النفخ ضد إيران والحرب على واسطة العِقد… سوريا،

 عادل سمارة

تفيد قراءة التاريخ بل قراءة الواقع الجاري أن الغرب بمجموعه يجد حياته هنا، وهذا يعني مقتلنا في روعه ووعيه ومن ثمَّ وجوب قتلنا، فإما أن نُقتل أم نقتُل لنكون. هذا القول من الحِدَّة كحد السيف، ولا يقضي في عالم اليوم إلا السيف! فإما ان تكون السيف او ممدود العنق. هذا خيار الأمم اليوم وليس خيار الأفراد فقط.

سوريا اليوم في عين الدم، وما زال الأعداء يثرثرون عن ضرب إيران. وليس هذا طعنا في إيران بل محاولة لتعديل التهديف من جانبنا. الغرب الراسمالي يثير الفزاعة والرعب من النووي الإيراني. لم يترك من البلاغة والكذب والزيف ما يثرثر به حتى الصهاينة. وإيران لو امتلكت النووي لن تضرب به الكيان، بل ستلجم الكيان عن استخدامه، والكيان إذا لُجم مات وهذا مبرر لضرب إيران. وهنا يدخل عاملان:

الأول عامل التوقيت بمعنى ان العدوان على إيران لم يحن بعد.

والثاني عامل التكتيك بمعنى ان الدخول إلى ضرب أو محاصرة إيران أو إسقاط نظامها بالتقويض يتطلب تصفية سوريا أولاً. فمعنى وجود إيران في المنطقة اتٍ من حضور سوريا وليس مجرد وجود سوريا.

للتذكُّر فقط، فإن النووي أهدته فرنسا للكيان كضمانة ابدية (كما يعتقدون) لعدم تحرير فلسطين بينما المداخل متعددة ليس هنا موضع شرحها. وللتذكر فقط كان مناخ الإهداء ثأراً لهزيمة فرنسا وطرد مليون ونصف مليون مستوطن فرنسي في الجزائر[1]. وللتذكر ايضاً، فإن عراب الصفقة هو شمعون بيرس الذي يمسك اليوم نووي الثقافة وقد جند حوله مثقفي التطبيع العرب  في اوسلو-ستان ومصر والأردن وقطر والسعودية وسائر القطريات العربية. هو حمامة السلام العجوز التي تحمل النووي في جيب واختراق المثقفين العرب في جيب آخر بدءاً من عزمي بشارة مبعوثهم إلى قطر وصولاً إلى بُغاث مثقفي التطبيع  في رام الله بانواعهم/ن ومنهم بطلاء احمر. ومنهم بحماسة لسوريا في النهار وتطبيع في الليل. هذا دون ان ننقل الحديث إلى المحتل 1948.

بيت القصيد كامن في تواصُل الفزاعة ضد إيران تغطية على إطلاق كافة انواع السلاح على دمشق.

هذا في جانب المعسكر الإمبريالي الصهيوني، اما في جانب توابعه العرب بل مخلوقاته، إن جاز التعبير، فحكام الخليج يثيرون فزاعة النووي المذهبي، النووي الشيعي، يجندون لذلك عشرات الالاف واكثر، من السلفية والوهابية من مختلف بلدان العالمية السنية من الشيشان إلى قصر ملك المغرب ويلقون بهم على ياسمين الشام عبر بيت الخلافة في الاستانة[2]. وملك المغرب ابن الملك الذي بعد الحريق الأول للأقصى في مثل هذه الأيام حمل ملف القدس وكان يستضيف مؤتمرات القمة ويخصص غرفة للموساد ملاصقة ليسمع ويرى الموساد كل شيىء. سُعار لغوي ضد إيران وسعير على الشام.

على واسطة العقد تُصب النار. إنهم يجيدون الاستهداف والتهديف على الأقل في اللحظة. في كل موقف وفي كل ساحٍ يؤكد الكيان ان المعركة مع القومية العربية، وكل حرب أو اشتباك حتى في اللغة كان ولم  يتوقف على الأمة العربية. لهذا كانت الحرب من مصر إلى العراق إلى ليبيا وحتى اليمن واليوم على سوريا.  لا بد من إسقاط واسطة العقد. وحينها يتم تدبير الأمور مع طهران، فإما تنكفىء على الذات وإما تضطر لمرونة ما، وإما يتم إسقاط النظام، (فهناك لبراليون وهناك دين سياسي لا جهادي) حينها ستكون الخيارات مفتوحة بقدر كبير من الاسترخاء. حينها سوف تتدفق إلى الجنوب اللبناني مئات الآلاف من الموساد السُّني والكتائبي لنزع روح المقاومة وتتحول بوابة فاطمة إلى بوابة البيت الأبيض، (او بوابة مندلبوم حتى 1967  بين القدس الغربية المحتلة والقدس الشرقية التي كانت تنتظر الاحتلال!). وسيكون الحاجب في هذه وتلك الفلسطيني الذي وقع اتفاق اوسلو-ستان. وينتهي كل شيىء إلى لا شيء لنا في مرحلة قادمة من تاريخ من الخزي أن يُكتب. حينها يعود الجنوب مستضعفاً  وأكثر، كما كان لزمان طويل. ولكن، هيهات منا الذِّلة!

