في نحت المصطلح وتحرير المعنى: سلام راس المال .. اوسلو ستان .. الأموال الكسولة،

  عادل سمارة

تناقش هذه السلسلة مفاهيم ومصطلحات، وضعتُها واستخدمتُها على فترات متفاوتة، ولا ازعم أنها ثوابتاً لا لديَّ شخصياً ولا لدى الزمن. ولكنها محاولات لإعطاء معنى لأحداث وموضوعات وحتى لمفردات تتطلب ذلك. ليس هذا نحت لغة أخرى مثلاً كما زعمت النسويات الراديكاليات بخلق لغة ضد ذكورية فاصطدمن بحائط أدى إلى الصلع الفكري، ولا كما يزعم من يتهربون من الفكر الشيوعي بتهمة أنه –اوروبي- فيرفضون أدواته في التحليل ويحاولون خلق أدوات أو لغة أخرى، نحن بانتظار إنتاجهم!

اللغة نتاج البشرية، والعبرة في تحميل المعنى وتحرير الأدوات. هذه محاولة لتحرير المعنى من أجل تحرر الإنسان، هي إعلان انفلات اللغة وتحررها من قيود فُرضت عليها سواء من مفكرين/ات أو مؤسسات، اي خروجاً على التعليب. وعليه، فهذه المعاني مفتوحة سواء على تطورها/ تطويرها من الكاتب او اي قارىء.

 

“كنعان”

* * *

 

14) سلام راس المال:

هذا وصف حقيقي لجوهر اتفاق اوسلو وبروتوكول باريس بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني. فهذه الاتفاقات لم تاخذ قط بالاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني في المحتل 1948 لأنها تؤكد اعتراف منظمة التحرير بان المحتل 1948 هو “إسرائيل” وليست ثلاثة ارباع فلسطين. كما ان هذه الاتفاقات قد ابقت على سيطرة الكيان على المحتل 1967 في مستوى الأرض والسيادة. فلم تاخذ سلطة الحكم الذاتي سيادة حقيقية على المحتل 1967 حيث أُعيد انتشار جيش العدو فيها دون ان ينسحب منها واحتفظ الكيان بما يسمى “حق المطارة الساخنة” اي ان يدخل هذه المناطق متى وجد ذلك في مصلحته كي يطارد المقاومين. وحتى الإشراف الإداري لسلطة الحكم الذاتي فهو فقط على منطقة أ فقط اي مسطحات المدن ولا يشمل مناطق ب و ج. وبشكل خاص لا إشراف لهم على منطقة ج وهي 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية اي المساحة الأكبر من الأرض.

كان استنتاجي مبكراً ان هذا “السلام” ليس سلام الشجعان كما وصفه ياسر عرفات، بل سلام راس المال لأن المستفيد الوحيد من الفلسطينيين هي الشرائح الراسمالية الثلاثة: الراسمالية البيروقراطية ممثلة في قيادة منظمة التحرير وهي التي تحولت إلى راسمالية خلال 40 سنة من وضع يدها على تحويل ضرائب فرضتها كيانات النفط على الفلسطينيين العاملين هناك كي تذهب لصالح اليمين في تلك القيادة، هذا إضافة إلى وضع يدها على مختلف مصادر تمويل منظمة التحرير وهو ما حول هذه القيادة إلى فريق راسمالي، ثم شريحة الراسمالية الفلسطينية في الشتات وخاصة التي في الخليج العربي وهي يمكن تسميتها راسمالية مالية، والثالثة الجزء الأكبر من الراسمالية الفلسطينية داخل الأرض المحتلة وخاصة الكمبرادور منها. هذه الشرائح الثلاثة هي التي ايدت هذه التسوية او السلام، وهي التي استفادت منه وليس الشعب الفلسطيني وبالتاكيد بالطبع استفاد منه راس المال الصهيوني بشكل خاص، من هنا اتت التسمية.

 

15) اوسلو ستان:

وأقصد بذلك مناطق الحكم الذاتي المنصوص عليها في اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني. فمناطق الحكم الذاتي هذه جرت تسميتها ب السلطة الفلسطينية في المراسلات الرسمية بين هذه السلطة والكيان، بينما في الأوراق المابين-فلسطينية فيسمونها السلطة الوطنية الفلسطينية أي ان الكيان يمنع رسمياً إستخدام كلمة الوطنية في مراسلات السلطة هذه معه. ليس المقصد هنا الإساءة لهذه السلطة ولكن تبيان جوهر هذه السلطة كي لا ينطلي على الجيل الجديد بان هناك استقلال حقيقي في تسمية السلطة الفلسطينية، حيث قصدت ان هذه السلطة اتت من اتفاق اوسلو ولم تات من عملية تحرير.

فاتفاق أوسلو تتم ترجمته من كثيرين على أنه دولة، وهم انفسهم يسمون الضفة والقطاع باسم فلسطين، و دولة فلسطين. وهما ليسا سوى جزئين صغيرين من فلسطين جرت تسميتهما بمناطق الحكم الذاتي حسب نصوص اتفاق اوسلو، ومن هنا وجدنا الأصح تسميتهما باسم هذه الاتفاقية. إن تطويع وتطبيع القارىء والمواطن والعالم على تسمية الضفة والقطاع فلسطين يعني اقتلاع فلسطين المحتلة من الذاكرة وتكييف الذهن والثقافة على أن المحتل 1948 هو إسرائيل!

16) الأموال الكسولة:

أي تراكم راس المال في بلدان المركز الراسمالي وخاصة في حقبة العولمة وهي اموال تأتت من المضاربات اكثر مما تأتت من العمليات الإنتاجية للاقتصاد الحقيقي. مشكلة هذه الأموال انها تراكمت في ايدي قلة محدودة يتقلص عددها باستمرار ولكنها لا تجد منافذ للاستثمار او التصريف مما زاد تشغيلها في المضاربات وهي نفسها ما يُطلق عليها الفقاعة المالية bubble كناية عن هشاشتها وقابليتها للانفجار. ولعل احد تجلياتها ذلك التقييم العالي جداً لأسعار اسهم الشركات والذي بسبب المضاربة رفع قيمة اسهم الشركات اي قيمة الاقتصاد الحقيقي إلى ثلاثة اضعاف قيمته الفعلية. وتسمية الكسولة اتت من عدم توفر مجالات استثمار إنتاجي لهذه الأموال مما زاد من تراكمها وهشاشة الفقاعة ومن ثم قابليتها للانفجار. ومن بين المنافذ التي تعمل عليها الراسمالية العالمية مؤخرا ولا سيما البنكية هي شراء اراضي في بلدان العالم الثالث بمساحات شاسعة مما يخلق مستوطنات غربية راسمالية هناك وحتى غير غربية، وهي حالة استيطان اخطر من الاستعمار حتى الاستيطاني الراسمالي الأبيض المالوف أو التقليدي لأن الحالة الجديدة ليست استعمار عسكري ولا تطهير عرقي بل شراء وهي ظاهرة إن اتسعب ستشكل حالة عالمية خطيرة وجديدة تستحق قراءة نقدية جادة. فراس المال يعود اليوم بهذه الصيغة إلى مفاهيم الفيزيوقراط التي تاسست على ان الثروة الحقيقية في الزراعة. وفي هذه الظاهرة فإن رأس المال وعلى ضوء تزايد عدد سكان العالم وارتفاع أسعار الغذاء، يدرك بان الأرض هي الأكثر ثباتاً وحفاظاً على اسعارها كعقار.