عبداللطيف مهنا
العملية الأمنية التي يقوم بها الجيش والقوى الأمنية المصرية في سيناء ضد الجماعات الموصوفة بالمتطرفة متواصلة . لم تتوقف منذ أن وقعت العملية المشبوهة والغادرة ضد حرس الحدود المصري على حدود سيناء مع فلسطين المحتلة . المصريون حتى الآن لم يعلنوا سقفاً زمنياً محدداً لإنتهائها ، ولايبدو أنهم بالمستعجلين لإعلانه . في هذا بعض ما يثير قلق الصهاينة وتوجُّسهم ، فالعملية وإن تمت ، ودونما شك ، بالتنسيق المفترض وفق إتفاقية كامب ديفد وملحقاتها الأمنية معهم ، وبمباركة أميركية ترعاها ، لكن حجمها عديداً ومعدات وتوالي زيادته مع تواصلها لايروقهم ويثير مخاوفهم من أن تفرض حقائق على الأرض تنسجم مع الدعوات التي اطلقتها بعض النخب المصرية مؤخراً بضرورة مراجعة هذه الإتفاقية وملحقاتها كمتسببٍ رئيسٍ لما تشهده سيناء من إنفلاتٍ أمنيٍ ، أوتستوجب هذه الإعادة كضرورة فتقتضي تعديلها. في الكيان الصهيوني تزداد وتيرة تعالي الأصوات الداعية لوجوب إنهاء العملية المصرية بازدياد حجمها أو تعاظم القوة المنفذة لها وامتداد الزمن الذي يقتضيه تنفيذها . آخر هذه الأصوات الزاعقة كانت رسمية ومن قبل واحدٍ من مثل أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية . يحذِّر ليبرمان صهاينته من أنه “يمكن أن نجد أنفسنا في منحدر بعد نشر مصردباباتها في شبه جزيرة سيناء ، وهي الخطوة التي تنتهك بوضوح معاهدة السلام ” .
قبل العملية الإجرامية المشبوهة والعملية المصرية المضادة ، وخلال الأشهر القليلة التي سبقتهما ، كانت محاولات الإفادة الصهيونية من الأنفلات الأمني في سيناء على أشدها ، وكانت الأصوات الصهيونية وصداها ، أو الرجع لدى حلفائها ، في الغرب تتعالى محملةً مصر 25يناير وزر هذا الإنفلات ، الذي ماكان سوى لأنه المترتب على أحكام إتفاقية كامب ديفيد وجراء تقيد مصر بوزر ملاحقها الأمنية وما استنه تهافت النظام البائد فى إستجابته المديدة لإملاءات واشنطن ومطالب تل أبيب ، إن أمناً أوأدواراً في المنطقة . كانت المبالغة الخبيثة في في تصوير هذا الإنفلات قد بلغت درجة التحذير من أفغنة سيناء من خلال تضخيم وجود القاعدة وأخواتها فيها ، وكان الهدف من وراء هذا هو إبتزاز مصر والضغط عليها إبتغاء مواصلة التنسيق الأمني لصالح الكيان الصهيوني الذي إتبعه نظام مبارك معهم أو الأطمئنان الى إستمراريته ، وتحسباً لما سيأتي به التغيير المصري في قادم الأيام من متغيرات أو إحتمالات . أما الآن وقد جرى ماجرى ، وكانت الحملة المصرية على هذا الحجم ، فيخشى الصهاينة أن يفيد المصريون من هذه المستجد لإبقاء القوة التي دخلت سيناء حيث دخلت ، بل وحتى المطالبة على ضوء وقائعه ، كما قلنا ، بمراجعة إتفاقية كامب ديفد وملحقاتها المعلنة والمستترة ، وهو المطلب الذي ، وكما أشرنا ، طالبت به نخب وأطراف مصرية مؤخراً .لعل بعض ما يشي باحتمالات مثل هذا ما جاء في تصريحٍ للمتحدث باسم الرئاسة المصرية يقول فيه ، إن ” أمن سيناء جزء من منظومة الأمن المصري الذي لن يحول دونه أي شيء” .
إنه إذا كانت منظومة الأمن المصري برمتها قد غدت عند مصريي مابعد 25 يناير مهددة بسببٍ من تهديد أمن سيناء ، وهو الأمر الذي يجب ، وفق هذا التصريح ، أن لايحول دون صونه أي شيء ، فإن هذا يعني بالضرورة الإصطدام لامحالة بالحائل الأكبر وهو القيود التي فرضتها إتفاقية كامب ديفد التي قسَّمت سيناء الى ا وب وج ، وحالت دون مصر وبسط سيادتها المفترضة عليها .
حتى الآن ، كل ما أسقطته ثورة يناير هو مايصفه الصهاينة بكنزهم الإستراتيجي ، أي رأس النظام الممثل في شخص حسني مبارك وثلة قليلة من حوله ، بيد أن أم الكنوز الإستراتيجية جميعاً لهم تظل “كامب ديفد”، والتي هي ليست مجرد إتفاقية فحسب، وإنما وصفة إنهزامية مشينة رسَّخها نظامها البائد لدرجة أن اغلب النخبة المصرية تتهيب حتى الآن مقاربتها أو التجروء على إتيان مايمس بها ، الأمر الذي باتت إستحقاقات الحدث السيناوي تطرحه على المصريين من جديد ، وحيث لسان حال الواقع هنا يقول : ليتحرر الأمن المصري من “كامب ديفد” ، إذ ليس بالتعاون الأمني مع الصهاينة برعاية أميركية وتصفيق أوروبي تتم حمايته … وأخيراً ، ربما نسى ، أو تناسى ، الناطق الرئاسي المصري أمراً لابد من تذكيره به ، وهو أن أمن فلسطين كان أبداً ويظل من منظومة الأمن المصري ، ليس من أيام الفراعنة فحسب ، ولكن منذ أن تجاورتا جغرافياً والتحمتا تاريخياً وأندمجتا قومياً وأنصهرتا حضارياً وتوحدتا وجدانياً ، وأمن مصر وفلسطين هو من أمن أمتهما العربية ، فسيناء كانت وستظل ليست مجرد شبه جزيرة صحراوية تقع مابين مصر وفلسطين المحتلة ، وإنما هي هذا البرزخ الرابط بين جناحي أمه من محيطها إلى خليجها .