التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية

د. منذر سليمان

واشنطن، 20 يوليو 2012

 

المقدمة:

سورية كان لها حصة الاسد من اهتمامات مراكز الابحاث الاميركية المتعددة، وتنافست فيما بينها، الى حد ما، للتكهن بمستقبل الرئيس الاسد، ومن ثم سورية، استنادا الى حكمها المسبق على فشل مهمة المبعوث الاممي كوفي أنان. وبرزت مسألة مصير المخزون السوري من الاسلحة الكيميائية والبيولوجية مادة للنقاش مواكبة لتسليط الادارة الاميركية النظر على الأمر، والتي استرشدت بمعلومات استخبارية مفادها ان سورية قامت بنقل وتغيير مواقع مخزونها، مما دفع البعض الى اعتبارها محاولة اميركية – غربية لاستدراج سورية للافصاح عن نواياها الميدانية. التدخل العسكري كخيار بديل حضر بقوة ايضا في مداولات مراكز الابحاث، لا سيما بعد قرار الفيتو المزدوج لروسيا والصين، وللمرة الثالثة تباعا، بشأن عدم السماح للتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية السورية. مجلس العلاقات الخارجية، الرصين عادة، اعتبر الفيتو المزدوج “تهديد للأمن والسلام الدوليين.”

دمقرطة العالم العربي كانت على اجندة معهد راند، بغية التعرف على مسار الحركات الديموقراطية الاخرى وتحديد اهم العقبات والتحديات التي تعترض مسار تطبيقها في المنطقة.

المظاهرات والاحتجاجات في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية، منطقة القطيف، اثر اصابة واعتقال رجل دين مرموق نالت بعض الاهتمام من منطلق “تأثيرها وتداعياتها المستقبلية على سوق الامدادات النفطية والعلاقات الخارجية” مع العربية السعودية.

نتائج الانتخابات التشريعية الليبية لقيت ارتياحا وترحيبا بين اوساط مراكز الابحاث لاعتقادهم ان فوز التيار الليبرالي برئاسة محمود جبريل يقوض نفوذ التيار الاسلامي ويعد بمرحلة انفتاح سياسي على الغرب افضل من جارتيها في تونس ومصر.

روسيا والصين ايضا كانتا ضمن دائرة اهتمامامات مراكز الابحاث، لا سيما في مواقفهما المتميزة عن الغرب حيال مسألتي الملف النووي الايراني والصراع الدائر في سورية.

ملخص دراسات ونشاطات مراكز الابحاث

سورية:

        اعرب معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى Washington Institute عن اعتقاده ان تجديد مهمة المبعوث الاممي كوفي أنان من شأنها “تقديم حبل النجاة مجددا الى النظام (السوري) وتقويض الفعالية المتنامية لقوات المعارضة المسلحة.. اما تطبيقها من شأنه وضع ترتيبات وقف اطلاق النار المحلية في خدمة تخفيف الضغط عن قوات (النظام)..” واضاف ان تزايد وتيرة العنف أتت نتيجة “رفض النظام لسحب اسلحته الثقيلة من المدن..”

        ملابسات “مجزرة التريمسه” كانت محور اهتمام معهد واشنطن ايضا، محملا الدولة السورية المسؤولية التامة كونها “تتوافق مع تكتيكاتها المتبعة عادة في عملياتها الهجومية.” واضاف ان مصير الاسلحة الكيميائية “امر بالغ القلق.. لا سيما وان عملية نقلها من مخازنها “تتزامن” مع تشديد هجمات الجيش السوري الحر على نظام الطرق والقوافل العسكرية.. والخشية من تسرب مركبات كيميائية في الجو او بسبب تعرضها للعطل،” محذرا في الوقت عينه الحكومة السورية من لجوئها الى استخدام الاسلحة الكيميائية ضد معارضيها. وطالب الولايات المتحدة والدول الغربية “اصدار انذرات لسورية – وعند فشلها في تحقيق الغرض منها، ينبغي اللجوء الى اعمال عسكرية للاطاحة بالنظام.”

