الدور الاستخباراتى للوكالة الامريكية للتنمية فى مصر وتونس وروسيا ودول العالم،

 عامر راشد

 

الخبر نيوز وكالات كتب عامر راشد

وجهت روسيا الاتحادية صفعة قوية للولايات المتحدة بالكشف عن دور مشبوه لعبته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) باستخدام أموال “في محاولة للتأثير على العملية السياسية بما في ذلك الانتخابات على مختلف المستويات، ومؤسسات المجتمع المدني”، وبناء عليه قرَّرت السلطات الروسية منع أنشطة الوكالة في روسيا اعتبارا من الأول من تشرين الأول/أكتوبر القادم، وأخطرت بهذا وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون.

ويعدُّ القرار الروسي سابقة من نوعها على المستوى الدولي، بعد عقدين من عمل الوكالة في روسيا، أنفقت خلالهما ما يقارب 2.7 مليار دولار أميركي، حسب مصادر أميركية، على مشاريع صحية وبيئية كستار لهدفها الحقيقي، المتمثل في دعم المنظمات غير الحكومية من خلال تقديم منح تخلق أدوات للتدخل الأميركي في الشأن الداخلي الروسي. ومن المتوقع أن يترك القرار الروسي أثاراً سلبية على أنشطة الوكالة في دول العالم، بتوجيه الأنظار إلى خطورة الأثمان السياسية للمساعدات التي تقدمها.

أداة أساسية من أدوات السياسة الخارجية الأميركية

يصف وزير الخارجية الأميركي الأسبق جورج شولتز برنامج المعونات الأميركية في مقدمة التقرير الخاص للخارجية الأميركية عام 1983 أنه “أداة أساسية من أدوات السياسة الخارجية، ويرتبط ارتباطاً مباشراً بأمن أميركا القومي وازدهارها الاقتصادي”. ويجد الوصف ترجمته بربط المساعدات الخارجية الأميركية بدوافع سياسية واقتصادية، من دعم لأنظمة بعينها، أو الاستخدام السلبي للمساعدات لإجبار دول على سياسة ما أو منعها، من خلال شروط، وإن لم تكن معلنة، منها التدخل في نظام الدولة، وتغيير السياسات والأولويات الوطنية، وخلق تداعيات ثقافية تشجع القيم الغربية، واختراق النخب السياسية والفكرية لخلق طبقة من المنتفعين، توظفها الولايات المتحدة في مخططاتها لإعادة هندسة مجتمعات ودول العالم بما يخدم المصالح الأميركية.

وتندرج المهمات التنموية التي تقوم بها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في إطار عمليات تجسس خفية، للحصول على معلومات وأرقام وإحصائيات مهمة، والترويج لسياسات واشنطن، لتنفيذ المهام السرية ضمن برامج خصصت لها كواجهة لجهاز الاستخبارات المركزية الأميركية، مهمتها أضعاف الدول التي تشكل مصدر قلق لسياسات واشنطن، أو لسياسات الدول المتحالفة معها.

وغالباً ما تستخدم المعونات التي تقدمها الوكالة كوسيلة ضغط وابتزاز على الجانب المستفيد من المساعدات، وتعتبر منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، ودول الاتحاد السوفيتي السابق وبلدان أوروبا الشرقية، نموذجاً صارخاً لطبيعة العلاقة وأهداف المساعدات المقدمة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في التآمر على سيادة واستقلال الدول والانتقاص منها. والاستغلال المشروط للمساعدات لإملاء سياسات واشنطن، بجعل استمرار المساعدات مرهوناً بمدى تجاوب هذه الدولة أو تلك مع رغبات ومطالب أميركا أولاً وحلفائها ثانياً، وإفساح المجال لمنظمات المجتمع المحلي المنضوية في البرامج الأمريكية للعمل بحرية ومنحها امتيازات وتسهيلات خاصة.

