عبداللطيف مهنا.
العملية العدوانية التي أدت الى إستشهاد ستة عشر جندياً مصرياً في منطقة الماسورة شمالي سيناء وعلى مقربةٍ من الحدود مع فلسطين المحتلة، وبمحاذاةٍ مع قطاع غزة، هي، وبكل المقاييس، فعل اجرامي مشبوه لايصب إلا في مصلحة العدو الصهيوني. حتى الآن، تظل فعلة يلفها الغموض، مالم يصدر بيان مصري توضيحي يزيله. هناك في مصرمن اتهم السلفية التكفيرية، وهناك من اتهم الموساد، وأخرون من حاولوا إلصاقها بالقطاع المحاصر، حيث تم إقفال معبر رفح والبدء في هدم الأنفاق، أو إزالة الوسيلة السفلية المتاحة للحياة بالنسبة للمحاصرين فيه. بالنسبة لمن يتهم السلفية، تجيىء الهجومات اللاحقة التي شنتها خلايها في مدينة العريش وشرقها، وكذا الرد المصري على الجريمة بحملة أمنية وصفت بالتطهيرية الواسعة التي استهدفت هذه الجماعات، حيث أُعلن عن مقتل واعتقال العشرات من أعضائها، لترجح إتهامهم هذا، لاسيما وأن عقوداً من التهميش والإهمال والكبت مورست في ظل النظام السابق ضد أهالي سيناء قد جعلت من شبه الجزيرة مرتعاً خصباً لمثل هذه الجماعات. لكنما سؤال من مثل، و من المستفيد من النتائج المترتبة على مثل هذه الجريمة الشنعاء؟ لايدلنا إلاعلى فاعلٍ واحدٍ، أويقف من ورائها، وهو الموساد، حتى لوكان من قام بها مباشرةً من ينتمي لأولئك الجهلة اللذين يسهل قيادهم أو توجيههم أو التلاعب بهم أوالتأثير غير المباشر عليهم، أي أنه الأمر الذي لا يصب إلا في صالح من يتهم الموساد. بالمقابل فإن أكثر المتضررين من هذه الجريمة النكراء ولا مصلحة لهم فيها هم فلسطينيو غزة بالذات، بل لعل من السهل إدراك أن أول ما إستهدفته العملية المشبوهة هوتشديد الحصار الإبادي المضروب لسنوات عليهم، وقطع الطريق على بوادرالتخفيف النسبي لوطئته إثر التحولات المصرية المبشرة بعد الثورة، وانتعاش الآمال بإحتمالات رفعه، وإسائة العلاقات بين مصر مابعد 25 ينايروالفلسطينيين، خصوصاً غزة وقوى المقاومة فيها، الأمر الذي، ومن أسف، بدأت بوادره بإقفال معبر رفح والشروع في هدم الأنفاق، أي إكمال طقوس خنق الحياة المريرة أصلاً في القطاع المحاصر. ولقد تناغمت بعض الأصوات المشبوهة في مصر يضاف لها أصوات بعض الجهات المزايدة، أوالمستهدفة للرئيس محمد مرسي تحديداً، في محاولة إلصاق الجريمة، المستنكرة من قبل كل الفلسطينيين، بقطاع غزة والتلميح بمسؤلية فلسطينية عنها، متضافرة بهذا مع مسارعة الصهاينة والغرب إلى محاولة توظيفها لإعادة دور مصر في محاصرة القطاع، وحماية حدودا الكيان الغاصب أوحراستها نيابة عنه. من هنا فإن ثاني المتضررين من إستهدافات الجريمة هي مصر مابعد 25 يناير، فبالإضافة الى ضرب هيبة الدولة وإراقة دماء شهدائها الصائمين غدراً وهم يتناولون طعام الإفطار وارباك العهد الجديد، أعطت الفعلة الغادرة الذريعة لتعالى الأصوات الصهيونية والغربية التي تحذر مهوِّلةً من “ميني افغانستان” في سيناء، وبالتالي توظيف الحدث المشبوه لصالح الكيان الصهيوني، ذلك بالضغط على مصر لهدف هو ما أراده نائب وزير الخارجية في الكيان الصهيوني، عندما قال، إن “هناك تقارباً حقيقياً في المصالح الآن” مع مصر!، ويعني بالطبع ما يأمله، أي ما يهدد العلاقة المتنامية بين حكام مصر الجدد وحركة حماس الفلسطينية، وبالتالي ما يسهم في عزل القطاع الفلسطيني المحاصر كلياً وتشديد الحصار الرهيب عليه. وعليه، وإذا كان لا من مصلحةٍ للفلسطينيين ولالمصر بالطبع فيما جرى وما ينجم عنه، بل هما الجهتان المتضررتان منه، فإن أصابع الإتهام لا بد أن تظل مصوَّبة باتجاه الموساد وحليفاته من أجهزة الإستخبارات الغربية وعملائهم بالوقوف مباشرةً أو دون مباشرةٍ وراء هذه الفعلة البشعة التي لايمكن لوطني فلسطيني أو مصري ولا لمسلم مجرد تصوّر القيام بمثلها. ولعل في تحذير الكيان الصهيوني السابق على الجريمة بأيام لسياحه بمغادرة سيناء أو عدم التوجه لها مايعزز مثل هذا الإتهام، كما أن المسرحية التي تلت العملية المدانة المتمثلة في إختطاف مجنزرتين مصريتين والتوجه بهما إلى نقطة كرم ابوسالم المحتلة وتفجيرهما هناك بسهولة وفي دقائق معدودة ودون أن يخدش جندي صهيوني واحد، ثم مباهاة وزير الحرب باراك بذلك مايرجِّح هذا. وفي كل الأحوال، فإن المسؤل عن مثل هذه الجريمة النكراء هو أولاً وأخيراً إتفاقية كامب ديفد وملاحقها الأمنية التي كبلت أيادي مصر وقسَّمت شبه الجزيرة المصرية على ذات الطريقة التي أُتبعت لاحقاً في الضفة الغربية، أي أ وب وج وجعلت من التوجد الأمني المصري فيها رمزياً، بالإضافة إلى وجود نواطير متعددي الجنسيات نصفهم أمريكان وبقيادة أميركية للحفاظ على هذه الحالة المتسببة في الفراغ الأمني الراهن، والذي بدأت الأصوات الوطنية المصرية تنادي بوضع حدٍ له…