المعنى والواقع[1]
كلاديس مطر
أول الوعي… الوحدة الوطنية
يجعلنا الاحساس بفقدان الوطن نشكي حتى “لطوب الارض”. نقول في أنفسنا اننا لا نسوى قشة من دونه وان الروح معلقة في نعاله والقمم. نتساءل بحرقة اليتيم ماذا يمكن ان نفعل لانقاذه واين الخطأ. نلوذ بضعفنا وحيرتنا بينما الحل بين ايدينا وفي صلب وعينا لو نحن عارفون. والوعي هو من اهم الادوات الشعبية على الاطلاق التي يمكن ان تضع حدا فوريا امام تدهور وتدحرج الوطن باتجاه الهاوية. واول الوعي هو الوحدة الوطنية.
تتألف عبارة (الوحدة الوطنية) من حدي الوحدة وتعني تجميع و ضم الاشياء او المفاهيم او الافراد ضمن بوتقة واحدة. اما كلمة الوطنية فتعني كل ما له علاقة بالوطن – الارض. انها ايضا تعني طول الانتماء لوطن ما او ارض بعينها وحمل جنسيتها والتحدث بلغتها والمساهمة في بناءها والعيش تحت منظومة واحدة مشتركة من القوانين والقيم الاجتماعية والروحية الموافق عليها او المراد تحسينها لما فيه خير وصالح المجتمع مع الاحتفاظ بخصوصية كل اثنية واحترام عاداتها.
ما يشد من أزر الوحدة الوطنية هو التهديد المشترك لوجود المجتمع ومؤسساته التي يستفاد منها الجميع. قد لا يكون ضروريا أن نعثر بيننا كاثنيات على نقاط كثيرة مشتركة – وهذا مصدر غنى للشخصية العربية السورية وليس فقر – مع ادراكنا بالعمق انه ليس هذا هو السبب الذي يجمع الناس وانما التحام هذه الاختلافات اوهذا الغنى الفسيفسائي بالذات امام التهديد المشترك.
وموضوع الوحدة الوطنية هو الانسان تحديدا الذي يحيى ويعيش فوق ارض الوطن والذي يرتبط مع هذه الارض بعلاقة تاريخية وروحية ومادية – اقتصادية. والاهم انه اختار هذا الوطن بارادته وبكامل قواه العقلية.
ولقد قدم الكثير من الفلاسفة والمفكرين الغربيين والعرب عبر التاريخ الحديث والقديم من أمثال روسو وهيجل و مكيافيلي وابو حامد الغزالي ورينان وفيخته وغيرهم كثيرين تصوراتهم عن معنى الوحدة الوطنية ومقوماتها انطلاقا من الظروف التاريخية التي وجدوا انفسهم وبلدانهم فيها، اعتقد انني استطيع اختزال اغلبها ببضعة نقاط مشتركة:
1- الولاء للحاكم باعتباره راس السلطة الذي تجمع الكل تحتها. والولاء لا يكون الا بقدر ما يمثل هذا الحاكم من قيم المجتمع والقدرة على الدفاع عنها والحفاظ على السلم الاهلي.
2- الولاء للدولة كمنظومة مؤسساتيه عن طريق غزر حب الوطن في المواطنين من خلال المناهح التعليمية والتوجية السياسي.
3- وجود اتفاق جماعي واجتماعي بين النظام (القيادة السياسية القائمة) والشعب ضمن بوتقة وطنية قومية حيث الفرد يطيع الحكومة التي ارتضاها وانتخبها ووافق على سياستها.
4- طاعة القانون الذي هو فوق جميع الافراد- المواطنين. انه القانون الذي ينطوي على العدل ويحكم بالعدل.
5- اللغة المشتركة التي هي لسان جميع المواطنين وهي الأداة الوطنية المميزة التي تجمع الكل. واللغة هي الوعاء الثقافي الاجتماعي للمواطنين بجزء كبير منها وهي الوسيلة التخاطبية الاولى بين الافراد – المواطنين للتعبير عن هواجسهم وموضوع حريتهم وافكارهم.
6- التاريخ المشترك الذي يضم هذه المجموعة من المواطنين الذين يملكون جعبة من الذكريات الماضية الروحية والمادية المشتركة. وكذلك هي الاحلام المشتركة للمستقبل.
7- هناك ايضا الانتماء للتراب الوطني السوري بحدوده الجغرافية والحفاظ على هذه الوحدة من اي عوامل تقسيم.
أما عند ماركس فالوحدة الوطنية تكمن في القضاء على الصراع والانقسام بين الافراد في المجتمع الواحد الذي يعود اصلا الى التفاوت الطبقي والاقتصادي والذي يُحل من خلال القضاء على الملكية الخاصة في المجتمع وتسليم مقاليد الحكم كلية لطبقة البروليتاريا. انه يرى ان الصراع سيكون حتميا في ظل التفاوت الطبقي الاقتصادي اي بين الطبقة التي تملك قوة العمل وتلك التي تسيطر على هذه القوة ؛ او بين العمال والطبقة الحاكمة. لهذا كان من الضروري ان يكون هناك مصالح اقتصادية مشتركة لكي تتعزز الوحدة الوطنية في المجتمع.
وما حصل في سوريا هو تماما: ابتعاد قسم من الشعب او بعض الافراد عن مفهوم الوحدة الوطنية والمطالبة بوطن يشمل فقط اثنية او طائفة واحدة لكي تحتل الوطن وهذا امر شكل ضربة قاضية للوطن بكليته علاوة على استحالة هذا الامر عمليا. ان هذا القسم الذي اراد الاستئثار بسوريا لايمكن ان يعي معنى الوحدة الوطنية الذي اسلفته سابقا لانه ضرب عرض الحائط بكل مقوماتها واراد فرض ارادته بقوة السلاح وتدمير الاسس التحتية المادية والروحية التي تقف عليها بنية الدولة والوطن. ولست هنا بوارد تبيان الاسباب او تقديم اي تحليل للأمر بقدر ما اريد توصيف ما يحدث بكل بساطة.
الوحدة الوطنية في الدستور السوري الجديد 2012
إن الاحساس بالانتماء للحاضر في كل لحظة والدفاع عن المستقبل هو ما يحفز الاحساس بالوحدة الوطنية ويرسخة ويميزه.الوحدة الوطنية هي في صلب الفكر المدني بينما يحفزنا العقل الديني – الذي هو قاتل الوحدة الوطنية – للعودة في كل مرة باتجاه الماضي وبعنف.
