إلى أحمد حسين (2)
عادل سمارة
أخي احمد،
ملاحظة: وانا اعرفك موقفا بل قبل الموقف وعي عروب اسس لنقض الهجريين بالعرب وبالعروبة. أقص عليك الان كيف يقوم الهجريون بقطع ليبيا من الجسد الذي قضيت عمرك تبنيه.
أحد الجوانب التي كشفتها الإرهاصات العربية ذلك الفقر المعلوماتي الهائل لدينا عن الوطن العربي. هذا على الأقل وضعَنا في الأرض المحتلة. وكان مدهشاً ان المعلومات العلمية الموثقة توفرت من مراكز ابحاث غربية او اجنبية بشكل عام. أما كتابات كثير من العرب وما تبثه الفضائيات فلم يكن سوى لوي لأعناق المعلومات طبقاً لارتباط كاتب المقال او الفضائية نفسها. وإذا أخذنا بالاعتبار انكشاف الأخلاق العلمي والمعلوماتي والإعلامي خاصة على صعيد عالمي في الأزمة العربية الحالية، يضطر المحلل لبذل جهد جهيد للتمحيص.
قد تكون ليبيا أكثر بلد تضاربت المعلومات حوله بدءاً من المعلومة عن البلد تحت حكم القذافي الفردي والوطني في نفس الوقت مع تناقض هذا الوصف داخلياً، او خلال الحرب الغربية الدولانية والشركاتية التي دارت ضد ليبيا أو ما بعد اغتيال القذافي نفسه بشكل مقصود.
فيما يخص المعلومة كمعلومة أولاً وحدود تعرضها للتلاعب يمكننا رد القارىء إلى ثلاثة مصادر تشكل تعبيراً عن الحالة وتضارباتها: كتابات مايكل تشوسوديفسكي من جلوبال ريسيرش Global Research، وكتابات بيبي إسكوبار في كونسورتيوم تايمز[1] Consortium News وهما في جانب، وكتابات بوريس كاجرالتسكي[2] في لينكس Links في جانب آخر.
لم يكن حكم العقيد القذافي حداثياً ولا ديمقراطياً، ولكنه كان نظاماً وطنياً بدأ بشكل خاص بمواقف قومية واضحة. لكن هذا النظام اتى في لحظة بدء رحيل حاضنته القومية العربية أي بعد هزيمة 1967 بقليل وقبيل سقوط النظام الناصري بقليل ايضاً، وهذا على سبيل المقارنة وحسب، حال منظمة التحرير الفلسطينية. ولعل هذه التطورات وما لحقها من تفكك المعسكر الاشتراكي قد القت بظلالها على القرار السياسي للجماهيرية الليبية التي ترددت علاقاتها بين العروبة وإفريقيا ولاحقاً ممالئة المركز الراسمالي الغربي خوفاً وطمعاً في الرضى الذي لم يُدركه اي ضعيف. وبكلمة موجزة، فإن بلداً في موقع وحجم ليبيا كان يجب ان يكون في اتحاد ولو فدرالي مع مصر الناصرية او برعايتها لكن الناصرية تحطمت باكراً. وإنصافاً للحالة نقول، بان القذافي بعد سقوط مصر الناصرية ربما لم يجد احداً يتحد معه!
