نقل الحقائق للشعب حتى يسهل اسقاط مناعته و يمنع تحصينه امام العدوان الاعلامي المعادي.
ومع هذه الثنائية نتذكر ما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون حول المعرفة و الاتصال، ونتوقف عند ما تضمنته من توصيات و توجيهات تناولت الاعلام الذي تركز عليه في ارساء الحكومة الخفية والسلطة العالمية التي ابتدعتها الصهيونية تلك. وقد اكدت تلك البروتوكولات على وجوب سيطرة اليهود على الاعلام بشكل عام و محكم و امتلاك وسائله و حجبها عن الخصوم من اجل السيطرة على الرأي العام، ومن ثم تهيئة البيئة التي تتقبل ما يبثون دون نقاش حتى ولو كان في قولهم تزييف وكذب وقلب الباطل الى حق وجعل الحق باطلاً. توصيات لم تبق دفينة في الكتب الصهيونية بل جاء تطبيقها واضحاً على الصعيد العالمي و بشكل منهجي تكاملي والكل يذكر كيف ان الصهيونية بفروعها المختلفة سيطرت ولا تزال على وسائل الاعلام العالمية.
ثم انه وانطلاقاً من هذا الفهم وعملاً بتوصيات حكماء صهيون، وفي اطار الحرب على المقاومة التي حررت ارضاً لبنانية في الجنوب، وانتقاماً لهزيمة اسرائيل وبغية حجب صوت المقاومة تلك، اقدمت اميركا منذ ما يقارب العقد من الزمن على وضع قناة المنار اللبنانية – قناة المقاومة الاسلامية التي ينظمها حزب الله – وضعها على لائحة الارهاب الاميركية و منعت من التقاطها على اراضيها تحت طائلة التجريم والملاحقة، ثم حذت اروبا بعد ذلك حذوها باتخاذ قرارات حذفت قناة المنار من لائحة المشتركين المستفيدين من خدمات الاقمار الاصطناعية الاروبية. ولما انطلقت اسرائيل في عدوان تموز 2006 على لبنان ومقاومته، سارعت ومنذ الايام الاولى للحرب الى تدمير مباني قناة المنار، واذاعة النور، بقصد اسكاتهما ومنعهما من نقل مجريات الحرب و لقطع اتصال المقاومة بجمهورها وبالمعنيين بسير عملياتها الدفاعية يومذاك، عمل جاء كما نراه تطبيقا حرفياً لبروتوكلات حكماء صهيون القاضية بحرمان الخصم من وسائل التعبير والاعلام، وشكل استكمالاً لما بدأه الغرب في حربه على الاعلام المقاوم.
والان وفي سياق الحرب العدوانية على سوريا يتكرر المشهد وتستعاد السلوكيات ذاتها، حيث نجد ان الجامعة العربية المحكومة بالقرار الاميركو-صهيوني الذي يمثله حكام النفط الخليجي، قررت ومن غير سابق انذار ومنذ شهر تقريباً قررت الطلب الى الاقمار الاصطناعية العربية حذف الفضائيات السورية الرسمية و الاهلية، من لائحة مشتركيها، وعندما تأخرت ادارات تلك الاقمار عن تنفيذ الطلب لاعتبارات قانونية ومالية تحول مؤقتاً دون الاستجابة السريعة لطلب غير شرعي وغير اخلاقي، بدأت خلايا الارهاب المسلح العاملة على الارض في سياق الحرب التدميرية الكونية على سوريا بدأت بالتنفيذ على طريقتها، فقامت مجموعات مسلحة تنتمي الى ما يسمى “جيش الارهاب السوري الحر” فسارعت الى تدمير احدى الفضائيات السورية (الاخبارية السورية) بغية جعل الفضاء السوري اسيراً للاعلام لتحريضي والملفق الذي تقوده فضائيات خليج النفط، التي تحولت مع بدء العدوان على سوريا سلاحاً اساسيا في المعركة يتقدم كل الاسلحة.