        معهد هدسون، Hudson Institute، وجه نقدا لاذعا للادارة الاميركية “لامتناعها عن المبادرة في جهود الاطاحة بالرئيس الاسد.. لاعتبارات الحصول مسبقا على موافقة الاطراف الدولية المتعددة،” ومعربا عن اعتقاده ان توجه الادارة للأمم المتحدة اضر بمصالح الولايات المتحدة “وقوّض السيادة الاميركية.”

        مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations حث الادارة الاميركية تبني خيار التدخل العسكري رغم ما ينطوي عليه من “اعداد قوات للتدخل مدعومة بغطاء جوي كثيف،” اذ ان التراجع عنه يدفع بالخيار البديل الى الواجهة “تقديم الدعم التسليحي والمستويات الاخرى لقوى المعارضة.. دون ايلاء مسألة تطور الصراع الى حرب اهلية اي اهتمام كونها جارية على قدم وساق.” كما طالب الادارة النظر الى التوجه الديبلوماسي من زاوية أحادية اذ ان “الهدف  الآن ينبغي ان ينصب على ايجاد مخرج (للرئيس) الاسد ودائرته الضيقة.. والانتقال الى مرحلة حكم سياسي تشمل كل الاطراف استنادا الى مبدأ سيادة القانون.”

        المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي Jewish Institute for national Security Affairs اعرب عن اعتقاده ان تطور ساحة المواجهات لتشمل مدينة دمشق “يؤشر على بدء مرحلة نهاية نظام (الرئيس) الاسد.. لا سيما وان “اسرائيل” قلقة جدا من مصير الاسلحة الكيميائية السورية،” مناشدا الولايات المتحدة “مشاركة اسرائيل في المعلومات ذات الطابع الاستخباري حول الاسلحة الكيميائية السورية..”

        وطالب المعهد الادارة الاميركية استغلال “الفوضى السياسية” الناجمة عن اغتيال القيادات السورية العسكرية “لتشديد الضغط على (الرئيس) الاسد وحثه على المغادرة.. ليجنب البلاد الفوضى وحمامات الدم الطائفية او صعود الجهاديين” للسلطة، محذرا الادارة انه ينبغي عليها “التخلي عن دعم التوجه الديبلوماسي (للمبعوث الاممي) كوفي أنان.. والشروع في جهود سرية لتسليح عناصر المعارضة..”

        تكهن معهد بروكينغز Brookings Institute بحتمية “تخلي (الرئيس) الاسد عن دمشق.. وتحول قوات الامن من النخبة الى ميليشيا للعلويين، النسخة السورية لحزب الله، مع او دون وجود الاسد،” مستدركا ان الأمر قد يستغرق بعض الوقت “واضطرار النظام الى استعادة بعض الوحدات العسكرية المرابطة في الجولان واستخدامها في تدمير الاحياء المتمردة..”

        مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations  علل الفيتو المزدوج لروسيا والصين “لعدم ارتياحهما لاي عمل من شأنه اضفاء الشرعية على اي تدخل دولي في الشؤون الداخلية للدول الاخرى.. ولخشية حكومتيهما من ان يشكل الامر سابقة قد تتحول ضدهما يوما ما.”

ايران:

        مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات Foundation for the Defense of Democracies اعربت عن اعتقادها ان تدهور الحالة الاقتصادية في ايران هو نتيجة لاستمرار العقوبات الدولية ضدها وتقلص المبيعات النفطية، لا سيما وان “عشرات الملايين من براميل النفط غير المباع يجري تخزينها على متن ناقلات نفط خارج الشواطيء الاقليمية.” ولفتت المؤسسة الانظار الى ما اسمته نتائج استطلاع للرأي بثه التلفزيون الايراني يشير الى ان نحو “63% من الايرانيين يؤيدون تخلي بلادهم عن البرنامج النووي مقابل رفع العقوبات” الاقتصادية عنها. وحثت الرئيس اوباما على التوجه ومخاطبة الشعوب الايرانية مباشرة للتأكيد على “عدم رضى او قبول الولايات المتحدة للبرنامج النووي، واستخدام تدابير سرية وعلنية من شأنها دعم جهود الايرانيين للتخلص من النظام الحاكم.”

        المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي Jewish Institute for National Security Affairs اعرب عن اعتقاده بفشل سياسة استهداف ايران عبر اغتيال كفاءاتها العلمية وادخال برامج كمبيوتر خبيثة، فايروس، لاجهزتها المركزية التي قد “تستطيع ابطاء الجهود العلمية، لكنها ستعزز عزم القيادة الايرانية بالمضي قدما” في تلك الجهود. وطالب الادارة الاميركية “حزم امرها لاستخدام القوة العسكرية في الوقت المناسب (ضد ايران) دون الالتفات الى الاعتبارات الانتخابية او اخرى سياسية.”

العربية السعودية:

        اشار معهد واشنطن Washington Institute for Near East Policy الى ضخ النفط من منابعه في العربية السعودية عبر انبوب بديل يمر باراضي الامارات العربية المتحدة “لتفادي المرور في مضيق هرمز.. واضافة لانبوب آخر اضحت الطاقة النفطية التي لا تمر عبر المضيق نحو 6.5 مليون برميل يوميا.” وطالب الادارة الاميركية بتشجيع كل من الرياض والمنامة “لادخال اصلاحات سياسية ضرورية لتفادي استغلال المتشددين الشيعة مشاعر الاحباط السائدة بين اقرانهم في البلدين.”

التحليل:

الازمة السورية وتجدد المراهنات على المنطقة الآمنة مع تركيا

        تواترت مطالب انشاء ملاذات آمنة على الاراضي السورية المحاذية للحدود التركية بحيث اضحت مادة يومية في الاعلام، لعل احدثها كانت دعوة السيناتور الجمهوري جون ماكين التي اطلقها خلال زيارته للبنان، مما يطرح تساؤلات حول انتهاكه للسيادة الوطنية اللبنانية قبل مغادرته. قابلها في الجانب الآخر نداءات شبه يومية من مراكز الابحاث الاميركية المتعددة والصحف الرئيسة لحث الادارة الاميركية العمل على تحقيقها دون الالتفات الى انتظار تحقيق الاجماع الدولي المنشود.

        قبل الولوج في امكانية تطبيق المطلب هناك عدد من الاستفسارات التي ينبغي طرحها والسعي للاجابة عليها بموضوعية وتحديد آليات تطبيقاتها، منها: ما هو الهدف المرجو من انشاء ملاذات آمنة؟ مدى عزم الاطراف الداعية وارادتها لانشائها؟ الطرف او الاطراف المعنية بانشائها؟ من سيحدد انتفاء مهمتها والتخلي عنها؟

        ما يجري راهنا ان هناك “منطقة آمنة” انشئت في شمالي مدينة حلب، الى الغرب من ادلب، بمحاذاة الحدود التركية في مقاطعة الاسكندرونة – هاتاي. واعلنت تركيا في شهر حزيران الماضي عن تحريك قطعات من بطاريات الصواريخ المضادة للطيران ونشرها على طول حدودها الجنوبية في اعقاب اسقاط سورية طائرة مقاتلة تركية اخترقت اجواءها السيادية فوق مياه البحر الابيض المتوسط. عمليا، تُرجم الامر الى انشاء صيغة ما لمنطقة حظر للطيران المروحي السوري الذي كان مكلفا بمراقبة المنطقة الحدودية.

        في المحصلة، المناطق الآمنة اضحت اقل أمنا وسلامة مما يبدو للوهلة الاولى، لا سيما عند الاخذ بعين الاعتبار ان مجموعات الجيش السوري الحر هي اقرب الى مجموعات حرب عصابات – وقوات مشاة خفيفة التسليح في افضل الاحوال. وبالنظر الى الطبيعة الجغرافية الملائمة لانتشار المتمردين، فقد عجزوا عن الاحتفاظ بمساحات هامة من الاراضي امام هجمات القوات السورية المركزة والمسلحة بالمدرعات والغطاء الجوي. وامام هذه الحقائق، يجري التطلع الى مساعدة اطراف خارجية لاجل الحفاظ على تلك المناطق بعيدا عن سيطرة وتهديد القوات السورية النظامية.