وها أنا أتساءل، مع ذلك، لما للماضي هذه القوة الماسية المتوهجة !؟ ألانه سحيق بعيد لا ينفع معه النقد او الشك والبحث وان ما مضى قد مضى؟ لماذا لكلمات القدماء هذا الوقع الجليل في نفوسنا ولما كانت نصوصهم فوق النقاش واستثناءاتهم قواعد لأيامنا؟ هل هي هالة الموت ! الغياب ! هل هو سحر القدم ! هل هو هذا الإشعاع المبارك الذي ظننا انه يلف كل رجل أطلق لحية في عصره او شاعر تطلع من مضاربه الى القمر فنحت كلمتين على بردية أو حجر !
لماذا يتحول الماضي إلى (قَدر) جاثم متراكم ككرة ثلج متدحرجة، متضخمة، مندفعة باتجاه (الآن)، عابسة، ومكفهرة ! ما الحل أمام مده وهيمنته ! ما الحل ونحن نقر، بان لا وجود للثابت حتى في جوهر المادة ذاته بينما نتعامل مع الماضي و كأنه الثابت الاستثنائي.
يفهم العقل العربي الاختلاف والمعارضة كوجهين لعمله واحدة. يفهمهما كنوع من التحدي أو التخطيء لما كان ولما اسلف ولما هو قائم لدى الآخرين و ذلك لانه عقل فطر على (الابقاء) على الاشياء والمفاهيم واعتاد المرور إلى (جوارها) بدلا من اختراقها ومواجهتها كمغامر يريد ان يصل إلى ابعد نقطة من كينونته الإنسانية ! وهو يفعل نفس الشيء بالنسبة للآخر فيرفض ان يقبله شريكا الا اذا كان من صلب معتقداته التي يحاول جاهدا لكي تكون الغلبة لها.
في أدبيات الدستور السوري الجديد نعثر على بعض البنود التي تتعلق بالوحدة الوطنية والتي تحيل المواطن الى الحاضر كلية وتدفعه باتجاه المستقبل. صحيح ان هناك بعض البنود التي يجب تغييرها فتأتي داعمة لعملية تأسيس النسيج الوطني وتجذره في الوجدان العربي السوري بشكل أكبر أكمل الا ان ارهاصات هذا النسيج بينة وواضحة و لا لبس فيها:
تقول المادة الثالثة من الدستور السوري 2012: تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام.
المادة التاسعة من الدستور السوري 2012: يكفل الدستور حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته وتعدد روافده، باعتباره تراثاً وطنياً يعزز الوحدة الوطنية في إطار وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية
المادة الثالثة والثلاثون من الدستور السوري 2012:
1- الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.
2- المواطنة مبدأ أساسي ينطوي على حقوق وواجبات يتمتع بها كل مواطن ويمارسها وفق القانون.
3- المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
على الرغم من اعتبار الدستور السوري اليوم من اهم دساتير العالم الديمقراطية غير اننا ما زلنا نعاني العجز عن تحقيق اختراق فعلي فيما يتعلق بالوحدة الوطنية بالنسبة لتكامل المواد المتعلقة بها، من حيث عدم تحديد دين رئيس الجمهورية او من حيث اعتبار الفقة الاسلامي مصدر للتشريع الرسمي او من ناحية اعتبار الاحوال الشخصية لكل طائفة هي المرجع بدلا من ان يكون هناك قوانين مدنية تحكم الجميع. مع ذلك، لا يمكن التوقف عن تحسين مواد وبنود الدستور باتجاه هذا الهدف المنشود ؛ اللحمة القصوى بين اطياف المجتمع كله.
الخريطة الاثنية والدينية في سوريا
الحقيقة لا تتوافر مصادر موثوقة ومعتمدة احصائية تحدد بدقة ووضوح «خارطة التركيبة الاثنية و الدينية السكانية» في سورية. ولكن ما لدينا من معلومات ومعطيات عن هذا الامر انما يشير بشكل لا لبث فيه على وجود عرب وأكراد وشركس وأرمن و سريان وداغستان وتركمان وشيشان وغجر وغيرهم قوميات وأثنيات في سوريا بالاضافة الى العديد من الطوائف الدينية مثل الاسلام (بطوائفه) والمسيحية (بطوائفها) والدروز واليهود والاسماعيلين واليزيديين والعديد من الطوائف الاخرى.
وسوريا التي تعتبر من أقدم الاماكن المأهولة في التاريخ كان من الطبيعي ان تستوعب هذه الاقليات او هذا التنوع الكبير من الاثنيات والاديان الذي يعتبر مصدرا مهولا لغناها وليس اداة لتفتتها. لقد كانت ارض سوريا مسرحا لكثير من الصراعات التي دارت بين الامبراطوريات الكبرى وممرا لقوافل الهجرة الكبيرة وللانزياحات السكانية التي عبرتها عبر آلاف السنين. وحتى في العصور الحديثة دخل سوريا الكثيرين من القوميات المهاجرة ابتداءا من الصليبيين وانتهاءا بآخر المفتونين الغربيين الذين طاب لهم هواها فأقاموا في أزقتها مثل بعض الفنانين والمفكرين الاوروبيين الذين تصدفهم اليوم في حواريها الاثرية القديمة يتأملون بعيون الوله حجارتها والقبب.
يجب ان نعترف ان السلم الاهلي الذي عرفه المجتمع السوري طوال مئات من السنين السابقة يرجع الى ايمان السوري بكل طوائفه وقومياته وأديانه بالتعايش. ولقد وصلت ذروة التعايش في الحقيقة بعد خروج الاستعمارين العثماني والفرنسي من سوريا حيث شعر الكل بالتهديد المشترك وبقوة فتعاضددوا. لقد عانوا من الفتنة التي خلقها المستعمر وعمدوا بعد خروجه الى ضبط السلم الاهلي بالمواثيق الجديدة والتحالفات بين مختلف شرائح المجتمع السوري. ففي سوريا كان من المشين ان يسال الواحد الاخر عن دينه. احيانا كان يتم الامر بشيء من الموارية فيسأل الواحد فينا الآخر اين يسكن وعن اسم العائلة. لكن اليوم في سوريا من الصعب التعويل على هذا النوع من الاسئلة كثيرا إذ في كل حي يختلط العديد من ابناء الطوائف المختلفة، كما أن العديد من اسماء العائلات تكنى بها الطوائف الاسلامية والمسيحية بمختلف تفرعاتها. والحق، لقد وعت الدولة في وقت من الاوقات هذا الامر فتم العمل على التوزيع الاثني والديني المتوازن في الكثير من احياء المدن واماكنها السكنية. مع ذلك بقي هناك بعض القرى او المناطق في سوريا التي يقطنها ابناء طائفة بعينها لم ينتقلوا الى أماكن منذ اجيال واحقاب طويلة و بالتالي لم يُعمل على نقلهم او تبديل مكان سكنهم بسبب حالة التعايش التي كانت تتميز بها هذه القرى مع بعضها البعض، ناهيك عن حالات التزاوج الكثيرة واليومية المختلطة بين الطوائف والتي تشجع عليها الحياة المدنية العامة في سوريا الامر الذي يزيد من اللحمة الوطنية ويقوي التقارب بين أطياف الشعب ويرسخ الفهم لطبيعة كل أثنية أو طائفة.
