نتنياهو وحصاد إبتزاز “الضربة المنفردة

عبداللطيف مهنا

 

في المتداول من أخبار الكيان الصهيوني أن نتنياهو قبل أيام ثلاثة قد أنهى فجأةً جلسةً كانت متواصلةً لليوم الثاني على التوالي لما يعرف بمجلس وزرائه المصَّغر، أو الحكومة الأمنية المصّغرة ، ذلك كان إحتجاجاً منه على تسريبٍ وقع لمناقشات يومها الأول حول ما تدارسته من أمورٍ وصفت بأنها “بالغة السرِّية” بشأن إيران … ماهو المسرَّب ؟!

إنه ما نشرته صحيفة “يدعوت احرنوت” معنوناً ب”خلافاتٍ حول إيران في الأجهزة الأمنية” ، ناقلةً فيه عن مصدرٍ من حضورالجلسة والمشاركين فيها كلاماً من مثل “سمعنا معلومات مفصَّلة ومقلقة للغاية حول تقدم البرنامج النووي الإيراني ، الإيرانيون إنطلقوا في سباقٍ تجاه القنبلة ويبدو أن لاشيء قادر على إيقافهم” !

الطريف أن هذا التسريب الذي أغضب نتنياهو على هذا النحو الذي أبداه يصب في خدمة سياساته المتبعة حيال الموضوع ولايتناقض مع إستهدافاتها ، وهو إذا لم يسرَّب أصلاً بوحيٍ منه ، فلعل مثار غضبه لتسريبه ما كان إلا لأنه لم يُسرَّب بإذنٍ منه أو بمعرفته … لماذا؟

في مقالٍ سابق لنا عنوانه إبتزاز “الضربة المنفردة” فصَّلنا في الإستهدافات من وراء كل هذا التصعيد الصهيوني المتعلق بمسألة المشروع النووي الإيراني ، ومآل حكاية النفخ النتنياهوي في فزَّاعة “الضربة المنفردة” المزمع توجيهها لإيران ، والتي قدَّرنا أنها لن توجَّه وعددنا اسبابنا، وتابعناها في مدها وجزرها المتواصل وفقاً للمراد منها ، وهو في تقديرنا كان إستثمارها إبتزازياً ، الأمر الذي فصَّلناه بدوره ، وقلنا إنه موجَّه للغرب وخصوصاً الحليف الأميركي أكثر منه لإيران ، والآن ها نحن نرى كيف نجح نتنياهو في ربط موعد هذه الضربة المزعومة بموعد الإنتخابات الأميركية ، وكيف أنها باتت جزءاً من المعركة الإنتخابية الأميركية ، وكيف نراه يتبادل مع المرشَّح الجمهوري بات رومني النطق كلٍ منهما بلسان الآخر . وبالتالي كيف جاء رد الجنرال ديمبسي المعروف  لاحقا قاطعاً مؤيداً لما هو معروف من دونه ، وهو أن الكيان الصهيوني ليس بمقدوره وحده تنفيذ تهديداته المنفردة ، وأن الولايات المتحدة وغربها ، في ظروف التراجع سطوةً وقدرةً واقتصاداً وعلى أبواب الإنتخابات الأميركية ، ليست في وارد الضربة العسكرية الملوَّح بها ، لا مشاركةً ولا مباركةً ولا دعماً ولا ضمانةً لنتائجها أو استيعاباً لتداعياتها ، بل والأهم أنها ليست في وارد السماح لنتنياهو بالقيام بها . ويمكن أن نزيد على هذا فنقول أن الولايات المتحدة وغربها وإسرائيلها لا يمتلكون ، وفق ماتؤيده مصادر دولية عديدة ومنها الروسية ، أدنى معلومة تؤكد أن في وارد إيران تطوير مشروعها النووي السلمي إلى عسكري ، لكنما تظل المشكلة عندهم هى في سبل منع إيران من إمتلاك المعرفة النووية ومحاصرة دورها وتأثيرها الإقليميين المتعاظمين … مالذي إستجد ؟!

 يبدو أن نتنياهو قد بدأ ، وفق ما يتكشَّف رويداً رويداً من مؤشراتٍ ، يحصد ثمار إبتزازه لحلفائه ، الأمر الذي أتاح له البدء في النزول البطيء عن شجرة تهديداته العالية ، وهو ما كان قد مهَّد له بالدفع حثيثاً باتجاه رسم خطٍ أحمرٍ أميركي موعود في وجه إيران يضمن له تبرير تراجعه عن ضربته التي يتوعَّد بها ، الى جانب حصوله على ما يتبع في مثل هكذا حالة عادةً من جوائز ترضيةٍ أميركيةٍ تسليحيةٍ وماليةٍ سخيةٍ، حيث تحدثت صحيفة “معاريف” عن إتصالاتٍ تجري خلف الكواليس بين الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني لمنح الأخير “تعويضاً عن الضربة التي لن يقوم بها” أسلحةً متطورةً ، بالإضافة الى طرح الموضوع الإيراني بنداً في برنامج اوباما الإنتخابي .

ما تقوله “معاريف” يتفق مع مانقلته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية من أن “اوباما يفكر بالإعلان بشكلٍ لا لبس فيه عن إستعداده لتأييد هجوم على إيران  إذا فشلت المحادثات واجتاز الإيرانيون الخطوط الحمراء التي وضعها الأميركيون في هذا الشأن ، يضاف اليه جدولاً زمنياً  لإستنفاد المحادثات مع إيران” . وأشارت الصحيفه إلى أن هذا من جانب اوباما سوف يأتي كردٍ منه لدحض مقولة رومني بأنه قد “القى بإسرائيل تحت عجلات الباص النووي الإيراني” !

ما أوردته الصحيفتان ينسجم مع مناورة الخليج الحاشدة المزمعة ، وإنشاء رادار ضخمٍ في قطريشابه مثيليه في تركيا والكيان الصهيوني ويشكِّل معهما شبكةً ردعٍ توصف بالفعَّالة لأي هجوم صاروخي إيراني محتمل لطمأنة الحليف الصهيوني . ولعله ، وفي هذا السياق ، قد تأتي الزيارات المكثَّفة للجنرالات الأميركان لفلسطين المحتلة ، وآخرها زيارة وصفت بالسرِّية وكشف عنها لنائب رئيس الأركان الجنرال جيمس وينفيلد ، والتي قيل أنه ستتبعها زيارات لسلسلة من الجنرالات لاحقاً … وأخيراً ، إن ما أوردتاه يلتقي مع تصريحات للسفير الأميركي لدى الكيان الصهيوني نقلتها عنه صحيفة “يدعوت احرونوت” قال فيها : إن بلاده والكيان ” لديهما إستراتيجية مشتركة لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي” وإنه وفي هذا السياق “جميع الخيارات مطروحة على الطاولة” !

… نتنياهو الغاضب على تسريب وزرائه في حكومته الأمنية المصغَّرة بدأ في النزول عن شجرته التي آتت أُكلها … وبانتظار مواعيد واشتراطات إبتزازية جديدة للضربة العتيدة المؤجلة !