العميد د. أمين محمد حطيط
منذ اللحظة التي انكشفت فيها حقيقة العدوان على سوريا بانه عدوان غربي يرتكز الى “استرانيجية القوة الناعمة الذكية ” وبان الشعب السوري لم يقع في فخ التلفيق والتزوير العربي- الغربي، ولم يخدع باكذوبة التباكي على الحرية و الديمقراطية و لم يغرق قي دموع التماسيح التي ذرفها اطراف جبهة العدوان عليه، فامتنع عن الانجرار الاعمى للشارع واستعادة مشهديات ا”الثورات الاميركية الملونة “، منذ تلك اللحظة التي انكشف فيها كل تلك الحقائق، كان من البديهي القول بان المعتدي سيلجأ الى الميدان العسكري ليحقق اهدافه بالقوة التي تتجه الى القتل والتخريب اعمالاً لقواعد القوة الناعمة والتي تقوم على انتاج بيئة كاذبة تدفع الشعب للاقتتال و توجه الى تدمير مقومات الدولة لاسقاطها و اقامة الكيان السياسي الذي يناسب المعتدي، كيان يوظف فيه عملاء للمخابرات الغربية كما بات واضحا في ابراز هؤلاء وتحضيرهم للمهمة اذا نجح العدوان.
أ. لقد فهمت سورية وحلفاؤها جوهر الخطط الاميركية الصهيونية، وابدى الجميع مواقف دفاعية متدرجة وفقا لما يتيح الظرف و يمكن من المواجهة في الحد الادنى من الاضرار والخسائر، وقد حققت المواجهة الدفاعية هذه 3 انجازات كبرى رغك الكم من الخسائر التي وقعت حيث انها:
1) منعت العدوان من تحقيق اهداف هجومه رغم انه نف خمسة خطط هجومية متتالية وحدد اربعة مواعيد لاسقاط النظام. وذهبت كل توقعاته و خططه ادراج الرياح.
2) حفظت تماسك الدولة وقواتها المسلحة و اكدت استمرار عمل المؤسسات الرسمية الى الحد الذي اذهل جبهة العدوان و اضطرها لتفعيل النهج التزويري والتلفيقي واختراع انجازات كاذبة، وفقا لما قال به الفلاسفة اليونان يومياً “الضعيق يكذب و يحتال”
3) انتجت بيئة محلية واقليمة و دولية رافضة للعدوان و رافضة للعمل الارهابي المتخذ سلاحاً رئيسيا فيه، وباتت مكونات هذه البيئة تجاهر بالرفض هذا و تحذر منه مع ابداء استعدادها للانخراط في المواجهة بشكل او باخر اعمالا لقاعدة ” التدمير لا ينتج الحياة “.