في نفس الوقت راعى الاعلام السوري الرسمي هذا الامر فامتنع عن الخوض في اي حديث يمكن ان يلمح من قريب او بعيد عن اي امر طائفي مكتفيا بنقل الصلاة الخاصة باعياد المؤمنين من مسلمين ومسيحيين بينما اعرض عن نقل اي نشاط ديني آخر حرصا على عدم تفعيل الهيئة الدينية للمجتمع. مع ذلك، وخلال العشر سنوات الاخيرة عرفت سوريا وبسبب من الاتكال على التعايش الديني، فورة من الحرية الدينية حيث كثر بناء دور العبادة ومدارس تحفيظ القرآن وظهور جميعات دينية كثيرة مع إن ذلك لم يترافق مع مراقبة لفهم طبيعة هذه الفورة و بالتالي غابت أي معالجة حقيقية من قبل الدولة للبؤر السكانية التي شكلت في الاحداث لاحقا حضنا للفتنة والارهاب الديني حيث الوعي الوطني كانت في ادنى مستوياته.
قبل الاحداث في سوريا كان هناك مطالب شعبية تنشد التغيير من قبل المواطنين بالنسبة للكثير من الامور الاصلاحية مثل الفساد والبطالة والاحزاب وأمور كثيرة لها علاقة ربما بالواقع المعاش في سوريا ولد على الرغم من الانتعاش الظاهري الكبير في مختلف الحياة الاقتصادية والاجتماعية في سوريا حيث انتقلت البلاد في غضون فترة قصيرة من حال الى حال. مع ذلك وبالرغم من كل هذا التأفف الشعبي من الواقع المعاش الا انه لم يكن هناك حراك فتنوي طائفي بالمطلق ولم يكن هناك مؤشرات بادية للعيان على انه يمكن ان يتكون هناك اي ظاهرة لتطرف ديني، فالحرية الدينية المعطاة للجميع لم يكن احد – وهنا يكمن الخطأ ربما – يظن انها ربما قد تشكل الظهر الداعم لبعض المتطرفين لكي يحولوا اي اعتراض على فساد الى حالة طائفية خرقاء.
مع ذلك هناك دلالات كثيرة في المجتمع السوري عن طائفة المواطن فالمسيحي يضع الصليب والمسلم يعلق نسخة من القرآن والنجمة الخماسية يستخدمها الدروز والسيف ذو الرأسين يستخدمه العلويون. اما اليزيديون فيضعون الطاووس الملك وهناك صور الامام الاسماعيلي لدى الاسماعيليين والكثير من الصور الفلكلورية باللباس القوقازي التقليدي للشراكسة. في حين بقي قسم كبير جدا من السوريين يمتنعون عن اقتناء او لبس الرموز الدينية اي كانت لكي لا يميزوا انفسهم انطلاقا من الدين، وهذا توجه علماني عرفت به سوريا المعاصرة.
الحق انه من غير الواقعي ان نقول انه في سوريا هناك عائلة سنية او شيعية خالصة. فالكل مصاهر للكل كما اسلفت سابقا. كما ان هناك تداخل ايضا بين العائلات المسيحية والاسلامية بمختلف اطيافها. والمراقب لزوار الاماكن الدينية المسيحية والاسلامية يجد ان هناك اكثر من 25
% من الزوار هم من ابناء الطوائف الاخرى. فصيدنايا يأمها الكثير الكثير من العائلات السنية والشيعية والعلوية التي تحمل معها الزيت والنذور بشكل موسمي. كما أن مقام السيدة زينب والمسجد الاموي في دمشق يعتبران قبلة سنوية لما يقرب من 50 % من ابناء الطوائف الاخرى.
1- الطوائف السورية
تجمع سوريا العديد من الطوائف الدينية التي اخذت طابعها كلية من طبيعة الحياة السورية المدنية، فالشيعي السوري على سبيل المثال يختلف عن الشيعي في العديد من التبديات الحياتية المستقاة من صميم الحياة السورية الاجتماعية ولم يعمل على تبديلها. ولهذا من الخطأ ربما الافتراض ان شيعة سوريا مثلا معنيين بايران من منطلق ديني بحت بقدر ما هم – مثل باقي السوريين – معنيين من موقفها من طبيعة الصراع في سوريا اليوم ودعوتها الى عدم التدخل وذلك اذا ما اردنا ان نتحدث بلغة ما يحدث على الساحة الاقليمية والدولية.
يشكل الشيعة ما يقرب من الـ 1% من مجموع السكان وهم يتواجدون في ريف حماه وفي مدينة السلمية تحديدا. كما ينتشرون في بضعة بلدات في محافظة ادلب مثل بلدة الفوعة و كذلك في ريف وقرى حمص وحلب (حيث انطلق التشيع مع ظهور الدولة الحمدانية)، كما يتواجد اعداد منهم في حي الأمين والجورة في دمشق القديمة. هناك ايضا انتشار قليل للشيعة في مناطق اخرى في سوريا مثل بصرى والرقة والساحل السوري. طبعا هناك شيعة مقيمين في سوريا عراقيين وايرانيين يتواجدون على الاغلب في دمشق وفي منطقة السيدة زينب حيث المقام الشهير للسيدة زينب الذي يعتبر المزار الدائم للشيعة من كل انحاء العالم.
والطائفة الشيعية السورية تعتبر مندمجة مع نسيج المجتمع السوري ومتداخلة ديمغرافيا معه بشكل جيد. وبسبب قلة عدد هذه الطائفة لم يكن هناك مجال لكي يظهر أبناؤها اية عصبية دينية ذات شأن علاوة على ان النظام العلماني في سوريا لا يتسامح بالنسبة لاي خطوة باتجاه دمج الدين بالسياسة وبالتالي فما كان من هذه الطائفة الا ان نأت بنفسها عن السياسة بمعنى عدم وجود تشكيلات من احزاب سياسية تمثلها. بالمقابل، لم يبد من الطائفة الشيعية في سوريا اية بوادر لفكر تكفيري طائفي او تمييزي خصوصا بعد ان كفل النظام حقوق الاقليات الدينية كمواطنين يدينون بالولاء لمؤسسات الوطن كجزء من عقيدة البعث العلمانية.
