ملاحظة عن قطر

سميح حمّودة

رام الله، فلسطين المحتلة

التحليل العميق لسياسة الدولة يقتضي الغوص في أعماق ثقافة مجتمع هذه الدولة، والتي تتضمن طرائقه في العيش والتفكير والسلوك، ونظمه الاقتصادية والاجتماعية والفكرية. وفي عالمنا العربي تتيه التحليلات المتعلقة بسياسات الدول الخليجية، الغنية بالثروة النفطية، وهناك من يعتقد أن دوافعاً إنسانية وإسلامية وعربية تكمن خلف مواقف هذه الدول، وهناك من يتحالف مع هذه الدول ويلقي بشباكه في بحرها علّه يخرج بصيدٍ ثمين. وفي اعتقادي أن دراسة عميقة للثقافة في دول الخليج ستضيء لنا جوانب واسعة من هذه السياسة ودوافعها، وستبين أن الدوافع هي مصلحية أنانية خاصّة بالطغم الحاكمة والمتنفذة، ولا علاقة لها بالمبادئ ولا بالإسلام والعروبة. وسأكتفي هنا بإيراد مقطع من سجِّل تاريخي يعكس شيئاً عن ثقافة النخبة الحاكمة في إمارة قطر الخليجية. والنص وإن كان يرجع لفترة تزيد عن نصف قرن، إلاّ أنّ دلالاته ما زالت قائمة وواضحة الظهور.

في شهر من العام 1961 زار وفد قطري المملكة الأردنية الهاشمية والتي كانت الضفة الغربية جزءاً منها، وقد كتب عمر الصالح البرغوثي، وهو سياسي ومثقف وكاتب فلسطيني من دير غسانة، وكان يسكن رام الله منذ العام 1951، وكان مقرباً من الأوساط الحاكمة، إذ انتخب عضواً في البرلمان الأردني، ثم أصبح عضواً في مجلس الأعيان، ثمّ اختير وزيراً في إحدى الحكومات الأردنية، تعليقاً في يومياته حول قطر وحول نخبتها الحاكمة، والتعليق، والذي سأورده كاملاً، يفسر لنا سمتين في الثقافة القطرية، الأولى طغيان سلطة المال والثروة على القيم والأخلاق والمبادئ وأصول التعامل الدبلوماسي؛ والثاني شيوع الفاحشة المتسترة والعلنية في حياة النخبة الحاكمة، وهاتان السمتان تحكمان باعتقادي سياسة أغلب النخب الحاكمة في الخليج عموماً، فالمبادئ لا تحكمهم وإنما يقودهم غرورهم بالثروة التي امتلكوها بعد فقر، وهم شهوانيون فسّاق لا يعرفون حدوداً للبحث عن المتعة واللذائذ. وخضوعهم للغرب، وبالأخص أمريكا، مرتبط بهاتين السمتين، فالغرب مصدر الحماية لهم ومصدر تحويل ثرواتهم المدفونة في باطن الأرض إلى أموال يتمتعون بها، وعواصم الغرب هي أماكن لهوهم ومجونهم وفسقهم وقلة حيائهم.

قال البرغوثي في يومية السبت 15 ربيع الأول 1381 هـ، الموافق ل 26 آب 1961:

من أخلاق القطريين

عرفت شبه جزيرة قطر منذ شهرة قَطَري بن الفَجاءة البطل الشاعر الخارجي [أي من طائفة الخوارج] الذي ينسب إليها. وقد أهملها التاريخ كما أهمل غيرها حتى تدفق فيها البترول بكميات غزيرة تجارية، وظهر آل ثاني مشايخ المنطقة التي لا يتجاوز عدد سكانها عشرة آلاف نفس كلهم صهرته الفاقة والقلة والجدب والصحراء. وبغتةً لمع اسمهم وقلّدوا آل الصبّاح في الكويت وآل خليفة في البحرين وتطاولوا إلى حياة الملوك والأمراء، فشروا القصور في سويسرا وإيطاليا وعاشوا عيشة البذخ، وأغدقوا العطايا والهدايا، ونوهت الصحف بأسمائهم وأعمالهم.

وأخيراً زار الشيخ أحمد ووالده وأبناؤه وحاشيته الأردن، فاحتفلت بهم الحكومة واستضافتهم وأكرمتهم وأقامت لهم المآدب والحفلات. وإني أسجل هنا بعض ما ذاع وشاع من فضائح للتاريخ:

1. كان أبناؤهم في دار الضيافة عند البلبيسي ينامون فقبضوا متلبسين بالفاحشة مرات، أحدهم يركب الآخر دون مبالاة، وهم في 16-18 [من العمر]، وقد تستروا على هذا العهر الشائع.

2. بينما كان الأمير أحمد آل ثاني مدعواً في الجبيهة طلب من رئيس الوزراء الداعي أن يقدم الطعام الساعة 1، فأجابه أن رقاع الدعوة عينت الوقت 1,30 ولا يليق بنا أن نباشر الأكل قبل الوقت المعين، فأجابه بصلافة إنني أنا المدعو والضيف وأنا أريد ذلك، والخيار لي وليس لغيري. وهكذا فعل عندما كان مدعواً على الغداء في فندق الأمبسادور في القدس باشر الطعام قبل الوقت المعين دون مراعاة وقت الدعوة، وهذا يدل على قلة الذوق.

3. وهناك أشياء كثيرة لم يكن يحترم الناس ولا يراعي الأوقات، ويستهين بالأشخاص، ويوم سفره كانوا معينين له الساعة 4، فأبى إلا أن تكون الساعة 2,30، وقال أنا المسافر والطيارة لي ولا شأن لكم بذلك. فبدوي جلف ارتقى إلى صدر المجالس.

ربما يساعدنا هذا النص في فهم السياسة القطرية تجاه العرب والمسلمين، فالمال لهم وهم يتصرفون به كيف يشاءون، ولا كرامة لأحد في سبيل مصالحهم وأهوائهم، ولا كرامو لدم السوريين الذي تشاهم أموال قطر في سفكه صباح مساء، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.