الطاهر المعز
نشرت في بريطانيا نتائج استطلاع للرأي، سنة 2009، تتلخص في أن 59 بالمائة من البريطانيين يعتقدون أن الفلسطينيين هم الذين هاجموا “إسرائيل” واحتلوا أراضيها، وهي تحاول استرجاع ما افتكوه منها… وهذا يعكس ما تلقاه البريطانيون وما اختزنته الذاكرة الجماعية من أخبار ومعلومات…
كما قامت طالبة فرنسية بسبر آراء طلبة السنة الثانية في قسم التاريخ في جامعة “مونبيلييه” حول معلوماتهم عن تاريخ وجغرافية فلسطين، أثناء إعدادها أطروحة دكتوراه حول فلسطين، خلال شهري نيسان وأيار 2009 (أي بعد فترة وجيزة من القصف المحموم على غزة)، وعكست مجمل الإجابات ما كانت تروجه وسائل الإعلام والأحزاب السياسية من مغالطات وتبسيطات مقصودة، تبرر شرعية الإحتلال الصهيوني وتقدم الفلسطينيين (والعرب) كمعتدين، وتبرئ الإحتلال من مآسي اللاجئين والشعب الفلسطيني، ويعتقد ثلث المستجوبين أن “شعب غزة اعتدى على الإسرائيليين المسالمين، الذين ردوا الفعل، دفاعا عن النفس” الخ… وإذا قارنا بين مختلف استطلاعات الرأي التي نشرت بين سنتي 2009 و 2011 حول ما سمي “بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي”، نستنتج أن وسائل الإعلام هي المصدر الرئيسي لما لدى المستجوبين من معلومات وآراء، وأن الإيديولوجيا السائدة هي استعمارية معادية للشعوب المستعمرة والمضطهدة والمهيمن عليها، ومعادية للفقراء والكادحين… وتتكفل وسائل الإعلام بترويجها وتشكيل أو “صناعة” رأي عام معادي للأفكار التقدمية وللعدالة الإجتماعية، ولحركات التحرر … وتصبح “الأخبار” دعاية مجافية للحقائق التاريخية، وتعتيما على بعض الأحداث أو تقديمها بشكل مظلل يجعل من المعتدي مدافعا عن نفسه ومن الضحية جلادا، ونظرا لسيطرة الإحتكارات على وسائل الإعلام، وانعدام التنوع وقلة البدائل، فإن الرأي العام مهيأ لقبول وتبرير الإحتلال والإعتداءات العسكرية والعنصرية واحتقار الشعوب الأخرى الخ، وبالمقابل لا يعرف معظم الفرنسيين شيئا عن اللاجئين الفلسطينيين والأسرى، ومصادرة الأراضي والقوانين والممارسات العنصرية ضد فلسطينيي الداخل (أراضي 48)الخ… أما على صعيد المؤسسات الرسمية فإن مجلس بلدية باريس صوت بالإجماع (أحزاب اليمين والحزب الإشتراكي والحزب الشيوعي وحزب الخضر…) على تسمية إحدى ساحات باريس (في موقع استراتيجي، على ضفاف نهر “السان”)، باسم “ديفيد بن غوروين”، أول رئيس وزراء لحكومة العدو الصهيوني، ودشنها رئيس البلدية “الإشتراكي” بحضور المجرم “شمعون بيريس”، وكانت بلدية باريس قد أعطت اسم “ثيودور هرتزل”، مؤسس الحركة الصهيونية، و “إسحاق رابين”، لساحات أخرى في باريس، واعتقلت الشرطة 41 من المحتجين الذين تظاهروا ضد تسمية إحدى الساحات باسم “ديفيد بن غوريون”… كما بادر 112 نائب برلماني من اليمين واليسار الفرنسي إلى تنظيم مهرجان مساندة للكيان الصهيوني، وضد محاولة “السلطة الفلسطينية” تقديم ملف عضوية في الأمم المتحدة، وأنشدوا واقفين النشيد الرسمي لدولة الإحتلال… وفي الميدان الإعلامي هناك مجموعة من الصحفيين والكتاب المدافعين عن الكيان الصهيوني في كل الحالات وبدون أي تحفظ، واتهام من ينقده بمعاداة السامية، منهم آلان فنكلكروت وأندريه غلوكسمان، وإيفان ريوفول وألكسندر أدلار وفليب فال (الذي أصبح مديرا لإذاعة القطاع العام “فرانس انتار”) وبرنار هنري ليفي وإيفان لوفاي، وبرنار كوشنير… كما اشتهر بعض المثقفين والباحثين (غير اليهود) بمغالاتهم في الدفاع عن جيش الإحتلال، “الجيش الأكثر أخلاقية وديمقراطية في العالم” حسب ادعائهم، مثل “بيار أندريه تاغييف”، الذي اشتهر لعدة سنوات ب”مكافحة العنصرية”، وزميلته “ميشيل تريبالا”، والمخرج “رومان غوبيل”… وقد شهروا بعدد من المثقفين والصحفيين وتسببوا في محاكمتهم، بدعوى معاداة السامية، منهم الفيلسوف إدغار موران وبيار بيان وفليب كوهين ودنيال مرميه وباسكال بونيفاس وجاك بوفراس وشارل أندرلان، والباحث في علم الإجتماع بيار بورديو (قبل وفاته)… وجميع هؤلاء المتهمين، كتاب وصحفيون “معتدلون” في نقدهم للكيان الصهيوني، ويقر جميعهم بشرعية احتلال 1948، وما نتج عنه من تهجير وتشريد وتدمير، ويعيبون على الكيان الصهيوني “الإفراط في استعمال القوة”، أو “عدم احترام المواثيق والشرعية الدولية”… وقام عدد من المثقفين والصحفيين ونواب البرلمان وممثلي الأحزاب (يمين ويسار، منها الحزب “الشيوعي”) بترويج عريضة تندد بالدعوة لمقاطعة الكيان الصهيوني، ونشرت صحيفة “لوموند” افتتاحية تستنكر من خلالها نداءات المقاطعة، مما شجع الحركة الصهيونية على المضي قدما في سياسة التهديد والوعيد…
لذا فلا غرابة أن تتغلغل الأفكار الصهيونية في مختلف أوساط المجتمع، ويصبح الكيان الصهيوني، في الوعي الجمعي الفرنسي والأوروبي، امتدادا لأوروبا “المتحضرة” في قلب الوطن العربي “المتخلف والهمجي” (ويصبح الشعب الفلسطيني واللاجئون والأسرى، رمزا لهذه الهمجية ولهذا التخلف والإرهاب)، وتحاول هذه الدراسة أن تتناول الجذور التاريخية للتغلغل الصهيوني في فرنسا وموقف مختلف التيارات السياسية، ومكونات الشبكات الصهيونية في فرنسا، وإظهار العلاقة الجدلية وارتباط المصالح بين الإمبريالية والإحتكارات الرأسمالية، والكيان الصهيوني الخ…
بين الإعتداءات العنصرية وفزّاعة “اللاسامية“
تتعمّد السلطات الفرنسية التقليل من خطورة الإعتداءات العنصرية والإغتيلات ضد العرب والأفارقة، أو من تعتبرهم “مسلمين”، والانتقاص من (أو نفي) مغزاها السياسي، وتنتهج التعتيم والحصار الإعلامي والأمني والقضائي على الدوافع العنصرية لهذه الإعتداءات المتكررة، التي يقترفها في كثير من الأحيان عناصر اليمين الفاشي أو أفراد الشرطة، أو عصابات صهيونية (مثل “بيتار” أو “رابطة الدفاع اليهودي”) ونادرا ما يحاكم مقترفوها، كما تتعرض المساجد ومقابر المسلمين ومنازل العرب باستمرار إلى عمليات تخريب وإلقاء النفايات ورؤوس الخنازير على عتباتها، وكتابة الشعارات والرسوم العنصرية على جدرانها وأبوابها، واعترض عدد لا بأس به من رؤساء البلديات على تملك العرب لمنازل في مدنهم ( منهم رؤساء بلديات ينتمون إلى الحزبين الشيوعي والإشتراكي)، وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة 69 بالمائة من ضحايا الإعتداءات الفاشية والعنصرية هم من العرب وأبنائهم، وذلك منذ أكثر من 40 سنة… ويتعرض العرب في فرنسا إلى هجومات عنصرية في وسائل الإعلام (محطات راديو وتلفزيون وصحف) من قبل صحافيين وكتاب و”فلاسفة” ومسؤولين سياسيين، ويدرج ذلك في خانة “حرية التعبير”، واقترفت عصابات صهيونية منظمة في شكل ميليشيات اعتداءات عنيفة (أدت إلى القتل) ضد متظاهرين أو طلبة أو مساندين للقضية الفلسطينية، وأحيانا ضد مواطنين يشتبه في أنهم عرب، ويبدو أن مقترفيها يتمتعون بحصانة أمنية وقضائية، إذ لم يقع إزعاج أي من هؤلاء المجرمين، بينما يحاكم سنويا عدد من الداعين لمقاطعة البضائع “الإسرائيلية”، القادمة من بعض مستعمرات الضفة الغربية فقط أو ما يسمونها مستوطنات غير شرعية، وتستثنى تلك القادمة من الجزء المحتل سنة 1948… كما سبق أن اغتالت المخابرات الصهيونية، في فرنسا (بمشاركة أكيدة لأجهزة الشرطة والمخابرات الفرنسية) عددا هاما من ممثلي الفصائل الفلسطينية أو المناضلين العرب المعروفين بمساندتهم للقضية الفلسطينية، ولم تعلن نتائج أي تحقيق ولم ينشر أي تقرير عن ذلك، بينما