اما العلويون السوريون فهم يقطنون بشكل اساسي في جبال الساحل السوري وسهول الساحل الجنوبي التركي وفي دمشق وبعض مناطق الجولان وسهول نهر العاصي حتى شمال لبنان خصوصا قضائي عكار والهرمل. ايضا يتوزعون في محافظات حمص وحماة وحوران ولواء الإسكندرونة. تبلغ نسبتهم في سوريا من 8 – 9 في المائة من السكان. في لبنان هناك اقليات علوية خصوصا في محافظة الشمال. اما الجاليات العلوية خارج سوريا فنعثر عليها في كل من العراق وفلسطين وإيران، وكذلك في أوروبا اي في كل من اليونان وبلغاريا وحتى ألبانيا، وفي أميركا وحدها يوجد أكثر من ربع المليون علوي. انهم احفاد الدولة الحمدانية العلوية الشيعية التي حكمت في حلب ومعرة النعمان وصولا إلى الموصل وأجزاء من الأنبار.
وتعتبر الطائفة العلوية في سورية ثاني أكبر طائفة بعد الطائفة السنية التي تأتي في المرتبة الاولى ومن بعدها المسيحيون فالدروز.
العلويون ايضا غير مستعدين لاي اقتال طائفي وما حدث من صراعات دموية في بداية الاحداث بين العلويين والسنة في حمص مثلا انما ترجع اصلا الى اسباب سياسية شجعها الاختلاف الديني او كما أسلفت سابقا خصوصا في بعض البؤر التي كانت حضنا للفكر التكفيري وضحالة الوعي الوطني، والا كيف نفسر وجود لجان من الطائفتين الكريمتين في حمص وقدسيا وادلب وحماه وغيرها من المناطق في سوريا من اجل التهدئة وتوطيد الحوار الوطني وإعادة الصواب والرشد للطرفين، وكيف نفسر عدم وجود اي صراع طائفي بين الاثنين قبل بداية الاحداث في سوريا؟ !! ولا ضرورة ان نتحدث عن علاقة المصاهرة القوية بين السنة والشيعة والعلويين او بين المسيحيين والشيعة والسنة والعلويين في سوريا لان هذا حديث يطول.
اما الدروز السوريون فهم من الطوائف المسالمة البعيدة جدا عن الاقتتال الطائفي او القبول بالفتنة. وتاريخ سوريا ربما لم يسجل اقتتال طائفي كان طرفه الدروز.. وهم متجذرون في النسيج الوطني السوري بقوة وخلال الاحداث الاخيرة رفضوا الانجرار الى اي تحريض او اقتتال على الرغم من وجود بعض منهم في المعارضة كما هو الحال لدى بقية الطوائف الاخرى التي توزع ابناؤها بين المعارضة و الموالاة.
والدروز في سوريا هم التجمع الأكبر في العالم (حوالي نص مليون نسمة) وهم متواجدون منذ الف عام في منطقة شرق المتوسط او سوريا الكبرى حيث ساهموا في كل الثورات الداعمة لوحدة الوطن ودحر المستعمر من الصليبيين الى العثمانيين الى الفرنسيين واخيرا العدو الصهيوني في الجولان. يتواجد الدروز بشكل اساسي في كل من السويداء وصلخد وشهبا والقريا في جبل الدروز (لعرب) وجرمانا قرب دمشق ومجدل شمس وغيرها في الجولان السوري.
الاسماعيليون السوريون: تعتبر الاسماعيلية أحدى الفرق الاسلامية المنحدرة من المذهب الاسلامي الشيعي. وتعد الاسماعيلية ثاني اكبر جمهور الشيعة بعد الاثني عشرية.
مدينة السلميّة هي مركز ثقل الإسماعيليين في سورية حوالي 70% من إسماعيلي سورية موجودون في منطقة السلمية،. ايضا اكثر من 50 % من سكان مدينة مصياف من الطائفة الإسماعيليّة ( حوالي 50% ~ 65%) مع أقليّة كبيرة علويّة وأقليّة أصغر سُنِّيّة وبالمثل بلدة القدموس التي أغلبيّة سكانها هم إسماعيليّون مع أقليّة علويّة، أمّا نهر الخوابي فأغلب قراه إسماعيليّة خالصة: كالبريكية وبيت ديبة ونبع ناصر.
وخلال الاحداث في سوريا طلبت مرجعية الاسماعيليين منهم عدم الانخراط في الحراك المسلح والحفاظ على بنيان الدولة والذهاب الى الحوار الوطني.
اليزيدية السورية: ربما كانت من اقدم الطوائف في سوريا حيث يعود تاريخ وجودها الى اكثر من 7 آلاف عام. معتنقو هذه الديانة هم من الاكراد و من الطبيعي ان تنتشر في مكان انتشار الاكراد في سوريا و بشكل خاص في جبل سنجار في محافظة الحسكة او عفرين في منطقة حلب او على الحدود العراقية. تصل نسبتهم الى 0,2 % من تعداد السكان.
المسيحيون السوريون: الطائفة المسيحية هي الطائفة الثالثة في سوريا من حيث العدد. وتصل نسبتها تقريبا من 7- 13 % وذلك بحسب توزعها في المدن. اغلب مسيحيي سوريا هم من الاورثوذكس وهناك اقليات كاثوليكية ومارونية وبروتستانتية. يتواجد المسيحيون بكثرة بشكل عام في مدينة حلب حيث يشكلون 25 % من عدد السكان وفي الحسكة حيث يصلون الى 30 % من عدد السكان كما انهم منتشرون على كامل الاراضي السورية. اما وادي النصارى فيعتبر اكبر تجمع مسيحي سوري اذ يصلون الى 60 % من عدد سكان الوادي.
اذا تحدثنا من الناحية الديمغرافية نجد ان عدد المسيحيين في سوريا يتناقص بشكل مضطرد حيث وصلت نسبتهم في بداية القرن العشرين الى 20 % من سكان سوريا لتقل بشكل كبير اليوم بحيث لا تتجاوزنسبتهم الى 10 % وربما اقل وهذا يعود الى ان العائلة المسيحية هي عائلة غير منجبة مثل العائلة المسلمة ـ اضافة الى الهجرة الخارجية الكثيفة للمسيحيين خصوصا الى الاميركيتين واستراليا واوروبا الغربية وذلك بسبب الاوضاع التي ألمت في البلاد خلال الحقب الماضية والخوف من ابتعاد النظام في سوريا عن العلمانية والانحدار باتجاه الدولة الدينية التي قد يغيب عنها التسامح والحرية الدينية.
خلال الحراك الاخير في سوريا اخذ اغلب المسيحيين جانب الحفاظ على بناء الدولة ومؤسساتها ولم ينخرطوا بالمطلق في اي تمرد مسلح او اقتتال بينما اخذت قلة قليلة منهم جانب المعارضة.