لقد جاء التدمير ارهابي ذاك ليؤشر الى ان قيادة العدون مهتمة بمفاعيل الاعلام الوطني السوري الذي – كما يبدو – فضح خططها وكشف كذبها ومنعها من اسر الرأي العام السوري وتالياً العربي والاجنبي، وابقى الحقائق في سوريا بمتناول المعنيين بيسر وسهولة، فاخفقت بذلك عمليات التزوير والتلفيق التي اعتمدتها المؤامرة سلاحاً. ويكون هذا الاعلام الوطني السوري سجل انتصاراً على الجبهة التي يعمل عليها، انتصار استدعى معاقبته من قبل المعتدي بتدمير احدى فضائياته.
وحيال هذا العمل الاجرامي الارهابي قد لا يكون مجدياً تذكير المعتدين على الاعلام السوري بالتدمير، والمستهدفين المجتمع السوري بنشر الفتنة و التحريض، قد لا يكون مجدياً تذكيرهم بشرعة حقوق الانسان وشرعة حقوق المواطن، كما وبكل المبادئ التي تتضمنها الدساتير المعتمدة في النظم الديمقراطية، التي اكدت على حرية الرأي والتعبير عنه، وتاليا حرية الاعلام المضمونة للجميع،انطلاقاً من قاعدة اساس هي ان حرية الانسان العملية تبدأ بحرية الرأي والكلمة. وللمرء ان يعبر عن رأيه بالطريقة التي يختار وان يقول ما يشاء، وان ينشر ما يريد وان يستمع الى ما يرغب… نعم قد لا يكون مجدياً تذكير المخطط والمنفذ للعدوان على سوريا بكل القيم والقواعد تلك لانه في الاصل خرج عليها منذ ان قرر شن عدوانه، لكن لا بد من طرح السؤال على الهيئات والمنظمات الدولية والانسانية ومقامات الرأي والفكر وكل من يعمل تحت عنوان الحرية و حقوق الانسان، اين مواقفها مما يحصل؟ وهل ستسكت كما سكتت يوم سعت اميركا واروبا الى خنق الاعلام المقاوم في لبنان وفلسطين؟ ودون شك سيكون في سكوتها ادانة لها و اجهاضاً لاي مصداقية قد تدعيها…. وهل يكون صادقاً في طلب الحرية من يمنع او يقبل بمنع الآخر من حرية التعبير؟ او من يسكت على معتد على هذه الحرية؟
اننا نرى في مجرد الاعتداء غير المشروع على الاعلام اقراراً من المعتدي بانه يخشاه لانه لا يطلب حقاً، وان في مجرد التزوير والتلفيق اعتراف من قبل المزور بان الحق و الحقيقة يخالفان ما يريد او ما يطلب. لان من وثق بحقه، لا يخشى الكلمة ولا يخاف من الحقيقة.
نقول هذا مع التمسك بحذرنا من اساءة الاعلام لحقه، ورغم ان الامر غير مطروح في الموضوع المبحوث فيه في سوريا، الا اننا نرانا مضطرين للاستدراك والايضاح بان بعضا من الاعلام يسيء استعمال الحق في التعبير، كما هو حال فضائيات الفتنة و التحريض الخليجي حالياً.
اضافة الى ان البعض لا يحترم حدود الحرية في وطنه، لان لحرية الاعلام ايضاً حدود، وهي حدود ترسمها قواعد النظام العام والاداب العامة. حيث اننا في الوقت الذي نرى ان خنق الكلمة عدوانا على حق التعبير كما يمارس المعتدي على سوريا الان، فاننا نرى ايضاً في انفلات الاعلام بعيدا عن الموضوعية، او افساداً للبيئة الامنية خرقاً لحق آخر من حقوق الانسان هو الحق بمعرفة الحقيقة، معطوفا على الحق بالامن والامان اللذان قد يفسدهما اعلام تحريضي او فتنوي. و هنا يكون التحدي الكبير قائما في وجوب الموازنة بين حفظ الحرية من جهة و عدم جعلها اداة اساءة و تخريب من جهة اخرى. فالاعلام الذي يجب ان يحتمي بالقانون عليه هو اصلاً ان لا يخرق القانون كما نشهد في لبنان في الاونة الاخيرة من ممارسات لدى البعض، ممارسات تستدعي تدخل السلة لضبطها، ولكن من اسف نرى ان السلطة ايضاً غائبة عن المسرح، كما يغيب المجتمع الدولي وهيئاته عن التصدي للعدوان الاعلامي على سوريا.