حديث السيد:

ما قارب، وما ترك وما ليس ضرورياً

عادل سمارة

يختلف السيد حسن نصر الله عن الكثير من القادة والحكام العرب القوميين والوطنيين عموماً منذ الخمسينات في امور كثيرة ومنها بشكل خاص عمق التحليل المبتعد عن سطحية الخطاب، وإن كان ما يقاربه هو بلغة مفهومة جماهيريا وهذا لا يقلل من المحتوى، بل يزيد التأثير. ولا اعتقد ان السبب الأساس في الاختلاف عائد فقط إلى ان حديث الحكام او القادة العرب القوميين مكتوب عبر تقارير المخابرات، وحديث السيد قائم على تحليل مفارز فكرية لحزب Think Tanks، بل السبب الأساس ان لدى الرجل متابعات وثقافة واسعة تسمح له بتذويب القضايا الفكرية المعقدة لتصبح مشروبات خفيفة للجمهور العادي بعد ان يتفهمها هو نفسه كخطاب.

لعل المساهمة اللافتة في الخطاب الأخير للسيد كامنة في متابعة متماسكة لحركة التاريخ، وهذه المتابعة اعمق من تقارير المخابرات والمخبرين التي هي في ارقى احوالها وظيفة منزلية مثلاً. ونقصد هنا بحركة التاريخ بعدين:

الأول: معرفة بقوانين المادية التاريخية التي تبين كيف تقوم الأنظمة والثورات وكيف تتفكك وما هي مفاعيل الطبقات الاجتماعية في هذا والقوى الحزبية السياسية وكيف يكون العامل المادي ووجهه المباشر الاقتصاد السياسي هو المحرك الأساس وإن لم يبد تماما على السطح. وهذه المعرفة هي التي تفسر كيف يتم اختطاف او اغتصاب ثورات، وكيف يمكن حتى تحريك الجُموع كجُموع وليس كطبقات (حالة تونس ثم مصر 25 يناير) مما يبين بوضوح ان اخطر حراكات الشعوب كامن في وجود طبقات بلا أحزاب واحزاب بلا طبقات، أي طبقات لا تتحرك بآليات وعي سياسي طبقي ذاتي واحزاب لا تتعدى كونها أُطروحات نظرية كالسمك دون بحر.

والثاني: وهذا اسهل على السيد وهو قراءة حركة التاريخ الجارية (أي اليومي) ممثلة في المستويات القُطرية والإقليمية والدولية. فهو من صانعي ظاهرة المقاومة في لبنان والممانعة في الوطن العربي وخاصة سوريا، وهي ظاهرة بل حالة تتقدم وإن ببطىء ومعاناة لتصبح قوة في المنطقة نقيضة للوضع العربي الرسمي الممثل بانظمة الريع النفطي ولاحقاً انظمة/قوى الدين السياسي. هذه الحالة ادت كما هو واضح إلى استنفار هائل لدى الثورة المضادة:

· يرى المركز (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بل كل اوروبا وحتى اليابان) بوضوح أن هذه الظاهرة انتقلت من مناخ إلى التجسُّد في حالة، هي مشروع نقيض وطني قومي لمصالحه في الوطن العربي وبما هي نقيض فقد تخلى المركز كما يبدو عن اشتمالها في سياسة الاحتواء الفردي او المزدوج، وهذا شأن تعاطيه مع التناقضات التناحرية. ولعل ما يربك المركز أن هذه الحالة قد تتطور، او قد تقودها عملية الصراع إلى تطورها كنقيض طبقي لوجوده في الوطن العربي، وبالطبع يعتمد هذا التحول الداخلي فيها على شدة الصراع وامتداده مما سيقود لا محالة إلى تغييرات وتغيرات في بُنى المقاومة والممانعة قواعد وقيادات. هذا مع العلم أن اقل ما يمكن ان تصل إليه هذه الحالة هو الحالتين الروسية والصينية كحالتين وطنيتين تنمويتين وإن على اسس راسمالية ليست خالصة ولكنها ليست تابعة. وقد تكون مؤشرات على ذلك السياسة السورية هذا العام: “التوجه شرقاً”. وعلاقات حزب الله مع نيكاراغوا في فتح معسكرات هناك.