السنة السوريون: يعتبر السنة اكبر طائفة دينية في سورية على الاطلاق حيث تتراوح نسبتهم بين 65_85 % وذلك حسب توزعهم في المدن السورية ( يتواجد السنة في 11 محافظة من اصل 14 على الاقل ). انخرط السنة فيما مضى بشكل قوي في كل اشكال النضال ضد المستعمرين العثمانيين والفرنسيين وكانوا روادا في الفكر القومي النضالي.
كان المجتمع السني السوري من المجتمعات المتحررة بشكل كبير في حقبة الثلاثينيات والاربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ولا اعتقد ان السلسلة الدرامية المعروفة) لباب الحارة قد عرضت واقع حال السنة في سوريا وانما القسم الاكثر ارتباطا بالتقاليد والاعراف الاسلامية التقليدية. في تلك الحقبة الماضية، قويت الرابطة القومية والشعور القومي على حساب الشعور الديني وذلك بسبب الطغيان القمعي العثماني وخصوصا في سنوات انهيار الامبراطورية العثمانية حيث حاول الاتراك طمس الهوية العربية ( سياسة التتريك ) وحرمان العرب من الحقوق السياسية ودفع الكل باتجاه أتون حروب الامبرطورية الآفلة التي كلفت من البشر والحجر ( خصوصا خلال الحرب العالمية الاولى ) ما يفوق التصور.
إن المطلع على فترة السبعينات في سوريا سوف يفاجأ بهذا الكم الكبير من الحرية ( وإن لم تشمل هذه الحرية كل المرافق الفكرية والسياسية). لقد كانت الموديلات العارية امام الطلاب في كلية الفنون الجميلة في دمشق أمر عادي. اذكر في عام 1976 في مدينة اللاذقية، وكان عمري آنذاك 14 عاما، انني نزلت انا وا صدقائي – مسلمين ومسيحيين – من شاطىء البحر الى قلب المدينة حيث اقطن بثياب البحر (البكيني) ولم يكن هذا منظرا مستغربا او ممنوعا. حتى الافلام التي انتجت في تلك الفترة في سوريا لم يكن بالامكان اليوم انتاجها او حتى اعادة انتاجها بسبب كم الحرية التي فيها. لقد تغير المشهد بقوة واصبح الحجاب والعباءة الطويلة هو المنظر السائد والمألوف في شوارع سوريا. لكن كل هذا لم يكن دون سبب ولعل النقاط التالية تختزل بعض الدوافع التي قلبت كيان المسلم السني رأسا على عقب:
1) الاتجاه العلماني الاشتراكي في الدولة التي يقودها حزب البعث العربي الاشتراكي و التي لم تكن تشجع على التطرف الديني وتدفع باتجاه مدنية الدولة. فتم التضييق على حرية ارتداء الحجاب او الافراط ببناء دور العبادة – الامر الذي تغير في بداية الالفين كما اسلفت – او الانتساب الى احزاب دينية او ترخيص الجمعيات ذات الطابع الديني المحرمة في سوريا. كل هذا خلق رد فعل عكسي ارتدادي لدى بعض المسلمين.
2) الوضع الاقتصادي في فترة الثمانيات حيث فرض حصار اقتصادي على سوريا بسبب موقفها من القضية الفلسطينية. والحصار لم يكن كما هون الان وانما كان حصارا سياسيا للدول التي تحاول فتح علاقات تجارية مع الدولة السورية التي تتلقى العقوبات وعلى اثرها انحصرت الثروة في يد نخب بعينها (راسمالية الدولة) بينما عاش بقية الشعب الوضع المتردي على آخره.
3) الصراع بين القيادة السياسية والعسكرية السورية في بداية الثمانيات وحركة الاخوان المسلمين التي حاولت ان تعبث بالبنية التحتية للدولة عن طريق التفجير والارهاب المنظم وما تلاه من حصار لبعض المدن التي رعت هذه الظاهرة الامر الذي حرك الشعور الديني مرة اخرى و جعله يطفو على السطح كنوعه من رد الفعل التلقائي.
4) هجرة بعض الشباب السوري في تلك الفترة الى دول الخليج للعمل وتأثرهم بالافكار الاسلامية المتشددة وتسللها الى سوريا. لقد وصل الحد برمي الفتيات اللواتي يلبسن السراويل بماء النار وفي الحال وجد هذا الفكر صداه لدى العائلات التي تأثرت من ردود فعل الدولة تجاه الارهاب الاخواني المنظم وتلك التي كانت الامية وقلة الوعي جزءا منها فانساقت بكل غريزية تجاه الشعور الديني على حساب الشعور الوطني ومصلحة مؤسسات الدولة المدنية.
5) إن تراجع تراجع الفكر الاشتراكي والقومي لصالح الفكر الاسلامي انما سببه ايضا من بين اسباب اخرى، هو ميل النظام السوري خلال فترة الحرب الاهلية اللبنانية لبعض التيارات المسيحية اللبنانية ذات الميول الغربية ضد اليسار الاشتراكي المسلم والعروبي، ثم هناك انهيار المنظومة الاشتراكية المرتبطة عضويا بسوريا اي الاتحاد السوفيتي ونجاح الثورة الاسلامية في ايران.
مع ذلك، هناك عائلات سنية شديدة الليبرالية والتحرر خصوصا في المدن الكبرى كما يوجد مثيلها حتى في الارياف والبوادي. كما ان هناك متعصبين في المدن الكبرى والارياف و كل هذا يتناسب طردا وعكسا مع ارتفاع منسوب الوعي الوطني او هبوطه.
شارك السنة في الحراك السوري في الاحداث الاخيرة و كان منهم الموالي بكل اشكاله و المعارض بكل اشكاله.
2) الاثنيات (القوميات) في سوريا
الاكراد السوريون: تعتبرالقوميّة الكردية هي ثاني إثنيّة في سورية بعد الإثنيّة العربيّة. ويتواجد الاكراد بشكل اساسي في الجزيرة وحلب ودمشق وعدد اقل في بقية المحافظات الاخرى. يبلغ عددهم حوالي المليوني كردي بينما تذكر احدى الموسوعات الالمانية ان عددهم يتجاوز ال4.5 مليون نسمة.
يتكون الشعب الكردي من عدة شعوب وقبائل كما أن ثقافتهم ولغتهم وأساطيرهم متأصلة في الثقافة الإيرانية.أغلب الاكراد هم من الاسلام السنة الذين وعدهم الحلفاء بدولة مستقلة قائمة بذاتها ولكن بدلا من ذلك تم توزيعهم على خمسة اقاليم مختلفة مع حقوق سياسية لم ترقى الى طموحاتهم كما هو يقولون. يتحدث الاكراد اللغة الكوردية وهي لغة هندو أوروبية وعموما يتفق فقهاء اللغة على انها فرع من فروع اللغة غرب إيران والتي هي ايضا تعود إلى عائلة اللغات الهندو أوروبية. أما للهجات الرئيسية للغة الكوردية فهي الكورمانجية والسورانية.