بعد أن غسل القذافي يديه من أية إمكانية للتماسك الرسمي العربي[3]، في الوقت الذي كان العقيد القذافي يحاول شراء صمت الغرب عنه عبر تمكين الشركات الغربية من نفط البلاد، كان يحاول خلق وضع قارِّي لإفريقيا كقوة حماية له ولإفريقيا. لكن المفارقة أن الغرب لا يُشترى صمته على حساب مصالحه واستراتيجياته، وإن إفريقيا المقتتلة لا تحمي نفسها لا فرادى ولا جماعياً. هل هذا تبرير لتذبذبات سياسة القذافي ام هي مسالة واقع؟. وهكذا، حينما بدأ الإرهاص في ليبيا كان النظام بلا اي ظهير خارجي. أما داخلياً، فكان الفشل الحقيقي للنظام حيث كان سيف القذافي قد اصر على حل اللجان الثورية التي كانت مثابة حزب السلطة الأوحد هذا إضافة إلى جهاز سلطة لم يكن حزبياً بل تجميعيا حول شخص العقيد الديكتاتور وكما اتضح فقد كان مخترقاً كما اتضح في انشقاق معظم اركانه. لذا، لم يكن حول النظام سوى الجيش والذي لم تكن هزيمته سهلة لولا التدخل الإمبريالي الغربي الناتو الذي استمر ثمانية أشهر متواصلة.
اهم الأسئلة المعلقة في حالة ليبيا هي:
أولاً: هل بدأ الحراك مسلَّحاً؟ فقد اصرت آلة الإعلام الرسمية غربية وعربية على أن الحراك بدأ سلمياً وبأن النظام رد على الحراك بالسلاح مباشرة بما في ذلك قصف بنغازي بالطائرات الأمر الذي مهد الطريق بعد شهر من بداية الأحداث لتمرير قرار في مجلس الأمن بالتدخل “الإنساني”. ولكن بعد ان تورطتا روسيا والصين في التصويت لصالح التدخل، دون ان تشاركا فيه، تمكنت الأقمار الصناعية الروسية من تاكيد أنه لم يتم استخدام سلاح الطيران وكما أكد يفغيني بريماكوف مدير المخابرات الروسية السابق. قد تظل هذه المسألة قيد التمحيص، ولكن كيف تأتى للمتظاهرين توفر الأسلحة خلال ايام ولا نقول منذ اليوم الأول لولا ان الحراك كان مجهزا سلفا بالأسلحة، بل إن انشقاق جزء من اركان النظام وخاصة العسكريين يعني توفر السلاح محلياً. ويبدو أن السلفيين كانوا قد حصلوا على السلاح قبل الحراك بوقت طويل مما جعلهم جاهزين للاشتباك سواء بقيادة عبد الكريم بلحاج او غيره، وهو الذي كانت أل سي.آي.إيه قد سلمته إلى ليبيا، واعلن هناك توبته وجرى الإفراج عنه؟ هل كان ذلك خطة بين المخابرات الأميركية وهذا الفرع من القاعدة؟
ثانياً: كيف تم تفعيل دور جامعة الدول العربية لتطالب بالتدخل في ليبيا حتى دون ان تحاول الوساطة التي هي دورها؟ وكيف لعب امينها العام عمرو موسى دور بطرس الناسك في حرب الفرنجة؟ ويبدو ان الرجل قد تاكد بأن من يقف في جانب الناتو سوف يصل إلى رئاسة مصر، وربما لهذا رشح نفسه! وهذا وضع الجامعة العربية في خدمة الاستراتيجية الإمبريالية الجديدة للاستعمار المسماة بالتدخل الإنساني الذي ابطاله برنارد لويس في التخطيط للتجزئة المتواصلة للوطن العربي، وبرنارد كوشنير[4] رجل الولايات المتحدة وبرنار هنري ليفي المندس على الماوية والفلسفة بينما هو صهيوني بامتياز. وكما هو معروف فإن ممثل سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني قد تنازل عن دوره في تلك الفترة لرئاسة الجامعة لصالح دولة قطر والتي لعبت ولا تزال حصان طروادة ضد ليبيا ومن ثم سوريا.
لقد اكد الدور القطري والسعودي والإماراتي في سيطرتهن على الجامعة العربية والمشاركة في قصف ليبيا ولو رمزياً، أن الثورة المضادة تشتغل بخطة في الوطن العربي وانها عازمة على مسح اية بقايا للأنظمة القومية وان ذلك في خدمة الكيان الصهيوني وليس الإمبريالية وحسب.
