عندما يخشى الصهاينة سقوط “السلطة الفلسطينية”

، عبداللطيف مهنا

قبل أيام دق الصهاينة ناقوساً جديداً للخطر. سبب ذلك هذه المرة فلسطيني، ووفق ما نقلته صحيفة “معاريف”، هو ” تخوفات شديدة ” من إحتمالات إندلاعٍ لانتفاضةٍ فلسطينيةٍ ثالثةٍ، يعزو الصهاينة أسبابها فحسب، ويشاركهم في ذلك، ومن أسف، غالب الإعلام العربي، إلى إستمرار الإحتجاجات الشعبية على الأوضاع الإقتصادية المتردية في الضفة المحتلة، الأمر الذي يخشى الصهاينة أن يؤدي إلى إضعاف سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود في رام اللة ويشكَّل مقدمةً لانهيارها.

رام اللة  بدورها نظرت للمسألة من هذا المنطلق لاغير، وبالتالي، حاولت معالجتها على هذا الأساس. تراجعت عن قراراتها الإقتصادية وأصدرت جديدها القاضي بتخفيض الأسعار وضرائب القيمة المضافة الي كانت قد فرضتها، ووعدت بدفع نصف رواتب موظفيها وان تكمل دفع النصف الآخر لاحقاً، آملةً أن تسهم إجراءاتها هذه في الحد من التململ الشعبي الراهن إن لم يكن وقفه. وبالتوازي، وخشيةً من تصاعد الإحتجاجات الى ما ليس في الحسبان، خفف جزء من حزب السلطة، أو “فتح-اللجنة المركزية، من ركوبه موجتها لتسوية خلافاته ذات الحسابات السلطوية مع رئيس وزرائه، سلام فياض، مستفيداً من شعارات المتظاهرين المطالبة  برحيله. كما جرى توافق ما مع النقابات، والتي تسيطر السلطة وأنصارها وبعض التوجهات المؤيدة لها على أغلب قياداتها، إلى ما وصف بتعليق الإحتجاجات ولو لأيامٍ معدودةٍ لاتتجاوز الثلاثة.

إذن، المسألة برمتها عند هذين الطرفين، السلطة والمحتلين، عائدة فحسب لناحية مطلبية يمكن محاولة معالجتها على الطريقة آنفة الذكر إذا ما خفف الإحتلال تضييق خناقه الإقتصادي على السلطة وسارع المانحون وعرب الأنظمة الموسرة بدفع ما قد يجودون به عليها، وهذا يفسر مسارعة السلطة، كرد فعل ٍ منها على الحدث، للشكوى بمرارة من عدم التزام من وعدوها بما وعدوها به من مبالغ كانوا قد تعهدوا سابقاً بدفعها، وبالتالي، قد لا نعدم، بالتزامن مع التخفيضات التي قررتها السلطة، أن تبدأ تخفيفات إحتلالية ما للتضييق المطبق على موارد السلطة، وربما مسارعة الموسرين والمانحين الى وضع أيديهم في جيوبهم لنجدتها.

هنا السلطة والمحتلون، ومن يتعاطف مع أحدهما دولياً وإقليمياً، يصرون على  عزف سيمفونية تبسيطية تزويرية بامتياز لهذا الإحتجاج والتململ الشعبي، الذي ما من شك في أن الأوضاع الأقتصادية المزرية التي تعاني منها أغلب القطاعات الشعبية واحد من عديد مسبباته، حيث يتعاملان معه بمنطق : إطعموهم يهدأوا، وفي هذا إهانة لنضالات الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال وحط مشين من شأن وعيه السياسي والكفاحي، ويشكِّل محاولة متعسفة لفصل هذا التململ عن جذره السياسي الذي تحكمه معادلة إحتلال ومقاومته، ذلك بمسخه عبر تصويره أنه مجرد غضبة جوعى… معادلة سوف تظل تحكم كل إحتجاج ٍ أو حراكٍ أو تململٍ أوإنتفاضة، أو أية محطة ٍنضاليةٍ في المسيرة الكفاحية للشعب الفلسطيني مادام الإحتلال قائماً، وحيث السلطة بلا سلطة وتحت إحتلال وفي خدمته بإراحته من إلتزاماته كمحتل وحماية أمنه عبر التنسيق الأمني معه، وإعطائه الوقت الدائم والكافي لقضم الأرض وتهويدها، باتجاه إكمال مخططاته الترانسفيرية المعروفة، والإجهاز كهدف نهائي على القضية الفلسطينية، وبالإجمال، وكما يقال، منحه ميزة إحتلال بسبعة نجوم.

ماسخو الإحتجاجات الشعبية يتجاهلون مآل دويلة سلام فياض التي بشَّر بها في غضون سنتين حددهما لاستكمال بنيانها والتي ذهبت بها ريح الإحتلال من حينها، رغم تماهيها مع حلول نتنياهو الإقتصادية لتصفية القضية، وعقدها ما عرف باتفاق باريس الإقتصادي  الذي يربط إقتصاد الضفة بإقتصاد الإحتلال ويلحقه به، حيث طالب المحتجون بإلغائه ورحيل صاحبه الذي تتمسك السلطة به ولم تجروء في إجراءاتها المتعلقة  بالإحتجاجات على مجرد التفكير في مراجعة سياساته الإقتصادية، أو ما ارتكز عليه مشروعه السياسي لبناء دويلته العتيدة  وأوصل الأمور إلى ماوصلت إليه.

لعل فيما تقدم الأسباب الكافية لتخوفات الصهاينة “الشديدة” من أن تؤدي الإحتجاجات إلى إنهيار السلطة، إذ لولاها لأنهوها هم بأنفسهم، والغوا إتفاقية أوسلو رسمياً لاعملياً، كما هو في الواقع، أو إكتفائهم بالشق الأمني منها. هذا في العموم، ويمكن هنا إضافة فقدان السلطة لمسماها، وفق تصريحاتٍ تتكرر سمعناها لرموزها أنفسهم، إلى جانب كونها بلاشرعية، حتى وفق قانونها الأساسي الذي إستولدته الإتفاقية الكارثية مع العدوالتي أوجدتها، كما لا أفق سياسي أمامها لانسداد كامل مساراتها المساومة وفشل نهجها الُمفرِّط، وفداحة ما الحقه بالقضية، وأقله تحوّلها إلى ما يشبه شاهد زور على تهويد الأرض من حولها، ثم تسببها الأساس في غياب الوحدة الوطنية، هذه التي لا يمكن، رغم كل الشعارات والمزايدات واللغط من حولها، لن تقوم إلا على أساس  برنامج إجماع وطني مقاوم لامساوم، الأمر الذي لا يتفق لا مع مسارها الراهن ولآ مع نهجها الذي درجت عليه أو خياراتها التي لا تقوى على العودة عنها.