الطاهر المعز
منذ ستة أشهر، وقع تقسيم مالي وعزل منطقة الشمال (ولايات غاوا وكيدال وتمبكتو)، عن بقية مناطق البلاد، خلال شهر آذار 2012، بالأسلحة التي نهبتها من ليبيا كل من الحركة الوطنية لتحرير آزواد (الطوارق) وأنصار الدين والقاعدة في المغرب الإسلامي، ودفعت فرنسا دول منطقة غرب افريقيا إلى إنشاء قوة عسكرية للتدخل في هذه المنطقة و”إعادة توحيد مالي”، وعملت فرنسا على طرح المسألة في الأمم المتحدة… وأعلنت أمريكا (ظاهريا على الأقل) أنها تفضل حلا سياسيا ولا تميل إلى الحل العسكري، أما الجزائر، التي تقع هذه المنطقة على حدودها الجنوبية فإنها أعلنت منذ البداية عن رفضها لأي حل عسكري ولأي تدخل للقوات الأجنبية، معتبرة أن دول المنطقة قادرة على حل مشاكلها وإدارة شؤونها بنفسها، وكثفت الجزائر اتصالاتها بالصين وروسيا لكي تساندها في التصدي لمقترح الحل العسكري الفرنسي، لكنها طلبت في نفس الوقت من دول غرب افريقيا المنتمية إعلامها بتوقيت الهجوم لتتهيأ لاستقبال اللاجئين… وتسيطر القاعدة والتوحيد والجهاد وأنصار الدين حاليا على منطقة أزواد بالكامل، وتفرض سلطتها على السكان، بقوة السلاح، وتقمع بالسلاح كل محاولات الإحتجاج، مما أثار رعبا لدى السكان استغلته فرنسا للحديث عن “ضرورة حماية المدنيين” ووضعت كل ثقلها الدبلوماسي والسياسي والإقتصادي وضغطت على مالي وبقية دول افريقيا الغربية من أجل الدعوة، بواسطة الأمم المتحدة، إلى تدخل عسكري بإشراف القوات الفرنسية…
تتخوف الجزائر من إشعال نار حرب أهلية داخلها لتغيير نظامها السياسي بالقوة كما حصل في ليبيا ويحصل حاليا في سوريا، خصوصا بعد تهديدات “قطر” المباشرة، بواسطة وزير خارجيتها… فالجزائر على قائمة البلدان التي يمكن أن تثار فيها اضطرابات، خصوصا وأن الوضع داخلها قابل للإنفجار، جراء البطالة المستفحلة والخصخصة والغلاء ومشاكل السكن… وتثير فرنسا وأمريكا من حين لآخر مشاكل “الحريات الدينية” بعد إغراء السكان الفقراء ومنطقة “القبائل” باعتناق أديان ومذاهب متفرعة عن المسيحية مقابل منح وتأشيرات وحوافز مادية، إضافة إلى مشاكل منطقة “القبائل” الفقيرة التي استغلتها الفرق الإسلامية المسلحة، واتخذت منها قاعدة لها، بسبب طبيعتها الجبلية…
فرنسا تمهد لتدخل عسكري
طلبت حكومة مالي (بعد إلحاح فرنسي) يوم 23/09/12 موافقة الأمم المتحدة على نشر قوات عسكرية من دول غرب إفريقيا، بقيادة فرنسا، لمساعدتها على استعادة شمال البلاد ، في حين أعلنت فرنسا عن ”ضرورة مساهمة أوروبا في تسوية عاجلة للنزاع في مالي”… واستخدمت فرنسا قاعدتها العسكرية في السينغال كمحطة لنقل الأسلحة المتطورة، من أسلحة خفيفة وعربات مصفحة وأجهزة اتصال ومدافع ميدان… بقيمة حوالي 80 مليون يورو)، إضافة إلى قافلة شاحنات محملة بتجهيزات لسلاح الهندسة، اتجهت نحو قاعدة “دوري” في “بركينا فاسو”، قرب الحدود مع النيجر، وقبل ذلك، تحركت وحدات من القوات الخاصة الفرنسية، المتواجدة في “تشاد”، قوامها حوالي 200 جندي، مجهزة بأسلحة متطورة ، واستقرت على الحدود المالية النيجيرية، وقامت بتدريبات خاصة بحروب الصحراء، وكان الجيش الفرنسي يرغب في إقامة قاعدة عسكرية في شمال مالي، لكن الجزائر عرقلت هذا المشروع، ووجدت فرنسا الفرصة سانحة اليوم لإعادة إحياء