· وليس أقل من قلق المركز قلق واستنفار انظمة الريع النفطي ذات البنى العائلية والمحيط القبلي والارتباط الحتمي بالمركز والتصالح والتعاون المستور مع الكيان الصهيوني الإشكنازي. وعليه، كانت الحرب من المركز على العراق ثم لاحقاً، الحروب على حزب الله كمقدمات للحرب على إيران، وفي العامين الأخيرين حرب الأحلاف (اسلحة ومخابرات وتقنية الغرب ومقاتلي الوهابية والسلفية وأنواع عديدة من قوى الدين السياسي ) ضد ليبيا وسوريا وحتى اليمن. وهي حروب أقل كلفة على المركز وهي كلفة تتحملها دول الريع النفطي التي مهما علت قامتها المالية ليست أكثر من مصروف جيب لطالب مدرسة مقارنة مع ميزانية مصرف دولي. فلا نُخدعنَّ بترف وبذخ هؤلاء.

· إلى جانب هؤلاء اصطف تحالف ثقافي انكشف جزئياً في الحربين على العراق. كان ذلك الانكشاف الجزئي نتاج اختلاط المرحلة والظرف حيث لم يكن الفرز سهلا ولا واضحاً، ولكنه انكشف تماماً في العامين الأخيرين. وهو تحالف وتطابق وتعاون:

o مثقفي الدين السياسي ممثلين في مشايخ بالمعنيين الشكلاني والثقافي لنسميهم الماقبليين ووكلاء الله.

o وبين مثقفين ماركسيين من الاتجاه السوفييتي سابقاً (ولا اقصد البلشفي-اللينيني) والاتجاه التروتسكي (ولا اقصد تروتسكي نفسه)، وكلاء الصراع الطبقي،

o وبين مثقفي اللبرالية (وكلاء اللبرالية وبالطبع الراسمالية الغربية)

o وبين مثقفي المابعديات وخاصة ما بعد الحداثة وما بعد البحار، وكلاء الخطاب.

o ومرشد هؤلاء جميعاً، بوعي أو بالضرورة العمياء في حالة بعضهم، هو المخزن الفكري الثقافي في الغرب الراسمالي سواء المفارز الفكرية او دوائر المخابرات او حلقات الأكاديميا…الخ وكلاء الكون،

· وياتي في قاع وعاء الطبخ المستفيد المباشر وإن لم يكن الوحيد والاستراتيجي وهو الكيان الصهيوني الإشكنازي.

لقد ادرك هؤلاء جميعاً معنى حالة المقاومة والممانعة كقوة حضور وليس مجرد قوة وجود كامن.

وعلى المستوى الدولي يتضح من خطاب السيد انه يدرك باقتناع مستريح ان التطورات على الصعيد العالمي هي تطورات راسخة وإن كانت بطيئة، ومن هنا اهمية تكتيك ضبط الصدام مع الثورة المضادة على وقع تقدم القطبيات الجديدة، بمعنى محاذرة التورط في حرب (مثلا داخل لبنان حيث قوى الثورة المضادة تمارس خيانة على الرصيف)، إن امكن، وكسب الحرب الدائرة ضد سوريا وعلى سوريا مهما كلف الأمر والاستعداد، دون البدء بحرب مع الكيان.

