رسالة إلى عبد الستار قاسم
عادل سمارة
خالطني تساؤل إثر مقالة الصديق د. عبد الستار قاسم عن القنص الذي تمارسه فضائيات على حقوق من يقابلنه لحديث او تعليق…الخ. هل تعرّض عبد الستار لقنص ما؟ وربما يكون السؤال، لماذا تأخروا عليه ؟ فالفضائيات وليدة الإعلام في مرحلة الانحطاط الأخلاقي للأنظمة السياسية للدول الراسمالية الغربية الكبرى التي تدير هذا الإعلام وهذا يذكرنا بملاحظة كتبها ماركس قبل أكثر من قرن ونصف بان “العالم حيث تهيمن عليه علاقات إنتاج نمط الإنتاج الراسمالي أمام أحد خيارين فإما الاشتراكية أو البربرية”.
ويبدو ان عالم راس المال الغربي وهو يعيش ازمة اقتصادية مالية جدية قد اطلق كافة شياطين الحفاظ على التراكم بكل ما فيها من بربرية كي لا تتحول الأزمة إلى ازمة اجتماعية وتتهالك الراسمالية. ولعل اهم مناطق نشر البربرية هي الوطن العربي، فمن الطبيعي ان تمثل فضائيات كثيرة لحظة الدخول بل جواز سفر العبور إلى البربرية فيمارسن الانحطاط المالي وهو سيد الانحطاط؟
مرضى الأضواء
في بعض الأحيان، أشعر أنه أمر طبيعي أن تفعلها هذه الفضائية أو تلك نظراً لتهافت المعلقين والمعقبين والخبراء…كي يظهروا على الشاشات. وكما أعلم فإن قائد أنجزة في رام الله يدفع راتباً شهريا لأكثر من موظف فضائيات كي يطلب منه الحضور على شاشة هو مراسلها.
لعل بريق اللمعان الإعلامي هو اشد أنواع البريق جذباً حيث تنخ له الرجال كما الجمال. وكما أذكر كان مؤسس تجنيد “المأخوذين بحب الأضواء والظهور” مراسل راديو الكيان يونا بن مناحيم. كنت اسمع أن سياسيي ومثقفي “المرحلة” كانوا يستجدونه كي يتحدثوا من راديو الكيان وخاصة قبل ان تُنعم عليهم أوسلو بفيض من الإذاعات والفضائيات.
تجربتي مع اهل الأضواء
مثل غيري لي تجربة مع الفضائيات، قد أبدوا للبعض منها ساذجاً لأنني لم أطلب مقابلاً مالياً. فاعتقادي هو أن الحديث إلى الناس خدمة لا يجب أن نطلب عليها ولا أن نرضى أجرة أو مكافئة فهي جزء من الخدمات التي لا تباع: العلمية والوطنية والطبقية (اليست مقابلة ضد التطبيع هي خدمة للطبقات الشعبية كي لا تهدي دخلها لسلع الأجنبي العدو) . هي لا تباع، لأنها خُلقت كقيمة استعمالية لا تبادلية. هذا من حيث المبدأ، وبعيداً عن الاختلاف مع مواقف وتاريخ وارتباطات وأهداف هذه الفضائية أو تلك.
ففي اي وقت يمكن لفضائية أن تطلب لقاء لتعليق على خبر أو لحديث طويل. أما حين تطلب فضائية أو إذاعة لقاء ضمن برنامج متواصل فهذا يصبح كالعمل الجزئي. هذا ما اقترحه علي فارس صرفندي مراسل قناة العالم مقابل مبلغ عن كل ساعة نقاش، واستمر لبضعة اشهر ثم توقف كبرنامج، وبقيت اتحدث بين فترة وأخرى مجاناً من نفس مكتب العالم لدى محطة السيد ماهر الشلبي. وكما أذكر كانت فضائيات أخريات تغتنم الفرصة طالما الحديث مجاناً فيجرين مقابلات أحيانا عن نفس الموضوع منها أل.بي.سي، ومنها قناة العالم بالإنجليزية
التجربة المالية الطريفة كانت قبل أكثر من خمس سنوات حيث اتصل بي السيد ماهر الشلبي، وكنت اتحدث من محطته كثيرا كما قلت، وقال بأن قناة دبي الاقتصادية تريد أن تشارك في التحليل في مؤتمر صندوق النقد الدولي المنعقد هناك، وذلك لعدة ايام وكل نفاش سيكون ساعة على الأقل مقابل خبراء غير عرب وبالإنجليزية وأن هذه ساعات مدفوعة. وبالفعل تحدثت لساعات طويلة. بل في إحدى المرات طلب مني أن أكتب له الأسئلة التي سوف يسألها لي ولخبيرين أجنبيين وفعلت.
ومنذ أن انتهى المؤتمر وحتى الآن لم تُدفغ الأتعاب وقد كتبت له ولهم رسائل عديدة ولكن لا حياة لمن تنادي. وذات مرة أوصل لي خبرا بأن تلك المحطة اُغلقت! وهو عذر اقبح من ذنب، لأنني لا أعرفهم بل أعرفه.