وعملاً بالقواعد الاساسية لتحديد النصر و الهزيمة، والتي تقضي احداها بالقول بان المهاجم ينتصر اذا حقق اهدفه و ان المدافع ينتصر اذا منع العدو المهاجم من الوصول الى اهدافه، وبما ان عدوانا هجوميا شن على سورية منذ نيف و سبعة عشر شهرا لم يحقق اهدافه الاساسية و استمرت الدولة السورية حيث هي في موقعها الاستراتيجي الذي ما كان العدوان الا لاخراجها منه و نقلها الى المكان النقيض، لكل ذلك نقول بان سورية انتصرت مع حلفائها في الفترة السابقة، و لكن ماذا عن المستقبل؟
ب. لقراءة ما يمكن ان يكون عليه خط سير الاحداث مستقبلاً لا بد من التوقف عند سلوكيات و مواقف اساسية صدرت عن الاطراف الرئيسية في المواجهة الكونية الدائرة على الساحة السورية ونسجل في هذا الاطار ما يلي :
1) الاضطراب الاميركي و التقلب في المواقف والسلوك في الايام الاخيرة حيث كانت قمة الوقاحة منذ اسبوع الاعلان عن الامر السري الذي وقعه اوباما وقضى بتكليف ال سي. اي.اي c.i.a بالعمل المباشر لدعم “المعارضة السورية ” عسكريا والعمل الاستخباراتي لاستهداف القوى والمواقع الرسمية والمؤثرة في سورية، ثم كان موقف هيلاري كلنتون في اليوم التالي الذي حقق فيه الجيش والقوات المسلحة السورية انجازات ميدانية هائلة تمثلت في قتل المئات من الارهابيين و توقيف المئات الاخرين وهرب اخرون، وبعد ان تاكدت من ان معركة حلب باتت محسومة النتائج و ان الهجوم عليها انكسر، هنا خرجت كلنتون بموقف نقيض يتنصل من عمليات تسليح الارهابيين يحذر الجهات التي انزلقت في ذلك. ما يعني تراجع ضمني عن الموقف السابق، او عملية خداع للتنصل من الخسائر لكنه في كل الاحول موقف يؤثر سلباً في معنويات الارهابيين بدون شك وهو ذو طبيعة تراجعية. ثم جاء مؤخرا التسريب الاميركي لفكرة امكانية اقامة منطقة حظر جوي فوق سورية وهي الفكرة لتي لا نرى في تسريبها اكثر من عمل اعلامي استعراضي لان اميركا تعلم ان اي عمل من هذا القبيل قد يقود الى حرب ليست على استعداد او قبول بخوضها.
2) الانكفاء الاروبي الظاهر والاكتفاء ببعض المواقف التي تؤثر الا في مسألة اثبات الوجود حتى و من غير فعالية، حيث ان فرنسا بعد احتجاب لاكثر من اسبوع خرجت بموقف يدعو الى عقد اجتماع في مجلس الامن حول سوريا على مستوى وزراء الخارجية في 30اب المقبل وهي تعلم اي نتيجة يمكن ان تخرج فيها في ظل الانقسام الدولي الحاد حول المسالة في سورية لن تكون في صالح العدوان، يضاف اليها الموقف الالماني و البريطاني الرافض لاي نوع من التدخل العسكري و باي شكل من الاشكال في سورية وهو امر يدحض من غير شك ما حاولت بعض الاوساط تسريبه من احتمال اقامة منطقة حظر جوي فوق سورية بقرار اميركي خارج مجلس الامن.
3) الاكتواء التركي بنار لم يحسب الاتراك انها قريبة من اصابعهم و اضطرار تركيا الى خفض الصوت واستعياب التهديد الميداني الكردي حي تمكن حزب العمال الكردستاني من التأثير في منطقة شاسعة داخل تركيا، التي فهمت جيدا المواقف التي تحملها مسؤولية الدماء التي تسيل في سوريا فضلا عمن يخطف فيها من لبنان وايران، كل ذلك اجبر تركيا على خفض الصوت والاضطرار الى المشاركة في مؤتمر طهران الذي يعتبر النقيض لمؤتمر اعداء سوريا الذي كانت هي من مؤسسيه وحاضنيه.
ج. في مقابل هذا التقلب والتضعضع في جبهة المعتدين على سوريا، نجد تماسكا وسلوكا نقيضا على صعيد جبهة المدافعة حيث نسجل هنا :
1) المواقف الايرانية الحاسمة والتي عبر عنها المسؤول عن الامن القومي سعيد جليلي، خلال جولته التي قادته الى كل من سورية ولبنان والعراق وتركيا، وكان جوهرها ما تمثل بالقول بان سورية تشكل الضلع الرئيس في مثلث المقاومة وان ايران لن تسمح بكسره و لن تسمح بالمس بالنظام المقاوم وبرئيسه. وهي بدون شك رسالة قوة و تهديد تذكر الجهة المعتدية بالواقع المتشكل في المنطقة و الذي يحول دون اللجوء الى التدخل العسكري الاجنبي باي صيغة او اسلوب، والا كانت الحرب التي يبدو ان اميركا وحلفائها مستعدين لخوضها كما اسلفنا.