اتهمت حكومات إيران وليبيا وسوريا والعراق بتنفيذ جرائم في فرنسا ضد المصالح الصهيونية أو ضد الطائفة اليهودية، دون تقديم حجج وبراهين… وخلال الحملات الإنتخابية، تتفاقم المزايدات العنصرية والتصريحات ضد ما يسمونه “الغزو الأجنبي الذي يهدد الهوية الفرنسية” والمقصود بذلك العرب وأبناؤهم الذين يحملون الجنسية الفرنسية … ويعتبر أي اعتداء حقيقي أو افتراضي على أي يهودي “مأساة وطنية” و”جريمة معادية للسامية” وفرصة لإفساح المجال للكيان الصهيوني للتحدث باسم كافة يهود العالم، بمن فيهم مواطني الدولة الفرنسية، وتهديد مواطنين فرنسيين آخرين، يفترض أنهم (كمجموعات) معادون للسامية وبالتالي للدولة الفرنسية وللكيان الصهيوني، وثبت فيما بعد أن هذه “الإعتداءات” وهمية، وإن حصلت فإن أغلبها لا علاقة له بالديانة أو الطائفة المفترضة لأحد أطراف الحادثة، وأحيانا أخرى هي أحداث مفتعلة من قبل الصهاينة لتأليب الرأي العام ضد العرب، ولمصلحة الكيان الصهيوني… ويتسابق ممثلو مؤسسات الدولة ورئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة، والهيئات التمثيلية والنقابات والأحزاب وممثلو “المجتمع المدني” إلى التنديد “بالجريمة (الإفتراضية) المعادية لليهود والجنس السامي” دون تريث أو تثبت من صحة الخبر ومن حقيقة وقوع الجريمة أو من مرتكبيها… وعادة ما يكتشف بعد الضجيج الإعلامي والإستغلال السياسي، أن الجريمة مختلقة وإن وقعت فإن دوافعها غير طائفية، ومرتكبوها مجرمون عاديون… ولا يقع التنويه (وإن بتأخير أو بعد فوات الأوان) أو التذكير بالحقيقة، بعد “اكتشافها”… وعرفت فرنسا عددا من قضايا الفساد والإختلاس والتلاعب بمليارات اليورو، من المال العام، هربها اللصوص والمحتالون إلى مصارف الكيان الصهيوني قبل أن يغادروا فرنسا، ولم تقع الإشارة إلى ديانة هؤلاء أو طائفتهم، ولا جنسيتهم الثانية “الإسرائيلية” (إضافة إلى الفرنسية)، وذهب ضحية هذه العمليات قضاة حاولوا متابعة التحقيق، كما جرى في قضية عرفت باسم Rue du Sentier في باريس (خلال تسعينات القرن الماضي)، على إسم شارع كان يؤم عددا هاما من مصانع ومحلات النسيج والأقمشة، تحايل أصحابها على المصارف، وأسسوا شبكة تحايل واسعة وشديدة الإحكام والنتظيم، ضمت مصرفيين وتجار كبار وقضاة وسياسيين… وهربوا أكثر من 6 مليار يورو إلى فلسطين المحتلة، قبل أن يهربوا إلى هناك… ومنذ أكثر من 10 سنوات، بدأ التواطؤ والتحالف واضحا بين اليمين المتطرف (حزب الجبهة الوطنية) والجمعيات الصهيونية في فرنسا، فعندما بلغ “جان ماري لوبان” الدور الثاني للإنتخابات الرئاسية سنة 2002، أعلن رئيس “المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا” (وهو أكبر لوبي صهيوني في العالم بعد آيباك في أمريكا)، أن “هذا الحدث يعتبر تحذيرا واضحا يوجهه الناخبون للعرب والمسلين وليس ضد اليهود”، وقامت رئيسة وقادة هذا الحزب بلقاء عدد من ممثلي الكيان الصهيوني والإدلاء بأحاديث لوسائل الإعلام الصهيونية… وتعرض عدد من المثقفين ورجال الأعمال والسياسيين والصحفيين إلى تهديدات بالقتل واتصل بعضهم برسائل بداخلها رصاصة مع إشارة واضحة إلى علاقة محتوى الرسالة بالموقف من دولة الصهاينة… وطعن متطرفون صهاينة عددا من المتظاهرين ضد بعض ممارسات الكيان الصهيوني، وطعنوا ضابط شرطة كان متواجدا لحماية المتظاهرين، ولم تنشر وسائل الإعلام هذا الخبر، ولم يثر ذلك الحدث أي جدل في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية، ولم يعرف مآل التحقيق، وعلى أي حال فلم يحاكم أو يسجن أحد، رغم معرفة الفاعل…