إن الفهم الرصين لمعنى الأزمة الاقتصاية في المركز بشقيها التموُّلي والإنتاجي هو الذي يفسر التدهور البطيىء/الزاحف ولكن الحقيقي في اقتصادات دول المركز بما في ذلك تجلياتها في معدلات بطالة عالية ومتزايدة، وشح مالي بما لا يوفر فرص شن حروب، وتوسع فجوة الفوارق الطبقية، واستشراس الراسمالية من أجل الحفاظ على اعلى نسبة من التراكم، وإشكالية السلطة في زيادة حاجتها للضرائب ومحاذرة تحصيلها من الأغنياء وإلقاء العبء على الطبقة الوسطى التي تتلاشى بمعدلات تتناسب مع إناخة الأزمة بكلكلها.

وبالتوازي مع هذا الصعود البطيىء ولكن المؤكد للقوى القطبية الجديدة (روسيا والصين) وتكامل قوتيهما الحربية الروسية والاقتصادية الصينية وتعمق علاقتيهما وكذلك القوى نصف القطبية (الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) واللائي يتموضعن في حالة النصف مركز او قطب(او شبه مركز –أطروحة إيمانويل وولرشتين القديمة)، إضافة إلى اهمية تصالح الصين والهند. وكل هذا مع اعتبار توزع هذه الحالات الجديدة على القارات الثلاث المضطَهَدة والمنهوبة آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية (وهذا يذكرنا بنضال المهدي بن بركة الذي قتلته المخابرات المغربية والفرنسية بعلم السلطتين) بما تحوي هذه الأخيرة من تطورات تقدمية في معظم اممها.

وكما يقود تراجع القطبيات الراسمالية العدوانية إلى قلقها على فقدان محيط النظام العالمي وتدخل من أجل هذا في حروب أو احتمال حروب مع القوى الإقليمية الصاعدة (إيران وسوريا) في منطقتنا، فإن القطبيات الصاعدة تحل محل المتراجعة بالضرورة. وهنا يكون الخروج والعبور منسحبين على الجغرافيا والنفط والغاز والمواقع الاستراتيجية والثقافة.

ضمن هذا يمكننا فهم الحرب الضروس على سوريا وليس في مستواها العسكري الحربي وحسب بل كذلك في مستويات الثقافة والدين، والحريات والديمقراطية والمرأة حيث تُدار حروباً على كافة هذه الجبهات. كما يمكننا فهم عجز المركز الواضح عن لملمة هيمنته على مختلف اجزاء المحيط على صعيد عالمي. وبالطبع يمكننا فهم موقف حزب الله إلى جانب سوريا وإصرار السيد على توضيح ذلك والدفاع عنه.

 

إجادة التهديف من التحليل إلى الميدان

رغم الانخراط في الصراع داخل لبنان، بل لعب دور المقاومة ضد قوى الثورة المضادة داخل لبنان ورغم الانشغال السياسي القومي لا يفقد السيد التهديف الدقيق :

a. أي بقاء فلسطين هي الهدف والكيان هو الخصم المباشر

b. سوريا كدولة (شعب وقيادة وجيش) ليست مجرد حليف بل الحلقة الأهم إلى درجة المصير المشترك.

إذا صح توصيفنا هذا، فهو يعني إنتقال السيد كقاسم مشترك عملي لمشروع يتمثل في:

· قوى المقاومة والممانعة القومية العربية الإسلامية

· قوى الممانعة الإسلامية وخاصة الجمهورية الإسلامية

· ومن تداخل هذين يمكننا وعلى ضوء التطورات العالمية، الدفع بهذا التوجه لما هو ابعد من الانخراط في كتلة عدم الانحياز، بما هي متعددة حتى التناقض، ومرنة كمنتدى، للوصول إلى مشروع قطبية شعبية عربية إسلامية على غرار ميركسور مثلا.