        ويتجدد السؤال هنا حول الهدف الحقيقي من انشاء تلك “المناطق الآمنة” والفترة الزمنية التي ستحتاجها لابقائها خارج سيطرة الدولة المركزية بدعم من القوات الخارجية؟

        بما ان الازمة السورية تشمل مناطق البلاد بأكملها وليست محصورة بمنطقة بمنآى عن المناطق الاخرى، تنتفي الحاجة الحقيقية لاقتطاع مساحات جغرافية ذات الطابع الطائفي المحدد، والتي ستشبه الى حد كبير ما يسمى الجمهورية التركية لشمالي قبرص التي ترفل بسيادة محدودة – على الرغم من ان تركيا هي البلد الاوحد الذي يعترف بها. تلك “الجمهورية” المقتطعة قد يتم الاحتفاظ بوضعها الراهن الى الابد، بحماية بعض القطعات العسكرية التركية داخل اراضيها.

        من مصلحة تركيا، اذن، استنساخ تلك الصيغة الهجينة لرغبتها الدفينة في بسط هيمنتها على بعض الاراضي السورية، والتي من شأنها استنهاض مقاومة وطنية شعبية مسلحة قد لا ترغب بها الدول الغربية التي تعتاش تركيا على دعمها ومساندتها.

        استنادا الى ما تقدم، فانشاء اي منطقة آمنة يتخذ طابعا مؤقتا ويتم تلاشيها وانتفاء غرضها عند هزيمة المتمردين، او عند التوصل لصيغة حل ما بين القوى المتصارعة. لا يلوح في الافق امكانية التوصل الى حل ما في المدى القريب، مما يفتح الباب مشرعا امام الاطراف الخارجية الداعمة لانشاء المناطق المذكورة بمديات مفتوحة، الأمر الذي تسعى جاهدة لاجتنابه في ظل الازمات الدولية المتعددة، لا سيما الازمات المالية والاقتصادية التي تعصف بالدول الرأسمالية.

        وعليه، فان جهود اقامة مناطق آمنة ينبغي مرافقتها باجراءات عملية ترمي الى دعم الجيش السوري الحر ومجموعات المتمردين الاخرى. اي تقديم دعم تسليحي وتدريبي ولوجستي يواكب المستويات المقدمة للمتمردين الليبين العام الماضي. تجمع الاطراف كافة على تفوق امكانيات وجهوزية القوات السورية النظامية على نظيرتها الليبية ابان تعرضها لعدوان حلف الناتو، مما يتطلب مستويات دعم وتسليح وتدريب اعلى تتناسب مع الرغبة في مواجهة القوات السورية، كما ان التكلفة المادية والبشرية ستصل الى مستويات اعلى ايضا.

        في الجانب العملياتي، لو تم امداد الجيش السوري الحر بمعدات قتالية افضل سيستمر افتقاده لعنصر تقديم اي ضمانات لسيطرته على مناطق آمنة كالتي شهدناها في دول البلقان قبل عدة سنوات. جدير بالذكر ان حصار حلف الناتو المفروض آنذاك على سيراييفو لم ينكفيء عند بدء الحلف بغاراته الجوية، بل وعلى الرغم من سلسلة محاولات للتفاوض بشأنه، استمر الحلف في فرض حصاره، ولم تنسحب القوات الصربية من الصرب بشكل تام الا حين تم تهديدها بقوة عسكرية مماثلة من القوات الكرواتية والبوسنية مجتمعة التي شنت هجوما بريا منسقا اضطرت للانسحاب من المنطقة على أثره. كما ينبغي الاشارة الى فشل الجهود آنذاك لانشاء منطقة آمنة لمدينة سريبرينيتسا على الرغم من تواجد المراقبين الدوليين والميليشيات المحلية والغطاء الجوي (للناتو) بسبب عدم توفر القدرة او العزيمة للقوات الارضية للمغامرة في قتال القوات الصربية. وعند النظر الى الحالة السورية، نجد ان قوات الجيش السوري الحر لا تماثل اي من القوات العسكرية في البلقان عددا او تدريبا، مما يؤدي الى الاستنتاج بانه لو تسنى لها الاستيلاء على مدينة او منطقة لها مكانة سياسية فقد يكون ضربا من المستحيل استطاعتها المحافظة عليها ضمن نطاق المنطقة الامنة دون توفر مساعدات واسعة النطاق من الاطراف الخارجية.