إثر ذلك رفضت الحديث مع أية فضائية تبث من محطته أو مكتبه.
إغواء قناة الجزيرة:
في عام 2001 صدر كتابي بالإنجليزية بعنوان وباء العولمة Epedimic of Globlization وبعدها باشهر اتصل بي السيد خالد الحروب واقترح أن تستضيفني الجزيرة في لندن لمناقشة الكتاب وكان المناقش الحروب نفسه والمحرر الاقتصادي لجريدة القدس العربي يعقوب دواني وهو نفسه كان اسيراً لدى الاحتلال في فترة نهاية الستينات وبداية السبعينات على ذمة الجبهة الشعبية كما كنت أنا. وقد دفعت الجزيرة أجرة الطائرة والإقامة في لندن لبضعة ايام. لم تكن هوية الجزيرة معروفة بعد. ومن الطرافة بمكان أنني رايت شخصية أكثر من واحد من موظفيها عياناً وخاصة السيد أحمد منصور الذي كان متخصصاً لصالح الإخوان المسلمين وضد القومية العربية. وهذا ما كان يثير لدي شكوكاً. ولا زلت اذكر كيف رد عليه المرحوم الراحل حسين الشافعي نائب الرئيس عبد الناصر حيث قال لأحمد منصور: “الله! لما انت متعرفش بتتكلِّم ليه”. المهم أن السيد احمد منصور الشديد التعصب للدين السياسي كان على العشاء بعيداً عن حدود الإسلام! قد يبدو اندهاشي سذاجة، لكن كما اعتقد أن من يُؤمن يجب ان يراعي ما يزعم.
وتدريجياً تكشفت الجزيرة وأذكر أنني كنت اقول لكثير من الأصدقاء بأن هذه المحطة خطرة، ولكن لم تكن الآذان صاغية وخاصة امام القدرة الإخراجية وتوفير مناخات “فشة الخلق” وتغطية عدوان الكيان على جنوب لبنان ورسائل بن لادن لتبث عبرها والتركيز على النساء الجميلات بهدف…الخ. ولكنني كنت قد عرفت أن معظم كوادرها الأول كان في بي.بي.سي البريطانية!
أذكر حينما كانت تبث الجزيرة حلقات شاهد على العصر مع السيد أحمد جبريل، سمعته وقد أورد نقطة ليس كما كانت عملياً هنا في الأرض المحتلة وذلك في شهر كانون أول 1967 وكنت أحد مسؤولي الجبهة الشعبية والتي كانت تضم جماعة جبريل وتضم ابطال العودة وشباب الثأر عن القوميين العرب، وكذلك جماعة السيد أحمد زعرور، وذلك قبل الانشقاق المتعدد في الجبهة الشعبية حيث خرجت الديمقراطية وجبهة التحرير الفلسطينية بقيادة السيد جبريل لتأخذ اسم القيادة العامة. فقد اتصلت بالجزيرة كي أصحح المعلومة، فحددوا يوما لأرد على بعض النقاط التي لا اتفق فيها مع السيد أحمد جبريل. لكن كانت الشكوك بالجزيرة قط تراكمت لدي. وتوصلت لقناعة بأن هدفهم ليس الحقيقة بل إحراج الرجل. وفي موعد الاتصال لم أرد لا على الخلوي ولا على الأرضي لا أنا ولا أحد من الأسرة. والتعليق كان بشان عملية مطار اللد التي على إثرها اثرها اعلنت الجبهة الشعبية 11-12-67 واعتقلنا إثر العملية.
بعد العدوان على غزة اتصل بي شخص كما أذكر اسمه خالد أو عمرو اليشرطي وقال بأنه مساعد فيصل القاسم وبأن لديهم حلقة عن التنمية في الوطن العربي لبرنامج الاتجاه المعاكس وبالتالي فأنا مدعو إلى الدوحة للمشاركة. ولكن حينها كنت على يقين بخطورة الجزيرة لا سيما وأن السيدة الصهيونية تسيفي ليفني كانت ضيفة بترحاب عالٍ في قطر، كما أن شمعون بيرس تربع على شاشة الجزيرة اربعين دقيقة متواصلة وهو يبين “شرعية” تدمير غزة خلال القصف. وبالمناسبة لا أدري اليوم كيف تصبح الدوحة دوحة للسيد مشعل بديلا لدمشق! أفهم جيداً لقاء د. عزمي بشارة مع ليفني وبيرس كاعضاء كنيست، ولكن ماذا عن مشعل وهنية…الخ؟
قلت للرجل، يا عمي أنا لا بعرفك ولا بعرف فيصل ولكن أنا أرفض الحديث على الجزيرة.
يبدو أن الرجل أُخذ بالموقف فتعثر لبضع ثوانٍ ليسأل:
لماذا؟
قلت لأن ليفني وبيرس مقيمان لديكم.
قال: هل هذا آخر ما عندك؟
قلت نعم.
حتى هنا الأمر طبيعي.
