د. منذر سليمان
مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي
واشنطن، 7 أيلول (سبتمبر) 2012
المقدمة:
طبع الهدوء نشاطات مراكز الفكر والابحاث، طيلة الاسبوع الجاري، وتحولت الانظار لمتابعة مجريات مؤتمري الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، فضلا عن نهاية موسم العطلة الصيفية.
في هذا الصدد، يتناول التحليل المرفق علاقة التمويل بحملة الانتخابات باهظة الكلفة، لعلها الاكبر في تاريخ الانتخابات الرئاسية الاميركية، اذ قدرت بنحو 7 مليار دولار ، “اي ما يعادل الناتج السنوي لدولة زيمبابوي.” ويعزى جزء من ارتفاع الكلفة الاعلامية الى طبيعة تقسيم الخريطة الانتخابية ورغبة فريقي الحملتين الانتخابيتين تركيز بعض جهودهما على قطاعات وشرائح اجتماعية محددة، تتباين في توزعها الجغرافي والديموغرافي مما يسهم في ارتفاع الكلفة الدعائية.
تجدر الاشارة الى المزايدة السياسية التي تمت في اللحظات الاخيرة من مؤتمر الحزب الديموقراطي لابتزازه بتقديم تنازلات سياسية لصالح اللوبي اليهودي. اذ سبق وان صادق الحزب على البرنامج السياسي قبيل انعقاد المؤتمر، والذي خلا من اي اشارة لوضع مدينة القدس. وفي اللحظات الاخيرة تم ادخال فقرة اضافية على البرنامج تلزم الحزب اعتبار مدينة “القدس عاصمة لاسرائيل،” والذي تم بتدخل مباشر للرئيس اوباما للضغط باتجاه اقرارها.
ملخص دراسات ونشاطات مراكز الابحاث
سورية:
سعى مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations الى تناول الازمة السورية من منطلق “حرب أهلية طال امدها،” وعدم توفر فرصة في الافق لتنازل يقدمه اي من طرفي المعادلة، مستبعدا في الوقت عينه تدخل عسكري اميركي في الزمن القريب نظرا “لتشتت قوى المعارضة فضلا على ان بنيتها تحتوي عدد من الجماعات، الذين يكن بعضهم كراهية لاميركا لا تقل عن مستوى الكراهية لدى النظام.”
توتر العلاقات الاميركية – الاسرائيلية:
مركز السياسة الأمنية Center for Security Policy تناول العلاقة الاميركية – الاسرائيلية من زاوية الاختلاف الذي برز حديثا بينهما على خلفية رغبة اسرائيلية بشن هجوم عسكري على المنشآت النووية الايرانية، وتروي الادارة الاميركية البت في الامر الى ما بعد انفضاض موسم الانتخابات الرئاسية. وقال “لا يسعنا الا التكهن بموقف الرئيس اوباما عشية الانتخابات والدور بالغ الاهمية للاصوات اليهودية التي من شأنها حسم نتيجة حملته لدورة رئاسية ثانية، دعونا نتصور كيفية معاملته لاسرائيل بعد نيله “مزيد من مجال المناورة” بعد شهر تشرين2.”
المركز اليهودي لشؤون الأمن القومي JINSA ركز بدوره على ما يعتبره تضاد المصالح القومية الاميركية والاسرائيلية، مؤكدا انه من مصلحة الطرفين “تعزيز مصداقية تهديدهما العسكري ضد ايران .. اما سلوك الادارة الاميركية الذي برز مؤخرا ليضع مسافة بينها وبين الحليف الاوثق في الشرق الاوسط، الذي يواجه تهديدا وجوديا، قد عزز الفهم بوهن تحالفهما،” مما ادى لتفسير ايران مقولة “كل الخيارات مطروحة على الطاولة” بانها فقدت مصداقيتها.
الحرب الافغانية:
تنامي اعتماد الادارة الاميركية على استخدام سلاح الطائرات دون طيار، درونز، في شن “الحرب على الارهاب،” شكل محور اهتمام معهد واشنطن Washington Institute، الذي اعرب عن شكوكه من فعالية السلاح اذ “من المستبعد انزال هزيمة بهذه القوى (طالبان والقاعدة) عبر استخدام الدرونز.” كما عبر عن خشيته من اسهام الاغارة بطائرات الدرونز في خلق جيل جديد من المقاتلين اشد بأسا.
