مأزق الانتخابات أم الانتخابات كمأزق

سعادة إرشيد

امتازت كلمة الرئيس عباس الاخيره بالخفه السياسيه مظهرا ومضمونا وربما عبر من خلالها عما يعيشه من قلق سياسي وعزله دوليه واقليميه خاصه بعد عودته من مصر فقد ابلغه الحكم المصري بوضوح انه يمثل عنوانا فلسطينيا ولكن بدون ال التعريف حيث ان في غزه آخرون يحكمون على الارض ويملكون الكثير من الشرعيه التي وفرتها لهم انتخابات 2006 وذلك اضافه الى شراكتهم السياسيه للحكم المصري عبر الانتماء المشترك الى دائرة اوسع وهي التنظيم الدولي لجماعه الاخوان المسلمين.

الاهمال الدولي والتجاهل والإفقار الخليجي والانحياز المصري (وفق رأي ابو مازن) ترافق مع حمله اسرائيليه قادها وزير الخارجيه ليبرمان الذي عبر بوضوح من خلال حملته هذه عن رأي الحكومه الاسرائيليه واليمين الحاكم وان ادعى هؤلاء عدم تبني طروحاته علنا وانما تواطئا والاكتفاء بمعارضتها اللفظيه. يرى ليبرمان ان الرئيس عباس لم يعد لازما وان قطافه قد حان وآن اوان استبداله بقيادات فلسيطينيه جديده تمارس ذات الالتزام تجاه اتفاقات اوسلو وما فيها من تنسيق امني ودور يقتصر على ادارة السكان والمحافظه على امن اسرائيل (وفقا للنص) وعلى اتفاقيات باريس وما بها من الحاق اقتصادي وقطع الطريق امام امكانيات التطور والنمو الاقتصادي، وعلى القيادات الفلسطينيه الجديده ان يكون سقفها بالغ الانخفاض ولا يتجاوز مناطقها وحاجات سكانها الاقتصاديه والتشغيليه والخدماتيه فقط لا غير ولانجاز ذلك يمكن فهم وظيفه الانتخابات المحليه.

حدد يوم العشرين من تشرين اول القادم موعد للانتخابات وذلك في خطوه بدت فيها العصبيه والغضب نتيجه لما تم سماعه في القاهره و لتعثر المصالحه مع حماس وقيام حكومه حماس في غزه بمنع لجنه الانتخابات من العمل على تحديث السجل الانتخابى، لتجري الانتخابات في غزه والضفه بالتزامن.

ومن السهل قراءه هذا الاستحقاق الانتخابي في الضفه الغربيه دون غزه على انه تعميق للانقسام لا بل الاقرار بانه قد اصبح حقيقه سياسيه لا ريب فيها ولا يمكن القفز عنها باعتبارها دائمه و ليست مؤقته. اما من الناحيه السياسيه فان هذه الانتخابات ستكون الاكثر حداثه ولا بد ان تعطي بعدا شرعيا للفائز بها، فالجميع قد تجاوز ولايته السياسيه واصبح فاقدا للشرعي او على الاقل اصبحت شرعيته منقوصه وموضع شك وجدال ابتداء من الرئيس الذي انتهت فتره رئاسته عام 2009 وصولا الى المجلس التشريعي الثاني والذي يفترض ان تكون ولايته قد انتهت في مطلع العام 2010 الماضي.

في مقارنه سريعه ما بين هذه الانتخابات وتلك التي جرت في عام 1976 نلاحظ كيف ان شمعون بيرس قد رأى في حينه ان انتاج قيادات محليه من شأنه جعل هموم الشعب الفلسطيني في الداخل هموما حياتيه ومعيشيه. وان هذه القيادات ستكون ذات شرعيه انتخابيه وسقف سياسي متدني عن سقف الفصائل المقيمه في بيروت ، لكن المناخ النضالي العام والقيادات المنتخبه الواعيه جعلت من حركه الداخل اكثر جذريه واعلى سقفا من غيرها وخاضت النضال اليومي الدائم مع النقيض(الاحتلال) ورفضت ان تساوم وان تفاوض قاومت المشاريع السياسيه الاسرائيليه انتصرت على الاستيطان وحاصرته وغير ذلك الكثير، في حين ان انتخابات 2012 القادمه تأتي في مناخات امراض البؤس السياسي والترهل النضالي وفي ظل سيطره الهم المعيشي الذي جعله فريق اوسلو الحاكم الشغل الشاغل للفلسطيني المسكين، مناخات قياده وفصائل منحازه للتسويه وان كانت ترى ابوابها موصده ، اختارت التفاوض الذي لا بديل عنه الا التفاوض مع انها ترى آفاق التفاوض مظلمه، مصره على الاستمرار في التنسيق الامني ولا ترى فيه الا مصلحه فلسطينيه.

بدى ان الانتخابات مثلت فرصه لحركه لفتح لخوضها دون حماس التي مثلت قوتها تحديا خطيرا لفتح في الانتخابات التشريعيه والمحليه السابقه وهي (حركه فتح) التي لم تعتد على هكذا تحديات لعقود خلت. دون حماس تستطيع فتح الفوز واسترداد الشرعيه ، كما مثلت فرصه لفصائل منظمه التحرير اما للانضواء في قوائم فتح اولتشكيل قوائم خاصه بها لاعتقادها انها تملك فرصه حصد اصوات المعارضين في غياب المعارض الرئيس (حركه حماس) ، ولكن ما ان بدأت معركه الترشح حتى ظهر ان فتح غير قادره على تشكيل قوائم قد تحظي بحد ادنى من الدعم او القبول وبالتالي تعثر تشكيل القوائم في اكثر من مكان وبقي يراوح حتى اللحظات الاخيره. وظهر للفصائل ان الغاضبيين من فتح والمعارضين لها لا يرون في تلك الفصائل شيء مختلف عن فتح وانما امتدادا لها ، ولا يلاحظ أي معارض مستقل ان لدى هذه الفصائل ايه رغبه او اراده حقيقيه للانفكاك او الاستقلال عن فتح ومنظمه التحرير بقيادتها الحاليه او لاتخاذ مواقف مغايره تدل على تواجد نوايا جاده لامتلاك مناهج ومفاهيم مختلفه عما سبق وظهرت قوائم مستقله تحظي بقبول يبدو انها قادره على تحقيق الفوز باستلام المجالس البلديه رئاسه واعضاء.

قد تشهد الضفه الغربيه الكثير من التغيرات والتطورات في حال جرت الانتخابات في موعدها المقرر- وهو امر غير مؤكد- فقد تؤجل تأجيلا بحكم الالغاء والى اجل غير مسمى، ومن اهم النتائج الانتخابيه – ان جرت الانتخابات ما قد يمثل ضربه قويه لفتح وغيرها من الفصائل الشائخه التي ستهزم هذه المره لا امام حماس ولا امام برنامج او مشروع سياسي مختلف ، وانما امام مجموعات مستقله- امام افراد- الامر الذي سيؤهل الفائزين المستقلين للادعاء بامتلاك الشرعيه الانتخابيه والسياسيه والثقه العاليه من الجمهور الناخب مقارنه بفتح وغيرها من فصائل منظمه التحرير الامر الذي سيؤهلها للعب ادوار سياسيه في المستقبل القريب.