مصر لن تكون دولة دينية أو عسكرية
غريب الدماطي
القاهرة
قال المرشح الرئاسي السابق حمدي صباحي إنه تعرض لتزوير وصفه بالمتعمد لإقصائه عمداً في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لمصلحة أغراض ما، “ما دفعني للطعن على نتيجة الجولة الأولى” .
وأضاف في حديثه ل”الخليج” أنه بالرغم من فقر الحملة الانتخابية التي كانت الأضعف من حيث الموارد المادية و”عدم وجود تنظيم سياسي يقف خلفي ككثير من المرشحين، فإن ما حصلت عليه من أصوات كان أمراً طبيعياً ومتوقعاً” . مرجعاً ذلك إلى الخطاب السياسي الذي انحاز فيه للفقراء وتبنيه مشروع وحلم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وهو ما اقتنعت بمصداقيته أجيال مصرية منحته أصواتها .
وقال إنه بصدد تأسيس تنظيم سياسي شعبي واسع يضم أحزاباً وقوى سياسية قائمة وتيارات ثورية متبلورة، إضافة إلى من أعطوه ثقتهم، مشيراً إلى أن هذا التنظيم يستهدف استكمال الثورة عبر آلية الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمجالس المحلية في مواجهة الإسلام السياسي، وما تبقى من النظام القديم . ورأي صباحي أن مصر ستكون لها تجربتها المميزة، رغم عدم حصولها على أفضل اختيار رئاسي، وقال إنه يثق بأن الانتخابات الرئاسية القادمة ستأتي به رئيساً للبلاد، لا سيما أنه لا يزال المرشح الذي خاطب المطالب والاحتياجات الحقيقية للشعب الذي منح ثقته في الجولة الأولى .
وانتقد صباحي ما ذهب إليه الرئيس محمد مرسي من مدح جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها، قائلاً: كان يجب على الرئيس الجديد ألا ينحاز إلى جماعته السياسية، بل كان عليه أن ينحاز إلى الجماعة الوطنية المصرية التي أتت به رئيساً للبلاد، لافتاً إلى أنه “لولا سياسة الستينات التي انحازت إلى الفقراء ما التحق مرسي بالتعليم الجامعي وما استفادت أسرته من الإصلاح الزراعي”، وتالياً الحوار:
تحدثتم عن احتمالات تزوير “ناعم” رفع نسبة المشاركة في الجولة الثانية عن الأولى، فماذا حدث وكيف تفسره؟
اعتقادي الشخصي أن هناك تزويراً ناعماً وقع ضدي، وكان ناجماً عن ملاحظات ومشاهدات لا تستطيع تجاهلها، وفي الوقت نفسه غير موثقة بأوراق، ورغم ذلك لا يمكن أن يكون على أي نحو عدد الذين صوتوا في الجولة الثانية يزيدون على عدد الذين صوتوا في الجولة الأولى، حيث كان الفرق واضحاً جداً في الجولة الأولى من زيادة الإقبال وامتداد الطوابير والتزاحم، وأنه ليس من المنطقي في مناخ يتنافس فيه 13 مرشحاً حصول مرشحي الإعادة على أصوات تتجاوز أصوات ال13 مرشحاً في الجولة الأولى .
وأعتقد أنه كان هناك شعور لدى المصريين في جولة الإعادة بأن المرشحين لا يمكن أن يعبر أحدهما عن سقف الطموح الذي يعبر عن ثورة 25 يناير لذا فلا يمكن لهما أن يكون حصلا على نسبة تلك الأصوات .
لذا أرى أن ما أعلن عنه من تصويت في الجولة الثانية إذا ما جرت مقارنته بالمشاهدات والملاحظات يشير إلى حدوث تزوير ما رفع نسبة المشاركين في الجولة الثانية، وهو ما حدث من تزوير في المطابع الأميرية الأمر، الذي يؤكد أن هناك انتخابات لا استطيع أبداً أن أقول إنها نزيهة ولا نستطيع أن نبرهن بأدلة قاطعة تؤكد تزويرها .