تولى “ايلي فيزل” (جائزة نوبل للسلام وصديق حميم لبرنار كوشنار) منذ عدوان 1967، قيادة تيار أيديولوجي صهيوني في فرنسا، يهمل السياق التاريخي (الأوروبي) لمعاداة السامية، و يردد أطروحة مفادها أن دفاع الفلسطينيين عن وطنهم (ووجودهم) ضد الإحتلال الصهيوني، هو ” استمرار للمشروع النازي، يهدف القضاء على دولة إسرائيل الضعيفة، المسالمة، ذلك الملجأ الأخير للناجين من المحرقة، في مواجهة العرب الهمج الساعين إلى رمي اليهود في البحر”، وأن أي نقد لسياسة الكيان الصهيوني هو بمثابة المحرمات “لأن إسرائيل باتت تمثل جميع اليهود مهما كانت اختلافاتهم، ضد الأغيار (الغوييم)، وكل نقد لها يعتبر «لاسامية»، واعية أو غير واعية”… ورغم ظهور الكيان الصهيوني بوضوح ككيان عدواني خطير على كامل المنطقة العربية وكوكيل للإمبريالية فقد تمكن الإعلام والمنظمات الصهيونية من قلب المعادلة لصالحهما، سواء بعد غزو لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا (1982) أو بعد الإنتفاضتين الأولى والثانية (1987 و 2000) أو بعد الغارات المحمومة على غزة (2008 – 2009)… ولولا السند القوي الذي يلقاه اللوبي الصهيوني من قبل المؤسسات الرسمية والصحافة والأحزاب، لما كان ذلك ممكنا، فالكيان الصهيوني جزء من الإمبريالية والإحتكارات والعولمة الرأسمالية، وممثلها في منطقة استراتيجية هامة هي الوطن العربي، ولذلك سخرت (وتسخر) كل الوسائل لتبرئته وتقديمه كقاعدة متقدمة “للحضارة” الأوروبية في المشرق العربي…
مثلت أحداث 11/09/2001، وما تلاها من حروب أمريكية، أطلسية على ما سمي «الإرهاب»، فرصة للكيان الصهيوني وأنصاره لتبرير سياسة الإحتلال والقمع والإغتيالات، ووضع النضال الفلسطيني في خانة الإرهاب، وبالتالي فإن كل معارضة لسياسة المحافظين الجدد هو “عداء بدائي للديمقراطية التي تجسمها أمريكا، وعداء لإسرائيل، قلعة الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط”… واعتبر اللوبي الصهيوني كل تعاطف مع الشعب الفلسطيني، بمثابة مؤشر على تنامي العداء للسامية أي “ليهود العالم وممثلهم الشرعي والوحيد، دولة إسرائيل”، رغم إدانة بعض المؤسسات الدولية لبناء جدار الضم والحواجز والمستوطنات في الضفة الغربية ومحاصرة وتجويع الشعب الفلسطيني في غزة، ورغم بعض التقارير عن الممارسات والقوانين العنصرية ضد السكان الأصلانيين في الأراضي المحتلة سنة 1948…
وتعرض بعض الصحفيين الفرنسيين والباحثين والكتاب للتهديد وللتشويه والملاحقات والطرد من العمل، والمحاكمات الجائرة… لأنهم حققوا وكتبوا عن مجازر الاحتلال الصهيوني، رغم إعلانهم مرارا وتكرارا أنهم ليسوا بالضرورة أصدقاء للعرب أو للفلسطينيين، وإن ما قاموا به لا يتعدى الإطار المهني (الصحفي) أو في أحسن الحالات مجرد البحث عن الحقيقة ...
مصادرة حرية الرأي والتعبير:
صدر كتاب بول إريك بلانرو “ساركوزي وإسرائيل واليهود ” (بلجيكا 2009) بعد العدوان على غزة (أواخر 2008 وبداية 2009)… طبع الكتاب في بلجيكيا ولم ينشر ولم يوزع في فرنسا عبر مسالك التوزيع التقليدية، وإن لم يستصدر خصومه أي حكم قضائي، وبالتالي فهو منع غير معلن، وحصار إعلامي على الكتاب ومؤلفه، وهو مؤرخ عمل على إشاعة الفكر النقدي ودعم المنهج العقلاني، على أنقاض الفكر الغيبي أو الجامد، وسبق أن أصدر كتابا سنة 2008، عن خفايا العلاقة المصلحية بين ساركوزي وكارلا بروني، مما يفسر العداء الذي يكنه له ساركوزي وحاشيته… ولم تقع الإشارة للكتاب في وسائل الإعلام، لا بالسلب ولا بالإيجاب، ويبرر أحد الناشرين ذلك “بأن قرار الحصار سياسي، صادر عن أعلى السلطات في فرنسا، ولذا لن يشار إليه، ولن يكتب سطر واحد لفائدته (أو حتى ضده) في الصحافة المكتوبة، ولن يحظى بكلمة واحدة في محطات الإذاعة