معركة حلب: الدولة ضمنت النتائج لكن لماذا اختلفت عن دمشق؟ العميد د. امين محمد حطيط

بات من المؤكد ان معركة حلب ستنتهي في غير صالح محور العدوان على سوريا رغم كا ما سخر لها من وسائل ورغم ما حشد لها من طاقات وعول عليها من اهداف، وقبل ان نعرض لاهم الاسباب التي حددت الان مسار المعركة ونتائجها، لا بد ان نذكر بحجم الهجوم ووسائله لنخلص الى مفاعيل الخسارة على اطراف جبهة العدوان ومكوناتها.

فمن حيث الوسائل، نعلم ان قيادة العدوان حشدت اكثر من 12 الف مسلح من جنسيات سورية وعربية و اسلامية و خصصت المعركة بخبراء من الحلف الاطلسي تولوا مهامهم في دائرتين، ميدانية مباشرة عبر الاشراف على المسلحين و توجيه النصح لهم في عملياتهم الارهابية، ومركزية تتولى تخطيط وقيادة العملية عبر غرفة عمليات احدثت في تركيا – اضنة – على الحدود مع سوريا لضبط مسارها واستثمار النجاح ان تحقق و معالجة الاخفاق ان امكن. و قد زودت القوى المهاجمة بالاسلحة والذخائر والتجهيزات الحديثة التي تعطيها دفعا معنويا فضلاً عن رفع المستوى القتالي لديها، عمل ترافق مع حرب نفسية مكثفة ضد الشعب السوري و جيشه وحكومته.

أ‌. وضعت خطة الانقضاض على حلب باحكام، وقدر واضعها حتمية النجاح الذي يتحقق برأيه بعد ان يتمكن المهاجمون من الوصول الى نصف المدينة على الاقل في القفزة الاولى، ثم التمدد الى معظم احياء المدينة والسيطرة على المقرات الرسمية في خطوة ثانية لا تتجاوز في مهلتها مع الاولى ال 5 ايام كحد اقصى، وقد عولت القوى المهاجمة على اكثر من عامل مؤثر في المواجهة لصالحها كما اعنقدت، وتحديدا على :

1) قرب حلب من الحدود التركية وتواجد المسلحين بكثاقة في ريفها ما يجعل طرق الامداد مفتوحة وآمنة ويمكن من تعزيز المعركة بما تحتاجه من عديد وسلاح وعتاد.

2) انشغال القوى المسلحة السورية المختصة في اماكن اخرى، خاصة انشغالها في معركة دمشق بشكل اساسي كما وفي متابعة الوضع في مناطق حمص ودرعا، مع تصور لدى المعتدين بانه لن يكون بمقدور الدولة و في مهلة الايام الخمسة المحددة ان تحشد ما هو مطلوب من قوى للدفاع عن حلب او منع اجتياحها من قبل “جيش الارهاب الاميركي الحر” الذي انضوى في صفوفه كما بات معلوما مرتزقة ومضللون ومجرمون من مختلف الجنسيات. وقد راهنت تلك القوى المعتدية على هذا الانشغال لانها لاحظت ان الوحدات القتالية السورية المعدة للدفاع عن سوريا بوجه اسرائيل لم تحرك و لم يلجأ اليها رغم كل الضغوط لان الدولة حسمت امرها في ان لا تقع في فخ المعتدي وتكشف نفسها امام اسرائيل كما اراد المعتدون.

3) دوافع الثأر وخوف جزء من المسلحين من المستقبل ما يدفعهم للقتال بذهنية قتال المستميت الذي لا يرى بدا من وجوب الانتصار، ذهنية تحكمت بالمقاتل الارهابي في الميدان وحكمت سلوك قيادته الميدانية و الابعد قليلاً ايضاً.

ب‌. كما ان المهاجم لحظ الفوارق الاخرى بين معركة دمشق و معركة حلب، تلك الفوارق التي تمكن من التفلت من نقاط قوة الدولة في المعركة الاولى وتفاديها في المعركة الثانية خاصة لجهة :

1) حضور القوى اللازمة و جهوزها في دمشق ما مكنها من المبادرة الى معالجة الموقف دون ان تهدر دقيقة انتظار في التحشيد او وضع الخطة او اتخاذ القرار، وما ان حصل الهجوم حتى حصل الرد السريع ما سبب الصدمة والانهيار الادراكي لدى قسم كبير من المسلحين.

2) تنفيذ العملية العسكرية الدفاعية عن دمشق تحت تأثير الزخم النفسي والمعنوي للقوى المسلحة نتيجة العملية الارهابية التي ادت الى استشهاد اربعة من كبار الاعضاء في خلية الازمة.