وأين تتجه تحالفاتك السياسية، وماذا ستفعل مع الكتلة التصويتية الهائلة التي قاربت ال5 ملايين صوت وحمّلتك أمانة التعبير عنها وهل كان نجاحك في حصد هذه الأصوات متوقعاً؟
قياساً بأملي في الله وأن ما حصلت عليه من أصوات كان متوقعاً وطبيعياً، وأعتقد أنه تم تقليل أصواتنا عمدا في الجولة الأولى نتيجة التزوير الناعم وتم إخراجنا من المنافسة لأغراض ما، وأنا الآن أتجول في الشوارع وأستطيع القول من خلال لقائي مع المواطنين وقياساً باستطلاعات الرأي التي تجريها استطيع القول إنني حصلت على أصوات أكبر مما أعلن عنه، وهو ما دفعني للطعن في نتيجة الجولة الأولى .
كما أستطيع القول إن ثقتي بالله هي التي أعطتني تلك المحبة من الناس، رغم أن حملتي كانت فقيرة للغاية إذا ما تمت مقارنتها بحملات مرشحين آخرين، كما أن مواردنا المادية تؤكد أننا الأفقر، كما أنه لا يوجد لدي تنظيم سياسي كغيري، فربما لهذه المعايير يرى مراقبون أن ما حصلنا عليه هو الأفضل، وأنا ربما أرى ذلك، لكن كنا نستطيع الفوز بهذه الانتخابات لو توفرت ضمانات لنزاهتها أكثر مما توفر، وأقول إن هناك قدراً كبيراً من المحبة لدى الناس لشخصي وأدعو أن أكون على قدر هذه المحبة، وأنا أحتاج لأن أكون معهم معايشاً لهم، وحتى يتم ذلك فأنا لن أقبل أي عرض لشراكة في السلطة، كما أعلنت بعد الجولة الأولى، كما أنني بحاجة إلى التفكير مع الذين أعطوني ثقتهم لتنظيم أنفسنا، لأن مصر في حاجة ماسة الآن إلى تنظيم سياسي شعبي قوي يمثل قطباً رئيسياً في مواجهة التنظيم الذي يسعى الآن إلى السيطرة على السلطات في البلاد، وأعتقد أن مصر بحاجة إلى بنية شعبية قوية قادرة على أن تكمل الثورة وتحقق العدالة والديمقراطية والاستقلال الوطني، وما أستطيع قوله إنه لا بد من مشاركة الذين ينادون بتأسيس تيار شعبي منظم قوي يستطيع أن يعبر عن أهداف الثورة ويضمن تحقيقها عبر آلية التصويت في انتخابات البرلمان المقبل ثم الرئاسة ثم المجالس المحلية، وأن يخوض هذا التيار معركة الدستور الجديد قبل الانتخابات .
وتحالفاتي بهذا الشكل ستتجه إلى مشاركة من أعطوني أصواتهم خاصة الشباب في بناء حالة تنظيمية مع أحزاب قائمة، مثل الكرامة والتحالف الشعبي الاشتراكي والدستور “تحت التأسيس” والمصري الديمقراطي الاجتماعي والمصريين الأحرار، وأعتقد أن تلك الأحزاب قادرة على بلورة آلية تجمعها في شكل جبهة أو مشروع تنظيمي شعبي واحد يخلق قطباً جديداً معبراً عن الثورة، ويستطيع خوض معركة حياة ديمقراطية في مواجهة الإسلام السياسي بقيادة حزب الحرية والعدالة من جهة، وفي مواجهة ما تبقى من النظام القديم من جهة أخرى .
البعض يقول إن الأصوات التي حصلت عليها جاءت نتيجة لشخصك، وآخرون قالوا لأنك تحمل مشروع وحلم عبدالناصر، وفريق رأى أنها جاءت بفعل صفقات مع أطراف أخرى، فأين الحقيقة؟
الحقيقة بين يدي الرحمن يقلبها كيفما يشاء، أعتقد أن المحبة من الله، فما حدث لي في انتخابات الرئاسة يذكرنا بما حدث في الانتخابات البرلمانية عام ،1995 التي خضنا فيها معركة مجيدة جداً أحسست فيها بوجود شعبي حقيقي، عقب ذلك كل انتخابات برلمانية خضتها حققنا فيها نصراً، وأملي في الله أن ننتصر في الانتخابات الرئاسية القادمة بفضل ما تأسس من حب وشعبية حقيقية .