تصاعد وتيرة مقتل جنود حلف الناتو العاملة في افغانستان شكلت بؤرة اهتمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS، الذي حذر من تبعات انسحاب القوات الغربية من هناك لا سيما وان “طاقم المدربين (الغربيين) سيتعرض للانكشاف بشكل ملفت للنظر، فضلا عن انفلات التوترات الاثنية والطائفية من عقالها.”
المقاتلين الافغان التابعين للمولوي جلال الدين حقاني، شبكة حقاني، ومقتل بدر الدين حقاني – نجل المؤسس، كان موضع اهتمام معهد الدراسات الحربية Institute for the Study of War، متكهنا بان مصرع بدر الدين “سيترك فراغا في العمل اليومي وفعالية الشبكة،” مستدركا ان غيابه “لن يؤثر جديا على الامبراطورية المالية للشبكة، التي ستوفر الفرصة للقادة لاستنهاض بديل قيادي يدير عملياتها.”
التحليل:
المال والاعلام في حملة الانتخابات الرئاسية الاميركية: تكلفتها 7 مليار دولار
اكتسبت الولايات المتحدة سمعة الاسراف والتبذير والافراط في كافة مناحي الحياة اليومية نتيجة طبيعة النظام الاقتصادي القائم على الانغماس في الاستهلاك والبعد عن التقشف وترشيد الامكانيات. الامر عينه ينطبق على الانفاقات المالية السخية والتغطية الاعلامية الهائلة للانتخابات الرئاسية.
لم تعد علاقة التوأمين، الاعلام والمال، الوثيقة محط استغراب. اذ تندرج التغطية الاعلامية للقضايا السياسية تحت فئتين: التغطية الاخبارية التقليدية والتغطية مدفوعة الأجر. فالاولى تقتصر على تقديرات المؤسسة المعنية لحجم التغطية لمرشح محدد، وهي عادة ما تكون مجانية وتكتسب صدقية اكبر لدى العامة. في الجانب الآخر، من مثالب الحملات الانتخابية المختلفة ان وسائل الاعلام هي التي تتحكم بالمواضيع المتداولة، وليس المرشح كما يقتضي الامر.
وهذا ما يفسر الى حد كبير شغف الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديموقراطي، بعقد المؤتمرات العامة التي تتيح لكليهما تغطية اعلامية فريدة وتفسح لهما بعض الوقت لبلورة القضايا التي تخدم اجندة الحزب. وربما هي الفرصة الفريدة المتوفرة لكليهما للتحكم بطبيعة التغطية الاعلامية.
تتباين قدرات وامكانيات المرشحين المختلفين لحشد الجمهور وراء الشعارات والمطالب الاساسية وطرحها للتداول على المستوى العام. ففي عام 1990، اجمعت الاطراف المعنية على حنكة وبراعة الرئيس كلينتون في اختياره للقضايا ورفع الشعارات التي ينبغي تداولها اعلاميا. وفي احيان عدة، تعاون البيت الابيض مع كبريات الصحف مثل “نيويورك تايمز” لابراز قضية محددة على الصفحة الاولى، والتي حين صدور طبعتها تناولتها البرامج الصباحية لشبكات التلفزة المختلفة وبثها على كامل رقعة البلاد، وتهيئة الرأي العام لاعلان يصدر لاحقا عن البيت الابيض يتناول آلية معالجة المسألة المعنية.
ندرة البراعة الاعلامية تقتضي بذل جهود خاصة من المرشحين للنيل بتغطية اعلامية. الطواقم الاعلامية المرافقة للمرشحين المختلفين عادة ما يتلقون معاملة وتسهيلات مميزة، بدءا بالطعام الفاخر والمشروبات الروحية، الى منحهم تفاصيل معينة تعينهم على انجاز الخبر المقصود. وفي مثل هذه الاجواء، فان الصحافيين الكسالى يعولون على قضاء اوقات ممتعة وفسح المجال للحملة الانتخابية التحكم بطبيعة الاخبار المنشورة. الامر الذي دفع بعدد من المراسلين المحليين الوقوع في الفخ والاتكال على المشرفين على الحملة الانتخابية في اختيار القضايا الاخبارية. اما فيما يخص وسائل الاعلام الكبرى، والتي لها وجود على كامل رقعة البلاد، وتحكمها علاقة شديدة المنافسة فيما بينها فهي ليست على استعداد لتعريض صدقيتها ونزاهتها لاعتبارات غير مهنية.
