عادل سمارة
كلما اتضح تداعي قوة الغرب وخاصة الولايات المتحدة، كلما ارتفعت وتيرة خطابه/ا السياسي بزعم قيادتها للعالم وتوزيع الأدوار وحتى المناصب في كل دولة وقد يصل الأمر إلى تعيين مخاتير في القرى. وهدف التركيز اليوم هي سوريا وخاصة تنحية الرئيس الأسد. وقد وصلت التصريحات الأميركية الأخيرة تجاه الرئيس الأسد حد الثرثرة المدفوعة بسُعار المهزوم تغطية على هزيمته.
أما رد الرئيس السوري فكان موجزاً كعادة السوريين بأن المبدأ هو التنحي وليس التنحية وياتي التنحي فقط حينما ينتخب الشعب العربي في سوريا غيره. هذا حديث موجز ويتضمن نقداً احتقارياً لدُعاة التنحي الغربيين خاصة وفي أذيالهم عربان الثقافة ومبتلعي الخطاب. ولعل فصل الخطاب أنه في الصراع المفتوح والعدوان المكشوف يجب أن يُغادر الخطاب السوري تماماً مفردة تنحي فما بالك بتنحية.
نقطة النقاش الأولى هي أن الطريق الطبيعي هو البقاء او التنحي بقرار ذاتي قائم على ضوء نتائج الانتخابات بمعنى أن الشعب هو الذي يقرر. وعلى الرغم من ثرثرات كثير من المثقفين العرب وخاصة، اليساريين منهم الذين تحولوا إلى اللبرالية متلفحين باكتشاف الحرية والديمقراطية، والمتقاعدين نضالياً بعد هزائم ومن ثم المتخبطين فكريا إلى درجة الخيانة القومية، بأن الانتخابات النيابية والاستفتاء على الدستور في سوريا ووجود معارضة من شيوعيين وقوميين سوريين في الحكومة السورية الحالية، وزعم هؤلاء المثقفين بان كل هذه فبركة، إلا ان نتائج كل هذا تؤكد ان للقيادة السورية تاييداً من أكثر من نصف الشعب. ولست أدري ما هي القوى السياسية الائتلافية في حكومات قطر والسعودية وليبيا التي يخدمها المثقفون العرب غير العروبيين بوقوفهم إلى جانبها وجانب الغرب الإمبريالي؟ هل هي حكومات ائتلافية من أحزاب عبس الشيوعية وذبيان القومية وتميم النسوية وقريش اللبرالية، وهل داحس هو رئيس وزراء ليبيا والغبراء وزيرة شؤون المرأة في السعودية، وزرقاء اليمامة وزيرة البرونوجرافي والنسوية الراديكالية في قطر على طريقة جوديث بتلر التي يكاد مثقفي وأكاديميا الأرض المحتلة 1967 يخرجون في تظاهرات حب وتقبيل لها!
ومما يعزز موقف القيادة السورية الآن على الأقل أن فشل المعارضة السورية المتخارجة ومستدعية الاحتلال بتنوعها في تاليب أغلبية الشارع ضد القيادة السورية وخاصة عبر سيطرة الأجنحة المسلحة من الخارج على المعارضة وتحويل الصراع إلى صراع بالسلاح، هذا إن لم يكن بدأ هكذا وبقصد كما أكد يفجيني بريماكوف، وبرماكوف هذا ليس ممن يضربون في الرمل والحصى[1]، مما يؤكد أن هذه المعارضة حالة من التبعية على مستويين:
· المستوى الأول: تواجدها وانقيادها وتمويلها وتسليحها من الخارج اي من انظمة معادية ورجعية واستعمارية
· والمستوى الثاني تضاؤل المنشقين المحليين وتحولهم إلى مجرد حصان طروادة لتسلل وتسريب مقاتلين اجانب يشكلون اكثرية المسلحين الأمر الذي يشير إلى محاولة تكريس احتلال معولم لسوريا. احتلال بمحتلين دافعهم مالي وغطائهم وهابي وحافزهم أزمات اقتصادية في بلدانهم تدفعهم للانتحار كي ينقذوا اسرهم من الجوع. كيف لا؟ فمهما كان المرء مأفونا بالوهابية فلا يمكن أن يترك أولاده (لا قول بناته بالطبع) جوعى ويذهب لانتحار بعيد. ولنأخذ العبرة من مثقفي/ات الاختراق الذين دون جوع يبيعون أقلامهم وربما أمور أخرى! أما هؤلاء جميعاً فهم وقوداً في حالتي انتصار سوريا أو انتصار أعدائها.
هل يفسر هذا معنى التنحي الذي تفحُّ به أفاعي الغرب ولصالح من؟
لدينا هنا نقطتين للقول واحدة عن الغرب واخرى عن المثقفين العرب.