وأعتقد أن خطابي الذي انحاز للفقراء والثورة وحلم مشروع جمال عبدالناصر الذي سعيت للتعبير عنه أعطاني مزيدا من المحبة، لأن الناس تريد أن تصدق أحداً يعبر عن طموحاتهم، وأعتقد أن المواطن المصري استمع من خلالي إلى برنامج يعبر عن احتياجاته الحقيقية وفي جوهرها العدالة الاجتماعية وأعتقد، والحمد لله، أنني تلمست من خلال المواطنين أنني عبرت عنهم وعن أحلامهم في العدل ورفع الظلم .
كما أعتقد أن المواطنين تفهموا رسالتي الانتخابية التي مزجت بين الانتصار لما يحتاجه الشعب من عدل اجتماعي وبين التطور الديمقراطي واستقلال قرار الوطن، فصدقوني ومنحوني ثقتهم، رغم أن كثيرين من المرشحين الآخرين تحدثوا عن العدالة الاجتماعية، وأتصور أن الناس صدقتني في ما طرحته من قضايا للعدل الاجتماعي لأنها تشبهني، كوني دافعت عن العدالة الاجتماعية طوال عمري، باعتبار ذلك تعبيراً عن انتمائي وأفكاري الناصرية، ولأنني من قيادات حزب الكرامة وأنتمي لمشروع جمال عبدالناصر .
وأعتقد أن مصر عبر تاريخها لن يحكمها أحد يريد لها النهضة مثل محمد علي، أو أن يحقق لها العدل الاجتماعي وينتصر لفقرائها مثل جمال عبدالناصر .
كما أعتقد أن المواطنين المصريين شاهدوا في شخصي “ظلاً” لرجل خاضوا معه تجربة في الحكم، وهو الزعيم جمال عبدالناصر، الذي لولاه لما تمكنت من الالتحاق بالجامعة، فالزعيم هو الذي أقام مجانية التعليم، ورئيس الجمهورية الحالي لم يكن له أيضاً أن يلتحق بالتعليم لولا أن منحه “عبدالناصر” تلك الفرصة .
كما أنني لم أبرم أي صفقة انتخابية باستثناء، دعائي لله أن يحبب فيّ خلقه من البشر وأن يصدقوني، وأنا ممن يؤمنون بأن المصريين يستطيعون الفرز والحكم على التصرفات والأقوال والشواهد بدقة شديدة .
وتفسيري لحصولي على هذه الأصوات أنني تمكنت من تقديم برنامج يعبر عن احتياجات المصريين وينسجم مع ثورة 25 يناير، قدم مصالحة ومصارحة بين ثورتي 23 يوليو 1952 و25 يناير 2011 فأنا واحد ممن آمنوا بثورة 23 يوليو وجندت نفسي في ثورة يناير، واستطعت أن أقدم خطابا يمس المصريين فيه تدين وسطي معتدل، وفيه غيرة على الإسلام من دون استخدامه أداة فصل أو عزل أو تمييز، فيه احترام لمسيحيي مصر، وإيمان بالمواطنة، وهو ما أؤمن به طوال الوقت، وكان أن أتيح للناس الفرصة أن يسمعوا هذا الخطاب مني كمرشح فحدث هذا التقارب الذي أنعم به الله على شخصي .
ما رؤيتكم لمستقبل مصر في ضوء معطيات الواقع الآن، وهل مصر مقبلة على التجربة التركية، أم سيكون لها طابع خاص بها؟
أعتقد أن مصر ستكون لها تجربتها المميزة والخاصة، كما أعتقد أن مصر، رغم أنها لم تصل إلى أفضل اختيار لرئيسها، لكنها بفضل الشعب في الجولة الثانية حسمت إلى غير رجعة ما بدأ في 25 يناير من القضاء على نظام مبارك ورموزه، وهو انتصار عظيم حققته انتخابات الرئاسة، وفوز الرئيس محمد مرسي باعتباره واحداً من شركاء الثورة، رغم التحفظات التي نقدمها تجاه انفراد أحد شركاء الثورة بالسلطة في البلاد، إلا أن الاختبار أثبت صحة الرهان على الشعب، وأن الوعي الشعبي انتصر للثورة ويمضي نحو استكمالها، والمستقبل سيشهد مزيدا من انتصار للثورة، ومزيدا من ريادة الشعب، وأن مصر لن تكون دولة دينية ولا عسكرية، رغم النفوذ الطاغي للمجلس العسكري ولحزب الحرية والعدالة الذي ينتمي إلى الإسلام السياسي، وأعتقد أن المجتمع المصري سيكون أكبر من جماعة الإخوان المسلمين والسلطة القديمة والمجلس العسكري، وهو ما يدفعنا دائما إلى الرهان على الشعب الذي بات في حاجة إلى تنظيمه في وعاء تنظيمي قوي فقط يمكنه من المنافسة في الانتخابات البرلمانية والمحلية والرئاسية، وخلال سنوات قليلة ستتمكن مصر من تقديم نموذج ديمقراطي ليس فيه هيمنة لأي طرف سياسي، ما يعزز فكرة تداول السلطة، وسننهض اقتصاديا لأن مصر حالياً بحاجة إلى نهضة اقتصادية توفر الثروة بما يمكن توزيعها لتحقيق العدل الاجتماعي وستقدم مصر إجابات واضحة برفض هيمنة أي طرف على مقدراتها .