تعمل الحملات الانتخابية على الاستفادة من الاعلام في بُعد التغطية الشاملة، وكذلك في بُعد المدونات الالكترونية المؤيدة والنشرات الاخرى. اما التركيز على الوسائل الاعلامية التقليدية فيرمي الى كسب المستقلين والمستائين من اداء الحزب المنافس. باستطاعتنا هنا رصد الجهود العالية المبذولة من كلا المرشحيْن، اوباما ورومني، لاضفاء لمسة حميمية على حملتيهما بغية كسب الناخبين المترددين بدل الخوض في عناصر وآليات البرامج السياسية.
يركز الطرفان جهودهما على استغلال الوسائل الاعلامية المناصرة للترويج للسياسات والانجازات (في حال الرئيس اوباما) وقضايا تسهم في شحن جمهورهما لاقناع الطرف الآخر باحقية وجهة نظره. كما يرمي الطرفين الى انتشار تلك القضايا عبر الوسائل ووسائط الاتصال الالكترونية لحشد القوى المترددة عبر صداقاتها الاجتماعية. الامر الذي يفسر بعض الشيء تركيز الحملتين على المدونات الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك مثلا، اكثر من اي زمن مضى، لما لتلك الوسائط من ميزات التواصل مع اعداد كبيرة من الافراد في فترة زمنية قصيرة.
تجدر الاشارة الى ان كل ما تنشره وسائل الاعلام التقليدية ليس مرحب به بالضرورة من قبل حملتي الانتخاب. على سبيل المثال، تعاني حملة المرشح رومني من تقديم تفسيرات مقنعة لمسألة حصة رومني من الضرائب، التي تتقزم امام حصة الطبقة الوسطى الاقل ثراء؛ اما حملة الرئيس اوباما فيتعين عليها مواجهة سيل الانتقادات حول الاداء البائس للاقتصاد. عند منعطف كهذا، تبرز اهمية الحملات الاعلامية مدفوعة الاجر، والتي تستهلك الكم الاكبر من الموارد المالية في حملات الانتخابات الرئاسية.
ينضوي تحت وسائل الاعلام مدفوعة الاجر الصحافة المطبوعة وحملات الاتصال الهاتفية المكثفة وسيل من الاعلانات في محطات التلفزة والراديو تم دراستها بعناية فائقة لاستمالة اكبر عدد من الناخبين ممن تتجاوزهم الحملات الاعلامية التقليدية، وحثهم على ممارسة حقهم بالتصويت، ومن ثم التصويت لمرشحها المعني.
مما لا شك فيه ان هذا النمط من التغطية الاعلامية باهظ التكلفة، نظرا لطول مدة الحملة الانتخابية واتساع الرقعة الجغرافية والتوزع الديموغرافي. على سبيل المثال، تبلغ تكلفة رسالة عادية بالبريد التقليدي نحو دولار واحد او اكثر، مقارنة مع سهولة ايصال الرسائل الالكترونية الى عدة مئات من الملايين لكلا المرشحين. كما ان فقرة دعاية سياسية تبثها الوسائل التقليدية تصل تكلفتها الى مئات الالاف من الدولارات لمدة لا تتعدى 30 ثانية. مؤسسات استطلاع الرأي العام وتوابعها تشير الى ان معدل نصيب الفرد تلقي نحو 7 اعلانات قبل اثارة انتباهه لمحتواها.
نظرا لطبيعة الجغرافيا المتناثرة للولايات المتحدة، وتوفر بضع مئات من محطات التلفزة وما يعادلها او يفوق من محطات الراديو والصحف والمجلات، فان حملات الدعاية المنسقة تصبح باهظة الثمن لمجرد السعي للفت انتباه الناخب لاحد المرشحين او كلاهما معا. تتميز الاسابيع القليلة قبل موعد الانتخابات بفرط الصرف المادي لكلا المرشحين على الدعاية الانتخابية، والتي تصل تكلفتها لعشرات الملايين من الدولارات اسبوعيا لكليهما.
يبرز سؤال مشروع حول الحكمة من الحملات الدعائية المكثفة، وما اذ كان عدم الاستئثار بكل وسيلة اعلامية افضل جدوى والتركيز على بعض الوسائل الرئيسة عوضا عن ذلك، كشبكات التلفزة الاربعة الكبرى. يتجاوز هدف الحملة الدعائية مجرد التواصل مع الناخب المحتمل، والذي باستطاعتها كسب وده بثمن بخس، وطموحها بمراعاته وتحفيز مشاعره الوطنية للتصويت الى جانب مرشحها ليس الا.