ثالثاً: ينص ما يسمى بالتدخل الإنساني اقتصار دور مجلس الأمن على حماية المدنيين. ولكن حلف الناتو ابتعد عن حماية المدنيين وركز على تدمير الجيش الليبي وبنية البلد التحتية بما فيها النهر الصناعي العظيم الذي أقُيم بنفقات ليبية والذي يقوم بجر مياه من بحيرة تحت الأرض بمساحة المانيا وتكفي لألف سنة، وهذه البحيرة هي الهدف الأساس للحكومة والشركة المائية الفرنسية التي كانت البادئة في العدوان على ليبيا وهذا لا ينفي استهداف فرنسا للنفط[5]. بيت القصيد ان لا أحد تمكن من وقف شهية الناتو للتدمير او حصرها مما ادى إلى تدمير البلد ومصرع 140 ألف ليبي وجرح 400 الفاً مما يؤكد ان الهدف كان إسقاط النظام وتدمير ليبيا.
رابعاً: ما هي العوامل التي اوصلت المثقف العربي إلى الاستسلام إلى ان التغيير أمر محال في الوطن العربي مما خلق ثقافة ومثقفي الاستدعاء؟ وكيف رفض هذا المثقف الاستفادة من كارثة العراق فطالب بحماسة ودون حياء علمي وعقلي وقومي بتكرارها في ليبيا وما زال يطالب بتكرارها في سوريا؟ وما هي الأسباب التي دعت حركات مقاومة للتهليل لما يسمى ثورة ليبيا متجاهلة دور الناتو الذي وصل إلى السماء والأرض معاً؟ تطرح هذه التساؤلات شكاً كبيراً في قدرة هذه القوى وأولئك المثقفين على أن يكونوا بمستوى المرحلة ومصير امة في عالم متغير بعنف ووحشية. إن استدعاء وتاييد التدخل بل الغزو هو في جانب تسليم مؤكد بان الغرب منتصر دائماً، وبأن الشرق لا يتغير سوى بقوة من خارجه. وهذه عقليات عبيدٍ موروثة من جهة ومخروقة من جهة ثانية. هي كفر بطاقات الشعوب مما يجعل من حامليها خونة لدور الإنسان في التغيير وحصره في الأبيض الراسمالي. أما ما يثير الشفقة على هؤلاء فهو إصرارهم على أن حراك الجُموع هو حراك صراع طبقي حتى لو كان بقيادة الناتو.
وينسحب السؤال نفسه على مثقفي اليسار في الغرب الذين لهم تراث في خدمة وطلب والإصرار والمشاركة في “العدوان الإنساني” وخاصة في العدوان الثلاثيني على العراق 1991.
إن اقتصادياً معروفاً مثل بوريس كاجرالتسكي (انظر المرجع اعلاه) وهو يبرر العدوان على ليبيا بشكل موارب، قد وصل إلى اعتبار ثوار الناتو شكلاً اولياً للثورة الفرنسية وكاد يعتبرهم شكلاً اوليا لثورة اكتوبر 1917، إنما يؤكد ان لوثة مركزانية بيضاء وحمراء قد اصابته. وهذا يكشف استسهال المثقفين الغربيين طرح فتاوى من خلف ايديهم وعقولهم عن الحالة العربية، وهو استسهال للكثير من المثقفين العرب والفلسطينيين يد فيه لأنهم مارسوا ويمارسون دوراً دونياً لصالح المثقف الصهيوني والمركزاني الغربي. مرة اخرى، في هذه الحالة العينية يزعمون بأن الجُموع تقوم بصراع طبقي ببنادق الناتو واموال الوهابية! هؤلاء لا يستحقون إدراج اسمائهم!