إن تركيز السيد على الوضع السوري والوقوف الواضح مع سوريا ليس مجرد تصليب للموقف ضد الثورة المضادة، بل هو موقف غير انتظاري لمصر التي ما تزال حالة سائلة سيولة قد تودي بها إلى اصطفاف رسمي في معسكر الثورة المضادة وهي التي ستكون مرحلة صعبة وإن لن تطول. وهذا ما اتضح في حديث محمد مرسي في مؤتمر عدم الانحياز وفي حديثه في اجتماع وزراء الخارجية العرب والعدوان على الإعلام العربي السوري ومقدمات سياسات نظام الإخوان الداخلية في مصر، والتوجة للاستدانة من صندوق النقد الدولي كبديل لسندات خزانة محلية والارتهان لمساعدات وقروض مشروطة من دول الريع النفطي. بكلمة اخرى، يؤكد موقف السيد اننا لسنا ايتاماً مع غياب مصر. فإمكانية دولة عربية مركزية واردة بل قائمة.

 

ثلاث جبهات

تفصيلياً تركزت بوصلة السيد على ثلاثة جبهات تشكل بدايات ما طرحناه اعلاه:

· الجبهة السورية ممثلة في قيادة وجيش واكثرية شعبية عالية التماسك بعد عام ونصف من حرب فعلية وبمختلف الأسلحة. تبين الحرب أن قيادة وجيش بل وشعب سوريا حائزة على وعي فن القتال المفتوح مع عدوان معولم ممثلا في تمفصلات الثورة المضادة المذكورة اعلاه. وبالطبع في سوريا تزعم تمفصلات الثورة المضادة انها تقاتل من أجل الشعب.

· جبهة البحرين حيث الصمود المجتمعي مما يظهر قوة القوة السلبية او قوة اللاعنف لسنة ونصف ايضاً دون أن يفقد الشعب الأعزل قوة الدفع نحو الحرية والديمقراطية والتخلص من نظام حكم تابع وعائلي. ولو قام بهذا شعب أبيض لأصبحت تجربته مدرسة يتسابق عليها علماء اجتماع الأنظمة الرسمية والأكاديميا الغربية. في البحرين تكشف الثورة المضادة عن وجهها الحقيقي ضد الشعب بل الشعوب.

· الجبهة الفلسطينية كجرح مفتوح حيث يحاول السيد دائماً ضبط توجه البوصلة نحو فلسطين، وهو ما يكثِّف مأزق تمفصلات الثورة المضادة. فلا دفاع لدى عربي أو فلسطيني يعترف بالكيان الصهيوني، ولا دفاع لماركسي يعترف بالكيان بينما الماركسية ضد دولة يهودية وضد الاستعمار الاستيطاني وخاصة بطبعته الرأسمالية البيضاء، ويكشف عري اللبراليين الذين في انبهارهم بخطاب اللبرالية الغربية يتحولون إلى لا وطنيين ولا قوميين أي يُشرعنون الكيان على أرض فلسطين وهنا يتساوون مع المابعد حداثيين. وفي ذيل هؤلاء جميعاً تأتي قوى الدين السياسي التي تناور لإخفاء اعترافها بالكيان، بينما يحاصرها الإمبريالي ويجبرها على التفريط بعذريتها وكرامتها مما يشكف انكشافها قومياً وإسلامياً وهذه الفئة هي التي لا يزال وضعها في حالة السيلان والرمادية وخاصة لدى اصحاب النية الحسنة.