هذا المشروع، الذي لا يرضي أمريكا أيضا، فهي تحاول منذ 2007 إقامة قاعدة عسكرية تابعة لقيادة “أفريكوم”… وتمكنت فرنسا من توريط أسبانيا وإيطاليا وتحاول إقناع ألمانيا بالمشاركة في تمويل مخطط التدخل العسكري وانتشار القوة الإفريقية في شمال مالي بهدف السيطرة عليه… وكانت القوات الخاصة الفرنسية قد شرعت منذ شهر آذار 2012، في تدريب جيوش النيجر وموريتانيا، بغرض مشاركتها في عمليات عسكرية، بإشراف فرنسي، كتبت الصحف الجزائرية أن فرنسا تسارع الخطى في دفعها نحو التدخل العسكري في مالي، لتستبق أمريكا في إقامة قاعدة عسكرية فرنسية هناك ، واستغلال خيرات المنطقة، من نفط وغاز ومعادن ثمينة… وتتعلل فرنسا بمحاربة الإرهاب للقيام “بخطوات سريعة ضد الإسلاميين في شمال مالي، الذين يحتجزون رهائن فرنسيين” حسب وزير الخارجية الفرنسي الذي زار الجزائر خلال شهر أيلول 2012
حذر أمريكي
أرسلت أمريكا قائد قوات “أفريكوم” الجنرال كارتر هام إلى الجزائر، للمرة الثانية خلال خمسة أشهر،، نظرا لدور الجزائر في إنجاح أو إخفاق أي حل يأتي من خارج المنطقة، وتتقارب حاليا وجهات النظر الأمريكية والجزائرية بخصوص الحلول المقترحة لحل أزمة “مالي”، وكلاهما ينظر بعين الريبة إلى المناورات السياسية والعسكرية الفرنسية، خصوصا وأن أمريكا تحاول استخلاص الدروس من احتلالها للعراق وأفغانستان، ولا ترغب في التورط مباشرة في حرب قد تطول، خصوصا في هذه المرحلة من الإنتخابات الرئاسية الأمريكية… واستغلت أمريكا موقف الجزائر، التي عبرت عن رفضها لأي تدخل عسكري أجنبي، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بالتدخل الفرنسي على حدودها الجنوبية، للتقارب معها والبحث عن حل سياسي…
محاولات الجزائر لإنشاء محور مع بكين وموسكو
استغل وزير الخارجية الجزائري انعقاد الدورة 67 للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك، للقاء وزير خارجية روسيا والصين وتطرقت المحادثات، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية، “لبحث الوضع في منطقة الساحل ومالي التي تعيش على وقع أزمة أمنية وإنسانية”، حسب وكالة الأنباء الجزائرية، وكانت الجزائر قد شرعت في الترويج لموقفها الرافض لتدويل الأزمة المالية، منذ مدة تحسبا لنتائج المناورات الفرنسية مع حلفائها في الإتحاد الأوروبي والضغوط التي تمارسها على الدول الافريقية… وتحاول الجزائر إيجاد موقف مشترك مع الصين وروسيا لمواجهة الداعين إلى تدويل الأزمة في “مالي”، سيما بعد استعمال روسيا والصين لحق النقض “الفيتو”، ضد “شرعنة” التدخل العسكري في سوريا تحت غطاء الأمم المتحدة، وترى روسيا والصين “ضرورة مساعدة الأطراف المتنازعة على حل مشاكلهم الداخلية عن طريق الحوار، بعيدا عن أي توظيف للقوة أو الاستقواء بأطراف أجنبية، لاستعادة سلامة الوحدة الترابية لمالي”، وتزامنت المباحثات الجزائرية الروسية، والجزائرية الصينية، مع زيارة وزير الخارجية الفرنسي للجزائر، ومع تصريحاتها الداعية إلى حل عسكري سريع في شمال مالي… لكن يبدو أن روسيا والصين قررا عدم ترك الساحة لفرنسا وأمريكا، ورفضت روسيا ما تردد عن ” إسناد سلاح الجو الفرنسي لقوات غرب افريقيا”…
راجع: الأطماع الإمبريالية في منطقة الصحراء الكبرى – الطاهر المعز – أيار 2012