ليبيا حتى كتابة هذه السطور لم تعد موحدة كما كانت، ويحكمها طرفان يعبران تماماً عن تكريس الاستعمار دون حضوره العسكري البشري ويعبران عن التحالف الذي ظهر حديثاً ولكنه طبيعي بين:
· من يُسمَّون باللبراليين وهم في الحقيقة ممثلو الشركات النفطية الغربية والطبقات الحاكمة هناك بالطبع بمعنى انهم راسماليو الثقافة ولكن من موقع التابع لراسمالية المركز،
· وقوى الدين السياسي التي هي راسمالية الثقافة بل حتى بافق المرحلة الميركنتيلية والتي يهمها السلطة وقهر المجتمع وتقويض البعد القومي والعلمانية.
ولهذا التحالف المحلي دوره الإقليمي والعالمي، فليبيا اليوم مصدر تهريب الأسلحة وحامليها إلى سوريا ومصر والجزائر ومالي وبإشراف الولايات المتحدة. والطريف ان تكون السلطة بايدي لبراليين وإسلاميين يقومون بالأدوار التي ينيطها بهم المركز الراسمالي المعولم نيابة عنه. فهل هناك ضرورة لجيش اميركي في ليبيا. بقي ان نشير إلى كيل المديح من البعض لعدم وجود قوات احتلال غربي في ليبيا زاعمين ان ليبيا قد استخدمت الغرب واعادته إلى بلاده؟ ليس هناك عقل في إجازة مديدة كهذا!
[1] Competition for Resources Intensifies
As competition for oil, water and other resources intensify, global power relationships are shifting, providing backdrops for a string of conflicts from Iraq to Libya. Brazilian-born journalist Pepe Escobar, one of the most perceptive analysts of these trends, was interviewed by German Lars Schall.’Lars Schall interviews Pepe Escobar December 29, 2011Consortium News “
[2] By Boris Kagarlitsky, translated from Russian by Renfrey Clarke
November 28, 2011 – Links International Journal of Socialist Renewal
[3] هناك محاولات عدة للقذافي للاعتماد على قوى شعبية عربية لكنها كانت محاولات من فوق، بل فوقية، حيث كثيرا ما جمع قوى وشخصيات عربية تحت عبائته وهو امر لم يعط اية نتائج، فلا تلك القوى كانت شعبية حقاً، ولا طريقته الفوقية كانت قادرة على توليد هذه الحالة. وكنظام حكم لم يكن مرشحاً لينجز مهمة قاعدية كهذه.
[4] أنظر كتاب بيير بييان، العالم كما يراه كوشنير ترجمة محمود النبر، منشورات بيسان، بيروت، 2011. والكتاب فضح وثائقي للتدخل الإنساني ودور كوشنير من رواندا إلى كوسوفو إلى دار فورإلى بيافرا إلى صربيا…الخ ولا ينقصه سوى اضافة فصل عن ليبيا ودور برنارد ليفي لتبيان دور المثقف الصهيوني اليهودي المرتبط بالمؤسسة المخابراتية والعسكرية وفي النهاية الطبقية الراسمالية في الولايات المتحدة وفرنسا بشكل خاص.
[5] انظر المرجع المتعلف بإسكوبار، وانظر عكسه ما يزعم بوريس كاجرلتسكي بأن القذافي لم ينفق شيئا على ليبيا! مع كاجرلتسكي يناقض نفسه في مقالته نفسها، فأحيانا يكتب بأن القذافي طور ليبيا حداثياً، واحياناً يقول ان ثروة ليبيا هربتها الشركات الليبية إلى الخارج، وان البطالة وصلت 30 بالمئة وعم الفقر…الخ والمهم انه في هذه المقالة يزعم بأن ليبيا بعد القذافي هي اقرب حالة عربية إلى الثورة البلشفية وبشكل اخص الثورة الفرنسية؟ كيف يمكن لأحد ان يزعم هذا ! ففي يوم 14 آب 2012 تناقلت وكالات الأنباء ان ليبيا سوف ترسل دبابات للإرهابيين الوهابيين في سوريا (ما يُسمى بالجيش الحر) بموافقة الولايات المتحدة.