ما هي حقيقة المغامرة؟

        القوات العسكرية السورية تتمتع بقدر لا يستهان به من القوة، اذ لديها نحو 650،000 جندي تحت الخدمة، وتمتلك اسلحة ومعدات ثقيلة لا سيما في سلاحي المدرعات والطيران مع الاشارة الا ان مدى فعاليتها يعتمد على نوعية الصيانة الي تقوم بها الفرق المختصة في ظل ظروف الحرب. ومع ذلك، باستطاعتنا القول انه في اللحظة الراهنة تملك القوات العسكرية اليد العليا في التسليح والعديد ومستويات التدريب.

        قوام القوى المعارضة يتشكل من خليط متناثر من الميليشيات وقوات الجيش الحر. استنادا الى فرضية استخدام قوى الميليشيات في عمليات القتال والسيطرة على بعض المناطق، الا انها لا تدخل في التشكيلات القيادية والهرمية، علاوة على ما تتمتع به من تسليح وتدريب لا يعدو يماثل الحد الادنى من المطلوب في افضل الاحوال. لا تتوفر اعداد دقيقة يمكن الاستناد اليها، الا ان بعض المصادر المقربة من اوساط المعارضة ترجح تعداد قوات الجيش الحر بنحو 40,000 مجند تحت السلاح. شح المصادر الموثوقة يجعل التيقن من دقة الارقام المشار اليها امرا عسيرا.

        الجيش السوري الحر بمجمله مسلح باسلحة خفيفة، معظمها بنادق كلاشنيكوف وقذائف صاروخية، من طراز ار بي جي -7. (ملاحظة: تردد انهم يملكون جيلا متطورا من قاذفات ار بي جي -29). بعض المعلومات افادت ان بعض المنشقين انضموا ببعض الدبابات، لكن لو صح الامر فان فائدتها ستكون محدودة اذ انها تتطلب اعمال الصيانة والوقود. ان اشتملت المناطق الآمنة على تضاريس وعرة، وانشاء القوى الغربية منطقة حظر للطيران، واستمرار تدفق الاسلحة الى المتمردين، حينئذ قد يستطيع الجيش الحر الاحتفاظ بتلك المناطق لبعض الوقت. المعضلة الحقيقية ستبرز حينئذ في عدم قدرته على السيطرة على بقية مناطق البلاد.

        افتراضيا، باستطاعة قوات مشاة خفيفة التسليح، مثل الجيش الحر، السيطرة على مناطق وعرة والاشتباك في عمليات هجومية محدودة وشن هجمات كر وفر. لكن حتى لو استطاع التمتع ببعض الدعم الشعبي، ستتعاظم امامه التحديات للمضي في اخضاع مدن كبرى، مجردا من رفده بمقاتلين جدد باعداد كافية واسلحة اضافية. وعليه، ان كان الهدف من انشاء منطقة آمنة بغية توفير ملاذ لبناء قوات عسكرية باستطاعتها مواجهة وهزيمة الجيش السوري ميدانيا، فان القوى الغربية، وخاصة تركيا، ستجد نفسها مضطرة للانخراط مباشرة بقوة اكبر.

        واستنادا الى فرضية ان تركيا هي الطرف الاكثر استفادة من الاوضاع سالفة الذكر، يتعين عليها اتخاذ قرارها بشأن تعزيز تسليح الجيش الحر من قوات مشاة خفيفة التسليح الى قوة اشد بأسا.

        تمتلك تركيا ثاني اكبر الجيوش عددا من بين دول الناتو، وعدد لا باس به من المدرعات التي تم شراؤها ابان عصر الحرب الباردة. سلاح المدرعات الاساسي لتركيا راهنا يستند الى النموذج الالماني من طراز ليوبارد 2A4 والاميركي M60T، الى جانب نحو 400 مدرعة من الجيل الاول ليوبارد 1 اضافة الى نحو 750 مدرعة من طراز M60 Patton الاميركية بنماذج متعددة دخلت الخدمة. قواتها البرية تمتلك نحو 1,300 دبابة من طراز M48 Patton في سلاح الاحتياط، والتي قد يتم تسليمها لجيش سورية الحر لتدعيم قدرته بالمدرعات.

