المنتدى الثقافي العربي في رام الله المحتلة:

المنتدى الثقافي العربي في رام الله المحتلة: المطلوب مؤتمر وطني للدفاع عن سوريا …

مؤتمر يرى تغيرات العالم.

عُقد مؤخراً في دمشق “المؤتمر الوطني لإنقاذ سوريا”. ولم يُخف المؤتمرون دافعهم الحقيقي وهو نقل السلطة. كما قام بعضهم بالمساواة بين السلطة والمجموعات المسلحة بل وصل الأمر ب حسن عبد العظيم ليقول “الجيش السوري الوطني الحر”. رغم أن هذا “الجيش” مكون في غالبيته من المسلحين الغُزاة العرب والأجانب (الغربيين والصهاينة)! هذا دون أن نتحدث عن الدماء والتخريب الذي قام به هؤلاء.

وفي أول اختبار لهذا المؤتمر بقيادة هيئة التنسيق مارس الإقصاء لكل من الجبهة الشعبية للتغيير والحزب القومي السوري الاجتماعي مما يؤكد نزعة الإقصاء والتفرد لدى المؤتمرين، وهذا يطرح تساؤلات كبرى بمعنى اي بديل سيكونون؟ فهل هذه قناعاتهم أم هناك حبل سُرِّي يربطهم برُعاة وتشكيلات العدوان المسلح على سوريا؟

إن العدوان المعولم على سوريا يشترط في القوى الوطنية التصدي للعدوان الذي يمتد من الشيشان إلى باريس ومن الصومال إلى الرياض. لذا كان على المؤتمر المطالبة بوقف العدوان لا غض الطرف عنه، وربما لأسباب تمنع كثيرين في المؤتمر من قول ذلك!

قد لا تكون الإصلاحات التي قامت بها القيادة في سوريا كافية، هذا مع أنها مقارنة بأنظمة كل من يعتدون على سوريا هي متقدمة بما لا يُقاس. ولكن القيام بها رغم الغزو الخارجي والتمرد المسلح الداخلي، واللذين استهدفا الإصلاح قبل النظام، هي كبيرة وملموسة.

 لقد فتحت القيادة ابواب الحوار مبكراً ودائماً، ولكن شعار المؤتمرين يؤكد أن هدفهم ليس الإصلاح بل السلطة وتصفية الحسابات وهو ما تجلى في تنفيس انفعالات نفسية وليس تجسيد مواقف وطنية وسياسية فما بالك بقومية وطبقية.

إن المعنى الحقيقي لإنقاذ سوريا هو الحوار الوطني السوري الداخلي. وهو وحده حامل معنى نقل السلطة وليس وضع قائمة إقصاءات. ولا يتأتى نقل السلطة بإهدائها إلى قوى قد لا تمثل في الشارع شيئاً. وحى لو مثلت، فالحوار والاحتكام للشعب هو الطريق الوحيد لنقل السلطة. أليس هذا ما يردده “المعلِّم” اللبرالي الأميركي؟

وليس إنقاذ سوريا عبر مؤتمر دولي. ولا يجهل أحد أن قضايا الأوطان لا يمكن تدويلها، بل إن تدويلها هو قرار بتصفيتها. والتدويل السياسي لا يختلف عن التدويل العسكري الذي حطم ليبيا، بل إن التدويل السياسي اشد خطورة لأن ظاهره سياسي وباطنه عسكري استعماري.

إن زعم المؤتمرين برفض التدخل الأجنبي لا يستقيم مع الدعوة لمؤتمر دولي. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن من يرفض التدخل الأجنبي كان يجب أن يُدين العدوان الأجنبي الحاصل علانية على سوريا من الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والسعودية وقطر بل ومختلف الأنظمة التي إما ترسل الإرهابيين والمرتزقة أو تقدم مختلف أنواع أدوات التدمير والتجسس..الخ وتمارس ذلك علانية، فأي مؤتمر دولي سيكون هؤلاء على رأس طاولته. لقد ربط المؤتمرون المؤتمر الدولي ب الأطراف ذات الصلة! وهذا أمر خطير لا يمكن أن يتأتى من عقل سوري وطني حريص، فالأطراف ذلات الصلة تشمل كافة أعداء سوريا بدءاً من الكيان الصهيوني وصولاً إلى الشيء المسمى قطر! فأطراف كهؤلاء يجب أن يؤخذوا إلى المحاكم الدولية وليس إلى ياسمين دمشق.

