الطاهر المعز
أمريكا:
1 – لا زال يوجد في معتقل غوانتنامو أكثر من خمسين سجين، اختطفتهم أجهزة الدولة الأمريكية (المخابرات)، مباشرة أو بمساعدة أجهزة دول أخرى، مع أكثر من 600 آخرين، على أراضي دول تبعد آلاف الكيلومترات عن أمريكا (باكستان، أفغانستان، اليمن…)… لم توجه أي تهمة لهؤلاء المعتقلين منذ 2001، ولا حق لهم في محاكمة “عادلة” أو محامين، أو زيارات ولا حق لمنظمات حقوق الإنسان في زيارة هؤلاء المساجين، أو مراقبة ظروف اعتقالهم… كل ذلك باسم الديمقراطية التي قد يهددها هؤلاء المعتقلون، أما القانون فهو غائب في هذه الحالة…
2 – غزت محطات قطار الأنفاق في نيويورك معلقات وملصقات إشهارية من الحجم الكبير يقول نصها: انصروا الحضارة ضد الهمج المسلمين، ساندوا الحضارة، انصروا “إسرائيل”، وأقر القضاء شرعية هذه الشعارات العنصرية والإستعمارية، “باسم حرية التعبير”، وحرية التعبير هذه لا يقدر على ممارستها سوى الأثرياء، لأن ثمن حملة كهذه يقدر بعشرات ملايين الدولارات
3 – تجمع في نيويورك حوالي ألف من أنصار مجموعة Occupy Wall Street في الذكرى الأولى لتأسيسها، وأحاط بهم ألف شرطي، مجهز بعتاد “مكافحة الشغب”، ولما حاول المتظاهرون الإقتراب من سوق المال (وول ستريت) تصدت لهم الشرطة واعتقلت 130 منهم، باسم نفس القانون الذي يبيح حمل السلاح ويبيح الحملات العنصرية ضد الفئات الضعيفة من المجتمع
جنوب افريقيا:
أضرب عمال مناجم البلاتين في جنوب افريقيا لمدة شهر وقتلت منهم الشرطة 46 وحوكم 270 أدانهم القضاء بحجة “تعطيل حرية العمل”، وأضرب عمال مناجم الذهب لمدة 10 أيام… أما المطالب فهي زيادة قيمة الرواتب وتحسين ظروف العمل، التي تؤدي إلى حوادث قاتلة سنويا، وأمراض مهنية غير معترف بها، ولا يتجاوز معدل العمر 51 عاما لدى عمال باطن المناجم… وأعلن الرئيس جاكوب زوما، إدانته “للعنف الصادر عن العمال، الذين ستجبرهم الدولة على العودة إلى العمل باسم القانون وباسم المصلحة العليا للبلاد”، لكن العمال صعدوا من احتجاجاتهم، فاضطرت الحكومة وأرباب العمل إلى رفع الأجور بنسبة 22% (عوضا عن 30% كان يطالب بها العمال)… لم يحاسب القانون ولا القضاء أفراد الشرطة (أو قادتهم) الذين قتلوا العمال عمدا بالرصاص، ولا يحاسب القانون الشركات المستغلة للمناجم بسبب عدم توفير أجور زظروف ملائمة للعمل… ما الذي تغير بعد سقوط نظام الميز العنصري ووصول المؤتمر الوطني الافريقي للسلطة منذ 1994؟
فرنسا:
1 – تعاني مجلة “شارلي هبدو” الأسبوعية من مشاكل مالية جراء انخفاض عدد قرائها، فعمدت سنة 2005 إلى إعادة نشر رسوم معادية للمسلمين، وأثارت ضجة إعلامية مكنتها من تحسين وضعها المالي… أعادت الكرة هذه الأيام بنشر رسوم استفزازية (رديئة من الناحية الفنية) مسيئة للمسلمين، مكنتها من مضاعفة مبيعاتها، وساندها في إساءتها كافة الأحزاب البرلمانية (باسم حرية التعبير) والحكومة التي جندت أجهزة الشرطة لحماية مقر المجلة وصحافييها الخ… وطلبت بعض الجمعيات ترخيصا للتظاهر ضد المجلة وضد الشريط المسيء للإسلام، لكن الحكومة الفرنسية رفضت وهددت “باسم القانون” كل من تخول له نفسه بالتجمع أو التظاهر، بالإعتقال بتهمة مساندة الإرهاب، وقامت بمراقبة الأحياء والشوارع وخطوط الهاتف والشبكة الإلكترونية وحاصرت المساجد… كل ذلك باسم القانون ودفاعا عن حرية التعبير، للعنصريين فقط، لمن يهاجم الضعفاء ويهاب الأقوياء…
2 – اختارت الحكومة هذا الظرف لإعلان إعداد قانون جديد “لمكافحة الإرهاب” وسد الثغرات التي اكتشفها الإختصاصيون في القوانين التي لا تحصى “لمكافحة الإرهاب”… وأعلن وزير الداخلية أن الظرف الحالي لا يسمح بالوفاء بوعد قطعه الرئيس “الإشتراكي” الحالي يتمثل في منح حق الإنتخاب للمهاجرين، في الإنتخابات المحلية (وهو وعد كان قطعه الرئيس فرانسوا ميتران، سنة 1981، وأثار نفس التعلة لعدم الوفاء بوعده)، ورد عليه بعض معارضيه بأن الرأي العام الفرنسي لم يكن متقبلا لإلغاء الحكم بالإعدام، ومع ذلك ألغي حكم الإعدام، وفي باب آخر صوت الفرنسيون أثناء استفتاء (أيار 2005) ضد الدستور الأوروبي باعتباره “رأسمالي ليبرالي، يلغي حقوق العمال ومكاسبهم” وأقرت الحكومة رغم ذلك هذا الدستور (وكذا فعلت إيرلندا وهولندا)… فللديمقراطية حدودها التي لا يجب أن تتجاوز مصالح البرجوازية ورأس المال، أما القانون فإنه يمكن تغييره كلما اكتشفت فيه ثغرة يمكن النفاذ من خلالها لكسب بعض الحقوق…
عرب، باسم الرب:
أرسلت أمريكا قوات إضافية (مارينز وقوات خاصة) إلى عدو دول عربية “لحماية سفاراتها”، وستعوض الحكومات الليبية والتونسية واليمنية (وربما المصرية والسودانية) الحكومة الأمريكية عن الخسائر الناجمة عن مهاجمة سفاراتها في طرابلس وتونس وصنعاء والقاهرة والخرطوم، بعد بث شريط يسيء للإسلام والمسلمين… وكل هذه الدول فقيرة (باستثناء ليبيا) وتعاني شعوبها من البطالة والفقر، لكن احترام “الإتفاقات الدولية” ضروري لإبقاء ميزان القوى في صالح الإمبريالية الأمريكية… ورغم مشروعية هذه الإحتجاجات فإننا نلاحظ أن توقيتها يخضع دائما لحسابات أمريكية صهيونية، وأن هؤلاء “المسلمين” أو “السلفيين” (حسب الموضة الجديدة) لا يتظاهرون ضد الكيان الصهيوني أو مساندة للشعب الفلسطيني، أو من أجل مقاطعة البضائع والثقافة والأشرطة الأمريكية، أو لمناهضة التطبيع مع كيان العدو الصهيوني، بل يهاجمون النساء “السافرات” (أي غير المحجبات) والنقابيين والمثقفين والفنانين، والصحافيين من أبناء بلدهم… باسم “القانون الإلاهي” وباسم “الإسلام الحقيقي”، الذي يمثلونه طبعا بتفويض من الله نفسه ومن “السلف الصالح” ومن ابن قيم الجوزية وابن تيمية وحسن البنا وسيد قطب وأبي الأعلى المودودي… وراشد الغنوشي…