لقد شعر الاكراد في سوريا بظلم بسبب عدم الاعتراف الرسمي بهم خصوصا بالنسبة لقانون الاحصاء لعام 1962 الذي جرد عدد كبير منهم من الجنسية. والحقيقة ان الطابع العلماني الاشتراكي لحزب البعث الحاكم لا يقترب من اي تلميح لاظهار هذا التنوع او هذا التمايز العرقي او الديني وذلك حرصا منه على وحدة النسيح السوري وتماثله كما كان يعتقد ومع ذلك اعطى نفس هذا الحزب العلماني هؤلاء المواطنين حقوقهم لاحقا في بداية الازمة التي ألمت بالشعب السوري حيث منحهم الجنسية السورية. مع ذلك اعتبر قسم منهم أن هذا غير كاف وطالب بالاعتراف بالشعب الكردي كقومية ثانية في سوريا لانهم كما يقولون موجودون قبل تأسس الدولة السورية الحديثة، وكذلك طالبوا برفع الحظر على اللغة والثقافة الكردية والغاء حتى القوانين التي كانت تعتبر سرية مثل حظر الغناء الكردي الامر الذي انتهى بشكل ما فبدأنا نسمع الاغاني الكردية تصدح من منابر الاعلام الرسمي كنوع من الاعتراف بهذه الثقافة التي تعتبر احدى مكونات الثقافة في سوريا.
لقد اندمج الاكراد اندماجا مقبولا مع بقية الطوائف والاثنيات الاخرى في سوريا ولسنوات – والى هذه اللحظة – من المستحيل ان تميز الكردي في سوريا عن اي احد آخر بسبب قوة الاندماج وهي مقدرة تحسب للاكراد السوريين الذي عرفوا كيف يتفاعلون ويحافظون على هويتهم في نفس الوقت. والحقيقة لم يقلق المواطن السوري يوما من مواجهة يمكن ان تحدث مع الاكراد على الرغم من كثرة عدد الاحزاب التي ينتمون اليها وعلى الرغم من ارتباط بعضها سياسيا بدول خارجية.
أتراك سوريا: او التركمان، وهم المجموعة الاثنية الثالثة في سوريا وتصل نسبتهم الى 3-7 % من تعداد سكان سورية وهم متواجدون في كل من حمص و حماه ودمشق وحلب واللاذقية والقنيطرة. والتركمان ينقسمون عرقيا وثقافيا الى قسمين. هناك اتراك الريف ويشكلون 70 % من مجموع الاتراك بينما يقطن الـ 30 % منهم في المدن. والحقيقة أن اغلبهم يتحدثون العربية ولا يتحدثون لغتهم وحتى لا يمكن تمييزهم عن السوريين العرب بسبب قرب ملامحهم منهم بشكل كبير واندماجهم فيهم وتزاوجهم معهم بينما حافظ اتراك الريف على لغتهم وثقافتهم الى جانب العربية. إن معظم اتراك سوريا هم من السنة ويتبعون المذهب الحنفي.
آراميو سوريا: وهم السريان الكلدان والآشوريون ويعتبروا رابع اثنية في سوريا من حيث العدد. ربما هم من اقدم القوميات التي سكنت في سوريا على الاطلاق. تصل نسبتهم الى 2- 5 % من عدد سكان سورية. هناك من السريان من حافظ على هويته وثقافته وهناك من تعرب تماما واندمج في الثقافة العربية السورية من سريان مسيحين وسوريين.
يتواجد السريان بشكل اساسي في مدينة الحسكة والقامشلي كذلك، ولكن بعدد اقل في كل من دير الزور وحلب ومنطقة القلمون في ريف دمشق. اغلب السريان الذين لجأوا الى سوريا عند انهيار الامبراطورية العثمانية كان بسبب عمليات التطيهر العرقي والديني التي تعرضوا لها.
الشركس السوريون: وهم خامس اثنية في سوريا من حيث العدد. 2-5 %. ينتشرون في ثلاث محافظات بشكل اساسي: حمص وحماه والقنيطرة وهناك ايضا بعض منهم، ولكن بكميات قليلة، يقطن في دمشق والحسكة وحلب والرقة. والحقيقة ان اغلب الشراكسة بدأوا يتوافدون من اغلب المناطق اليوم لكي يستقروا بشكال اساسي في مدينتي حمص ودمشق. اغلبهم يدين بالاسلام السني. ولقد اتوا الى سوريا نتيجة لعمليات التطهير العرقي والديني من قبل الامبراطورية الروسية ضد مسلمي القوقاز. والمتأمل في وجه الشركسي السوري يرى ملامح قوقازية بامتياز بينما اندمجت ملامح الجيل الجديد بالملامح السورية نتيجة التزاوج كما غدوا معربين تماما لا يتحدثون الا العربية وذلك على خلاف الارمن الذين حافظوا وبقوة على لغتهم الام.
الارمن السوريون: وهم الاثنية السابعة في سوريا ويشكلون 0,5 – 1% من سكان سوريا. اغلبهم يتواجد في عدد من المدن بشكل اساسي متل حلب التي تعتبر اكبر مركز تجمع لهم ودمشق والحسكة كما يتواجدون في حمص واللاذقية ودير الزور. اغلبهم ايضا لجأ الى سوريا نتيجة التطهير العرقي والديني ابان انهيار الامبراطورية العثمانية.
الملفت ان الارمن حافظوا على لغتهم الام بشكل ممتاز كما حافظوا على بعض العادات الثقافية الارمنية على الرغم من الاندماج الجيد للارمن في المجتمع السوري نتيجة التزاوج والاختلاط.
لم يساهم الارمن بالمطلق في الحراك المسلح مثلهم مثل كل الاقليات الاثنية والطائفية في سوريا وبقوا داعمين لبنيان الدولة المدنية ومؤسساتها.
غجر سوريا: ونطلق عليهم القرباط او النور. وهم سادس اثنية في سوريا حيث تصل نسبتهم التقريبية الى 0,5-1% من عدد سكان سوريا. وهم موزعون على الاراضي السورية حيث توجد البوادي وأطراف المدن. لا يتمتع الغجر بأية جنسية وهم غير مسجلين كمواطنين سوريين. يعتقد ان الغجر من القبائل الهندية التي قدمت الى منطقة الشرق. وهم يقطنون الخيام ومعرفون بانعزالهم وتقوقعهم على عاداتهم و تقاليدهم الخاصة.
