بعد فتاوى “لجنة ليفي”…

خطوات لتهويد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين

عبداللطيف مهنا

 

في مقالنا السابق، الذي تعرضنا فيه لتقرير “لجنة ليفي” الإسرائيلية، الذي أفتى بشرعية كافة مسميات التهويد المتسارع لماتبقى مما لم يهوَّد بعد في الضفة الغربية، وقال بأن ألكيان الغاصب لفلسطين ليس بدولةٍ محتلةٍ، وإن احتلالها لايتعارض مع القانون الدولي…الخ ما ورد في التقرير المذكور، قلنا في مقاربتنا تلك، إننا ازاء طفرة تهويدية جديدة في هذه الضفة، وأقله سنشهد تسارعاً تهويدياً غير مسبوقٍ في قادم الأيام هناك. لم يمض إلا أقل من إسبوعٍ حتى أعلن المحتلون الحرم القدسي الشريف “جزءاً لايتجزءا من أرض إسرائيل”، ويتبع لإدارة ما تسمى دائرة ألأثار لديهم. لعل هذه الخطوة هى مجرد أولى قطرات غيث هذا التهويد المنتظر، وهي على خطورتها، لم تك تأتي في غير المتوقع منهم، بل تجيء في سياقٍ عامٍ مدروس ومبرمج ويأخذ شكله التصعيدي الإختباري المقنن والمعد له منذ أمدٍ، وباتجاه أمر لايخفى على أحدٍ إلا أولئك الدافنين رؤوسهم في رمال التبعية والإنحدارفي عالمينا العربي والإسلامي.  إنه هدم أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وبناء ما يدعونه هيكلهم الثالث مكانه، ذلك بعد أن فرغوا من تهويد، ونقولها تهويد ونضع تحتها أكثر من خطٍ، بيت المقدس وأكنافه جغرافياً، وقطعوا شوطاً ليس بالقليل في تهويده ديموغرافياً، ذلك باتجاه هدف الوصول بنسبة العرب في المدينة المحتلة إلى معلنٍ قد قرروه ويخططون له، وهو نسبة 22%، بتخفيض عدد أهلها العرب ورفع نسبة المستقدم لها من يهود العالم إلى 78% حتى نهاية العقد، الأمر الجاري الآن على قدمٍ وساقٍ عبر بذر الأحياء الإستعمارية التهويدية من حول المدينة وفي داخل أحشائها… الهيكل المزعوم  كانوا قد بنوا له انموذجاً منذ سنواتٍ غربي المدينة المحتلة بانتظار تطبيقه حين يحين الحين وفي الأجل المناسب الموعود. أما السياق التهويدي العام، حيث تعتبر الخطوة الأخيرة مجرد بالون اختبار تمهيداً لما يلحقها، فقد بدأ التحضير له منذ أول لحظةٍ تم لهم فيها احتلال شرقي القدس في العام 1967. إذ بدأوا حينها في خطواتٍ متدرجةٍ  لنزع الهوية العربية التاريخية للمدينة المحتلة وفرض هويةٍ يهوديةٍ مفتعلةٍ لها، بتغيير معالمها وطمس هويتها الأصلية، ومن ذلك مثلاً: هدم حارة المغاربة وعديد الأماكن الأثرية المحيطة بالحرم القدسي، وشق الطرق وإقامة الحدائق في المقابر التاريخية، وبناء الكنس والجسور والساحات من حوله، ثم من خلال الحفريات والانفاق من تحته وتحت حائط البراق الذي حوَّلوه إلى حائط المبكى، كل ذلك بزعم البحث عن أثارٍ لذلك الهيكل المزعوم تحت الحرم وساحاته، والذي لم يجدوا له في بحثهم هذا، والذي كانت بداياته سابقة على إحتلاله وتمتد حتى القرن التاسع عشر، حجراً واحداً يثبت مجرد وجوده. كما شهدت العقود الأخيرة تصاعداً وقحاً في عملية مصادرة تاريخ المدينة، بإقامة المتاحف اليهودية الملفقة العديدة سعياً محموماًلاختلاق تاريخٍ مزعومٍ لهم، بالتوازي مع توسيع حدود المدينة لتبتلع ما مساحته 10% من اجمالي مساحة الضفة  بأسرها، وزرع هذه النسبة بالمستعمرات التي تشكل مدناً كاملةً تتشابك لتحيط  بالمدينة الأسيرة من كافة الإتجاهات وتبتلعها في جوفها. إلى جانب إعلانها عاصمةً أبديةً لكافة يهود العالم، ثم جعلها مدينةً لها الأولوية، مع ترافق هذا مع منع الترميم للآثار والمقدسات العربية الإسلامية والمسيحية في المدينة، ومنع الصلاة في الحرم القدسي إلا لفئاتٍ عمريةٍ محدودةٍ في السن وتقتصرعلى من لازالوا يعيشون في داخلها من أهلها، حيث يمنع الجدار التهويدي كل من هم خارجه من أهالي الضفة من دخول المدينة أو الصلاة في الحرم القدسي الشريف، بينما تم السماح لليهود بإقامة صلواتهم في ساحاته. ويجدر أن لاننسى أن هذه الخطوة التهويدية الأخيرة والخطيرة تجيء على أعتاب قدوم الذكرى الثالثة والأربعين لحريق المسجد الأقصى المقتربة، وهو الجريمة المعروفة التي أفتعلوها  في حينه.

في مقاربتنا السابقة للعملية التهويدية ونحن نعالج أمر تقرير”لجنة ليفي،” قلنا حينها ما معناه أن ليس ثمة مايمنع المحتلين الصهاينة من المضي قدماً إمعاناً منهم فيما هم بصدده، لافلسطينياً، على صعيد سلطةٍ هزيلةٍ بلا سلطةٍ وتقبع تحت إحتلالٍ تجهد للتعايش والتكيف معه، ولا على صعيدٍ عربيٍ، حاله المعروفة تغني عن سؤاله، وديدنه التخبط في أوزارقطرياته البائسة وأزماتها المستفحلة، والتي يتخذها البعض منه ذريعةً للتملص من إلتزاماته القومية، و سبباً كافياً للتكيف مع املاءات الغرب ألمعادي والمتصهين، ولا على الصعيد الإسلامي المنشغل بمعركة الحجاب أكثر بكثيرٍ من إنشغاله بمصيرأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين أوما يجري في بيت القدس وأكنافه، ولا الدولي، هذا المتواطىء أصلاً لوئد القضية الفلسطينية برمتها والمشارك فيما وصلت، أو أوصلوها، إليه… واليوم هل نملك أكثر من  القول، لق أسمعت لوناديت حياً…؟؟!!