2) انعقاد مؤتمر دولي تشاوري في طهران حول سورية، مؤتمر يأتي لكسر نمطية المؤتمرات الاقليمية (العربية) والمؤتمرات الدولية ( اعداء سوريا) والي كانت تخرج بمواقف عدوانية دائما كما انها اتجهت لانتاج بيئة تريد اميركا ان تقول عبرها ان العالم كله بات ضد النظام السوري، ويأتي هذا المؤتمر ليعيد التوزان الى المشهد العام على صعيد المؤتمرات كما كان التوازن الى حد ما اعيد الى مجلس الامن حيث كان الموقف الروسي-الصيني هناك مانعا لاسباغ الشرعية الدولية على العدوان على سوريا. وان اهم ما يمكن التوقف عنده في مؤتمر طهران هو حضور من هم قائم وضوحا في المعسكر المعادي لسوريا كتركيا و الكويت، كما و الحشد الذي يمثل اكثر من ثلث شعوب الكرة الارضية و بما يلامس النصف، وهو حجم شعبي يفوق ما كان يشكله من جمع في مؤتمرات اعداء سوريا.
3) المواقف السورية التي عبر عنها الرئيس الاسد بشكل خاص في التزامه المضي في محاربة الارهاب دون هوادة، ثم اقدامه على تعيين رئيس وزراء بديل للرئيس الذي اقيل بسبب وهنه و فراره من المسؤولية الوطنية. وقد كان في هذا التعيين و انطلاقا من شخص رئيس الوزراء الجديد خاصة لانتمائه المناطقي (من درعا) والديني (مسلم سني ) والسياسي( من حزب البعث ) كان لهذا التعيين اهمية بالغة وجهت رسالة مزدوجة لمن يعنيه الامر، فيها التأكيد على الثقة بالنفس والاصرار على الاستمرار في المواجهة الدافاعية الناجحة.
وعلى ضوء ما تقدم نرى بان المشهد حول سوريا انقلب جذريا ً، سواء على الصعيد الميداني وملاحقة الارهاب، حيث تأكد نهائيا عبر الانجازات التي تحققت على يد القوى السورية النظامية ومعهم الشعب السوري، ان النيل من النظام بالقوة العسكرية امر مستحيل، او على الصعيد السياسي حيث تبلور تماسك و سلوك هجومي غير مسبوق على صعيد الجبهة الدفاعية مرتكزا عل صلابة النظام المؤسساتي السوري الذي لم يستطع ان يهزه سقوط فرد او اخر مهما علا شأن وظيفته. وبهذا ارتسم مشهد جديد مكن الجبهة الدفاعية من ممارسة استراتيجية الهجوم في معرض الدفاع، عمل وضع حداً نهائياً لاحلام المعتدين على سوريا، وبات حتميا ان المخرج من الوضع سيكون عبر تكريس ما فرض في الميدان العسكري والسياسي، وعلى طاولة لقاء دولي تعقد بعد ان تنضج بيئة انعقادها، وتكرس فعلياً النظام العالمي الجديد.
:::::
جريدة البناء بتاريخ 1082012
[1] أفيون الممولين : أثر التمويل الأجنبي على فلسطين www.youtube.com
”فلسطين تنمية “تمويل أجنبي” ممولين “مؤسسة روزا لوكسمبورغ” “مريم شاهين” “جورج عازر
http://www.youtube.com/watch?v=q2Id-7BWITs
http://www.youtube.com/watch?v=q2Id-7BWITs
[2] الشريحة الأولى كانت في فترة الحكم الأردني، والثانية نمت في علاقتها بسلطات الحكم العسكري الصهيوني. وهذا لا يعني تواصل أجزاء شريحة مع اخرى.