نعثر عليهم في الطرقات متسولين او ممتهنين للغناء والرقص او الدعارة في الملاهي.
هناك ايضا قوميات اخرى في سوريا ذات نسبة قليلة جدا جدا لا تتجاوز الـ 0و2 % وتقتصر على عائلات قليلة مثل اليونان والالبان والامازيغ والروس……….الخ.
ما العمل؟؟
باختصار شديد، على المواطن المؤمن بالوحدة الوطنية ان يدرك التالي:
1) مهما كانت حدة الخلاف مع القيادة السياسية او النظام السياسي القائم في الدولة او تباين الرؤية المستقبلية لسوريا فان وحدة الارض هي من أولى المقدسات بالنسبة لجميع الافراد والمواطنين ابناء الوطن وهذا يعني عدم التساهل مع اي مخرب مهما كان انتمائه او تبريراته.
2) ان كل المواطنين سواسية امام القانون ولا شيء يعلى عليه او يدعو الى مخالفته من اجل الحفاظ على الدولة بمؤسساتها و كينونتها. وهناك طرق كثيرة سلمية من اجل تعديل القانون اذا لاح في وقت من الاوقات وكأنه يعمل بشكل يتناقض مع مصلحة الوطن والمواطن.
3) الفهم العميق ان الدولة التي تتألف من اثنيات واديان مختلفة انما هي دولة يمكن لضعاف النفوس ان يخربوا فيها انطلاقا من اثارة الفتنة والنعرات الطائفية واللعب على التناقضات و اطلاق الشائعات والاكاذيب حول كل طائفة وموقفها وحقيقة انتمائها. وهذا يصيب الدولة ولا اقول النظام، كلها في مقتل ويدمر نسيج الوحدة الوطنية.
4) الامتناع الكلي و باسم القانون عن التوجه لاي اثنية او طائفة باي نقد او تجريح او تشكيك مهما كانت طبيعة الصراع او الموقف السياسي في البلد.
5) لا يمكن اعتبار حرية التعبير او الاختلاف في وجهات النظر هو نقد او تجريح طالما يقف عند حدود احترام عقيدة الاخر وكل هذا من اجل الابقاء على وحدة النسيج الوطني متماسكا.
6) الوعي و الانتباه الى ان ليس حوار الاديان ما يهمنا على الاطلاق او العثور على نقاط مشتركة او غير مشتركة بين عقائدنا وتياراتنا ومللنا او افكارنا او انتمائنا الاثني، وانما قبول الاخر كما هو من دون محاججة او اقحام او افحام. ان الوحدة الوطنية وتلاحم و تشابك نسيجها لا يعني الغربلة بقدر ما يعني الالتحام ببعضنا البعض تحت سقف الوطن و قوانينه المدنية وعلمه وعقيدته الوطنية وذلك بكل ما لدينا من تنوعات واختلافات: الحرية الدينية هي في قلب نسيج الوحدة الوطنية.
7) تفعيل ثقافة الاثنيات بشكل كامل وذلك لما فيه من اغناء للثقافة العربية السورية التي تشكل كل هذه الاثنيات قاعدتها. ان هذا التفعيل من شأنه ان يشد من أزر الوحدة الوطنية و يقوي شعور الانتماء.
8) علمانية الدولة (اي فصل الدين عن الدولة او السياسة فصلا كليا). إن هذه العودة المرعبة الى العصور الانسانية الحجرية الظلامية التي عايشنا فصولها الدرامية فيما يعرف بالربيع العربي انما تدفعنا الان أكثر من اي وقت مضى لكي ننبذ كل تحالف او تزاوج بين الدين والسياسة وان نضع المواطنة على السكة الصحيحة مرة واحدة والى الابد. كان هذا قدر سوريا الحديثة كرائدة بين دول الوطن الكبير في فصل الدين عن الدولة وتكريس دولة القانون المدني والمؤسسات. والدماء التي تسيل على ارض سوريا ما هي الا تبديات هذا الربط الاستحواذي الاخرق بين الدين والسياسة. إن الفكر المدني العلماني هو في صلب الوحدة الوطنية.
والحق إن بناء مجتمع سوري وطني عربي معاصر قادر وقوي إنما يعتبر أمراً شبه مستحيل في غياب “صيغة وطنية جديدة” تستوعب كل الفئات الاثنية على امتداد مساحة هذا الوطن الكبير، وبالتالي انتاج هوية وطنية تشتمل على هذه التعددية الثقافية والطائفية والاجتماعية. لكن هذا الأمر يواجه تحديات حقيقية مسكوت عنها – أكان قصدا أم بغير قصد ـ مع انها ليست التحدي الوحيد أمام انتاج هوية وطنية متجانسة، وتتجلى على الاغلب في:
1) تنامي الأيديولوجيات القومية والسياسية والدينية التي لربما حُجب عنها انه اذا لم تتطابق الخريطة السياسية مع الخريطة الثقافية للأمة فانه من غير الممكن انتاج هوية قومية او وطنية متجانسة تشمل كل ابناء الوطن وتحتوي على اختلافاتهم الاثنية (مع التأكيد على أهمية هذه الايدلوجيات التي استطاعت في نفس الوقت ان تقدم حراكا كبيراً لم يكن ممكنا من قبل)، وإن كان من الصعب العثور على جذور اثنية خالصة لدى كل مجموعة و ذلك بسبب عملية التمازج والتثاقف التي اعقبت الحروب وموجات الهجرة وظهور الديانات الكبرى في هذه المنطقة كما ذكرت سابقا. ان هذا الاختلاف الاثني – الثقافي لا يتنافى مع الوصول الى هوية وطنية وقومية واحدة لجميع افراد البلد الواحد بتعددياته وتبايناته الاجتماعية والدينية. لكن الايديولوجيات السياسية العربية لم تستطع ان تخلق المناخ النفسي والوجداني في الفرد المنتمي الى أقلية إثنية لكي يقول (انا عربي سوري)، كهوية وطنية، قبل ان يعتبر نفسه وقبل كل شيىء منتميا الى طائفته او ثقافته الخاصة، وهكذا بقيت الغالبية من بينهم تشعر بالانتماء الى تميزها الثقافي الاثني او الطائفي اكثر من انتماءها للوطن الواحد وللارض الواحدة المشتركة او للمصير المشترك او التهديد المشترك او بقية العوامل الاخرى، وذلك لان هذه الايديولوجيات قد اهملت التعاطي مع الاختلاف بينما كان من الممكن لعملية الاستيعاب ـ عن طريق الاعتراف بهذه التعددية ـ ان تساعد اكثر في تنامي الاحساس بالهوية الوطنية والقومية. إن هذا الفشل في خلق “الهوية الوطنية” بتمايزاتها الغنية الاثنية والثقافية والذي لم يعطيها حقها “كمشروع”، جعل هذه الهوية، وكنتيجة لذلك، في حالة من الضبابية والتشظي والصراع بين سمات كانت تطغى عليها بحسب المرحلة، الواحدة على الاخرى وبشكل دوري وحسب الظروف السياسية او الاقتصادية: السمة العربية، الاسلامية والقطرية.