في الحالة اللبنانية وخاصة 14 آذار طالما حاول السيد تبريد محركات الصراع الداخلي. وربما كان أوضح عنوان على هذا تكراره وصف رفيق الحريري ب “الرئيس الشهيد” وأخشى أن يصبح هذا المقاول ذي الأيدي المدمَّاة “رئيس الشهداء”! وفي هذا الصدد يحضرني دوماً كتاب :الأيادي السوداء ل نجاح واكيم الصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت 2000. وأخشى أن ياتي يوم يصبح من الصعب معه إثبات ان هذا المقاول سعودي الهوى والارتباط، هو الذي نهب لبنان! ومع ذلك يبقى هذا التلطف مفهوماً ضمن معادلة دور لبنان الذي هو دور دائم فيما يخص الاختراق للوطن العربي. وهو الدور الذي قُلب بوجود المقاومة رأسا على عقب مما قاد إلى انقسام لبنان بشكل حاد إلى وطنيين ثوريين، يقابلهم عملاء بإخلاص عقيدي. إن لبنان 14 آذار حالة غريبة لم يحصل في التاريخ ان قوى سياسية تطالب بالاستسلام للعدو وخاصة في لحظة الانتصار وتجد جمهوراً ليس قليل العدد فقط لأن هناك جامع طائفي بين قيادة متخارجة خائنة وجمهور فقير وبالطبع تتوسط بين الطرفين شريحة إعلام وثقافة تعيش على هذا الدور. إن هذا نمط من اللامعقول.

ما لم يقله السيد

من الملاحظ ان السيد وحتى إعلام حزب الله لا يتطرق بشكل ملموس للتطبيع علماً بان للتطبيع الدور الأهم من العدوان المسلح على المجتمع العربي. والطريف ان تجاهل التطبيع هو أيضاً من سمات خطاب حركة حماس واقصد قبل التطورات التراجعية الأخيرة في هذه الحركة اي الذهاب إلى قطر. هذا وكأن مناهضة التطبيع هي مهمة القوى القومية وحسب. وهذا الحصر من جانبي مقصود به ان كثيراً من قوى اليسار (التقليدي السوفييتي والتروتسكي المتصهين) قد تورطت في تشريع الكيان ولم تخرج من هذه الورطة.

إن التطبيع ثقافة وخطابا وممارسة تتخلل وتتغلغل المجتمع العربي مؤدية إلى مغادرة مختلف القيم الوطنية والقومية وحتى الاجتماعية. وهي حرب لا تتوقف تدور بشكل يومي مقارنة بحرب السلاح. وكلما تم الصمت على خرق تطبيعي يصبح أمراً عادياً في حياة الناس، بل وينتهي إلى “مقدسٍ ما” في مناخات التراجع والهزيمة. فمن يُنكر ان نظام السادات أُعيد إلى الجامعة العربية ليقودها فاصبح الاعتراف بالكيان أمراً عاديا في الثقافة اليومية للناس. ألم يوسم عزمي بشارة بالبطولة والفكر وهو عضو كنيست اي برلمان دولة اليهود والذي معناه الأول ان لا حق بالعودة للفلسطينيين لأن وطنهم هو وطن اليهود؟ الم يُكرِّس هذا الاعتراف بالكيان وإن لا مباشرة؟ اليس هذا وراء تعايش المستعمِر والمستعمَر في الأرض المحتلة إلى درجة عيش البعض داخل الكيبوتسات!

لا تنحصر مناهضة التطبيع ضد الكيان. ألم يصمت مختلف الوطنيين العرب (من قوميين واشتراكيين ومسلمين) إثر شعار التضامن العربي 1967، عن انظمة الريع النفطي خمسة عقود بينما هي تكرس السيطرة الغربية الراسمالية وتضخ الأموال في المجتمع العربي لتغذية الوهابية ونشر كتب صفراء تحول المرء إلى قاتل لأخيه باسم الله. وهي نفس الأنظمة التي طالما هدرت الأموال باسم المشاريع الخيرية بدل التنموية. فالتطبيع مع هذه الأنظمة وغيرها ليس اقل خطورة منه مع الكيان.

ألم يتمتع اللبراليون منذ هزيمة 1967 بإعلان الولاء للثقافة والخطاب والسوق الراسمالية الغربية التي يجب ان تُقاطع عربياً بما هي معسكر يعلن عدائه اليومي للعرب ويصر على ان يبقى الكيان الأقوى في المنطقة[1].