الرئيس المنتخب في خطابه ثمّن دور جماعة الإخوان المسلمين عبر تاريخها، وألمح إلى ما تعرضت له الجماعة في ستينات القرن الماضي، حين قال “وما أدراك ما الستينات”، هل يعني ذلك بداية صدام بين “الجماعة” والناصريين أم نبشاً في دفاتر قديمة؟
الرئيس المنتخب ثبت أن تحيزاته الأيديولوجية تغلب على المهام التي انتخبه من أجلها الشعب المصري، وأعتقد أن كثيرين من الذين انتخبوا الرئيس محمد مرسي لم يكن حباً في جماعة الإخوان، لكن هؤلاء أعطوه أصواتهم كرها في نظام مبارك، ويعتقدون بما يملكون من ضمير وطني أنه يجب ألا يمكنوا النظام القديم من العودة، فقد فاز “مرسي” بأصوات من كرهوا النظام السابق ومن انحازوا للثورة، ولو توقف الأمر على أصوات الجماعة وما تستطيع حشده لما فاز مرسي، ومن ثم على الرئيس المنتخب أن يبرهن أنه رئيس لكل المصريين، وعندما يفرط في حديثه عن جماعة حزبية ويعلي من شأنها على حساب الجماعة الوطنية، فيكون قد ارتكب خطأ، وأنا أوافق على إشارته للستينات بمفهوم يتناقض مع حديثه، فالستينات حقبة عظيمة في تاريخ الشعب المصري والعربي، فهي شهدت أعلى نسبة لمعدل التنمية في تاريخ مصر، وشيدت فيها المدارس والجامعات لتلقي أبناء الفقراء التعليم، وهي التي شهدت تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية عندما بادر عبدالناصر بتوزيع الأراضي على الفلاحين، ومن بينهم أسرة الرئيس محمد مرسي، ولا ينبغي أن ينظر لحقبة الستينات من زاوية الصراع السياسي بين جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس وبين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لأن النظر إليها بما حدث من الرئيس أمر لا يليق بمستوى رئيس الدولة، وكنت أفهم أنه لا يمن على المصريين بنضال الجماعة، لكن يذكر فضل المصريين الذين مكنوا هذه الجماعة لاسيما الجماعة الوطنية والثورية المصرية التي قادت ثورة 25 يناير، وأعتقد أننا لن ندخل كناصريين في صدام مع الجماعة أو الرئيس المنتخب، فالجماعة بالنسبة لنا شركاء في المسيرة الوطنية المصرية، وهم جزء من المسلمين، وليسوا جماعة المسلمين، هم أصحاب اجتهاد في الدين وتوظيفه في السياسية، ونحن نختلف معهم في كثير من القضايا، والمرحلة القادمة سيكون فيها تنافس سياسي مع حزب الحرية والعدالة، لأن تمكينه من دون معارضة قوية له سيضر بالمستقبل السياسي لمصر .
