عادل سمارة
ليست الإساءة الأولى من جانبهم وليس التهديف الخاطىء الأول من جانب الكثير من العرب والمسلمين. صحيح أن السفارات والقنصليات ممثلة للدول. ولكن هل وُجدت صدفة وعنوة؟ أم أن الأنظمة الحاكمة هي التي جلبتها وحمتها وسجدت لها وسوف تواصل ذلك وسوف تحميها وبهذه المناسبة سوف تستقدم أميركيين لحمايتها ومن ثم الانتشار في ما لم تنتشر فيه قواتها التي لم تترك من الأرض باعاً لم تُسيل فيه دماً.
لعل المطلوب على الأقل ثلاثة أمور يمكن أن تؤثر محلياً وأن تعطي مردوداً للأمد الطويل وتقدم للعالم صورة تليق بالرسول إذا كان المحتجون يحتجون من أجله فعلاً وعقلاً لا فورة تموت بعد ايام في حزن لا واعٍ بل قد لا تتمكن من تحقيق العفو عن من يُعتقلون من المشاركين فيها، وقد لا يكونوا هم الذين أحرقوا هنا وهناك:
أولاً: أن يتحرك الناس كأصحاب رسالة وموقف واعٍ ودائم وليس كجُموع لا خطة لديها ولا ضوابط مما يحولها في لحظات ضئيلة إلى قطيع منفلت وفي نهاية الأمر لا يُنتج. وهذا كان مآل كل الاحتجاجات السابقة.
ثانياً: أن تتم مقاطعة المواقع والمصالح الاقتصادية الأميركية خاصة والغربية عامة دون الإضرار بها أو حرقها أو الإضرار بمرتاديها. وأن تتم مقاطعة المراكز الثقافية الغربية التي تفرخ عملاء لها في الوطن العربي حيث أنها مواقع للإسقاط والاختراق وتجنيد العملاء للتجسس على المقاومة والممانعة عبر المؤتمرات وتقديم الأوراق وعبر إعطاء منحا دراسية في علم الاجتماع والأنثروبولجي…الخ وهي في النهاية لفائدة المخابرات.
ثالثاً: التوجه إلى الأنظمة الحاكمة التي تقيم العلاقات الحميمة بل الوضيعة مع هذه الدول وترعى مصالح هذه الدول وهي ، أي المصالح، مثابة قواعد اقتصادية للاستغلال والنهب وتحويل الفائض. والتوجه إلى بل ضد المتشاركين مع راس المال الأجنبي في نهب نفس المواطنين الغضبى والمحتجين. وهنا أخص راس المال النفطي المفخخ الذي أصبح راس حربة لصالح راس المال الأميركي.
فلماذا لا يتم التوجه ضد أصحاب راس المال هؤلاء؟ الا يكرر هذا مشهد الحراك في مصر ضد مبارك حيث أزيح مبارك وبقي مصاصو دماء الذين لم يعلم بهم ولم يتنبه لهم من ملأوا الميادين؟
صحيح أن هذه الغضبة هي الأقوى بعد إساءات عديدة للرسول، ولكنها لا تزال خارج الهدف وبما أنها الأقوى فهي الأكثر ابتعاداً عن الهدف المنتج وبعيد المدى! . فالسفارة والقنصلية هي لرعاية المصالح ورعايا هذه الدولة أو تلك، ولو لم تكن هناك مصالحاً فلا حاجة للسفارات وقد لا تكون هناك رعايا.
صحيح أن الإساءة للرسول وقحة ومُرَّة، ولكن ماذا عن احتلال اقطار عربية بأكملها وذبح مئات الآلاف بل الملايين فيها أليست لهذه الأرض علاقة بالرسول؟ أليست مكة والأقصى أرض الرسول، فما الذي يفعله المحتجون من أجلها؟ أم أن وطنه بلاد الأسكيمو! ماذا عن اغتصاب فلسطين كاملة؟ ماذا عن المشروع الجاري لتدمير سوريا بعد ليبيا والعراق؟
هذه الضجة مثل سابقاتها، طالما خلت من النقاط الثلاث أعلاه، فهي تخدم في النهاية نفس القوى الراسمالية الغربية لأنها تُخرج فرق جديدة من الشباب المضلل ليصرخ باسم الإسلام بينما يتربع لراس مال الأجنبي بوطنه. وهكذا يتحول عباد لله إلى عبيدٍ لراس المال ولا يدرون!
لا يتضرر الغربي الرأسمالي سوى من جيبه، من تهافت التراكم. أضربوا التراكم وسترون النتائج. وحينما يُضرب التراكم بالمقاطعة ومناهضة التطبيع، عندها فقط يخرس تيري جونز لأنه لا يمكنه أن يدفع بدل الخسائر، وحتى لو كان بوسعه لن يدفع لأن راس المال…أناني.
لقد نظرت بقرف كبير إلى جميع الفضائيات بانواعها . فهي تبث في “حماسة ثورية” صور الحراك والغضب والحرائق، لكنها لا تقدم عبارة توجيه واحدة بأن الهدف ليس السفارات وليس هذا السفير أو ذاك. لم يقولوا كلمة عن المقاطعة ومناهضة التطبيع ومقاطعة أوكار تجنيد العميلات والعملاء للتجسس على سوريا وكل الوطن. هذا رغم أن السفير هو ممثل النظام الذي أرسله.
فلماذا فقط السفارات، بل لماذا السفارات:
- فلا السفير هبط بالباراشوت
- ولا أحد أرغم الدولة هنا أو هناك على استقباله
- ولا الشركات الغربية مجرد دكاكين صغيرة تحت الأرض لا يعرف بها أحدا!
- ولا منظمات الأنجزة والمراكز الثقافية مراكز الاختراق هي مؤسسات لتعميق الثقافة العربية
- ولا رأس المال الطفيلي المحلي رأسمالا منتجا ومستقلا عن شركائه من اللصوص الغربيين؟
هذه معركة طويلة ومن العبث حصرها في انفجارات محدودة ضد السفارات.