3) الواقع الجغرافي للاحياء التي تم الدخول اليها من قبل المسلحين، وهو واقع لم يمنح لهم فرص الاستفادة من خصائص حرب الشوارع والقتال في المناطق الاهلة، ومكن الجيش من استعمال قدراته العسكرية دون خطر او حذر شديد من الحاق الاذى بالمدنيين الابرياء. ولاجل ذلك اتجه المسلحون في حلب الى اختيار الاحياء القديمة والتاريخية و اتخاذ المواطنيين دروعا بشرية لعرقلة عمل الدولة بالصيغة و الخطة التي طبقت في دمشق.

ج. لكن رغم كل ما حشد المعتدي، ورغم كل الاحتياطات والاستفادة من دروس معركة دمشق، يبدو ان معركة حلب باتت محسومة لصالح الدولة من حيث نتائجها، لكنها تنطوي على امرين لا يمكن اغفالهما، وهما الوقت اللازم لانهائها و الثاني الثمن و الكلفة اللازمة لانجازها.

 فمن حيث الوقت بات من المؤكد ان الدولة لن تقع في فخ نصبه المعتدي في حلب، وهي لن تعتمد في اي حال استراتيجية “قبضة النار المدمرة “– والدولة تملك من القدرات العسكرية المناسبة لهذه الاستراتيجية – وهي سياسة اذا اعتمدت تسرع في حسم الموقف لكنها تسبب في خسائر فادحة بالانفس والاموال، ولذلك لجأت الدولة الى” استراتيجية الاحتواء والقضم المتدرج” والمعالجة الموضعية لكل خلية ارهابية تظهر دون ان تمس المواطنيين المحاصرين بنار الارهابيين.

 اما من حيث الثمن فلا يمكن التغافل عن حجمه في وجهيه، البشري وما يمكن ان يقع من خسائر في صفوف العسكريين و كذلك بعض المدنيين، وخسائر اقتصادية ومالية من جراء العمليات العسكرية والاضطرار الى وقف الدورة الاقتصادية في محيط ميدان العمليات.

لكن و كما قلنا فان النتائج في حلب باتت محسومة لصالح الدولة بالاستناد الى مجريات المعركة القائمة، فضلاً عن عوامل ظهرت وطبعت هوية المعركة في حلب يمكن ذكر بعضها كالتلي :

1) تمكن القوى التي كانت متمركزة في حلب و محيطها من استيعاب القفزة الاولى للمسلحين ووقفهم عند مساحة لا تتجاوز سدس المدينة (5 احياء من اصل 29 حياً)، ثم قيامها بعملية الاحتواء الاولي بانتظار التعزيز والتحشيد اللازم للمعركة الحاسمة.

2) قدرات القيادة السورية على تعزيز و تحشيد القوى في حلب بوحدات قتالية مختصة تتميز بالليونة والمرونة اللازمة للقتال وفقاً لاستراتيجية القضم المتدرج، مع توفر طاقات معتبرة للاسناد الناري المركز والموضعي.

3) انخراط فئات الشعب في حلب بصيغة او اخرى في العملية الدفاعية عن المدينة، سلوك ادى الى اظهار المهاجم بمثابة المعتدي الآتي لاحتلال المنطقة، فكانت ردة الفعل الشعبية رائعة هنا لجهة حرمان الارهابيين من البيئة الحاضنة لهم رغم كل ما قاموا به من ترغيب وترهيب، طبعا لا يمكن ان نغفل وجود فئات تعاونت مع المسلحين في بعض الاماكن ولكنها تبقى شرائح محدودة الاثر والفعالية والحجم.

4) التفاوت في المستوى القتالي بين القوى الارهابية المقتحمة، والقوى العسكرية السورية المدافعة، وهو واقع قاد قيادة محور العدوان للتحذير من مجزرة قد تقع بهؤلاء في معركة غير متكافئة مع القوى النظامية التي لن تسمح باي حال من الاحوال من بقاء الارهابيين في اماكن تواجدهم في حلب.

هذه الحقائق رسمت مسار معركة حلب ونتائجها، وبات الارهابيون يدركون عجزهم عن اسثمار وجودهم في حلب لتحويله الى سيطرة، وباتت قيادتهم تعلم استحالة ذلك ما حملها على اعتماد نهج جديد في العدوان وهو الميل الى المناورة التأخيرية من اجل كسب الوقت ومنع الانهيار السريع، في حين ان الحكومة السورية تملك من الطاقات والعزم على تطهير المدينة من الارهاب ما يكفي وان المسألة مسألة وقت فقط، وان اعتماد الدولة لاستراتيجتين مختلفتين لكل من دمشق وحلب ليس الا دليلاً على مدى الاحتراف واالحرص الذي تبديه، حيث تكون السرعة من غير تسرع حيث يجب، ويكن التمهل من غير اهمال حيث يفرض الحال.