هي الشام إذن فاستفيقوا.

لنا الويل اليوم حيث يقود المشايخ الرأيَ العام، ويحل المشعوذ محل الفيلسوف، حين يفتي الشيخ في السياسة والاقتصاد والتنمية، والخطاب والجندر، وتبييض وجه البنك الدولي والصندوق الدولي، فما بالك حين يتحالف المشايخ (والقابهم اليوم- العلماء!) وتصلَّي ورائهم جسوم لا عقول، يتحالفون مع خبث وعلمية الموساد والثنك تانك (المفارز الفكرية) الغربية والصهيونية من كيسنجر وبريجنسكي ودينس روس، وشمعون بيرس “والقومي”  في الكنيست عزمي بشارة واللبرالي برهان غليون واليساري المتجه إلى الدوحة ميشيل كيلو ؟

 قصدت بهذا أن الاشتباك صار حتمياً وكان يجب ان يكون منذ دهور حتمياً مع تحالف الدين السياسي الذي كرأس المال لا وطن له ولا قومية. الدين السياسي في وطننا لا وطنياً، يبحث عن السلطة عبر خدماته للناتو والموساد. أما الفقراء فيمتطيهم وهم في احيان كثيرة كما هم الآن، سعداء حين يعبث بهم شيخ ويسمونه عالِماً كالغنوشي والقرضاوي. والدين السياسي لا يعرف من الاقتصاد سوى الريع والجباية وسلخ الخَراج وليس الإنتاج وهذا يخلق تقاطعاً وتحالفاً مع راس المال لا سيما في لحظة الأزمة الجارية : حيث يهرول الجهل الفقير إلى الدين السياسي  فيُلقِّمه ريع النفط ما يخاله الفقراء مائدة من السماء او مال الحاكم لا مال الناس، ويدفعه الحاكم النفطي مسلَّحاً لحريق الشام، أما حمر الرقاب فيعتلون طائراتهم ليراقبوا ما يدور على الأرض من تذابح بين أطفالنا يدافعون في وجه ثوار الناتو وخليج النفط، وهابيون وسلفيون من الشيشان إلى تطوان، ومن مكة إلى إسلاميين عافوا دَوْس الغرب عليهم في لندن وباريس فقرروا اغتصاب  نساء الشام لأنهن في يوم نزار قباني كسرن حاجز الذكورة فمشين يحملن جثمان من احبهن واحببنْ. نعم، ولولا سلاح دمشق لصارت حلب بنغازي ولأصبح حمد يرعى عشب قاسيون. من لا يرى  الدين السياسي وقد امتطته اللبرالية الجديدة لا يريد ان يرى. ومن يفقؤ وعيه بسبابته ليس اليوم له ولا غدٍ.  لقد بات جلياً ما تريد فرنجة راس المال.

لو كان في الشام ما كان ل ليبيا لقلت فهمنا، إنه الغرب الذي خلقه الله لذبح الأمم. ولكن في الشام وخارج الشام قطعان من المخروقين. آهٍ ما أخطر الاختراق والمخترَقين!

هل عزمي بشارة طائرة بلا طيار اقلعت من تل ابيب لتضرب مدرسة صنديانا؟ وهل حزب عزمي بشارة قطيع من العميان لا يروا شيئاً؟ ام انه استبدل تمويل حزبه من الموساد بتمويل من حمد؟ كيف يمكن لحزب أن يتبع خائناً ويبقى على الولاء له؟

هل مثقفو بقايا اليسار الموتور الممرور من انتصار حزب الله هم من الجبهة الوطنية الفاشية في بريطانيا. هؤلاء الذين يهتفون في لبنان ضد سوريا وضد الإصلاحات ويهينوا المعارضين داخل النظام ، يقصدون قدري جميل بأنه معارضة مفبركة! اليسوا هم اليسار المفبرك ؟ واين يصب حديث هؤلاء ؟ لا بأس ، هل هناك حتى يمين مفبرك في قطر؟