والتلفزيون… وأي تجاوز أو محاولة لكسر هذا المنع غير المعلن يشتمل على مخاطر جمة لا يستطيع تحملها أي ناشر (أو أي صحفي أو أية وسيلة إعلام)، لأنها قد تؤدي إلى التشهير بدار النشر في وسائل الإعلام وقطع مصادر رزقها، واتهام القائمين عليها بمعاداة السامية، بغية إفلاسها…”، ووجب التذكير بعمليات التشهير والاعتداءات والاغتيالات التي ينفذها الصهاينة في العديد من بلدان العالم ضد المثقفين والمبدعين، وهي ممارسات تشهر بها عادة وسائل الإعلام، ومنظمات حقوق الإنسان والدفاع عن حرية التعبير، لو حدث جزء يسير منها في بلدان مثل إيران وكوريا الشمالية وكوبا… ولكنها تحدث يوميا في أوروبا وأمريكا ولا تثير اهتمام هذه المنظمات، بل تباركها بعضها (مثل “مراسلون بلاحدود”) وتقدمها على أنها “دعم للديمقراطية”، ضد الإرهاب…
يذكر “إيريك بلانرو” أن نيكولا ساركوزي كان عضوا في لجنة العلاقات الخارجية لمجلس النواب وعضوا في جمعية الصداقة الفرنسية الإسرائيلية ومدافعا شرسا عن الإحتلال الصهيوني، ووصل إلى الحكم بدعم من “المحافظين الجدد” واللوبي الصهيوني … ثم بدأ بتعيين برنار كوشنار وزيرا للخارجية وقام بزيارات عديدة لفلسطين المحتلة واستقبل ساركوزي عديد المسؤوليين الصهاينة في باريس، أثناء قصف شعب فلسطين بقنابل الفسفور…
أمٌا رفض نشر وتوزيع أي كتاب ينقد الصهيونية وتاريخها أو دولة “اسرائيل” فهي عادة فرنسية مألوفة، إذ لم تترجم ولم تنشر وثائق وكتب عديدة كتبها مؤرٌخون وباحثون “اسرائيليون”، من داخل المؤسسة الصهيونية، تتحدث عن التطهير العرقي أو تهجير الفلسطينيين بالقوة أو المجازر الصهيونية وتهديم القرى الفلسطينية الخ، مع أنها نشرت بالعبرية والإنغليزية وغيرها، وهي لا تتجاوز استحضار الوقائع بالوثائق المؤكٌدة، ولا تتجاوز المنظومة الصٌهيونية في جوهرها… كما أن متظٌمات صهيونية فاشيٌة ممنوعة في الكيان الصهيوني وفي الولايات المتحدة، تنشط بكل حرٌية في فرنسا، وقام أعضاؤها بأعمال إجرامية موثٌقة ومثبتة في الجامعات وفي الشوارع وحتى داخل المحاكم، بقيت بدون تتبع أو عقاب…
أما الكتاب فهو غير ذي قيمة من حيث التحليل التٌاريخي أو السياسي، ولا يختلف مضمونه عن المألوف من الخطاب الإنساني وفي أحسن الحالات، يطالب بتطبيق “قرارات الشرعية الدولية” (التي هي جزء من نكبتنا)، أوتطبيق عقوبات ضد الكيان الصهيوني “إلى أن تطبق إسرائيل القانون الدولي” (والقانون الدولي هو نتاج ميزان قوى لصالح القوى الإمبريالية)… يحاول الكاتب أن يتلافى نيران المنظٌمات الصٌهيونية الفرنسية التي لها من المال والجاه والعلاقات والشبكات ما يكفي للإطاحة بكل من يتجرٌؤ من السياسيين والأدباء والصٌحافيين على الهمس ضد الكيان الصهيوني، كما ان القانون الفرنسي (والأوروبي) كثير التٌشدد ضد من ينقد الكيان الصهيوني، فيضعه في خانة “معاداة السٌامية” أي العداء المجاني لليهود… لذلك استشار المؤلف المحامي “جان باستاردي دومون”، الذي كتب مقدٌمة الكتاب، وخصٌصها للرٌعب الذي أصاب الصحفيين الفرنسيين كلما تناول أحدهم موضوع الصهيونية أو الإسلام والمسلمين أو مشاغل ومشاكل الشباب في ضواحي المدن الفرنسية الخ… للكتاب مزايا أخرى (إضافة إلى الجرأة) فهو يجمع أخبارا ووقائع كثيرة موثقة تؤكٌد بما لا يدع مجالا للشٌك التٌرابط العضوي بين اليمين الفرنسي الذي ينتمي إليه الرئيس نيكولا ساركوزي وتيٌار “المحافظين الجدد” والمنظمات الصهيونية، على صعيد داخلي وخارجي، كما يظهر الكاتب، بالوثائق، العلاقات الطبقية والمصلحية بين مجموعات من “المحظوظين طبقيا” منهم أصحاب وسائل الإعلام (وهم رأسماليون كبار، يستثمرون في عدد من القطاعات الإقتصادية