بعدها ربما بشهرين اتصلت بي سيدة وقالت: أنا ميساء من الجزيرة، يوجد لك شيك عندنا منذ بضعة اشهر.
قلت على ماذا أنا لم أحضر على شاشتكم؟
قالت تحدثنا معك على الهاتف عن الاقتصاد في الضفة والقطاع.
قلت ولكن لم نتحدث عن فلوس!
كان ذلك قبل الاتصال للاتجاه المعاكس بعدة اشهر حيث سألني أحدهم على الهاتف لأعلق على حدث اقتصادي وأنا أمشي في الشارع، وبالطبع أجبت دون أنتباه.
قلت للسيدة طنشي الموضوع.
قالت نحن ندفع للجميع ما عدا الوزراء
قلت أنا لست وزيراً بل فقيرا وعاطل عن العمل ولن استلم فلوساً.
نقطة نقاشي هنا، هل كان الهدف أن أتورط في أخذ الشيك لأبدو كمن يقبض منهم سراً رغم أنه رفض الحديث على القناة علانية؟ أليس هذا شكلاً من أشكال الإيقاع بالناس؟ هذا الخوف تأكد بعد افتضاح الجزيرة في الفبركات ضد ليبيا وخاصة بعد خلع القفازات ضد سوريا والذي بدأ انكشافه بعد تورط عزمي بشارة كما اتضح في مقطع فيديو ليكون ذلك قمة جبل الجليد. اليس تعبيراً جميلاً جبل جليد في صحراء الخليج القائظة! هذا يحتاج خيال المتنبي.
أنا لا أدين من يأخذوا مقابل أتعابهم، فلكل امرىء نهجه. بل في لقاءاتي مع فضائية المنار ولقاءاتي الحالية مع السورية أرفض حتى أن يدفعوا لي وقود سيارتي التي آتي بها من القرية لأنها قنوات مقاومة وممانعة. وحتى القنوات النظيفة الأخرى مثل القدس وفلسطين اليوم، ففي معظم الأحيان أدفع الوقود من جيبي.
اتصلت معي منذ ربما ستة اشهر مراسلة بي .بي . سي, فقلت لها، هذه القناة جزء من العدوان على القطر العربي السوري ولذا أرفض التحدث لديكم، وهذا ما اجبت عليه صحيفة القدس المقدسية مرات بانكم صحيفة تقف مع تدمير سوريا لصالح الولايات المتحدة وقطر والسعودية وتركيا وقوى الدين السياسي، لذا لن اتحدث إليكم كان آخر اتصال من الجريدة يوم 26 تموز 2012 من قبل محرر من عائلة البرغوثي.
من طرائف هذا المجال أن راديو عُمان دأب لأكثر من عامين على أخذ تعليق اقتصادي مني عن الأرض المحتلة وذلك بمقابل لأنه كان كل اسبوع تقريباً. وحينما بدأ الحراك في سوريا وبدأ يتضح سريعاً امتطاء الثورة المضادة للحراك في سوريا كنت حتى قبل الحراك ضد ما يمكن أن يحصل في سوريا وفي إيران ليس لأني ضد الإصلاح، ولكن لأنني كنت أتوقع أنه سيكون فرصة لضرب المقاومة والممانعة. هذا مع أنني منذ عام 1975 وأنا أنتقد النظام في سوريا حتى عشية ما حصل في سوريا. لكنني في هذه المرحلة أدرك أن المعركة على الوطن وليس على الحريات. وهذا ما قلته في نقاش حصل في رام الله قبل أن يبدأ أي حراك في سوريا لانه في هذه الفترة سيكون فرصة اندساس للغرب الرأسمالي وأنظمة النفط المفخخ.
بعد أن قام نظام عمان بمواجهة المحتجين وأجرى بعض الإصلاحات، اتصل معي أخ من المحطة وقال نريد أن نتحدث معك عن ما يجري في سوريا وعن الإصلاحات في عُمان.
شعرت بضرورة الحرص على الرجل لأن جميع من كانوا يتحدثون معي للتقرير الاقتصاد الذي كنت القيه بصوتي كانوا مهذبين ولديهم نفس عروبي. قلت له يا أخي إذا تحدثت سوف انتقد نظام عمان وأدافع عن سوريا، وهذا سوف يؤثر عليك أنت، لذا، لا تتصل. طبعاً كنت أعلم أنهم سيوقفوا تلك الفلوس القليلة مقابل تحليلاتي وهذا ما حصل فعلاً.
لذا، معذرة من الكتاب الذين لا يقبضون وإنما يكتبون لصالح قطر والسعودية وتركيا وامريكا وفي النهاية لصالح الكيان معتقدين بسذاجة انهم يطالبون بالحرية لدمشق الشام ، واعتقد انهم بحاجة لتدقيق التهديف. فهؤلاء عكس من يكتبون ليقبضوا، يعيش ليقبض!
لا غرابة إذن يا صديقي عبد الستار ان يسرقك البعض وعليك ان تتوقع المزيد انا اعلم انك لست اشتراكيا ولكنها البربرية!