هل يمكن لشيوعيين وناصريين واشتراكيين سوريين (هم غالبية هذا المؤتمر) أن يُنسقوا مع حكام قطر والسعودية من أجل دمقرطة سوريا؟ قد نفهم هذا من تركيا أو الولايات المتحدة كأعداء للأمة العربية! ويمكن فهم هذا من الرئيس المصري الذي يجهز ليكون الضلع الرابع في جبهة الحرب على سوريا. يبدو أن إعادة مراجعة لمعنى الناصرية والماركسية وحتى الاشتراكية الديمقراطية لا بد منها لنعرف أن كل فكر ونظرية حين يقرأها هؤلاء تفقد جوهرها بل تنقلب إلى عكسها. يبدو أن الرفاق ما زالوا يعيشون لحظة سقوط الناصرية والاتحاد السوفييتي حيث قال الكثيرون “أنج سعد هلك سعيد”. تغير العالم يا رفاق وحقبة العولمة التي ارعبتكم فتحولتم، تلفظ أنفاسها. ولكن، هل يبقى ماركسياً من يزور قطر للاستشارة، بل تلقي التعليمات وغيرها؟ لقد هزلت حقاً!

إذا كان المؤتمرون ضد العنف في سوريا، سواء من القيادة أم من الأعداء العرب والأجانب وقوى سورية داخلية تقاتل من أجل السلطة، فلماذا يُذكر النظام ولا تُذكر بوضوح كافة الأنظمة التي تمارس العدوان ضد سوريا. على الأقل بوسع النظام القول، وهو حقا الآن، بأنه يدافع عن وطنه، فهل يُدافع الأميركي عن وطنه دمشق والتركي عن بلده اللاذقية؟

لم يقل المؤتمرون شيئاً ضد من ينسقون مع الكيان الصهيوني؟ أليس هذا مؤشراً على طبيعة النظام الذي سيقيمونه إذا دانت البلد لهم؟ أم أن الكيان ذو صلة!

هل إنقاذ سوريا ممكناً دون التمسك بالمقاومة والممانعة؟ فلماذا لم يأت المؤتمرون على ذكرها قط؟ ألا يعني هذا أننا أمام قوى قُطْرية مآلها للاستسلام؟. وهل إنقاذ سوريا ممكنا دون موقف مطلق من المذهبية والطائفية؟ كيف يمكن لشيوعيين واشتراكيين وناصريين أن لا يعلنوا دون مواربة رفض السلفية الوهابية بل ومختلف قوى الدين السياسي؟

ألا يلاحظ المؤتمرون أن جبهة أعداء الوطن السوري تتسع؟ فبعد معارضة اسطنبول المدعومة والممولة من تركيا بقيادة عبد الباسط سيدا والتي اسمها (المجلس الوطني) أو مجلس اسطنبول، ومعارضة قطر بقيادة هيثم المالح الممولة من قطر والمقيمة في القاهرة والمسمّاة (مجلس الأمناء الثوري)، والمعارضة التكفيرية الوهابية بقيادة عدنان العرعور والممولة من السعودية، تستعد القاهرة وبدعم حكومي مصري للإعلان عن (الكتلة الوطنية الجامعة)، فلماذا لم يُذكر هؤلاء في مؤتمر المعارضة، أم أن هؤلاء نماذج ديمقراطية ووطنية؟ وما هو المؤتمر الدولي الذي سيكون هؤلاء فيه في المقاعد الخلفية لعُتاة الغرب الراسمالي؟

إن الدعوة لتغيير النظام دون مؤتمر وطني داخلي وحوار وطني داخلي ودون الذهاب لاستفتاء الشعب، هو إمعان في توسيع نطاق القتل الدموي في سوريا، وهو الأمر الذي يعني أن لا خيار أمام القيادة سوى مواصلة الحسم.

إن معارضة تطرح تغيير النظام بعيدا عن الحوار والاستفتاء والانتخابات والمؤتمر الوطني الداخلي، معارضة لا تعلن وقوفها في صف المقاومة والممانعة، ولا تعلن رفضها لأية علاقة من الكيان الصهيوني والإمبريالية بعمومها، ولا تعلن موقفا عروبياً واضحاً، هي نسخة سورية ل 14 آذار في لبنان.

يدرك كل وطني اليوم أن سوريا هدفاً لتمزيق سوف يأكلها شعباً وأرضا وموقفاً، نساءً قبل الرجال، ولذا لا خيار سوى الصمود والانتصار.