الأخرى)، والمثقفون اليمينيون المدافعون عن الرأسمالية والإحتكارات والكيان الصهيوني، والصحفيون الذين يمارسون الرقابة الذاتية، كي يحافظوا على امتيازاتهم، والفنانون الأثرياء المتهربون من دفع الضرائب الخ، ثم كيف ساهم كل هؤلاء في صعود نيكولا ساركوزي للسلطة، بمساعدة الشبكات الصهيونية في فرنسا والولايات المتحدة وفلسطين المحتلٌة، ومن ثم عودة فرنسا إلى القيادة المندمجة للحلف الأطلسي، ومساندة السياسة العدوانية الأمريكية، بل المشاركة النشيطة في تنفيذها في أفغانستان وإيران، ولاحقا في ليبيا وسوريا… يطرح الكتاب بشكل عام قضايا لا يتصور مثقٌفو البلدان العربية والافريقية أنٌها مطروحة بهذه الحدٌة في فرنسا، مثل مسألة حرٌية التٌعبير ودور الطٌوائف (خاصة الطائفة اليهودية) ومجموعات الضٌغط التي لا يعترف أحد بوجودها رسميٌا، في رسم السياسة العامة للدولة، وبالخصوص تحديد اتجاهات السٌياسة الخارجيٌة الفرنسية، ويتساءل المؤلٌف: هل أصبح الحديث عن اسرائيل موضوعا محرٌما، لا يعني الرٌاي العام، وهل أصبحت فرنسا دولة صهيونيٌة؟ … ردد المؤلٌف مرارا أن ما يكتبه هو لمصلحة الكيان الصٌهيوني وان نقده يندرج في إطار النقد البنٌاء من اجل إصلاح أخطاء دولة الإحتلال الصٌهيوني، وهذه لازمة لا بد منها، أكٌدها وكررها كل من كتب نقدا لسياسة “دولة اسرائيل” أو لبعض جوانبها الأكثر همجية وعنجهية. لذا فليس كل من وجٌه نقدا لدولة الإحتلال (أو لبعض ممارساتها) هو بالضرورة صديق لنا، بل لا يتعدى أن يكون حليفا مؤقتا (تكتيكيٌا) لا غير، بل هناك بعض الفاشيين الذين يغلفون أطروحاتهم، ليظهروا في صورة أعداء الصهيونية وحلفاء للشعب الفلسطيني، وما هم في الحقيقة سوى أعداء للعرب شعبا وحضارة وتاريخا وثقافة، وما معاداتهم لليهود سوى معاداة للسامية (والعرب ساميون) … وبما أننا أصحاب قضية عادلة فلا حاجة لنا بمساندة الفاشيين والعنصريين، وإنما يجب التعويل على أنفسنا أولا لشرح وإظهار عدالة قضيتنا بالحجج والإقناع والنضال بكافة أشكاله، والبحث عن سند لنا لدى حلفائنا الموضوعيين، أي الفئات والطبقات الكادحة، المتضررة من السياسة الإمبريالية لرأس المال الإحتكاري المعولم، الذي يساند دولة الإحتلال ويوكلها على مصالحه في الوطن العربي… وكذلك الديمقراطيون والمثقفون المناهضون للإستعمار، المؤمنون بحق الشعوب في تقرير مصيرها…
هناك بعض المواضيع الهامٌة التي تهمٌنا كعرب، وكتقدميين، وكمناضلين من أجل مجتمع تسوده العدالة، والتي أهملها المؤلٌف أو تناولها بشكل عرضي، منها: نوعيٌة وماهيٌة الروابط بين الصٌهيونية والإمبريالية، وهل تسيطر الحركة الصٌهيونية على مسار السياسة الخارجية الأمريكية أو الفرنسية، أم أنٌ التقاء المصالح هو الذي متٌن الرٌوابط والتٌحالف بين هذه الأطراف؟ يكمن الجواب في هذا المقتطف، من رسالة وجٌهها “بنيامين زئيف”، المعروف باسم “ثيودور هرتزل”، مؤسٌس الحركة الصٌهيونية ومنظٌر “الدولة اليهوديٌة”، إلى البريطاني “سيسيل رودس”، مؤسٌس مستعمرة روديسيا (زمبابوي حاليا)، ورئيس حكومة الكاب (جنوب افريقيا)، في نهاية القرن التاسع عشر: ” إنٌ برنامجي هو برنامج استعماري… نحن نريد تأسيس دولة لتصبح قلعة متقدٌمة للحضارة الغربيٌة، في مواجهة الهمجيٌة الشٌرقيٌة…ستمثل دولة اليهود جدارا فاصلا بين الحضارة والهمجية…”، وتوجٌه “هرتزل” بخطاب مماثل إلى رئيس وزراء بريطانيا ورئيس المجلس (الحكومة) الفرنسي، يطلب مساعدتهما على تحقيق مشروعه، باعتبارهما يتفهٌمان أهدافه، لأنٌه اتخذ من السٌياسة الإستعمارية لهاتين الدولتين الأوروبٌيتين، مثالا يحتذى…
عرض موجز للعلاقات الفرنسية- الصهيونية:
لم تبدأ العلاقات المتطوٌرة بين فرنسا والحركة الصٌهيونية بوصول ساركوزي للرٌئاسة، بل كان نابليون بونابارت أول من طرح فكرة “وطن قومي لليهود”، سنة 1799 وهو الذي دشٌن حقبة الإستعمار الحديث… وصدر”مرسوم إسحاق كريميو” (وزير القضاء الفرنسي وناشط صهيوني ملتزم) في 24/10/1870 في عهد “الجمهورية الثالثة”، ليجعل من اليهود مواطنين “عاديين” لهم نفس حقوق المسيحيين، وطبق المرسوم في المستعمرات أيضا (في المغرب العربي)، وفي الجزائر أصبح اليهود الجزائريون مواطنين فرنسيين كاملي الحقوق، خلافا للمسلمين، لاستخدام اليهود ضد المسلمين ( سياسة فرٌق تسد) واستفاد يهود الجزائر من هذا التمييز، مبتعدين بذلك عن مواطنيهم من أهل البلاد الأصليين (وغيروا أسماءهم لكي يخفوا يهوديتهم)، مما حدا بأغلبيتهم إلى مغادرة البلاد عند إعلان الإستقلال، لأنٌهم اختاروا صف الإستعمار وامتيازاته، على حساب بقيٌة المواطنين، وكان وضعهم الطبقي يجعلهم أقرب إلى الفرنسيين (تجار، موظفين، صناعيين)، ولم يذكر التاريخ مشاركة يهود الجزائر في الحركة الوطنية وحرب التحرير (رغم مشاركة عشرات الفرنسيين)، خلافا لما حصل في المغرب وتونس حيث شارك مواطنون يهود في الحركة النقابية والحركة الوطنية…
أشرف البارون “إدموند دي روتشيلد” على بدايات النشاط الصهيوني في فرنسا، حوالي 1880، وتشكل “التحالف الإسرائيلي العالمي” الذي كان يقوم بنشاط توطيني، من ذلك إنشاء شبكة مدارس فلاحية في فلسطين لتدريب يهود أوروبا الشرقية المستوطنين على أساليب الزراعة العصرية… وكان أغلب يهود فرنسا ينتمون إلى الفئات الوسطى من المجتمع ويعيشون وضعا مستقرا، لذلك لم يبدوا حماسا للمشروع الصهيوني، الذي لقي ترحيبا ومساندة من قبل اليهود المهاجرين من أوروبا الشرقية والوسطى، الذين تكاثر عددهم بعد 1880، وشكلوا أغلبية المستوطنين في فلسطين، وكذلك الدعاة الأوائل للحركة الصهيونية في فرنسا (إسرائيل يفرويكين ومارك ياربلوم وجوزيف فيشر…)، وأسست “جماعة بني صهيون” “التجمُّع اليهودي الأبدي” سنة 1886، واشترت أرضا وأسست مستوطنة في فلسطين، وحضر المؤتمر الصهيوني الأول (1897) 12 مندوباً فرنسيا معظمهم من اليهود المهاجرين من أوروبا الشرقية… وكان هناك صهاينة فرنسيون من الميسورين والمثقفين المشهورين مثل العالم البيولوجي ألكسندر مارموريك الذي ترأس الاتحاد الصهيوني الفرنسي منذ إنشائه سنة 1901 وحتى وفاته عام 1923، والكاتب “برنار لازار”، والنحـات “فردريش بير”، والكاتبة “ميريام شاخ”، لكن لم يتجاوز عدد اليهود في الحركة الصهيونية ومنظماتها العديدة في فرنسا بضع مئات من المثقفين حتى نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918، حيث تمتنت العلاقة بين الحكومة الفرنسية والحركة الصهيونية وهاجر عدد كبير من يهود منطقة “الألزاس واللورين” ومن الفارين من ألمانيا النازية في فترة ما بين الحربين العالميتين، وخلال أزمة 1929، وأدى تفتيت الإمبراطورية العثمانية واحتلال فرنسا لسوريا (بعنوان انتداب)، إلى توافق في الأهداف بين الحركة الصهيونية والقوتين المنتصرتين في الحرب العالمية الأولى، بريطانيا وفرنسا، اللتين أصبحتا القوتين الإمبرياليتين الراعيتين للحركة الصهيونية، وشجع هذا الموقف الرسمي للحكومتين، يهود الدولتين (المنتمين للفئات المتوسطة الإنتهازية سياسيا، والتي لا تميل إلى المغامرة) على تأييد ومساندة الحركة الصهيونية والإنخراط في نشاطاتها…
