التنمية بالحماية الشعبية ممكنة في الاندلس… وفي فلسطين…؟

 

 أعده بالعربية: نورالدين عواد

اهداء الى الرفيق عادل سمارة

جزيرة اشتراكية رائعة تقاوم الازمة في اسبانيا

إخوان مانويل سانشيس غوردييو، مختار ماريناليدا

إخوان مانويل سانشيس غوردييو الذي استحوذ على الصفحات الاولى في الايام الاخيرة في اعقاب قيامه بـ “نزع ملكية قسري” للمواد الغذائية في عدة اسواق كبرى، الى جانب رفاقه في نقابة شغيلة الاندلس، لكي يسلمها الى الناس الاكثر احتياجا لها، يعتبر بحق مسؤول فريد من نوعه ضمن الطبقة السياسية الاسبانية.

انه خارج على الخارجين عن عصا طاعة الطبقة السياسية الحاكمة في عموم اسبانيا؛ حتى ان افعاله الاخيرة تعرضت لانتقادات قادمة من نفس صفوف اليسار الموحد، الذي تنتمي اليه منظمته المسماة “مجموعة وحدة الشغيلة ـ كتلة اطياف اليسار الاندلسي”، منذ عام 1986.

الى جانب رفيق دربه الابدي في كفاحهما العمالي، دييغو كانياميرو، غوردييو كان ولا زال زعيما تاريخيا لنقابة عمال الريف التي تشكل العمود الفقري لنقابة شغيلة الاندلس. منذ عام 1979 يشغل منصب مختار ماريناليدا وهي بلدة صغيرة في اقليم اشبيلية، حيث يتمتع اليسار بهيمنة مطلقة على امتداد الاربعين عام الاخيرة. ان دعم والتزام اهالي البلدة قد اتاحا البدء بتطبيق تجربة سياسية واقتصادية حقيقية، بمثابة نوع ما من جزيرة اشتراكية في وسط الريف الاندلسي.

ماريناليدا الحمراء التي تناصب العداء الابدي للاقطاعيين واليمين، جابت تاريخ اسبانيا منذ عهد الانتقال من دكتاتورية فرانكو الى الجمهورية المدنية مرورا بالدخول الى اوروبان ونهاية مرجعية الشيوعية بسقوط الاتحاد السوفييتي، ولغاية القرن الحادي والعشرين. واخيرا حلت الازمة الاقتصادية الجامحة في اوروبا، وسنحت الفرصة امام هؤلاء الاهالي الاندلسيينن لكي يختبروا اذا ما كانت طوباويتهم الخاصة على رقعة 25 كيلومتر مربع، تشكل بالفعل بديلا عن الســـــــوق. نسبة الاضرابات حاليا في تلك البلدة تبلغ 0%.

العمــــــــــــــل

يعمل قسم لا باس به من المواطنين في تعاونية انشأها العمال في اعقاب سنين من النضال. كان الفلاحون يستولون لمدة طويلة على الارض التي تقوم عليها التعاونية الان، وكلما كانوا يفعلون ذلك كانت الشرطة المدنية تخرجهم منها بالقوة. واخيرا في عام 1992، نالوا مرادهم “الارض لمن يفلحها” وانتقلت الارض الى ملكيتهم “والهدف ليس لمنفعة خاصة، بل من اجل توليد عمل من خلال بيع منتوجاتهم من الخضروات الصحية ذات الجودة عالية”.

الرواتب متساوية في التعاونية: حوالي 1200 يورو شهريا. ينتجون في حقولها الفول والفليفلة وزيت الزيتون والخراشيف (شوكي ارضي)، تحت سيطرة الشغيلة في كافة اطوار الانتاج. الارض ملكية “للمجتمع باسره” ولدى البلدة مصنع معلبات ومعصرة زيتون وبيوت للزراعة الشتوية ومنشآت للابقار ومتجر. اجور جميع الشغيلة متساوية بغض النظر عن موقع العمل الذي يشغله. يعملون ستة ايام اسبوعيا (35 ساعة) مقابل 1128 يورو شهريا.

في موسم الرواج (هجمة الانتاج) يعمل في التعاونية 400 شخص والحد الادنى 100. موقع العمل ليس ملكا لاي شخص بعينه بل يتم تدوير الموقع بين الجميع، لكي يستوفوا اجورهم تمشيا مع الحكمة القائلة “نعمل اقل لكي يعمل الجميع”. كما يوجد بعض الاشخاص الذين يعملون في قطع ارض صغيرة ملكا لهم. بقية الاقتصاد البلدي تشغله قطاعات اساسية في البيئة الريفية مثل متاجر و خدمات اساسية ورياضة.

بشكل عام، في الزراعة والمواد الغذائية تأثرت البلدة اقل من غيرها بسبب الازمة. الناس الذين كانوا قد تركوا الريف وذهبوا الى العمل في قطاع البناء، اخذوا بالعودة وهناك طلب على العمل. مما يتطلب الحفاظ على المواقع الحالية واستحداث مواقع عمل اضافية. الزراعة الايكولوجية (لا تضر بالبيئة التي تشمل الارض والمحصول والحيوان والانسان والهواء) تخلق توظيفا اكثر من الزراعة التقليدية، ولكي يتم انقاذها من الازمة وغلاء المنتوجات الزراعية، تقوم البلدة بمحاولة الاضطلاع بتجارة افقية، بالحوار بين التعاونيات وباقامة علاقات مع بلدان اخرى يوجد فيها هذا النوع من  التجارب.