التنوع الواسع في وسائل الاعلام الاميركية يقتضي تخصيص اموال هائلة للمضي في حملة منسقة على المستوى القومي، وفي ذات الوقت يتيح التنوع الفرصة لتحديد شريحة انتخابية محددة كهدف للحملة الدعائية.
على سبيل المثال، باستطاعة رومني مخاطبة شريحة حملة السلاح مباشرة والطعن في خصمه اوباما لرغبته في فرض قيود على ملكيته بالتوجه عبر محطة الهواء الطلق، التي حصرت جمهورها في شريحة تمارس رياضة الصيد وحمل السلاح. اما ان راودت رومني الرغبة للتواصل مع شريحة المحاربين القدامى ولفت انظارهم للتخفيضات المالية على امتيازاتهم من قبل ادارة الرئيس اوباما، بامكانه حينئذ مخاطبتهم عبر محطة تبث برامج تاريخية او برامج عسكرية.
بالمقابل، باستطاعة الرئيس اوباما التواصل المباشر مع شريحة الاميركيين ذوي اصول افريقية عبر قناة “السود للترفيه” الشهيرة؛ اما القضايا التي تهم المرأة فمن الانسب التوجه بمخاطبتها عبر محطتي “اوكسجين” و “لايفتايم.”
على الرغم من ان الدعاية الموجهة، كما ورد سابقا، باهظة الكلفة الا ان مردودها اعلى. وكما اسلفنا، فمعدل تكرار الدعاية هو 7 مرات في الوسائل التقليدية قبل بدء لفت الانتباه الى فحواها، حينئذ تبرز اهمية الدعاية الموجهة للتواصل المباشر مع الناخب وبسرعة اكبر من الاولى. قد لا يكترث حامل السلاح لفقرة دعائية حول قضايا تخص المرأة، ويحول انتباهه الى قضية تخص اقتناء السلاح ومادة التعديل الثانية للدستور الاميركي – التي تشرعن حمله.
وعليه، فنتيجة استراتيجية التوجه مباشرة لقطاعات معينة من الناخبين هي كلفتها الباهظة. فيما يخص الرئيس اوباما، تواجه الجهود المبذولة لحشد قطاع السود الاميركيين للمشاركة الشاملة في الانتخابات انخفاض قابليتهم للمشاركة. اذ أتت المشاركة المكثفة في انتخابات عام 2008 بدافع الانبهار امام ترشيح اول شخص ذو بشرة سوداء لمنصب الرئيس، اما حقيقة الواقع الراهن لا تدل على توفر حوافز ومغريات كافية للمشاركة العالية. تجدر الاشارة الى ان اكبر المنظمات السوداء، المنظمة القومية لتقدم الملونين، بادرت عام 2000 لارساء برنامج يحث السود على مشاركة اكبر في القضايا الاميركية، ومنها الانتخابات، وتوصلت الى نتيجة ان تكلفة كل صوت اضافي تبلغ نحو 158 دولارا.
يجيب هذا الامر جزئيا على التكاليف الباهظة لحملات الانتخابات الرئاسية، والتي تصاعدت تدريجيا لتصل الى نحو 7 مليار دولار للسنة الراهنة. اذ يتعين على المرشح التواصل المباشر مع ملايين الناخبين واستنباط وسائل متعددة لتحقيق الامر، ومن ثم اقناعهم بان المرشح المعني هو الافضل لشغل المنصب الاول، وتحفيزهم على ديمومة الحماس للمشاركة الواسعة يوم الانتخابات.
اجرى كاتب بريطاني يعمل مع مؤسسة هفنغتون الصحافية مقارنة بين تكلفة الانتخابات في بريطانيا واميركا، استنادا الى الوثائق المتاحة، وخلص بالاستنتاج ان تكلفة الانتخابات الرئاسية لعام 2012 قد تتعدى 7 مليار دولار “التي تنفق راهنا هباء على الاثير،” مقارنة بالانتخابات البريطانية التي بلغت تكلفتها 48 مليون دولار. واضاف ان الولايات المتحدة تنفق نحو 30 ضعفا من الاموال على حملة المرشحين مقارنة بما ينفق عليها في بريطانيا؛ وان الرقم الهائل (7 مليار دولار) يوازي الناتج الاجمالي السنوي لدولة زيمبابوي.
::::::::
يمكن مطالعة النص الكامل للتقرير باللغتين العربية والإنكليزية في الموقع الألكتروني للمركز:
مدير المركز: د. منذر سليمان
العنوان الالكتروني: thinktankmonitor@gmail.com