شرعية الصندوق لا تكفيكم

عبدالسلام الككلي
منتدى الديمقراطية النقابية – تونس

حكومتنا شرعية بالمعنى الذي يفرضه ما باح به الصندوق الذي يمثل أغلبية الناخبين. غير أنها تتصرف بمنطق يجعل من هذه الشرعية تتفتت يوما بعد يوم ليحل محلها حالة من الاحتقان. لكأن هذه الحكومة تعمل ضد نفسها وضد شرعيتها في نوع من الصلف والغرور الذي لا يبررهما غير الجهل بما يمكن أن تؤدي إليه هذه الحالة من خراب إذا استمر الوضع على ما عليه… وصل الأمن في تونس إلى حالة من الفساد لم تعهدها البلاد. فالسلفيون أو من يظن أنهم سلفيون يصولون ويجولون، يحرمون ويحللون بعد أن أصبحوا صناع قانون وشرطة آداب، لهم رأي في الفن تحول إلى محكمة تفتيش حملت إحدى الفنانات إلى التحقيق والقيس في سابقة تعيسة وفي ظل صمت مخز لوزير الثقافة الذي وعد بان لا تتقدم وزارته بأية قضية ضد أي فنان من فناني العبدلية. ولهم رأي أيضا في ما يأكل والناس وما يشربون وهم لا يكتفون بالرأي بل يكسرون ويهشمون كما وقع بأحد النزل في سيدي بوزيد مما حدا بصاحب النزل أن يهدد على موجات احدى الإذاعات يوم الاثنين الماضي بأنه سيستنجد بأهله وعشيرته للدفاع عن ماله وعرضه بل ستكون له ميليشيا خاصة تتكفل بذلك إن لزم الأمر وقد تفصت الدولة من مسؤوليتها في حفظ النظام العام. هل استمع وزير الداخلية إلى صرخته المجروحة ام أن بعض الأصوات لا تصل إليه لأنه يكره الاستماع إلى ما لا يرضيه ؟ لقد هجمت السلطة على الإعلام العمومي لإخضاعه عبر تعيينات مشبوهة تدل على بداية تحول إلى الديكتاتورية وليس الديمقراطية في عمليات تكميم للأفواه، وأخونة للإعلام، وهو ما ستكون له نتائج باهضة الكلفة على الحياة الديمقراطية بشكل عام ان ترك لها امر التصرف في هذا القطاع خارج هيئة تعديلية تشرف على مصيره.

لن يقبل الشعب التونسي بعد الثورة بمحاولات الرجوع إلى الخلف، واستغلال مناخ الفوضى وضعف قوى المقاومة لمزيد وضع اليد الطولى على أجهزة الدولة وتوظيفها لخدمة أجندة حزبية مسلحة بايدولوجيا متكلسة تريد أن تكون خارج دائرة النقد والمحاسبة، إن حرية الإعلام هو الدليل المادي الملموس على التحول الديمقراطي. لقد فشلت الحكومة أيضا في ما يسمى بالعدالة الانتقالية بشهادة وزرائها أنفسهم وأصبحت المحاسبة بابا مفتوحا على المساومة في سوق مقايضة يكون فيه الولاء مقابل الإفلات من العقاب، ناهيك أن الوزير الذي أخذ على عاتقه مهمة الإصلاحات العميقة بما يستجيب لأهداف الثورة مثل محمد عبو وجد نفسه لا يملك إلا خيار الاستقالة لأن حكومة الترويكا لم تبد رغبة حقيقية في اجتثاث بؤر الفساد بالإضافة إلى القيام بالإصلاحات الهيكلية التي تقتضيها المرحلة..

كل ذلك في ظل وضع مزر يعيشه الجهاز القضائي وهو وضع يقول عنه القضاة أنفسهم في آخر بيان لجمعيتهم صدر يوم 3 سبتمبر انه تحول إلى وضعية فراغ مؤسسي لم يشهدها القضاء العدلي في تاريخ تونس ما بعد الاستقلال مما فتح الباب أمام تغول السلطة التنفيذية واستفرادها بإدارته وهو ما ينذر في غياب إحداث الهيئة الوقتية بفقدان السلطة القضائية لأي أساس دستوري يكفله القانون المنظم للسلط العمومية. ما الذي يمكن أن تصنع السلطة بشرعيتها وهي تراكم الأخطاء وتملأ القلوب غضبا ضدها خاصة في داخل البلاد الذي شبع وعودا ولكنه يستيقظ كل يوم على نفس أمراضه وعلله التي تراكمت على مدى سنوات الوعود الكاذبة : بطالة مستشرية وإدارة موالية ويأس من المستقبل ؟ إن ما نعيشه من تردّ للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يعكس في النهاية فشل الحكومة وعجزها عن القيام بما أوكل إليها من مهام…

هنيئا لك شرعيتك يا حكومتنا ولكن اعلمي أن الشرعية تصنعها أيضا السياسات الناجحة والوعود المنجزة وليس الصندوق فقط الذي يتبجح البعض بنتائجه في مراهنة مغرورة على مستقبل جعلوه لأنفسهم الآن وغدا في ما يشبه الرجم بغيب الصندوق. كما فعل غيرهم ممن جرفهم التيار على وجوههم وهم لا يبصرون.