ونحن ندرك أن مصر خرجت من سيطرة نظام “مبارك” باختياراته اليمينية الرأسمالية وأن هذا الاختيار يلامس اختيارات جماعة الإخوان التي تتوافق مع السوق الحر وآلياته، لذا ستكون معارضتنا انحيازاً لمصلحة الفقراء، وهنا أود الإشارة إلى أنه إذا أنجز الرئيس المنتخب قضايا الوطن وانحاز للفقراء سندعمه لأننا لا نريد أن نكون معارضة متربصة، وكل خروج عن مصالح الشعب واحتياجاته وعن المسار الديمقراطي وانحيازات ثورة 25 يناير سيقابل بمعارضة موضوعية من دون قطيعة أو فجر في الخصومة، ولا رغبة في تكسير القوى الوطنية الساعية لبناء الوطن، لكن ستكون معارضتنا سعينا للتنافس في تداول السلطة ونسعى إلى أن نقدم لمصر أفضل مما يقدمه الرئيس المنتخب .
ماذا عن اعتذاركم السابق لجماعة الإخوان عما جرى لهم أيام الرئيس عبدالناصر، فقد أثار اعتذاركم خلافاً مع بعض الناصريين، ورغم ذلك لم يقدر الرئيس المنتخب هذا الاعتذار، ألست نادماً على ذلك، أم ما زلت عند اعتذارك؟
على العكس لست نادماً على ذلك، بل أستيطع القول إن الاعتذار يؤكد أن الناصريين قادرون على نقد التجربة بالرغم من أن عبدالناصر بالنسبة لنا يشكل رمزاً ملهماً وليس رسولاً، وأي تجربة إنسانية قابلة للخطأ، وأنا أدرك تجربة عبدالناصر بكل ما فيها من انتماء صادق لهموم الفقراء وإخلاص وطني عظيم لمصر وإدراك لموقعها في قلب الأمة، لذا عندما نفاخر في نقد التجربة من مسالب فإننا نؤكد أننا غير مستعدين لتكرار تلك المسالب، والدفاع عن تلك الأخطاء، ما يؤكد أننا مؤهلون لإعادة إنتاجها، وهذا ما نرفضه، واعتذاري يؤكد أننا رغم انتمائنا للرمز والتجربة قادرون على انتقاده من موقع الولاء، وليدرك الجمهور العام أننا إذا حكمنا مصر لن يكون هناك ضحايا لأي إجراءات .
طرحتم في برنامجكم الانتخابي رؤية لمستقبل السياسة الخارجية لمصر، وأنها تدور في فلك الدوائر الثلاث التي طرحها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أليس هناك تعديلات بشأنها لاسيما في ضوء المتغيرات والمستجدات التي من بينها التزام مصر باتفاقية السلام مع الكيان “الإسرائيلي”؟
أعتقد أن الدوائر الثلاث من ثوابت السياسة الخارجية المصرية لا يجوز تجاهل أي منهما، فمصر دولة عربية تقع في قارة إفريقية ودولة إسلامية من بين دول العالم الإسلامي المترامي والمتلاصق في كثير من دوله، وبحكم الجغرافيا والتاريخ والبناء الثقافي لا يمكن تجاهل تلك الثوابت، ولم تقف سياسة مصر الخارجية عند حد الثابت لكن هناك متغيرا دائماً ما يرتبط بالمصالح المصرية لاسيما التقنية والقدرة الاقتصادية والعسكرية، وما أعتقد فيه أن مصر عبر تاريخها الحضاري وموقعها الجغرافي شكلت هوية متعددة الأبعاد “عربية إفريقية إسلامية”، فضلاً عن شراكة أوروبية ودولية، وأنصح من يحكم مصر الآن بأن يعطي دوراً للبعد الإفريقي لأنه يرتبط بمصالح مصرية حالية أهمها مياه النيل وتأمينها، وارتبط ذلك بالطاقة والغذاء، ولو قدر لي وكنت رئيسا الآن لقمت بزيارة إفريقيا ولبدأت بالسودان وإثيوبيا وأوغندا وغيرها من دول الحوض والقرن الإفريقي . وهو الأمر الذي ينسحب على الدور العربي والإسلامي .