        من الناحية التقنية النظرية، تتخلف دبابات M48 عن ميزات المواجهة المتوفرة للمدرعات السورية T-72 الاقوى. النموذج السوري T-72M (من الاصل الروسي T-72A) يتميز بعدة طبقات تدريع لحمايته مقارنة بالنموذج الروسي: اذ يحتوي على ادراج مركب معدن مختلف في تجويفة البرج لتدعيم حمايته من القذائف والذخيرة الخارقة والحارقة.

        مدرعات M48 يمكنها العمل بفعالية ان توفرت لها الخبرات البشرية الكافية. اذ تم الاعتماد عليها في القوات البرية الاميركية لغاية عقد التسعينيات من القرن المنصرم. اما النماذج المعدلة بحوزة تركيا من مدرعات M48 فهي شبيهة بمدرعات ماغاش التي استخدمتها “اسرائيل” في حروبها على لبنان، والتي تعد نموذجا معدلا عن الاصل M48. وتسعى القوات “الاسرائيلية” الى اخراجها من الخدمة على مراحل، لكنها تستخدم في معدات الاحتياط.

        مما لا شك فيه ان المدرعات التركية، M48، لا تستطيع التفوق على التي بحوزة الجيش السوري من طراز T-72، لكن تسليح الجيش الحر بها سيوفر له القدرة على الانتقال في هجماته الى مرحلة متقدمة ضد الجيش العربي السوري.

التحركات الكردية المغامرة

        ان استقر الامر لدى تركيا ومن ورائها من الدول الغربية على المضي بتسليح الجيش السوري الحر لتعزيز قدرته على مواجهة الجيش العربي السوري، سيكون الاخير حينئذ مضطرا للرد على اية هجمات قد يتعرض لها. بل الطلب بقوة اكبر من حلفائه، وخاصة روسيا، تزويده بمعدات واسلحة تتفوق بعدة مرات على ما يمكن ان يتوفر بايدي قوات الجيش الحر. وقد تشمل مدرعات اضافية وطائرات مروحية هجومية وخبراء فنيين لصيانتها الامر الذي يعد بالغ الحيوية.

        في ظل هذه الاجواء، قد يتم ادخال العامل الكردي على الساحة. اذ ان نشر القوات العسكرية السورية في مواجهة قوى المتمردين قد ادى الى اخلائه بعض المناطق الحدودية المشتركة مع تركيا لصالح السيطرة الكردية. ففي المناطق التي انسحب منها الجيش السوري، قفزت المجموعات الكردية لبسط سيطرتها. ونتيجة لذلك، تعززت مشاعر اكراد سورية في امكانية الحصول على مزيد من حرية الحركة وزيادة النفوذ لاولئك الساعين لانشاء منطقة كردية مستقلة.

        في لقاء تم مؤخرا برعاية رئيس كردستان العراق، مسعود البرزاني، توصل الاكراد الى اتخاذ موقف موحد مناهض للرئيس الاسد، وانشأوا المجلس الكردي الاعلى ونظموا “قوات شعبية للدفاع” بغية السيطرة على المنطقة. كما ينوي هؤلاء ابعاد قوات الجيش السوري الحر بعيدا عن مناطقهم الكردية.

        من الثابت ان تركيا لا ترغب في رؤية منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي على مقربة من حدودها، اللهم في المدى القصير، اذ انها قد تجد الامر يصب في مصلحتها. وقد تغامر بدعم فرضية ان وجودا كرديا مناهضا للرئيس الاسد سيعزز امكانية رؤية نهاية مبكرة للازمة السورية.

        ان استطاع الاكراد فرض ارادتهم على الحكومة السورية لاعترافها بمبدا الحكم الذاتي على مناطقهم، قد نشهد بداية تفسخ وتشظي سورية بحدودها الراهنة. ومن هذا المنطلق، فان المساعي لاقامة منطقة آمنة تنذر بما هو ابعد من الرغبة لحماية المدنيين السوريين.

::::::::

يمكن مطالعة التقرير في موقع المركز بالعربية والإنكليزية: www.thinktanksmonitor.com

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

مدير المركز: د. منذر سليمان

موقع المركز بالعربية والإنكليزية: www.thinktanksmonitor.com

العنوان الالكتروني: thinktankmonitor@gmail.com