الأولى: يؤكد تكرار الغرب وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا، اي ضواري الإمبريالية الذين يسيل لعابهم على احتلال سوريا وخاصة طالما ليست الدماء التي تسيل هي دمائهم، بل دماء الشعب العربي السوري ومجاميع المرتزقة من غير العجم البيض. يؤكد موقفهم هذا على امرين:
· الأول: أن لا علاقة لما يطلبون سوى بمصالحهم في سوريا والوطن العربي عامة.
· والثاني انقيادهم الأعمى بحكم العمى المصلحي طبعا وراء ثقافتهم اللبرالية الغربية التي ممن اسس لها جون ستيوارت ميل والذي يقول: “… في مقالته 1859 في الحرية والتي هي قميص عثمان لدى اللبراليين الغربيين وتوابعهم العرب اليوم:
“إن الاستبداد هو طراز شرعي من الحكم للتعامل مع البرابرة، وهو إثبات قطعي لانعدام أي تحسن لديهم، ولذا، فهذه القطعية تجعل وسائل وضع حد لانسداد تحسنهم مبررةً….. يشكل البرابرة قطاعات كبيرة من الإنسانية والتي تشترط “الرضوخ الضمني”. كما ان اللبرالي الفرنسي ألكس دي توكفيل كان يعتقد بوجوب الحاق الهزيمة الدموية بالاخرين باعتباره “انتصاراً للمسيحية والحضارة” وهذا كان ” امر مقضي به سلفا من منظور إلهي” والمقصود بالبرابرة كل من ليس أوروبي وغربي، والهدف من هذا الخطاب المقيت هو تبرير اغتصاب الغرب لهذه الأمم كي “يحررها الغرب” وكي تنتصر الحضارة لأنهم يرونها فقط في المسيحية. وهم يقصدون هنا المسيحية الغربية التي احتلت المسيحية الشرقية الأم وحولتها إلى أداة لراس المال. من يقرا هذا القول ويربطه بالتنحي من جهة وبتدمير العراق وليبيا وافغانستان من جهة ثانية يفهم الخلفية الثقافية للممارسات الإمبريالية اليوم، ويفهم ويا للعار كيف قدمت لنا الأكاديميا العربية التابعة كتابات ميل وتوكفيل في صيغ من التعظيم والتبجيل تماما كما تقدم لنا اليوم كتابات ميشيل فوكو وديريدا وتشومسكي[2].
والثانية: بعد كل هذا وأكثر من الغرب بشقيه السياسي والثقافي، يردد كثير من المثقفثن العرب معزوفة التنحي في حالة من التواطؤ في الخطاب حيث يتحول هؤلاء إلى حصان طروادة ثقافي سائرين على خطى الآباء المؤسسين لهذه التبعية.
وإذا كان هؤلاء هكذا، وهم هكذا فعلاً، فما الذي يدفع هذا الغرب الرأسمالي إلى التخلي عن وقاحته في الخطاب على الأقل، أو إخراج هذا الخطاب بمستوى أعلى من الثرثرة السياسية.
وحبذا لو يجرؤ هؤلاء على الإجابة: لماذا لم يتنحى بيل كلينتون بعد فضائحه الجنسية المبتذلة والمحقرة للنساء وخاصة للنسويات؟ ولماذا لم تتنحى عنه زوجته التي تشعل الحرائق لتحرير العرب من المحيط إلى الخليج وهي تعلم كم من جرائم الاغتصاب مارستها قوات بلادها في العراق ويمارسها السلاجقة والسعوديين في مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن الشهم المسلم المقدس وتركيا مقر الخلافة التي ينوح عليها الكثيرون/ات[3]. هل تنحى ساركوزي حينما اصدرت زوجته ألبوما كاملاً عارية وبأشكال عديدة بعدد أنواع الأفاعي؟ تُرى هل ينزعج الوهابيون من عرض هذه السيدة لجسدها؟ أم ينظرون إليها من وراء حجاب؟ أو كما في السجون من تحت الأغطية الخشنة؟
وهل تنحى الشيخ القرضاوي بعد أن تكلمت طليقته الجزائرية؟
لا يتنحى الحكام العرب الذين يطالبون الرئيس بالتنحي، فهم ينحيهم السيد الإمبريالي الذي وضعهم.
خلاصة القول، متى يتنحى المثقف المتواطىء بعد أن وطأته الحقائق؟
[1] بل ليس مثل جورج بوش الذي زعم ان الله طلب منه احتلال العراق ولا شك أن مثقفي الوهابية متأكدين أن الله طلب من هيلاري احتلال سوريا وليبيا
[2] لمزيد من كشف عنصرية كثير من المفكرين الغربيين تجاه الأمم الأخرى ورجعيتهم الطبقية أنظر كتاب عادل سمارة، تانيث المرأة بين الفهم والإلغاء، 2011.
[3] ذات مرة غضب مني أحد مثقفي ما بعد البحار حين ذكرت هيلاري كلينتون وكأنني قدحت في الأعراض!