طرحتم رؤية بديلة نسبيا عن دولة عبدالناصر ما نقاط التماس والخلاف بين تلك الرؤية وبين دولة عبدالناصر؟
من حيث المقاصد هي دولة يعيش فيها المصريون بكرامة يستطيعون العلاج والتعليم والعيش الجيد، ودولة يبدع فيها المصريون، وهي دولة حلم بيت سعيد لكل أسرة، وهو تعبير أقتبسه من الرئيس جمال عبدالناصر، ولغة وآليات العصر الحالي ليست كمثيلتها في القرن العشرين، فالجيل الذي أقام ثورة 25 يناير غير جيل الضباط الأحرار الذي قام بثورة 23 يوليو/ تموز 1952 رغم احترامنا لكل المحطات الفاصلة في التاريخ المصري منذ نضال مشايخ الأزهر إلى عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول والنحاس باشا وحسن البنا وحركة الطلبة والعمال، الدولة التي أطرحها ترتكز على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني .
في ضوء الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري، كيف تنظرون إلى الرئيس المنتخب، وكيف تنظرون إلى موقفه من الدستور الجديد لاسيما في ما يتعلق بمدة ولايته التي حددها الإعلان الدستوري الأول ب4 سنوات؟
سبق أن أكدت في أكثر من مناسبة رفضي الإعلان الدستوري المكمل، لأنه أعطى صلاحيات كبيرة للمجلس العسكري هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه وفق الأعراف والقواعد الدستورية المستقرة، أنه في ظل أي دستور جديد يجري استفتاء شعبي حوله، يفترض تقليد ديمقراطي أن يعاد انتخاب رئيس الجمهورية، ما لم ترد فقرة في الأحكام الانتقالية في مشروع الدستور الجديد تتضمن استكمال فترة ولايته، وأعتقد أن ورود مثل تلك الفقرة الانتقالية تشكل مسلباً أو معيبة دستورية، وهو ما أرفضه
كما أن الجمعية التأسيسية للدستور التي تعكف على إعداده، لم تتمكن من الحصول على ثقة المصريين وإجماعهم على تشكيل يحقق قاعدة عدم الهيمنة والاستبعاد، والدستور ليس شأن أغلبية أو أقلية، فهو يحتاج إلى جمعية تأسيسية تتوافر فيها شروط التوافق المجتمعي الواسع، وأتصور أن تشكيل جمعية تأسيسية على هذا النحو سيكون لها الرأي الفاصل في أن يستكمل الرئيس المنتخب مدة ولايته من عدمه، ولا بد للجمعية التأسيسية أن تحدد مدة ولاية الرئيس ب5 سنوات ولا ينتخب أكثر من دورتين متتاليتين .
كيف تنظرون إلى علاقة المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين من جهة وبين “العسكر” والقوى والأحزاب المدنية من جهة أخرى؟
المجلس العسكري مسؤول مسؤولية كاملة عن إدارة المرحلة الانتقالية، وأن نتاج سياسات المجلس العسكري إزاء الانتخابات الرئاسية يشوبها تزوير ناعم لا نستطيع التأكد منه، وإن كانت مقارنة بانتخابات ما قبل 25 يناير تعبر عن تقدم عظيم لكنها بحاجة إلى استكمال نزاهتها . وأعتقد أن العلاقة بين المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين يحوم حولها الكثير من الشبهات بشأن اتفاقات وصفقات غير معلنة، بدليل النتائج التي وصلت إليها مصر الآن وكذلك الطريقة التي أجريت بها الانتخابات، لكن تلك العلاقة شأنها شأن التزوير الناعم، أشياء لا يمكن أن تمسكها باليد، لكن يمكن أن تستشعرها من الحصاد، فالحصاد يؤكد أن تفاهمات ما حدثت لم تكن مطروحة على الرأي العام .
وأعتقد أن الأيام المقبلة ستكشف مدى تلك الشكوك، وبصرف النظر عن ذلك، أعتقد أن مصر بحاجة في دستورها الجديد أن تبرهن على احترامها للجيش المصري كمؤسسة وطنية مخلصة ومعطاءة من الدعم المادي والمعنوي ما يستحق في إطار إدراك مهمتها في حماية الأمن القومي المصري من دون التدخل في الشأن السياسي الداخلي .