لا يتحدث السيد عن المثقفين والاختراق الثقافي إلا لُماماً. هذا مع ان الكثير من المثقفين/ات هم إما ألغام في المجتمع أو فرق ثورة مضادة علانية، وهم عبر الثقافة والإعلام وحتى الخطاب يقودون حرباً على المقاومة والممانعة وعلى العروبة والكثير منهم يمارسون الاندساس (حال عزمي بشارة سابقاً) الذي يجهز اليوم لجامعة في قطر ستكون جامعة عملاء الثقافة. وستجد هذه كثير من الطلبة والمحاضرين وخاصة الذين لعبوا بنجاح دور المخبرين عبر الأكاديميا ضد الأنظمة القومية وضد المقاومة والممانعة.

إن اهتمام السيد بتأصيل وجوب الطلاق بين الشعبي والرسمي عربياً، لا يستقيم دون التركيز المتواصل ضد التطبيع وضد الاختراق الثقافي لأن المثقفين بشقيهم مع ما فيهما من مراتب (مثقفو المؤسسة الدينية والدين السياسي ومثقفو الخطاب بما فيه علم الاجتماع والنفس واللبرالية وعلم الإنسان وصولا إلى مصفوفات المابعديات)، هؤلاء هم نواقل تخريب الوعي وحتى الثقة المجتمعية بالنفس. وإذا كان ما يسمى الربيع العربي قد زاد هنا او هناك من الطلاق بين الشعبي والرسمي، فإن الطلاق مع الكيان والمركز الراسمالي الغربي لم يهتز كثيراً. وإلا فما معنى تسويغ مثقفين ومن ثم مواطنين لعدوان الناتو على ليبيا وسوريا والأمر متواصل؟

لا يمكن لخطاب واحد أن يتناول كل شيىء. فزعيم المقاومة لا مندوحة أمامه من تكثيف الهجمة على الدولة القُطرية التي بالضرورة والفعل ضد المقاومة لا سيما وانها ليست ممانِعة، وما أقصده هنا وجوب تكريس الخطاب لتفكيك مفاصل الدولة القُطرية. فهي عدو حقيقي. كما أن قيام المقاومة بتاسيس مؤسسات ثقافية لها لا يمنع، بل يستوجب تكريس الهجمة على المراكز الثقافية الراسمالية الغربية التي تنخر جسم الوطن العربي وتولد عملاء الثقافة بشكل اميبي. فكيف تكون هناك مراكز ثقافية غربية والغرب يقوم بحرب على كل الوطن العربي؟ هذا ناهيك عن منظمات الأنجزة.

ما لم يكن ضرورياً

هل كان التعرض للرئيس الشهيد صدام حسين ضرورياً؟

وهل يُعقل انه قدم لإسرائيل خدمات كثيرة؟

دعني اقول بوضوح انني لو كنت عشت في العراق في فترة صدام حسين لكنت على الأقل قد اعتقلت لسنوات، والأمر نفسه في ليبيا وفي سوريا، أما في السعودية فلا شك أن فلسطين نفسها سوف تُعدم من أجل كلمة. الديمقراطية والحريات أمر وخدمة الكيان أمر آخر. نحن نلمس في الشارع وخاصة من مثقفي الكيان والإمبريالية وخاصة الطائفية كيف يتم استثمار هذه الكلمات لتجييش طائفي هائل! لا شك أن السيد يعلم أن هناك مثقفين عرباً يجيدون الثبات على الموقف وليس التراقص على نهج بشارة وغليون ومحمد جعفر والقرضاوي…الخ. كما ليس دورنا مديح السيد وحسب كما فعل كثير من المحللين وليس الجميع بالطبع.

ولعل الأهم في كل هذا، أن المطلوب تطبيع بين قوى المقاومة والممانعة باتجاهاتها القومية والدينية المقاوِمة والاشتراكية، وهذا ليس قيد الإمكان وحسب بل واجب ايضاً.

أما والناس تنتظر خطاب السيد، فلماذا لا يقترب كمالٍ ما؟.