الإسكــــــــــــان

امام الفقاعة العقارية والمضاربات التي استولت على قطلع العمران في اسبانيا خلال العقود الاخيرة، قررت ماريناليدا الذهاب باتجاه معاكس. في تلك البلدة يمكن ان يمتلك الشخص بيتا مساحته 90 متر مربع مقابل 15 يورو شهريا. تمشيا مع فلسفة عقد اجتماعات الاهالي افقيا والتي تحكم كافة نشاطات البلدة، الشرط الوحيد للتملك هو ان يقوم كل شخص بالمساعدة في بناء بيته.

يحصل المجلس البلدي على الارض اللازمة للبناء من خلال شرائها او انتزاعها من الاقطاعيين وتقديمها مع مواد البناء اللازمة الى الاهالي، لكي يقيموا عليها بيوتهم بقواهم الذاتية او من خلال الدفع لمن ينوب عنهم في ذلك، مثل البنائين المحترفين. وكإجراء يشجع التعاون بين الاهالي، لا يعرف اي منهم البيت الذي سيكون من نصيبه في المستقبل.

اثناء تشييد البيوت يدفع المجلس البلدي للمشاركين 800 يورو شهريا ويتم الاحتفاظ بنصف المرتب لكي يتمكن الناس من دفع ثمن مساكنهم، تفاديا للمضاربة بالمساكن في المستقبل.

التعلــــــــــــيم

السواد الاعظم من العمال كانوا اميين سابقا، اما الان فقد تمت تغطية كافة الاحتياجات التعليمية للبلدة، فهناك روضة اطفال ومدرسة ومعهد وفيها خدمات مطعم بتكلفة 15 يورو شهريا للطالب. ومع ذلك نسبة الرسوب المدرسي عالية نوعا ما. ويعزو البعض هذا الوضع، الى ان الاهالي يشعرون بالراحة، فلديهم بيوتهم و عملهم ولا يرون ضرورة للاجتهاد في الدراسة. ومع ذلك فهم يعتقدون انه يجب عليهم تحسين هذا الوضع السلبي.

الوعي السياسي والالتزام لدى اهالي البلدة اعلى من مثلهما في اي من بلدات المنطقة، وموجودان بين الشباب، ومع ذلك يعتقدون بانهم بعيدون جدا عن وعي والتزام آبائهم الذين ضحوا بكل شيء في سبيل ما يتوفر لهم الان.

المشاركــــــة السياسيـــــة

المرتكزات الاساسية التي يقوم عليها النموذج الاقتصادي في ماريناليدا تتمثل في المساواة بين افراد الشعب ومشاركتهم. وتنسحب هذه المباديء على كافة مجالات الحياة بما فيها السياسة. في البلدة لا يوجد شرطة ويتم اتخاذ القرارات السياسية في اجتماع يدعى جميع اهل البلدة الى المشاركة فيه.

هناك ايضا مجموعة العمل (قوة ضاربة) تقوم بمعالجة المواضيع الطارئة يوما بيوم. ليست مجموعة منتخبة بل تتالف من اشخاص يلتحقون بها طوعا، من اجل تقاسم مهمات ضرورية لعموم الشعب. وهي فضاء غير متجانس يشارك فيه من اصغر شاب الى مختار البلدة، رجالا ونساء بالتساوي العددي تقريبا. العامل المشترك بين كافة الاعضاء، هو انتماؤهم الى هذه الحركة، حيث حزب اليسار الموحد ونقابة شغيلة الاندلس والمجلس البلدي يشكلون كلا واحدا لا يتجزأ. اجتماع الاهالي يقرر بينما الحزب والنقابة يتبنيان القرار ويطبقانه في المجلس البلدي.

الضرائب منخفضة جدا وهي الادنى في عموم المنطقة. الميزانيات يتم اقرارها في اجتماعات موسعة عامة، ويصادق الاهالي على كل حزمة للتنفيذ, لاحقا اهالي كل حي (حارة) يعقدون اجتماعهم ويقررون اين يتم استثمار كل يورو من المبالغ التي تخصصها البلدية.

الوســـــــــط البيئــــــــي

انتهاجا لعقيدة هيئة التنسيق الدولية طريق الفلاحين التي تنتمي اليها نقابة شغيلة الاندلس، يتم التعامل مع الارض في ماريناليدا، مع احترام الوسط البيئي وممارسة الزراعة الايكولوجية 100%. في التعاونيات يتم تشجيع العمل اليدوي من اجل خلق المزيد من فرص العمل واحترام النظام الايكولوجي. كما يتم القضاء على كافة مساكب القمامة ويتم ارسال الفضلات الى مصانع التدوير.

انه درس عصري متواضع ذو دلالات آنية و مستقبلية عظيمة.

بتصرف ـ تقرير اعده بالاسبانية لويس خيمينيس سان ميغيل ونشره موقع كوباديباتي يوم 11 اغسطس 2012.

http://www.cubadebate.cu/noticias/2012/08/11/una-insolita-isla-socialista-resiste-la-crisis-en-espana/