عبداللطيف مهنا
بخلاف الكثيرين لم اعتقد في يومٍ من الأيام أن سر كل هذا الإنحياز الأميركي للكيان الصهيوني مردة قوة نفوذ يهود الولايات المتحدة، أو ناجم فحسب عن قدرة أسطورية ل”الإيباك”، أو عبقرية للوبي الصهيوني في التأثير على سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة. هذا لا يعني أنني أنكر قوة هذا النفوذ، ولا قدرة هذا اللوبي ونجاعة أساليبه في الضغوط التي يمارسها على تلك الإدارات أواصحاب القرار في السياسة الأميركية، لاسيما الكونغرس، الا أنني أرى أن السر في هذا الإنحياز الأميركي أساساً يكمن في توائم وتلاقِ المصالح الأميركية الصهيونية، بمعنى إتفاق مصالح المركز الإمبريالي الإمبراطوري في واشنطن وثكنته العسكرية الوظيفية المتقدمه في بلاد العرب، ومهارة صهاينة الولايات المتحدة ولوبياتهم النافذة في موائمة وتوظيف مصالح اسرائيلهم مع مصالح الإمبراطورية الإمبريالية، هذه التي تعاني انحساراً في نفوذها الكوني وبدت تظهر على سطوتها دلائل الوهن، بل بدايات العد العكسي لسيرورتها الإمبراطورية باتجاه واحدٍ مؤكدٍ هوالإنحدار.
إن هذا يعني أن الثكنة المتقدمة والوكيل المؤتمن لواشنطن في الوطن العربي والجوار الإسلامي سوف تزداد اهميةً بالنسبة للأمريكان وتأثيراً في سياساتهم مما كان هو في السابق، أي بعكس ما كان قد بشرنا به البعض في بلادنا، فتعثر وفشل إستهدافاتهم من إحتلال العراق وورطتهم الأفغانية، وطي مشروع الشرق الأوسط الجديد، وارهاصات التحولات العربية، أمور زادت من أهمية الكيان الثكنة لدى الإمبراطورية المركز، يضاف اليه أن بروز المراكز الكونية الصاعدة والطامحة في أخذ دورها ونصيبها في قرار العالم، قد اسهم في تآكل وحدانية القطبية الأميركية وجعلها من مخلفات الماضي. التنين الصيني الفتي يوالي صعوده الإقتصادي، والذي بالضرورة سيواكبه مايوازيه من صعودٍ عسكري، وما يرافقهما من نشدان ما يواكبهما من دورٍعلى صعيد السياسة الدولية، وعودة الدب الروسي من إغفائته الشتوية، وتواصل وجود البوتينية في الكرملن وتصاعد المواقف الروسية الحادة من التغول الأميركي، ثم الهند القادمة، والبرازيل المقبلة، وجنوب أفريقيا المتحفزة،ويمكن أن نضيف تآكل الأسنان الإقتصادية للحليف الوحيد الدائم الإتحاد الأوروبي… كلها أمور من شأنها أن تجعل من الكيان الثكنة المتقدمة في جوف المنطقة أكثر أهميةً من ذي قبل، ولسوف نسمع عجباً في قادم الأيام عن مفارقات العلاقة العضوية بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيلها.
إن المواسم الإنتخابية الأميركية الكاشفة عن إنتهازية ونفاق وتصهين مرشحي الرئاسة الأمريكان، أو المترشحين للهيئتين التشريعيتين الشيوخ والنواب، لاترجح أسطورية النفوذ الصهيوني الأميركي بقدر ماتكشف عن تقاطع للمصالح بين عدو العرب الأصيل ووكيله المدلل المغروس في احشائهم، وقدرة صهاينة الولايات المتحدة على اللعب في هوامش تلاقِ هذه المصالح، واندراج الإستراتيجية الصهيونية عموماً تحت عبائة الإستراتيجيات والمشاريع الأميركية والغربية المعادية للعرب، ثم إن لصهينة المجتمع الأميركي عموماً، وخصوصاً في جزءٍ هامٍ ومؤثر من مسيحييه، وتأثيرات مايدعون المحافظين الجدد لدور أساس في رفد هذا الإنحياز الأميركي ورسوخه، والذي يبلغ الأن مداه في بازارات الموسم الإنتخابي الراهن، الذي بدأت طبول مبارزاته الديموقراطية والجمهورية تُدق.
لن نتحدث عن الجمهوريين، أو المرشح الرئاسي الجمهوري السيناتور مت رومني، وما أدراك ما رومني، الذي جاء الى فلسطين المحتلة حاجاً إنتخابياً قبل أيام،وكان قد زارها مراتٍ سابقاً، وحتى مشاركاً في مؤتمر هرتسيليا السنوي الباحث في الشؤون الإستراتيجية المتعلقة بالكيان الصهيوني، فالرجل، كما هو معروف، يزاود في صهينته حتى عالى صديقه نتنياهو وربما ليبرمان. ولكن سوف نعرض لأخر المكرمات الديموقراطية للإدارة الأميركية الراهنة، ولأكثر رؤساء الولايات المتحدة حتى الآن تزلفاً ونفاقاً لصهاينتها، باراك حسين اوباما، أو، وفق بعض الروايات، بركة حسين ابوعمامة، الذي في خطوةٍ استباقيةٍ لحجيج منافسه الجمهوري رومني إلى الكيان الصهيوني بيوم واحدٍ، وقَّع في توقيت مدروسٍ في البيت الأبيض “قانون تدعيم العلاقات الإستراتيجية مع إسرائيل” محاطاً بثلةٍ من عتاة صهاينة الولايات المتحدة اليهود، والقانون هو إقتراح يهودي المنشأ، اقره على غير عادةٍ وبسرعة قياسيةٍ الكونغرس بغرفتيه النواب والشيوخ،حيث صوَّت أعضاء الأول لصالحه باستثناء إثنين والأخير بالإجماع، وكانت الإدارة قد سيَّرت في الأونة الأخيرة عديد الرسل، وستسيِّر المزيد منهم في الأيام القادمة، الى ماغدا وكأنما هو الممر الآمن للبيت االأبيض، تل أبيب، وقريباً سيحل وزير الحرب بانيتا ضيفاً على ايهود باراك بعد إنقضاء زيارة رومني ناقلاً المزيد من مزايدات أوباما على غريمه الإنتخابي. لعل ديباجة القانون تختصر سر هذه العلاقة العضوية بين المركز وثكنته المتقدمة الوكيلة، وأنت هنا لاتكاد تجد ما يشي بالجديد الطارىء على علاقةٍ استراتيجيةٍ راسخة، وإنما التأكيد على قديمها، يأتي بلمسةٍ إنتخابيةٍ أكثر نفاقاً وانتهازيةً وكشفاً عن جوهرهذه العلاقة.
والجديد ربما هومنح اوباما الكيان الصهيوني مبلغ سبعين مليون دولار للمساعدة في تطوير درع القبة الحديدية، الذي فشل حتى الآن في درء تساقط صواريخ المقاومة الفلسطينية البدائية المنهالة على مستعمراته من غزة الصامدة، والموافقة على تزويد الكيان بطائرات التزود جواً باالوقود، التي قد تستخدم في أي عدوان يتم تدبيره على إيران … قال أوباما إبان التوقيع: آمل “فيما أوقع القانون، مرة أخرى، أن يفهم الجميع مدى إلتزامنا جميعاً، جمهوريين وديموقراطيين، كأمريكيين، بالتأكد من أن إسرائيل آمنة”.