في عقد الثٌلاثينات من القرن العشرين، بعد الأزمة الرأسمالية الكبرى، وبعد صعود الفاشية في إيطاليا والنٌازية في ألمانيا، اشتدٌ عود الحركات اليمينية الفاشية في فرنسا، وانتشرت معاداة اليهود، إلى جانب اغتيال اللاٌجئين الإيطاليين الفارٌين من الحكم الفاشي بقيادة “بينيتو موسلٌيني”، ممٌا ساهم في تقوية الحركة الصٌهيونية التي أصبحت ملاذا لعدد كبير من اليهود المضطهدين في أوروبا الوسطى والشرقية، ثم أوروبا الغربية بعد الإحتلال الألماني (النازي)، وأرسلت عددا كبيرا من اليهود، الذين اضطهدتهم النازية، لاستعمار فلسطين، بتمويلات متأتية من رأسمايين كبار مثل البارون “إدموند دي روتشيلد” ومصرف عائلة “لازار”، وحظيت الحركة الصهيونية بمساندة سياسية ومادية هامة، خصوصا من حكومة “اليسار” الفرنسي التي قادها “ليون بلوم” (1936 – 1938)، في حين قمعت الحركة الوطنية والنقابية في المغرب العربي… بعد الحرب العالمية الثٌانية نشطت حكومات فرنسا، التي قادها تيار المقاومة ضد الإحتلال النازي، في مساندة الحركة الصهيونية، بما فيها الحزب الشيوعي السائر في ركاب الإتحاد السوفياتي الذي اعترف بالكيان الصهيوني حال إنشائه… وتواصلت المساندة من كافة التٌيٌارات السياسية التي حكمت البلاد، وخصوصا الحزب الإشتراكي الذي تحالف مع الكيان الصٌهيوني ومع بريطانيا أثناء العدوان الثلاثي على مصر، ومكنه من حيازة الأسلحة النووية، وتقنيات تشغيلها وتطويرها … تاريخيٌا كان التيار “الإشتراكي” (الأممية الثانية) متصهينا أكثر من اليمين، حتٌى نهاية القرن العشرين، حيث جرى تغيير في أوساط اليمين الذي كان ينتسب ل”شارل دي غول” (والمتحدر من تيار المقاومة ضد الإحتلال النازي)، وأصبح التٌيار المتصهين داخله قويٌا، إلى أن انتصر ساركوزي على منافسيه داخل اليمين نفسه، قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية، وهو التيار المتأثر بإيديولوجيا المحافظين الجدد، وبسياستهم وببرامجهم الإقتصادية وبنظرتهم للعالم…
على الصعيد الدٌولي، ضعفت بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبحت أمريكا القوة الرئيسية التي تقود الإمبريالية العالمية… في المشرق العربي، شكٌل التدخٌل العسكري الأمريكي في لبنان سنة 1958 تحوٌلا في موازين القوى في المنطقة، وأصبحت الولايات المتحدة هي السٌند الرٌئيسي للكيان الصٌهيوني، تسليحا وتمويلا، وحطٌمت الرقم القياسي في استعمال حق النقض في مجلس الأمن للإعتراض على قرارات الإدانة (الخفيفة) له، خصوصا منذ عدوان 1967 ( 33 اعتراضا أمريكيا خلال 40 سنة)، المتزامن مع تصعيد الحرب الأمريكية ضد فيتنام وشعوب جنوب شرق آسيا… وصل شارل دي غول إلى الحكم سنة 1958، كأول رئيس للجمهورية الخامسة في فرنسا، واشتهر بإرادة استقلال القرار الفرنسي، وعدم الإصطفاف وراء السياسة الأمريكية، دون أن يكون صديقا للعرب أو غيرهم من الشعوب المستعمرة… وأطنبت الصٌحف الفرنسية سنة 1967، في الإعجاب بالكيان الصهيوني وقدرته على هزم الجيوش النظامية العربية، وكأنها رأت في ذلك انتقاما بالوكالة من مصر النٌاصرية (بعد عدوان 1956) وتعويضا عن استقلال الجزائر التي كانت تعتبرها الأوساط الإستعمارية (يمينها ويسارها) جزءا لا يتجزأ من فرنسا، خصوصا وأن مليوني فرنسي هاجروا من الجزائر، وأغلبيتهم الساحقة من الإستعماريين اليمينيين المغالين في العنصرية، أو من اليهود الذين ناصروا الحركة الصٌهيونية تاريخيا منذ بدايات القرن العشرين، واستفادوا من احتلال الجزائر، وهاجر منهم عشرات الآلاف إلى فلسطين بعد ذلك… وخلال حكم “شارل ديغول”، كسر الكيان الصهيوني الحظر الذي أعلنته فرنسا على صادرات الأسلحة إلى “الشرق الأوسط”، وهربت المخابرات الصهيونية سنة 1967(بمساعدة المخابرات الفرنسية) 5 بوارج حربية من ميناء “شيربورغ” (شمال غرب فرنسا)، ولم تعترضها القوة العسكرية الفرنسية إلى أن وصلت فلسطين المحتلة، ولم تثر القضية نقاشا حول انتهاك السيادة الفرنسية…