2) التعصب والتطرف الديني اللذان يمنعان وبشكل كبير جدا من رسم حدود هذه الهوية القومية او الوطنية. فحين يصل التطرف الى حدود القتل واحتكار الحقيقة لفئة دون اخرى، فانه من الصعب الوصول الى صيغة متجانسة للهوية القومية. والتعصب هو نتاج: 1) لفعل قمع سياسي أجندته واضحة تحت الشمس ؛ إن الفكر السياسي الاسلامي قد ميز بين البلاد التي فُتحت عنوة وبين تلك التي قام ببنائها المسلمون كالبصرة والكوفة والفسطاط وبغداد وواسط والقيروان…. الخ ولقد بنى حراكه ـ هذا الفكر – على الامن القومي للمجتمع الاسلامي قبل أي شيىء آخر حيث كان التشدد اكبر في الدول التي فتحت عنوة عنها في الدول التي فتحت عن طريق التوافق و الصلح حيث تم ضبط الامر عن طريق شروط ومعاهدات بين الفاتحين وسكان المدن التي استقبلت الفتح من دون مقاومة، بينما في البلاد التي مصرها المسلمون ولم يسكن بها احد سواهم كان لا يجوز بناء غير المعابد الاسلامية فيها. 2) البعد الاقتصادي للتعصب، خصوصا عندما تتركز مشاريع التنمية في المركز وتهمل الاطراف التي غالبا ما تقطن فيها الاقليات بحيث يبدو الامر وكأنه انحيازا من الاكثرية المهيمنة ضد الاثنيات الثقافية الاخرى. أما الاندماج والذوبان القسري للاقليات في الثقافة القومية التي تنتمي اليها الاغلبية مع الابقاء على هيمنة ثقافة الاكثرية وفوقيتها و تحكمها في أقليات تدور في فلكها وتنتمي الى درك اقل في سلم التراتب الاجتماعي social stratification فهو أمر عقيم. والحق إن التراتبية الهرمية للأدوار في المجتمع القطري وموقع الفرد او المجموعة فيه إنما هو محكوم: آ) بهوية هذا الفرد أو هذه المجموعة وموقعها في محيطها. ب) هوية الثقافة المهيمنة وتحكمها في ضبط هذه الادوار ضمن نظام (كوته) محددة من خلال معيار ليبرالي معين.
3) إذا كانت العروبة هي المناخ الطبيعي والحيوي (ثقافيا واجتماعيا وسياسيا) عبر امتداد أقطار الوطن العربي كافة، فان الواقع يقول ان هذه الاقليات الاثنية في بعض دول الوطن العربي لا يشعر اغلبها بأنهم عربا. كما هو الحال اليوم بالنسبة لبعض اكراد سوريا الذين طالبوا بان يتبدل اسم الجمهورية العربية السورية فيصبح الجمهورية السورية. وهذا أمر لا يمكن تجنبه اذا ما كان هناك رغبة قوية في خلق هذه الهوية الوطنية وهذا الرابط القومي المتين لجميع افراد الامة. فالاحساس بالهوية الوطنية ( المواطنة ) والقومية لا يمكن ان يعلو او يسمو على بقية الولاءات الاخرى الا من خلال استيعاب هذه “الاختلافات” والاعتراف بها كعامل إغناء لهذه الهوية وليس عن طريق تجاهلها او طمسها وذلك لأن هذه الخصوصيات الثقافية إنما ظهرت عبر مراحل تاريخية طويلة واخذت رسوخها الثقافي عبر الخط الزمني الطويل، وإن كنا نأخذ بعين الاعتبار كثيرا عملية التمازج والتثاقف التي عاشتها وتعيشها هذه الاثنيات عبر فترات الحروب والانزياحات الجغرافية الكبرى، او تلك التي وقعت تحت تاثيرها بشكل طبيعي في المناطق التي استقرت فيها فأخذت منها وأعطتها.
خاتمة:
ولكن يبقى السؤال: من هم الذين انجروا الى الاقتتال الطائفي والى نحر بعضهم البعض في سوريا ولم يعطوا ادنى اهمية للوحدة الوطنية؟
دعوني اذا احكي لكم عن الكيفية التي تتم فيها عملية التنويم المغناطيسي. لنفترض مثلا ان هناك انسان يتم تنويمه على يد اختصاصي في العلاج التنويمي. بغض النظر عن المعايير والخطوط الحمر التي لا يستطيع ان يتجاوزها هذا المحلل اثناء عمله، يمكنه ان يأمر الشخص المنوم بما يريد. لنفترض انه قال له بعد تنويمه – اي عندما وصل وعيه الى ادنى درجاته – انه حينما يصحى فانه سوف يخلع معطفه عندما يرى المحلل ممسكا بربطة عنقه، وسوف يلبسه من جديد عندما يراه وقد وضع يده على انفه، ثم يوقظه. بعد قليل يبدأ المحلل وخلال حديثه الطبيعي مع هذا الشخص بلمس ربطة عنقه تارة وانفه تارة اخرى، وهكذا يبدأ (اخينا بالله) بخلع معطفة ثم لبسه (من دون ان يعرف السبب) المرة تلو الاخرى الى أن يشعر هو نفسه إنما يقوم بأمر لا سلطة له عليه ولا يعرف له سببا وكأنه اقرب للمجنون.
اختم لاقول ان من يكون وعيه في ادنى مستوياته يسهل جدا تمرير اي فكرة او امر اليه حتى ولو كان في منتهى السخافة و اللامنطق مثل (اقتل أخاك او اذبحه). هذا ما حصل تماما مع المسلحين من سوريين وعرب حينما قبلوا ان يدمروا سوريا وشعبها ومؤسساتها. لقد تلقوا الامر بينما كانوا وعيهم الوطني والقومي في ادنى مستوياته وهكذا تحولوا الى دمى قاتلة بدرجة امتياز.
:::::
الموقع الرسمي للكاتبة www.gladysmatar.net
[1] قدمتُ بعض أجزاء هذه الدراسة في ندوة نظّمتها لجنة العرب الأميركيين للدفاع عن سوريا التي عُقدت في لوس أنجلس بتاريخ 18 أيلول (سبتمبر) 2012.