ذراع استخباراتي

منذ تأسيسها في خمسينيات القرن الماضي عملت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية كذراع للاستخبارات المركزية الأميركية، وكشف عن ذلك الكاتب الأميركي والضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية فيليب آجي، واخترنا ما كتبه آجي لأنه سلط الضوء على الأساليب المتلوية بعمل الوكالة في مرحلة مبكرة، حيث أكد أنها تستخدم ثلاثة أشكال لاختراق منظمات المجتمع المحلي في بلدان العالم:

الشكل الأول: التجنيد الإستخباراتي لعدد من الرموز السياسية للبلد المستهدف، وتمويلهم لاصطناع واجهات منظمات مجتمع مدني ترفع شعارات التغيير السياسي والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان وحماية الأقليات الدينية والعرقية، وتمكين المرأة، والشفافية.. الخ، بوحي من الطروحات السياسية الأميركية والأوروبية الغربية، والتسويق لها.

الشكل الثاني: دعم وتمويل منظمات قائمة بالفعل، والتأثير عليها لاتخاذ مواقف تخدم السياسات الأميركية وتتماشى معها.

الشكل الثالث: دعم معنوي للمنظمات التي ترفع شعارات حقوق الإنسان في بلدان العالم، عن طريق إقامة مؤتمرات دولية وإشراكها فيها، وتوظيف القائمين على تلك المنظمات كمستشارين وأكاديميين في مؤسسات أميركية ودولية، بهدف إعطائهم مواقع مؤثرة في الرأي العام ببلدانهم، وتوجيههم بشكل غير مباشر في خدمة المصالح الأميركية، بتحويلهم إلى طابور خامس ضد مجتمعاتهم وأوطانهم، باستغلال قناعاتهم الشخصية الممزوجة بمصالحهم الخاصة.

وكانت هذه الأشكال الثلاثة فعالة في حقبة “الحرب الباردة” باختراق مجتمعات البلدان الاشتراكية، ومازالت كذلك في تلك البلدان وبلدان العالم الثالث.

حكومات ظل

لقد لعبت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والهيئات النظيرة لها في الولايات المتحدة، دورها باقتدار باجتذاب منظمات المجتمع المحلي في بلدان العالم، وحيث لا توجد منظمات مجتمع محلي أنشأت الوكالة واجهات لها، تحولت في الكثير من البلدان إلى حكومات ظل، تحاول الإمساك بناصية برامج وخطط التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ومن الأمثلة الصارخة على هذه الظاهرة ما كشفت عنه قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع الأهلي المصرية، فقد عللت المديرة السابقة لبرامج الحملات الانتخابية بالمعهد الجمهوري الدولي دولت عيسى استقالتها من المعهد بأنها علمت أن التمويلات، التي يتلقاها المعهد من الخارج، هدفها تدريب بعض الأحزاب التي أسسها فلول نظام مبارك، لتنفيذ مُخطط إفساد الحياة السياسية في مصر والانقلاب على ثورة (25 يناير)، بسقف زمني حتى العام 2015.

وفي تونس قامت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بعد الثورة على نظام بن علي بالعديد من الأنشطة المشبوهة، أخطرها إطلاق برنامج “شبكات المجتمع المدني الإقليمية”، لإنشاء أكبر قاعدة بيانات حول المجتمع التونسي، للارتداد عن منجزات الثورة بتسويق النموذج الأميركي للديمقراطية، وإعادة ربط تونس بالعجلة الأميركية.

وبالنسبة للسلطة الفلسطينية، تشترط الوكالة على المتقدمين للحصول على معونات مادية التعهد بعدم اتخاذ مواقف سياسية معادية للاحتلال، أو تقديم عون لأفراد أو هيئات فلسطينية ضالعة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال.

وموَّلت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مجموعة واسعة من الأنشطة في العراق، بعد احتلاله، تدعو إلى تقسيمه إلى دويلات طائفية وإثنية، وتشجيع النزعات الانفصالية، كما موَّلت مؤتمرات لتفتيت سورية، قبل نشوء الأزمة فيها بسنوات.

لقد أدركت روسيا المخاطر الإستراتيجية لأنشطة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، واستغلالها للأنشطة ولمنظمات المجتمع المحلي الروسية المستفيدة من التمويل، واتخذت قراراً صائباً وحازماً بوقف أنشطة الوكالة، وينطوي هذا على دعوة للبلدان العربية كي تبتر الذراع الخفي للاستخبارات الأميركية.

(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)

:::::

http://www.alkhabrnews.com/view/?q=5987