وأتصور أن القوى المدنية تواجه تحديين في إطار سعيها للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، التحدي الأول من الأحزاب الناشئة على أساس ديني وتوظيف الدين في الأغراض السياسية، وتريد أن تنمو بمصر لتأسيس دولة تكرس التمييز بين المواطنين على أساس فهم خاطئ للدين، وبين عسكرة الدولة عبر صلاحيات بلا حدود للمجلس العسكري، وهو عكس ما يريده المواطنون الذين خرجوا في ثورة 25 يناير، وهذه القوى المدنية عليها إدراك خطورة التحكم من قبل “العسكري” أو “رجال الدين السياسي”، وعلى تلك القوى أن تؤكد احترامها للجيش المصري، وتسعى إلى وضعه في موضعه الصحيح في حماية الأمن القومي للبلاد وتقدير دوره وتدعمه، فمواجهة تغول المجلس العسكري دائماً تأتي في مصلحته، وهكذا قوى تيار الإسلام السياسي .
طالتك بعض الشائعات بعد الجولة الأولى قبل لقاء جمعكم مع المرشح السابق أحمد شفيق، وثالثة بالسعي للحصول على منصب نائب الرئيس وثالثة مثل تلقي أموال من الخارج لدعم حملتكم، فأين الحقيقة؟
بعد ثورة 25 يناير لم ألتق أبدا “أحمد شفيق” باستثناء لحظة تقديمي واجب العزاء في زوجته، وشائعة البعض عن لقاء مع شفيق حديث كاذب وليس له أي سند من الصحة، وعلى الذين يروجون لمثل هذا الحديث أن يراجعوا أخلاقياتهم المهنية إذا كانوا صحافيين أو أخلاقياتهم الإنسانية إذا كانوا يمارسون السياسة، وأنا لست في قطيعة مع أي مصري، القطيعة مع “الإسرائيليين” فقط . وفي ما يتعلق بالتمويل فأنا وحملتي وكل من ساندني نفخر بأننا خضنا معركة انتخابية نفخر بأنها الأفقر مالياً، والأغنى بمحبة الله والشعب، وسبق أن قدمت إقرار ذمتي المالية وأول من نشرها علنا .
نحن أول حملة قدمت تقريراً مالياً تمت مراجعته من مراقب حسابات إلى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وأصدرنا بيانا صحافيا أوضحنا فيه ما تم جمعه وإنفاقه من أموال على حملتنا، والذي يملك أدنى دليل على تلقينا أموالا من الخارج أرجوه مشكورا أن يتوجه إلى السلطات المعنية ببلاغ رسمي أو يتجه إلى الرأي العام . لكن الفجور في الخصومة أمر لا يمكن أن أتقبله من دون سند، وأعتقد أن من يروجون مثل تلك الأكاذيب اكتشفوا أنني منافس شرس لذا يسعون لتكسير عظام وتشويه صورة بالكذب والتضليل . وحقيقة أدهشني أن أنصار مرشح فائز يشنون مثل تلك الادعاءات عليّ، لكن أناشدهم إذا كنا ماضين في بناء تجربة ديمقراطية أن يلتزموا بآداب الخلاف، وألا نتخاصم على الرغم من أن المشهد السياسي الآن أصبح مملوءاً بالتشدد في الخصومة .
حدثنا عن رحلتك من مدينة بلطيم إلى رئاسة الجمهورية مروراً بشخصية والدك الحاج عبدالمعطي، وتكوينك الاجتماعي والسياسي وتجربتك بالجامعة وتأثرك بالناصرية؟
هي رحلة طويلة في البحث عن العدل والمحبة، ونحن بحاجة إلى كثير من العدل لأن الشعب المصري أرهق ظلماً، وكذلك نحن بحاجة كثيرة إلى المحبة، لأننا أرهقنا كرهاً بفعل نظام قاسٍ وظالم، وخلقنا أوضاعاً تجردت من الأخلاقيات في الاقتصاد والسياسية ومناحي أخرى . ودائما أقول إن لدينا مقومات عربية ووطنية كثيرة أرى أنه يمكن إنجاز العدل وإقرار المحبة بها، ورحلتي رحلة شائقة وشائكة، في أن أرى مصر مملوءة بالعدل والمحبة، ووالدي علمني منذ صغري أن هناك ثمناً من العرق والجهد والتضحية لا بد أن يدفع حتى تأتي الأرض التي تزرع بثمارها، وحتى تتحقق الأهداف الإنسانية النبيلة . وأنا أحمد الله أنني ولدت وسط الفلاحين والصيادين وفي عصر شاهد حركة تحرر كبرى في وطننا وأمتنا نفتخر بها .
::::
“الخليج”
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.