هل مثقفو اليسار التروتسكي أقل إيذاء لسوريا من الموساد؟ يردد هؤلاء واولئك ان الكيان صرح بأن القيادة السورية الحالية هي الأفضل للكيان. عجيب، حين يتحول المرء إلى خاتم على أكاذيب العدو! هل كل هذا حِذقاً وذكاءً. ومتى كان الكيان يعني ما يقول سوى في سرقة الوطن الفلسطيني؟ ألم تسمعوا بما وراء الكلمات من كلمات؟ هل يجرؤ حكام النفط على إشعال سوريا معانَدة للكيان ومن وراء الكيان؟

من قال أن الكيان عام 1991 لم يشارك في ضرب العراق وإعادة احتلال مشيخة الكويت! هل صدقتم ذلك؟ ومن قال إن قاعدة إنجرليك التركية كانت مغلقة أمام سلاح الجو الأميركي عام 2003. أم انكم أذكياء حين تخدموا العدو وأغبياء حين تقرؤون الوطن؟

هل بقي من يمشي على اثنتين ولم يدرك ان المراكز الثقافية الغربية ومؤسسات الأنجزة، في وطننا ليست اوكار اختراق وتجسس؟ فلماذا ترتادونها؟ ولماذا لا يُرمى من بها بالبيض الفاسد والأحذية كي يعودوا من حيث أُرسِلوا او يُحاصرون في قصور ومخادع الحكام؟

يقف هؤلاء جميعاً مع “الجيش السوري الحر” اساطين ثقافة، فرقاً من الموتورين الذين خانهم التحليل الطبقي  كما خانتهم عزيمة النضال، فباتوا مع ذبح سوريا من اجل هدف قميىء يسمونه “دقة تحليلاتهم”.

يكون الصمت أحياناً أروع ما يُقال. ولكن، حين تتسع دائرة الضلال والتضليل، وحينما تُذبح الشام بأقلام مثقفي الناتو، يغدو القول ضرورة الامتناع عنها خيانة. حين يقف اصحاب التحليل الطبقي ليستخرجوا من الإرهاب صراعاً طبقياً، ومن النفط تنمية، من الحكام الأميين فلسفة وديالكتيك، حينها لا معنى للصمت بل معنى للقول وللسيف كذلك. وحين يبين بأن المشروع هو تقسيم سوريا إلى أربع كيانات على نهج الكيان الصهيوني، وربما خمس او اكثر، كي تقتتل ببعضها على من يُقدِّم للصهيوني نعليْه، حينها يقطع السيف عنق من يُبقيه في غِمده.

أحد مشاهدهم من سوريا والقومية العربية

رداً على الذين يكرهون لغتنا وتحليلنا، فليقرأ الشرفاء/ات التالي:

” لا بد من التاكيد أن حرب اكتوبر لم تفاجىء حكومة نيكسون. فقد تم تحذيرها من ملك العربية السعودية فيصل  في بداية 1973، كما حُذر الشركاء في ارامكو مما سيأتي، وقاموا بدورهم بتسريب المعلومات إلى واشنطن (Blair, 1976: 266-8; Sampson 1975:243-8; Yergin 1991:593-7)

كما وصلت رسالة مشابهة من دراسة مصدرها   سي آي إيه، من قبل المحلل نفسه الذي توقع أن حرب 1967 لن تستمر اكثر من ستة أيام، والتي استنتجت بان المصريين يخططون لمهاجمة اسرائيل (   Cockburn and Couckburn 1991: 171) وفي الحقيقة فإن كيسنجر كان قد أُعلم مباشرة عن الهجوم الوشيك من قبل كل من ملك الأردن حسين، (الذي كان ما بين 1957-77 ضمن عملاء من تدفع لهم سي آي إيه )  ومن قبل مصادر لصيقة بالرئيس المصري السادات.(  Neff 1988:105)[3]

          هل يفسر هذا لماذا يُلقى بالضباع إلى حلب؟ وكيف يلاقيهم سيف الدولة بسيف علي وشعر المتنبي؟


[1] خلال تلك الحرب ونظرا لدعم عبد الناصر للثورة الجزائرية عرضت فرنسا على بريطانيا الوحدة كإغراء للعدوان على مصر. اما اليوم، فيتخاذل كثير من “الثوريين” العرب عن دعم سوريا، بل كثير منهم يدعمون العدوان الغربي التركي النفطي!

[2] من يسير في شوراع رام الله تطالعه ملصقات بالوان مفروزة تطالب بعودة الخلافة العثمانية!

[3] See The Globalized political Economy of Israel, Jonathan Nitzan and Shimshon Bichler, Pluto press, 2002: 247